صیحة النشور !

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة یس / الآیة 48 ـ 53 أصحاب الجنّة فاکهون!

بعد ذکر المنطق الأجوف والذرائع التی تشبّث بها الکفّار فی مسألة الإنفاق فی الآیات السابقة، تتعرّض هذه الآیات إلى الحدیث عن إستهزائهم بالقیامة، لتنسف بجواب قاطع منطقهم الفارغ حول إنکار المعاد.

مضافاً إلى أنّها تکمل بحوث التوحید التی مرّت فی الآیات السابقة بالبحث حول المعاد.

تقول الآیة الکریمة الاُولى: (ویقولون متى هذا الوعد إن کنتم صادقین ). فإذا لم تستطیعوا تشخیص زمان دقیق لقیام الساعة، فمعنى هذا أنّکم لستم بصادقین فی حدیثکم.

الآیة التالیة ترد على هذا التساؤل المقرون بالسخریة بجواب قاطع حازم، وتخبرهم بأنّ قیام الساعة لیس بالأمر المعقّد أو المشکل بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى: (ما ینظرون إلاّ صیحة واحدة تأخذهم وهم یخصّمون ).

فکلّ ما یقع هو صیحة سماویة کافیة لأن تقبض فیها أرواح جمیع المتبقّین من الناس على سطح الأرض بلحظة واحدة وهم على حالهم، وتنتهی هذه الحیاة الملیئة بالصخب

والدعاوى والمعارک والحروب، لیتخلّف وراءها صمت مطبق، وتخلو الأرض من أىّ صوت أو إزعاج.

وفی حدیث عن الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما یتبایعانه فما یطویانه حتى تقوم، والرجل یرفع أکلته إلى فیه فما تصل إلى فیه حتى تقوم، والرجل یلیط حوضه لیسقی ماشیته فما یسقیها حتى تقوم» (1) .

جملة «ما ینظرون» هنا بمعنى «ما ینتظرون»، فکما یقول (الراغب) فی مفرداته «النظر تقلیب البصر والبصیرة لإدراک الشیء ورؤیته، وقد یراد به التأمّل والفحص، وقد یراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الرویّة، والنظر الانتظار».

«صیحة» صاح: رفع الصوت، وأصله تشقیق الصوت من قولهم انصاح الخشب أو الثوب إذا انشقّ فسمع منه صوت، وصیح الثوب کذلک، ویقال: بأرض فلان شجر قد صاح، إذا طال فتبیّن للناظر لطوله، ودلّ على نفسه بصوته.

«یخصّمون» من مادّة «خصم» بمعنى النزاع.

أمّا فیم کانوا یختصمون؟ لم تذکر الآیة ذلک، ولکن من الواضح أنّ المقصود هو التخاصم على أمر الدنیا والاُمور المعیشیة الاُخرى، ولکن البعض یرى: إنّه تخاصم فی أمر «المعاد»، والمعنى الأوّل أنسب على ما یبدو، وإن کان اعتبار شمول الآیة لکلا المعنیین، وأی نوع من النزاع والخصومة لیس ببعید.

ومن الجدیر بالملاحظة أنّ الضمائر المتعدّدة فی الآیة جمیعها تعود على مشرکی مکّة الذین کانوا یشکّکون فی أمر المعاد، ویستهزئون بذلک بقولهم: متى تقوم الساعة؟

ولکن المسلّم به أنّ الآیة لا تقصد أشخاص هؤلاء، بل نوعهم «نوع البشر الغافلین عن أمر المعاد» لأنّهم ماتوا ولم یسمعوا تلک الصیحة السماویة أبداً «تأمّل بدقّة»!!

على کلّ حال، فإنّ القرآن بهذا التعبیر القصیر والحازم إنّما أراد تنبیههم إلى أنّ القیامة ستأتی وبشکل غیر متوقّع، هذا أوّلا. وأمّا ثانیاً فإنّ قیام الساعة لیس بالموضوع المعقّد بحیث یختصمون ویتنازعون فیه، فبمجرّد صیحة واحدة ینتهی کلّ شیء وتنتهی الدنیا بأسرها.

لذا فهو تعالى یضیف فی الآیة التالیة قائلا: (فلا یستطیعون توصیةً ولا إلى أهلهم یرجعون ).

فی العادة فإنّ الإنسان حینما تلم به حادثة ویحسّ بعدها بقرب أجله، یحاول جاهداً أن یوصل نفسه إلى أهله ومنزله ویستقرّ بین عیاله، ثمّ یقوم بإنجاز بعض الاُمور المعلّقة، ویعهد بأبنائه أو متعلّقیه إلى من یثق به عن طریق الوصیّة أو غیر ذلک. ویوصی بإنجاز بعض الاُمور الاُخرى.

ولکن هل تترک الصیحة السماویة فرصة لأحد؟ ولو سنحت الفرصة فرضاً فهل یبقى أحد حیّاً لیستمع الوصیّة، أو یجتمع الأولاد مع اُمّهم على سریر الأب ـ مثلا ـ ویحتضنونه ویحتضنهم لکی یسلم الروح بطمأنینة؟ لا أبداً، فلا إمکان لأىّ من هذه الاُمور.

وما نلاحظه من تنکیر التوصیة فی التعبیر القرآنی هنا إنّما هو إشارة إلى أنّ الفرصة لا تسنح حتى لوصیة صغیرة أیضاً.

ثمّ تشیر الآیات إلى مرحلة اُخرى، مرحلة الحیاة بعد الموت. فتقول: (ونفخ فی الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربّهم ینسلون ).

التراب والعظام الرمیم تلبس الحیاة من جدید، وتنتفض من القبر بشراً سویّاً، لیحضر المحاکمة والحساب فی تلک المحکمة العظیمة المهولة، وکما أنّهم ماتوا جمیعاً بصیحة واحدة، فبنفخة واحدة یبعثون أحیاء من جدید، فلا هلاکهم یشکّل عقبة أمام قدرة الله سبحانه وتعالى، ولا حیاتهم کذلک، تماماً کما هو الحال فی جمع الجنود فی الجیوش، بنفخة بوق واحدة ینهضون جمیعاً من فرشهم ویخرجون من خیمهم، ویقفون فی صفّ واحد، وإحیاء الموتى وبعثهم بالنسبة إلى الله سبحانه بهذه البساطة والسرعة.

«أجداث» جمع «جدث» وهو القبر، والتعبیر یشیر بوضوح إلى أنّ للمعاد جنبة جسمانیة بالإضافة إلى الجنبة الروحیة، وأنّ الجسد یعاد بناؤه جدیداً من نفس المواد السابقة.

واستخدام صیغة الماضی فی الفعل «نفخ» إشارة إلى عدم وجود أدنى شکّ فی وقوع مثل هذا الأمر، وکأنّه لثباته وحتمیته قد وقع فعلا.

«ینسلون» من مادّة «نسل» والنسل الإنفصال عن الشیء ـ کما یقول الراغب فی المفردات ـ یقال: نسل الوبر عن البعیر والقمیص عن الإنسان، و.. ومنه نسل إذا عدا، والنسل الولد لکونه ناسلا عن أبیه.

وقوله تعالى: (ربّهم ) کأنّها تلمیح إلى أنّ ربوبیة ومالکیة وتربیة الله کلّها توجب أن یکون هناک حساب وکتاب ومعاد.

وعلى کلّ حال، فإنّه یستفاد من الآیات القرآنیة أنّ نهایة هذا العالم وبدایة العالم الآخر یکون کلاهما على شکل حرکة عنیفة وغیر متوقّعة، وسوف نتعرّض إلى تفصیل هذا الموضوع فی تفسیر الآیة 68 من سورة الزمر إن شاء الله.

تضیف الآیة التالیة: (قالوا یاویلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ).

نعم فإنّ المشهد مهول ومذهل إلى درجة أنّ الإنسان ینسى جمیع الخرافات والأباطیل ولا یتمکّن إلاّ من الإعتراف الواضح الصریح بالحقائق، الآیة تصوّر القبور «بالمراقد» والنهوض من القبور (بالبعث) کما ورد فی الحدیث المعروف «کما تنامون تموتون وکما تستیقظون تبعثون».

ففی البدء یستغربون إنبعاثهم ویتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ ولکنّهم یلتفتون بسرعة ویتذکّرون بأنّ أنبیاء الله الصادقین، وعدوهم بمثل هذا الیوم، فیجیبون أنفسهم قائلین: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ) ولکن وا أسفاه إنّنا کنّا نستهزىء بکلّ ذلک!!

وعلیه فإنّ هذه الجملة هی بقیّة حدیث هؤلاء المتکبّرین الکفرة بالمعاد والبعث، ولکن البعض ذهب إلى أنّه حدیث الملائکة أو المؤمنین، وذلک على ما یبدو خلاف ظاهر الآیة، ولا داعی ولا ضرورة له، لأنّ إعتراف الکفّار والمنکرین للمعاد فی ذلک الیوم لا ینحصر بهذه الآیة، ففی الآیة 97 من سورة الأنبیاء (واقترب الوعد الحقّ فإذا هی شاخصة أبصار الذین کفروا یاویلنا قد کنّا فی غفلة من هذا بل کنّا ظالمین ).

وعلى کلّ حال، فإنّ التعبیر بـ «مرقد» (2) یوضّح أنّهم فی عالم البرزخ کانوا بحالة شبیهة بالنوم العمیق، وکما ذکرنا فی تفسیر الآیة 100 من سورة «المؤمنون»، فإنّ البرزخ بالنسبة إلى أکثر الناس الذین هم على الوسط من الإیمان أو الکفر هو حالة شبیهة بالنوم، وفی حال المؤمنین أصحاب المقامات الرفیعة، أو الکفّار الموغلین فی الکفر والجحود فإنّ البرزخ بالنسبة إلیهم عالم واضح المعالم، وهم فیه أیقاظ یهنأون فی النعیم أو یصطرخون فی العذاب.

احتمل بعضهم أیضاً أنّ هول ودهشة القیامة شدیدان إلى درجة أنّ العذاب فی البرزخ یکون شبه النوم بالنسبة إلى ما یرونه فی القیامة.

ثمّ تقول الآیة لبیان سرعة النفخة: (إن کانت إلاّ صیحة واحدة فإذا هم جمیع لدینا محضرون ).

وعلیه فإحیاء الموتى وبعثهم من القبور وإحضارهم فی محکمة العدل الإلهی لا یحتاج إلى مزید وقت، کما کان الأمر عند هلاکهم، فالصیحة الاُولى للموت، والصیحة الثانیة للحیاة والحضور فی محکمة العدل الإلهی.

وإستخدام تعبیر «الصیحة» والتأکید علیها بـ «واحدة» وکذلک التعبیر بـ «إذا» فی مثل هذه الموارد، إنّما هو للإشارة إلى وقوع غیر المتوقّع، والتعبیر بـ (هم جمیع لدینا محضرون )بصیغة الجملة الاسمیة دلیل على الوقوع السریع لهذا المقطع من القیامة.

واللهجة الحازمة لهذه الآیات تترک أعمق الأثر فی القلوب، وکأنّ هذه الصیحة تقول: یاأیّها الناس النائمون، أیّتها الأتربة المتناثرة، أیّتها العظام البالیة! انهضوا... انهضوا واستعدّوا للحساب والجزاء... فما أجمل الآیات القرآنیة، وما أروع إنذاراتها المعبّرة!!


1. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 427. وذکرت هذه الروایة بتفاوت قلیل فی تفسیر القرطبی وتفسیر روح المعانی وغیرهما.
2. یأتی تارةً بمعنى اسم مکان، واُخرى اسم للنوم، أی مصدر میمی.
سورة یس / الآیة 48 ـ 53 أصحاب الجنّة فاکهون!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma