أصحاب الجنّة فاکهون!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
صیحة النشور !أنواع «السلام» المنثور على أهل الجنّة:

هنا یبدأ البحث حول کیفیة الحساب فی المحشر، ثمّ ینتقل فی الختام إلى تفصیل وضع المؤمنین الصلحاء والکفّار الطالحین، فتقول الآیة الکریمة الاُولى: (فالیوم لا تظلم نفس شیئاً ).

فلا ینقص من أجر وثواب أحد شیئاً، ولا یزاد على عقوبة أحد شیئاً، ولن یکون هنالک أدنى ظلم أو إضطهاد لأحد حتى بمقدار رأس الإبرة.

ثمّ تنتقل الآیة لتوضّح تلک الحقیقة وتعطی دلیلا حیّاً علیها فتقول: (ولا تجزون إلاّ ما کنتم تعملون ).

إنّ ظاهر الآیة ـ ومن دون تقدیر مضمر ـ یهدف إلى القول بأنّ جزاءکم جمیعاً هو نفس أعمالکم، فأی عدالة أفضل وأعلى من هذه العدالة؟!

وبعبارة اُخرى: فإنّ الأعمال الحسنة والسیّئة التی قمتم بها فی هذه الدنیا سترافقکم فی ذلک العالم أیضاً، ونفس تلک الأعمال ستتجسّد هناک وترافقکم فی جمیع مراحل الآخرة، فی المحشر وبعد نهایة الحساب.

فهل أنّ تسلیم حاصل عمل إنسان إلیه أمر مخالف للعدالة؟

وهل أنّ تجسید الأعمال وقرنها بعاملها ظلم؟

ومن هنا یتّضح أن لا معنى للظلم أساساً فی مشهد یوم القیامة، وإذا کان یحدث فی الدنیا

بین البشر أن تتحقّق العدالة حیناً ویقع الظلم أحیاناً کثیرة، فذلک لعدم إمکان ربط الأعمال بفاعلیها.

جمع من المفسّرین تصوّروا أنّ الجملة الأخیرة أعلاه تتحدّث عن الکفّار والمسیئین الذین سیرون عقاباً على قدر أعمالهم، دون أن تشمل المؤمنین، بلحاظ أنّ الله سبحانه وتعالى قد جزاهم وأثابهم بأضعاف ما یعادل أعمالهم.

ولکن بملاحظة ما یلی ینحلّ هذا الإشتباه، وهو أنّ الحدیث هنا هو حدیث عن العدالة فی الثواب والعقاب وأخذ الجزاء حسب الإستحقاق، وهذا لا ینافی أنّ الله سبحانه وتعالى یرید أن یزید المؤمنین من فضله، فهذه مسألة «تفضل» وتلک مسألة «إستحقاق».

ثمّ تنتقل الآیات لتتعرّض إلى جانب من مثوبة المؤمنین العظیمة، وقبل کلّ شیء تشیر إلى مسألة الطمأنینة وراحة البال فتقول: (إنّ أصحاب الجنّة الیوم فی شغل فاکهون ).

«شغل»: ـ على وزن سرر ـ و«شغل» ـ على وزن لطف ـ : کلیهما بمعنى العارض الذی یذهل الإنسان ویصرفه عن سواه، سواء کان ممّا یبعث على المسرّة أو الحزن، ولکن لإلحاقه کلمة «فاکهون» التی هی جمع «فاکه» وهو المسرور الفرح الضاحک، یمکن إستنتاج أنّ المعنى إشارة إلى الإنسان المشغول بنفسه والمنصرف تماماً عن التفکیر فی أی قلق أو ترقّب، والغارق فی السرور والسعادة والنشاط بشکل لا یترک أی مجال للغمّ والحسرة أن تعکّر علیه صفوه، وحتى أنّه ینسى تماماً هول قیام القیامة والحضور فی محکمة العدل الإلهیّة، تلک المواقف التی لولا نسیانها فإنّها حتماً ستلقی بظلالها الثقیلة من الغمّ والقلق على القلب، وبناءً على ذلک فإنّ أحد الآثار المترتبة على إنشغال الذهن بالنعمة هو نسیان أهوال المحشر (1) .

وبعد التعرّض إلى نعمة الطمأنینة وراحة البال التی هی أساس جمیع النعم الاُخرى وشرط الاستفادة من جمیع المواهب والنعم الإلهیّة الاُخرى، ینتقل إلى ذکر بقیّة النعم فیقول تعالى: (هم وأزواجهم فی ظلال على الأرائک متکئون ) (2) .

«أزواج» تشیر إلى الزوجة التی یعطیها الله فی الجنّة، أو الزوجة المؤمنة التی کانت معه فی الدنیا.

وأمّا ما احتمله البعض من أنّها بمعنى «النظائر» کما فی الآیة ـ 22 من سورة الصافات (احشروا الذین ظلموا وأزواجهم ) فیبدو بعیداً. خصوصاً أنّ (أرائک) جمع «أریکة» وهی الحجلة على السریر. کما یقول أرباب اللغة (3) .

التعبیر بـ «ظلال» إشارة إلى أنّ أشجار الجنّة تظلّل الأسرّة والتخوت التی یجلس علیها المؤمنون فی الجنّة، أو إشارة إلى ظلال قصورهم، وکلّ ذلک یدلّل على وجود الشمس هناک، ولکنّها لیست شمساً مؤذیة، نعم فإنّ لهم فی ذلک الظلّ الملائم لأشجار الجنّة سروراً ونشاطاً عظیمین.

إضافةً إلى ذلک فإنّ (لهم فیها فاکهة ولهم ما یدّعون ).

یستفاد من آیات القرآن الاُخرى أنّ غذاء أهل الجنّة لیس الفاکهة فقط، ولکن تعبیر الآیة یدلّل على أنّ الفاکهة ـ وهی فاکهة مخصوصة تختلف کثیراً عن فاکهة الدنیا ـ هی أعلى غذاء لهم، کما أنّ الفاکهة فی الدنیا ـ کما یقول المتخصّصون ـ أفضل وأعلى غذاء للإنسان.

«یدعون» أی یطلبون، والمعنى أنّ کلّ ما یطلبونه ویتمنّونه یحصلون علیه، فما یتمنّوه من شیء یحصل ویتحقّق على الفور.

یقول العلاّمة «الطبرسی» فی مجمع البیان: العرب یستخدمون هذا التعبیر فی حالة التمنّی، فیقول: «ادع علیّ ما شئت» أی تمنّ علیّ ما شئت...

وعلیه فإنّ کلّ ما یخطر على بال الإنسان وما لا یخطر من المواهب والنعم الإلهیّة موجود هناک معدّ ومهیّأ، والله عنده حسن الثواب.

وأهمّ من کلّ ذلک، المواهب المعنویة التی أشارت إلیها آخر آیة بقولها: (سلام قولا من ربٍّ رحیم ) (4) .

هذا النداء الذی تخفّ له الروح، فیملؤها بالنشاط، هذا النداء المملوء بمحبّة الله، یجعل الروح الإنسانیة تتسلّق الأفراح نشوى بالمعنویات التی لا یرقى إلیها وصف ولا تعادلها أیّة نعمة اُخرى. نعم فسماع نداء المحبوب، النداء الندی بالمحبّة، المعطّر باللطف، یغمر سکّان الجنّة بالحبور... الحبور الذی تعادل اللحظة منه جمیع ما فی الدنیا، بل ویفیض علیه.

ففی روایة عن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «بینا أهل الجنّة فی نعیمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ قد أشرف من فوقهم فقال: السلام علیکم یاأهل الجنّة، وذلک قول الله تعالى: (سلام قولا من ربٍّ رحیم ) قال فینظر إلیهم وینظرون إلیه فلا یلتفتون إلى شیء من النعیم ما داموا ینظرون إلیه حتى یحتجب عنهم ویبقى نوره وبرکته علیهم فی دیارهم» (5) .

نعم فإنّ جذبة مشاهدة المحبوب، ورؤیة لطفه، تبعث اللذّة والشوق فی النفس بحیث إنّ لحظة واحدة من تلک المشاهدة العظیمة لا یمکن مقارنتها بأیّة نعمة، بل بالعالم أجمع، وعشّاق رؤیته والنظر إلیه هائمون فی ذلک إلى درجة أنّه لو قطعت عنهم تلک الإفاضة المعنویة فإنّهم یحسّون بالحسرة والألم، وکما ورد فی حدیث لأمیر المؤمنین علیه أفضل الصلاة والسلام «لو حجبت عنه ساعة لمتّ» (6) .

الملفت للنظر أنّ ظاهر الآیة یشیر إلى أنّ سلام الله الذی ینثره على المؤمنین فی الجنّة، هو سلام مستقیم بلا واسطة، سلام منه تعالى، وأی سلام ذلک الذی یمثّل رحمته الخاصّة! أی أنّه ینبعث من مقام رحیمیته، وجمیع ألطافه وکراماته مجموعة فیه، ویا لها من نعمة عظیمة!!


1. یرى «الراغب» فی مفرداته بأنّ «فاکهة» تطلق على کلّ أنواع الثمار والفواکه، و«فاکه» الحدیث الذی یأنس به الإنسان وینشغل به عن غیره. ویرى «ابن منظور» فی لسان العرب أنّ «فکاه» بمعنى المزاح، و«فاکه» یطلق على الإنسان المرح.
2. هناک احتمالات عدیدة فی إعراب الجملة، وأفضلها أنّ «هم» مبتدأ، و«متکئون» خبر، و«على الأرائک» متعلّق به، و«فی ظلال» متعلّق به أیضاً أو متعلّق بمحذوف.
3. لسان العرب، ومفردات الراغب، وتفسیر مجمع البیان، وتفسیر القرطبی، وتفسیر روح المعانی، وتفاسیر اُخرى.
4. اختلف حول إعراب «قولا» وأنسب ما ذکر هو اعتبارها (مفعول مطلق) لفعل محذوف تقدیره «یقول قولا».
5. تفسیر روح المعانی، ج 23، ص 35.
6. تفسیر روح البیان، ج 7، ص 416.
صیحة النشور !أنواع «السلام» المنثور على أهل الجنّة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma