اختلف المفسّرون بشأن الولد الذی اُمر إبراهیم بذبحه، هل کان (إسماعیل أم إسحاق) الذی لقّب بذبیح الله؟ إذ إنّ هناک نقاشاً بین المفسّرین، فمجموعة تقول: إنّ (إسحاق) هو (ذبیح الله) فیما تعتبر مجموعة اُخرى (إسماعیل) هو الذبیح، التّفسیر الأوّل أکّد علیه الکثیر من مفسّری أهل السنّة، فیما أکّد مفسّرو الشیعة على أنّ إسماعیل هو الذبیح.
وظاهر آیات القرآن الکریم المختلفة تؤکّد على أنّ إسماعیل هو ذبیح الله، وذلک للأسباب التالیة:
أوّلا: فی إحدى آیات القرآن الکریم نقرأ (وبشّرناه بإسحاق نبیّاً من الصالحین ). (1)
هذه العبارة توضّح بصورة جیّدة، أنّ الله سبحانه وتعالى بشّر إبراهیم بولادة إسحاق بعد قضیّة الذبح، نتیجة تضحیاته، ولهذا فإنّ قضیّة الذبح لا تخصّه أبداً، إضافةً إلى أنّ الباری عزّوجلّ عندما یبشّر أحداً بالنبوّة، فذلک یعنی بقاء ذلک الشخص حیّاً، وهذا لا یتناسب مع قضیّة الذبح التی خصّت غلاماً.
ثانیاً: نقرأ فی الآیة 71 من سورة هود ، قوله تعالى: (فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق یعقوب ) هذه الآیة توضّح أنّ إبراهیم کان مطمئناً على بقاء ولده إسحاق، وأنّ الله سیرزق إسحاق ولداً إسمه یعقوب، وهذا یعنی أنّ الذبح لا یشمله أبداً، فالذین اعتبروا إسحاق هو الذبیح، یبدو أنّهم لم یأخذوا بنظر الإعتبار حقیقة هذه الآیات.
ونقل عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) حدیث موثوق، جاء فیه: «أنا ابن الذبیحین» والمقصود من الذبیحین، الأوّل هو والده (عبدالله) الذی کان أبوه عبدالمطلّب قد نذر بذبحه تقرّباً إلى الله تعالى والذی (فداه) بأمر من الله بـ 100 بعیر، وقصّته معروفة، والثانی هو (إسماعیل) لأنّ من الاُمور الثابتة کون نبیّنا محمّد (صلى الله علیه وآله) هو من أبناء إسماعیل ولیس من أبناء إسحاق (2) .
وورد فی الدعاء الذی رواه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام)، عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)، (یا من فدا إسماعیل من الذبح) (3) .
وجاء فی روایات اُخرى عن الإمامین المعصومین الباقر والصادق (علیهما السلام)، أنّهما أجابا على أسئلة تستفسر عن الذبیح، فأجابا أنّه إسماعیل.
وجاء فی حدیث نقل عن الإمام الرض (علیه السلام) «لو علم الله عزّوجلّ شیئاً أکرم من الضأن لفدى به إسماعیل» (4) .
خلاصة الأمر، هو أنّ الروایات والأحادیث التی وردت بهذا الشأن کثیرة، وإذا أردنا إستعراضها جمیعاً، فإنّ البحث یتّسع کثیراً. (5)
وفی مقابل هذه الروایات الکثیرة المتناسبة مع ظاهر الآیات القرآنیة، هناک روایات شاذّة تدلّ على أنّ إسحاق هو المقصود (بذبیح الله) ولا تتطابق مع روایات المجموعة الاُولى ولا مع ظاهر الآیات القرآنیة.
وبغضّ النظر عمّا قیل، فهناک قضیّة مسلّم بها، وهی أنّ الطفل الذی جاء به إبراهیم مع اُمّه إلى مکّة المکرّمة بأمر من الله ثمّ ترکهما هناک، وساعده من بعد فی بناء الکعبة المشرفة، وأدّى مراسم الطواف والسعی هو إسماعیل، وهذا یدلّ على أنّ الذبیح هو إسماعیل، لأنّ عملیة الذبح تکمل الأعمال المذکورة أعلاه.
ممّا یذکر أنّ کتاب (التوراة) الحالی والمعروف بالعهد القدیم یؤکّد على أنّ الذبیح کان إسحاق.
هنا یستشف أنّ بعض الروایات الإسلامیة غیر المعروفة والتی تؤکّد على أنّ إسحاق هو (ذبیح الله) متأثّرة ببعض الروایات الإسرائیلیة، ویحتمل أنّ الیهود وضعوها، وذلک لأنّهم من ذریّة (إسحاق)، وقد حاولوا نسب هذا الفخر لهم، حتى ولو کان عن طریق تزییف الوقائع والحقائق، وسلبه من المسلمین الذین کان نبیّهم نبی الرحمة أحد أحفاد إسماعیل.
على أیّة حال، فإنّ ظواهر آیات القرآن الکریم هی أقوى دلیل لنا، إذ توضّح بصورة کافیة، أنّ الذبیح هو إسماعیل، رغم أنّه لا فرق بالنسبة لنا إن کان الذبیح إسماعیل أو إسحاق، فالإثنان هما أبناء إبراهیم (علیه السلام)، وکلاهما من أنبیاء الله العظام، ولکن الهدف هو توضیح هذه الحادثة التاریخیة.
1. الصافات، 112.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 421.
4. المصدر السابق، ص 422.
5. لمزید الاطّلاع راجع تفسیر البرهان، ج 4، ص 28; تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 420.
