الکثیر من المذاهب الوضعیة تنصح أتباعها بعدم مطالعة ومناقشة مواضیع آراء بقیة المذاهب، إذ إنّهم یخافون من أن تکون حجّة الآخرین أقوى من حجّتهم الضعیفة فیؤدّی ذلک إلى فقدان أتباعهم.
إلاّ أنّ الإسلام ـ کما شاهدنا فی الآیات المذکورة أعلاه ـ ینتهج سیاسة الأبواب المفتوحة فی هذا المجال، إذ یعتبر المحققین هم عباد الله الحقیقیین الذین لا یرهبون سماع آراء الآخرین، ولا یستسلمون لشیء من دون أی قید أو شرط، ولا یتقبّلون کلّ وسواس.
الإسلام الحنیف یبشّر الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه، الذین لا یکتفون بترجیح الجیّد على السىّء، وإنّما ینتخبون الأحسن ثمّ الأحسن من کلّ قول ورأی.
ویوبّخ ـ بشدّةـ الجهلة الذین یضعون أصابعهم فی آذانهم ویستغشون ثیابهم کلما سمعوا صوت الحق، کما ورد فی قول نوح (صلى الله علیه وآله)عندما شکى قومه للباریء عزّوجلّ: (و إنّی کلّما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فی آذانهم واستغشوا ثیابهم وأصرّوا واستکبروا استکباراً ) (1) .
واساساً فإنّ المذهب القوی الذی یملک منطقاً قویاً لا یرهب أقوال الآخرین، ولا یخاف من طرح آراء تلک المذاهب، لأنّه أقوى منها وهی التی ینبغی أن تخافه.
هذه الآیة وضعت، الذین یتبعون أیّ قول یقال لهم من دون أیّ تفکیر فی مدى صدقه، وحتى أنّهم لا یحققون ولا یبحثون فیه بقدر ما تبحث الأغنام عن الغذاء الجید فی المراعی، وضعتهم خارج صف (أولوا الألباب) والذین (هداهم الله). فهاتان الصفتان تختصّان بالذین لم یبتلوا بالإستسلام المفرط من دون أیّ قید أو شرط، والذین لم یفرطوا فی تعصّبهم الجاهلی الأعمى.
1. نوح، 7.
