التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة یس / الآیة 37 ـ 40 1ـ حرکة الشمس (الدورانیة) و(الجریانیة)

هذه الآیات تتحدّث فی قسم آخر من آثار عظمة الله فی عالم الوجود، وحلقة اُخرى من حلقات التوحید التی مرّ منها فی الآیات السابقة ما یتعلّق بالمعاد وإحیاء الأرض المیتة، ونمو النباتات والأشجار.

تقول الآیة الکریمة الاُولى (وآیة لهم اللیل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ).

«نسلخ» من مادّة (سلخ) وتعنی فی الأصل نزع جلد الحیوان، والتعبیر فی الآیة تعبیر لطیف، فکأنّ نور النهار لباس أبیض ألبسه جسد اللیل، یُنزع عنه إذا حلّ الغروب لیبدو لونه الذاتی، والتأمّل فی هذا التعبیر یوضّح هذه الحقیقة، وهی أنّ الظلام هو الطبیعة الأصل للکرة الأرضیة، وأنّ النور والإضاءة صفة عارضة علیها تأتیها من مصدر آخر، فهو کاللباس الذی یرتدى، وحینما یُخلع ذلک الثوب، یظهر اللون الطبیعی للبدن (1) .

هنا یشیر القرآن الکریم إلى ظلمة اللیل، وکأنّه یرید ـ بعد أن تعرّض إلى کیفیة إحیاء الأرض المیتة کآیة من آیات الله فی الآیات السابقة ـ أن یعرض نموذجاً عن الموت بعد الحیاة من خلال مسألة تبدیل النور بظلمة اللیل.

على کلّ حال، فعندما یستغرق الإنسان فی ظلمة اللیل، ویتذکّر النور وبرکاته ونشاطه ومنبعه یتعرّف ـ بتأمّل یسیر ـ على خالق النور والظلام.

الآیة التی بعدها تتعرّض إلى النور والإضاءة وتذکر الشمس فتقول: (والشمس تجری لمستقر لها ) (2) .

هذه الآیة تبیّن بوضوح حرکة الشمس بشکل مستمر، أمّا ما هو المقصود من تلک الحرکة؟ فللمفسّرین أقوال متعدّدة:

قال بعضهم: إنّ ذلک إشارة إلى حرکة الشمس الظاهریة حول الأرض، تلک الحرکة التی ستستمر إلى آخر عمر العالم الذی هو نهایة عمر الشمس ذاتها.

وقال آخرون: إنّه إشارة إلى میل الشمس فی الصیف والشتاء نحو الشمال والجنوب على التوالی، لأنّنا نعلم بأنّ الشمس تمیل عن خطّ إعتدالها فی بدء الربیع بطرف الشمال، لتدخل فی مدار 23 درجة شمالا، وتعود مع بدء الصیف قلیلا قلیلا حتى تنتهی إلى خطّ إعتدالها عند بدایة الخریف وتستمر على خطّ سیرها ذلک باتّجاه الجنوب حتى بدء الشتاء، ومن بدء الشتاء تتحرّک باتّجاه خطّ إعتدالها حتى تبلغ ذلک عند بدء الربیع. وبدیهی أنّ جمیع تلک الحرکات فی الواقع ناجمة عن حرکة الأرض حول الشمس وانحرافها عن خطّ مدارها، وان کانت ظاهراً تبدو وکأنّها حرکة الشمس.

وآخرون اعتبروا الآیة إشارة إلى حرکة الشمس الموضعیة بالدوران حول نفسها، حیث أثبتت دراسات العلماء بشکل قطعی أنّ الشمس تدور حول نفسه (3) .

وآخر وأحدث التفاسیر التی ظهرت بخصوص هذه الآیة، هو ما کشفه العلماء أخیراً من حرکة الشمس مع منظومتها باتّجاه معیّن ضمن المجرة التی تکون المجموعة الشمسیة جزءاً منها، وقیل أنّ حرکتها باتّجاه نجم بعید جدّاً أطلقوا علیه اسم «وجا».

کلّ هذه المعانی المشار إلیها لا تتضارب فیما بینها، ویمکن أن تکون جملة «تجری» إشارة إلى جمیع تلک المعانی ومعانی اُخرى لم یصل العلم إلى کشفها، وسوف یتمّ کشفها فی المستقبل.

وعلى کلّ حال، فإنّ حرکة کوکب الشمس الذی یعادل ملیون ومائتی الف مرّة حجم الأرض، بحرکة دقیقة ومنظمة فی هذا الفضاء اللامتناهی، لیس مقدوراً لغیر الله سبحانه الذی تفوق قدرته کلّ قدرة وبعلمه اللامتناهی، لذا فإنّ الآیة تضیف فی آخرها (ذلک تقدیر العزیز العلیم ).

أمّا آخر ما قیل فی تفسیر هذه الآیة فهو أنّ تعبیر الآیة یشیر إلى نظام السنّة الشمسیة الناشىء عن حرکة الشمس عبر الأبراج المختلفة، ذلک النظام الذی یعطی لحیاة الإنسان نظاماً وبرنامجاً معیّناً یؤدّی إلى تنظیم حیاته من مختلف النواحی.

لذا فإنّ الآیة التالیة تتحدّث عن حرکة القمر ومنازله التی تؤدّی إلى تنظیم أیّام الشهر، وذلک لأجل تکمیل البحث السابق، فتقول الآیة: (والقمر قدّرناه منازل حتى عاد کالعرجون القدیم ).

المقصود بـ (المنازل) تلک المستویات الثمانیة والعشرون التی یطویها القمر قبل الدخول فی «المحاق» والظلام المطلق. لأنّ القمر یمکن رؤیته فی السماء إلى الیوم الثامن والعشرین، ولکنّه یکون فی ذلک الیوم هلالا ضعیفاً مائلا لونه إلى الإصفرار، ویکون نوره قلیلا وشعاعه ضعیفاً جدّاً، وفی اللیلتین الباقیتین من الثلاثین یوماً تنعدم رؤیته تماماً ویقال: إنّه فی دور (المحاق)، ذلک إذا کان الشهر ثلاثین یوماً، أمّا إذا کان تسعة وعشرین یوماً، فإنّ نفس هذا الترتیب سیبدأ من اللیلة السابعة والعشرین لیدخل بعدها القمر فی (المحاق).

تلک المنازل محسوبة بدقّة کاملة، بحیث إنّ المنجّمین منذ مئات السنین یستطیعون أن یتوقّعوا تلک المنازل ضمن حساباتهم الدقیقة.

هذا النظام العجیب ینظّم حیاة الإنسان من جهة، ومن جهة اُخرى فهو تقویم سماوی طبیعی لا یحتاج إلى تعلّم القراءة والکتابة لمتابعته، بحیث إنّ أیّ إنسان یستطیع بقلیل من الدقّة والدرایة فی أوضاع القمر خلال اللیالی المختلفة... وبنظرة واحدة أن یحدّد بدقّة أو بشکل تقریبی أیّة لیلة هو فیها.

ففی اللیلة الاُولى یظهر الهلال الضعیف وطرفاه إلى الأعلى، ویزداد حجمه لیلة بعد لیلة حتى اللیلة السابعة حیث تکتمل نصف دائرة القمر، ثمّ تستمر الزیادة حتى تکتمل الدائرة

الکاملة للقمر فی اللیلة الرابعة عشرة ویسمّى حینئذ «بدراً». ثمّ یبدأ بالتناقص تدریجیاً حتى اللیلة الثامنة والعشرین حیث یصبح هلالا باهتاً یشیر طرفاه إلى الأسفل.

نعم، فإنّ النظم یشکّل أساس حیاة الإنسان، والنظم بدون التعیین الدقیق للزمن لیس ممکناً، لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى قد وضع لنا هذا التقویم الدقیق للشهور والسنین فی کبد السماء.

بعد إستعراضنا لأشکال القمر ومنازله یتّضح تماماً معنى الجملة التالیة (حتى عاد کالعرجون القدیم ) (4) .

وفی الحقیقة فإنّ الشبه بین العرجون والهلال من جوانب عدیدة: من ناحیة الشکل الهلالی، ومن ناحیة اللون الأصفر، والذبول، وإشارة الأطراف إلى الأسفل، وکونه فی وسط دائرة مظلمة تکون فی حالة العرجون منسوبة إلى سعف النخل الأخضر، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة.

والوصف بـ (القدیم) إشارة إلى کون العرجون عتیقاً، فکلّما مرّ علیه زمن وتقادم أکثر أصبح ضعیفاً وذابلا واصفّر لونه وأصبح یشبه الهلال کثیراً قبل دخوله المحاق.

وسبحان الله فقد تضمّن تعبیر واحد قصیر کلّ تلک الظرافة والجمال؟

الآیة الأخیرة من هذه الآیات، تتحدّث عن ثبات ودوام ذلک النظم فی السنین والشهور، والنهار واللیل، فقد وضع الله سبحانه وتعالى لها نظاماً وبرنامجاً لا یقع بسببه أدنى اضطراب أو إختلال فی وضعها وحرکتها، وبذا ثبت تاریخ البشر وإنتظم بشکل کامل، تقول الآیة: (لا الشمس ینبغی لها أن تدرک القمر ولا اللیل سابق النهار وکلّ فی فلک یسبحون ).

من المعلوم أنّ الشمس تطوی فی دورانها خلال العام الأبراج الإثنی عشر، فی حین أنّ القمر یطوی منازله خلال شهر واحد، وعلیه فحرکة القمر أسرع من حرکة الشمس فی مدارها إثنتی عشرة مرّة، لذا فإنّ الآیة تقول بأنّ الشمس بحرکتها لا یمکنها أن تدرک القمر فی حرکته فتقطع فی شهر واحد ما تقطعه فی سنة واحدة. وبذا یختلّ النظام السنوی لها.

کما أنّ اللیل لا یتقدّم على النهار، بحیث یدخل جزء منه فی النهار، فیختلّ النظام الموجود، بل إنّهما ـ على مدى ملایین السنین ـ ثابتان على مسیرهما دون أدنى تغییر.

یتّضح ممّا قلنا أنّ المقصود من حرکة الشمس فی هذا البحث، هی الحرکة بحسب حِسّنا بها، والملفت للنظر هنا، هو أنّ هذا التعبیر عن حرکة الشمس ظلّ یستعمل حتى بعد أن ثبت للجمیع بأنّ الشمس هی المرکز الثابت لحرکة الأرض حولها، فمثلا یقال: إنّ الشمس قد تحوّلت إلى برج الحمل، أو یقال: وصلت الشمس إلى دائرة نصف النهار، أو أنّ الشمس بلغت المیل الکامل (المیل الکامل هو بلوغ الشمس إلى أقصى نقطة إرتفاع لها فی نصف الکرة الأرضیة الشمالی فی بدایة الصیف أو بالعکس أدنى نقطة إنخفاض فی بدایة الشتاء).

هذه التعبیرات تدلّل دوماً على أنّه حتى بعد أن تمّ الکشف عن دوران الأرض حول الشمس وثبات الأخیرة ظلّت تستخدم، لأنّ النظر الحسّی یستشعر حرکة الشمس وثبات الأرض، ومن هنا تستعمل هذه التعبیرات، وعلى هذا أیضاً یکون قوله تعالى: (وکلّ فی فلک یسبحون ).

کذلک یحتمل أن یکون المقصود من (السباحة) هنا حرکة الشمس فی فلکها مع المنظومة الشمسیة والمجرّة التی نحن فیها، حیث إنّ الثابت علمیاً حالیاً أنّ المنظومة الشمسیة التی نعیش فیها جزء من مجرّة عظیمة هی بدورها فی حالة دوران. إذ إنّ «فلک» کما یقول أرباب اللغة بمعنى: بروز وإستدارة ثدی البنت، ثمّ اُطلقت على القطعة المدوّرة من الأرض أو الأشیاء المدوّرة الاُخرى أیضاً، ومنه اُطلق على مسیر الکواکب الدورانی.

جملة (کلّ فی فلک یسبحون ) فی إعتقاد الکثیر من المفسّرین، إشارة إلى کلّ من الشمس والقمر والنجوم الاُخرى التی تتّخذ لنفسها مسارات ومدارات، وإن لم یرد ذکر النجوم فی الآیة، ولکن بملاحظة ذکر «اللیل» وإقتران ذکر النجوم مع القمر والشمس، لا یستبعد المعنى المذکور، خاصّة وأنّ «یسبحون» ورد بصیغة الجمع.

وکذلک یحتمل أن تکون الجملة إشارة إلى کلّ من الشمس والقمر واللیل والنهار، لأنّ کلا من اللیل والنهار له مدار خاص، ویدور حول الأرض بدقّة، فالظلام یغطّی نصف الکرة الأرضیة دوماً، والنور یغطّی النصف الآخر منها، وهما یتبادلان المواضع خلال أربع وعشرین ساعة ویتّمان دورة کاملة حول الأرض.

«یسبحون» من مادة «سباحة» وهی کما یقول «الراغب» فی المفردات: المرّ السریع فی

الماء والهواء، واستعیر لحرکة النجوم فی الفلک. والتسبیح تنزیه الله تعالى، وأصله المرّ السریع فی عبادة الله! ولذا فإنّها فی الآیة إشارة إلى الحرکة السریعة للأجرام السماویة، والآیة تشبهها بالموجودات العاقلة المستمرة فی دورانها، وقد ثبت حالیاً أنّ الأجرام السماویة تنطلق بسرعة هائلة فی الفضاء.


1. الراغب فی «المفردات» یقول: السلخ نزع جلد الحیوان، یقال سلخته فانسلخ، وعنه استعیر سلخت درعه نزعتها، وسلخ الشهر وانسلخ، ولکن بعض المفسّرین یقولون: إنّ ذلک فی حالة تعدّی «سلخ» بحرف الجرّ «عن» وإذا تعدّى بالحرف «من» یکون بمعنى الإخراج، ولکن لیس من دلیل واضح فی کتب اللغة على هذا التفاوت ـ على ما نعلم ـ وإن کان «لسان العرب» یقول: «إنسلخ النهار من اللیل خرج منه خروجاً» والظاهر أنّ هذا مأخوذ من المعنى الأوّل.
2. هذه الجملة لها إعرابان، فإمّا أن تکون معطوفة على «اللیل» والتقدیر «وآیة لهم الشمس»، وإمّا أن تکون مبتدأ وخبر، فالشمس مبتدأ و (تجری) خبر، وقد اخترنا الإعراب الأوّل.
3. طبق هذا التّفسیر فإنّ (اللام) فی «لمستقر لها» بمعنى «فی» ویکون التقدیر «فی مستقر لها».
4. «عرجون» کما قال أغلب المفسّرین وأهل اللغة: من الإنعراج وهو الإعوجاج والإنعطاف، وعلیه فالنون زائدة وهو على وزن فعلون، ویعتقد آخرون أنّه مأخوذ من «عرجن» فالنون لیست زائدة، وبمعنى: أصل عنقود الرطب المتّصل بالنخلة، وتوضیح ذلک أنّ الرطب یظهر على شکل عنقود من النخلة، وأصل ذلک العنقود یکون على شکل مقوّس أصفر اللون یبقى معلّقاً فی النخلة، و «قدیم»: بمعنى العتیق الذی مضى زمنه.
سورة یس / الآیة 37 ـ 40 1ـ حرکة الشمس (الدورانیة) و(الجریانیة)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma