من المسلّم أنّ القیامة والحیاة بعد الموت مرحلة تکاملیة بالنسبة إلى الدنیا، وأنّ الرجوع إلى هذه الدنیا لیس معقولا، فهل یمکننا العودة إلى الأمس؟ هل یمکن للولید أن یعود إلى طی الأدوار الجنینیة من جدید؟ وهل یمکن للثمرة التی قطفت من غصنها أن تعاد إلیه مرّة ثانیة؟ لهذا السبب فإنّ العودة إلى الدنیا غیر ممکنة لأهل الآخرة.
وعلى فرض إمکانیة تلک العودة فإنّ هذا الإنسان الکثیر النسیان سوف لن یقوم بغیر إدامة أعماله السابقة!
ولا نذهب بعیداً، فنحن مرّات عدیدة وتحت ضغط المشاکل والتحدیات الصعبة، نتّخذ قراراً مخلصاً بیننا وبین الله على القیام بعمل ما أو ترک عمل ما، ولکن بمجرّد تغییر تلک الشرائط یتغیّر قولنا وننسى قراراتنا، إلاّ إذا تحقّق لشخص ما تحوّل جدّی حقیقی، لا تحوّل مشروط بتلک الشرائط التی بتغیّرها یعود إلى سابق حاله.
هذه الحقیقة وردت فی آیات متعدّدة من القرآن المجید، من جملتها ما ورد فی الآیة 28 من سورة الأنعام التی أشرنا إلیها قبل قلیل، حیث تکذّب هؤلاء وتردّهم.
ولکن الآیة 53 من سورة الأعراف تکتفی بالقول فقط بأنّ هؤلاء الأفراد خاسرون، ولکن لم تردّ بصراحة على طلبهم للعودة: (فهل لنا من شفعاء فیشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غیر الذی کنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما کانوا یفترون ).
نفس هذا المعنى ورد بشکل آخر فی الآیات 107 و108 من سورة المؤمنون: (ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون * قال اخسأوا فیها ولا تکلّمون ).
على کلّ حال، فتلک مطالب غیر ذات جدوى، وأمانی عدیمة التحقّق، ویحتمل أنّهم هم أیضاً یعلمون ذلک، ولکنّهم لشدّة العذاب وإنسداد جمیع المنافذ أمامهم یکرّرون هذه المطالب.
