الأنبیاء الستّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 45 ـ 48 سورة ص / الآیة 49 ـ 54

متابعة للآیات السابقة التی تطرّقت بإختصار إلى حیاة (داود) و(سلیمان) وبصورة أکثر إختصاراً لحیاة (أیّوب) إذ بیّنت أهم النقاط البارزة فی حیاة هذا النّبی الکبیر، تستعرض آیات بحثنا هذا أسماء ستّة من أنبیاء الله، وتوضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التی یمکن أن تکون اُنموذجاً حیّاً لکلّ بنی الإنسان.

والذی یلفت الإنتباه، هو أنّ هذه الآیات إستعرضت ستّ صفات مختلفة لاُولئک الأنبیاء الستّة، ولکلّ صفة معناها ومفهومها الخاصّ بها.

ففی البدایة تخاطب رسول الله (صلى الله علیه وآله) (واذکر عبادنا إبراهیم وإسحاق ویعقوب ).

مقام العبودیة هو أوّل میزة لاُولئک الأنبیاء، وحقّاً فإنّ کلّ شیء جمع فی هذه الصفة فالعبودیة لله تعنی التبعیة المطلقة له، وتعنی الاستسلام الکامل لإرادته، والإستعداد لتنفیذ أوامره فی کلّ الأحوال.

العبودیة لله تعنی عدم الاحتیاج لغیره، وعدم التوجّه لسواه، والتفکیر بلطفه ورحمته فقط، هذا هو أوج تکامل الإنسان وأفضل شرف له.

ثمّ تضیف الآیة: (اُولی الأیدی والأبصار ).

إنّه لتعبیر مثیر للعجب؟ أصحاب الأیدی والأبصار!

«أیدی» جمع (ید)، و(أبصار) جمع (بصر).

الإنسان یحتاج إلى قوّتین لتحقیق أهدافه، الاُولى قوّة الإدراک والتشخیص، والثانیة حسن الأداء، وبعبارة اُخرى: یجب علیه الاستفادة من (العلم) و(القدرة) للوصول إلى أهدافه.

وقد وصف الباریء عزّوجلّ أنبیاءه بأنّهم ذوو إدراک وتشخیص وبصیرة قویّة، وذوو قوّة وقدرة کافیة لإنجاز أعمالهم.

إنّ هؤلاء الأنبیاء على مستوى عال من المعرفة، وأنّ مستوى علمهم بشریعة الله وأسرار الخلق وخفایا الحیاة لا یمکن تحدیده.

أمّا من حیث الإرادة والتصمیم وحسن الأداء، فإنّهم غیر کسولین أو عاجزین أو ضعفاء، بل هم أشخاص ذوو إرادة قویّة وتصمیم راسخ، إنّهم قدوة لکلّ السائرین فی طریق الحقّ، فبعد مقام العبودیة الکامل لله تعالى، تسلّحوا بهذین السلاحین القاطعین.

وممّا یستنتج من هذا الحدیث أنّه لیس المراد من الید والعین أعضاء الحسّ التی یمتلکها غالبیة الناس، لأنّ هناک الکثیرین ممّن یمتلکون هذین العضوین لکنّهم لا یمتلکون الإدراک والشعور الکافی، ولا القدرة على التصمیم، ولا حسن الأداء فی العمل، وإنّما هی کنایة عن صفتین هما (العلم والقدرة).

أمّا الصفة الرابعة لهم فیقول القرآن بشأنها: (إنّا أخلصناهم بخالصة ذکرى الدّار ) (1) .

نعم، إنّهم یتطلّعون إلى عالم آخر، واُفق نظرهم لا ینتهی عند الحیاة الدنیا ولذّاتها المحدودة، بل یتطلّعون إلى ما وراءها من حیاة أبدیة ونعیم دائم، ولهذا یبذلون الجهد ویسعون غایة السعی لنیلها.

وعلى هذا فإنّ المراد من کلمة (الدار) هی الدار الآخرة، لأنّه لا توجد دار غیرها، وإن وجدت فما هی إلاّ جسر أو ممرّ یؤدّی إلى الآخرة فی نهایة الأمر.

بعض المفسّرین احتملوا أن یکون المراد من الدار هنا دار الدنیا، وعبارة (ذکرى الدّار )إشارة إلى الذکر الحسن الباقی لاُولئک الأنبیاء فی هذه الدنیا، وهذا الاحتمال مستبعد جدّاً، وخاصّة أنّ کلمة (الدار) جاءت بشکل مطلق، وکذلک لاتتناسب مع کلمة (ذکرى).

والبعض الآخر احتمل أنّ المراد هو ذکرهم الحسن والجمیل فی دار الآخرة، وهذا مستبعد أیضاً.

وعلى أیّة حال، فلعلّ الإنسان یتذکّر الآخرة بین حین وآخر، خاصّة عند وفاة أحد أصدقائه أو مشارکته فی مراسم التشییع أو مجالس الفاتحة، وهذا الذکر لیس خالصاً وإنّما هو مشوب بذکر الدنیا، أمّا عباد الله المخلصون فإنّ لهم توجّهاً خالصاً وعمیقاً ومستمراً بالنسبة للدار الآخرة، فهی على الدوام تتراءى أمام أعینهم، وعبارة (خالصة) فی الآیة إشارة إلى هذا المعنى.

الصفتان الخامسة والسادسة جاءتا فی الآیة التالیة (وإنّهم عندنا لمن المصطفین الأخیار ) (2) .

إنّ إیمانهم وعملهم الصالح کانا السبب فی إصطفاء الباریء عزّوجلّ لهم من بین الناس لأداء مهام النبوّة وحمل الرسالة، وعملهم الصالح وصل إلى درجة. استحقّوا بحقّ إطلاق کلمة (الأخیار) علیهم، فأفکارهم سلیمة، وأخلاقهم رفیعة، وتصرفاتهم وأعمالهم طوال حیاتهم متّزنة، ولهذا السبب فإنّ بعض المفسّرین یستفیدون من هذه العبارة بأنّ الله سبحانه وتعالى اعتبر اُولئک أخیاراً من دون أی قید وشرط، کدلیل على عصمة الأنبیاء، لأنّه متى ما کان وجود الإنسان کلّه خیراً، فمن المؤکّد أنّه معصوم (3) .

عبارة (عندنا) ملیئة بالمعانی العمیقة، وتشیر إلى أنّ إصطفاءهم وإعتبارهم من الأخیار لم یتمّ وفق تقییم الناس لهم، التقییم الذی لا یخلو من التهاون وغضّ النظر عن کثیر من الاُمور، وإنّما تمّ بعد التحقّق من کونهم أهلا لذلک وبعد تقییمهم ظاهریاً وباطنیاً.

وبعد أن أشارت الآیة السابقة إلى مقام ثلاثة أنبیاء بارزین، تشیر الآیة التالیة، إلى ثلاثة آخرین، إذ تقول: (واذکر إسماعیل والیسع وذا الکفل کلّ من الأخیار ).

فکلّ واحد منهم کان مثالا واُسوة فی الصبر والإستقامة وطاعة أوامر الباریء عزّوجلّ، خاصّة «إسماعیل» الذی کان على إستعداد کامل للتضحیة بروحه فی سبیل الله، ولهذا السبب اُطلق علیه لقب (ذبیح الله) وهو الذی ساهم مع والده إبراهیم (علیه السلام) فی بناء الکعبة الشریفة وتثبیت اُسس التجمّع العظیم الذی یتمّ فی موسم الحجّ کلّ عام.

وإستعراض آیات القرآن الکریم لحیاة اُولئک العظام لیستلهم منها رسول الله (صلى الله علیه وآله) وکلّ المسلمین العبر، ومطالعة حیاة أمثال هؤلاء الرجال العظام توجّه حیاة الإنسان، وتبعث فیه روح التقوى والتضحیة والإیثار، وتجعله فی نفس الوقت صابراً صامداً أمام المشاکل والحوادث الصعبة.

عبارة (کلّ من الأخیار ) تشیر إلى أنّ الأنبیاء الثلاثة (إسماعیل، والیسع، وذو الکفل) تنطبق علیهم کافّة الصفات التی وصف بها الأنبیاء الثلاثة السابقون (إبراهیم، وإسحاق، ویعقوب) الذین اُطلقت علیهم الآیة السابقة صفة (الأخیار)، کما أنّ (الخیر المطلق) له معان واسعة تشمل (النبوّة) و(الدار الآخرة) و(مقام العبودیة) و(العلم والقدرة).

أمّا (الیسع) فقد ورد إسمه مرتین فی القرآن المجید، إحداها فی هذه السورة، والاُخرى فی الآیة 86 من سورة الأنعام، وما جاء فی القرآن الکریم یوضّح أنّه من الأنبیاء الکبار ومن الذین یقول عنهم القرآن فی آیاته: (وکلاّ فضّلنا على العالمین ). (4)

البعض یعتقد أنّ (الیسع) هو (یوشع بن ذنون) أحد أنبیاء بنی إسرائیل المعروفین، وقد دخلت الألف واللام على اسمه کما اُبدلت الشین بالسین، ودخول الألف واللام على الاسم غیر العربی (وهذا اسم عبری) أمر غیر جدید، فمثلها مثل (إسکندر) التی تلفظ وتکتب بالعربیة (الإسکندر) إذ هو نوع من التقریب.

فی حین أنّ البعض یعتبرها کلمة عربیة مشتقّة من (یسع) والتی هی فعل مضارع مشتقّ من (وسعت) ولتحویله إلى إسم اُضیف إلیه الألف واللام.

الآیة 86 من سورة الأنعام بیّنت أنّه من ذریّة إبراهیم، ولکن لم تبیّن إن کان من أنبیاء بنی إسرائیل، أم لا؟

أمّا فصل الملوک فی کتاب التوراة فقد جاء فیه أنّ إسمه (الیشع) بن (شافات)، ومعنى (الیشع) فی اللغة العبریة هو (الناجی) فیما تعنی (الشافات) (القاضی).

وقد إعتبر قسم آخر أنّه (الخضر) ولم یتوفّر بعد أیّ دلیل واضح على هذا القول.

واعتبر قسم آخر أنّه (ذو الکفل) وهذا الکلام مخالف بوضوح لما جاء فی الآیة مورد بحثنا، لأنّ ذا الکفل معطوفاً على الیسع.

وعلى أیّة حال، فإنّ الیسع هو نبی له مقام رفیع وذو إستقامة، وما ذکرناه بشأنه کاف للإستلهام منه.

وأمّا (ذو الکفل) فهو أیضاً معروف بأنّه أحد أنبیاء الله، وذکره ورد مع أنبیاء آخرین فی الآیة 85 من سورة الأنبیاء، وجاء بالضبط بعد اسم إسماعیل وإدریس، والبعض یعتقد أنّه من أنبیاء بنی إسرائیل، وأنّه من أبناء أیّوب وإسمه الحقیقی (بشر) أو (بشیر) أو (شرف) والبعض یرى أنّه (حزقیل) وذو الکفل هو لقب اُطلق علیه (5) .

وحول تسمیة (ذی الکفل) بهذا الإسم (الکفل یعنی النصیب) ویعنی (الکفالة والتعهّد) وردت عدّة تفاسیر، منها:

قال البعض: إنّه سمّی بذی الکفل لأنّ الله سبحانه وتعالى أنزل علیه نصیباً وافراً من الثواب وشمله برحمته الواسعة.

وقال بعضهم: لأنّه التزم بتعهّده بقیام اللیل بالعبادة، وصیام النهار، وعدم السخط من قضاء الله، وبهذا اُطلق علیه هذا اللقب.

وبعض آخر قال: سمّی بذی الکفل لأنّه تکفّل بمجموعة من أنبیاء بنی إسرائیل، وأنقذهم من ملوک زمانهم الجبّارین.

وعلى أیّة حال، فإنّ ما فی حوزتنا الیوم من معلومات عن نبی الله ذی الکفل یدلّ على إستقامته فی طریق طاعة وعبادة الله، ومقاومة الجبابرة، وأنّه نموذج بارز لیومنا الحاضر وما بعده، رغم أنّ البعد الزمنی بیننا وبینهم یحول دون المعرفة الدقیقة لتفاصیل أحوالهم.


1. (ذکرى الدار ) من الممکن أن تکون خبراً لمبتدأ محذوف، وتقدیر العبارة (هی ذکر الدار)، ومن الممکن أن تکون بدلا من (خالصة).
2. «مصطفین» (بفتح الفاء) جمع مصطفى، وفی الأصل کانت (مصطفیین) حذفت یاؤها الاُولى فأصبحت (مصطفین).
3. التفسیر الکبیر، ج 26، ص 217.
4. الأنعام، 86.
5. أعلام القرآن، وتفسیر القرطبی، وتفسیر روح البیان، وتفسیر المیزان، کلّ منها أشارت إلى جزء من الموضوع المذکور أعلاه.
سورة ص / الآیة 45 ـ 48 سورة ص / الآیة 49 ـ 54
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma