أما الخاصیة الثّانیة فهی (مثانی ) ـ أی المکرر ـ :

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
التّفسیربحث

وهذه الکلمة تشیر إلى تکرار بحوثه المختلفة وقصصه ومواعظه، التکرار الذی لا یملّ منه الإنسان، وإنّما على العکس من ذلک، إذ یتشوّق لتلاوته أکثر، وهذه إحدى اُسس الفصاحة، إذ یعمد الإنسان أحیاناً إلى التکرار وبصور مختلفة وأسالیب متنوعة ـ وذلک إذا أراد التأکید على أمر ما وجلب الإنتباه إلیه والتأثّر به ـ کی لا یملّ السامع أو یضجر منه.

إضافة إلى أنّ مواضیع القرآن المکررة تفسّر إحداها الاُخرى، وتحل الکثیر من ألغازه عن هذا الطریق.

بعضهم اعتبرها إشارة إلى تکرار تلاوة القرآن وبقائه غضّاً طریّاً من جرّاء تکرار تلاوته.

والبعض الآخر اعتبرها إشارة إلى تکرار نزول القرآن، فمرّة نزل دفعة واحدة على صدر الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) وذلک فی لیلة القدر، ومرّة اُخرى بصورة تدریجیة استمرت لفترة (23) عاماً.

ومن المحتمل أن یکون المراد من التکرار هو ملاءمة القرآن لکلّ زمان، وانکشاف بعض الاُمور الغیبیة فیه بمرور السنوات.

والتّفسیر الأوّل أنسب من بقیة التفاسیر، رغم عدم وجود أیّ تعارض بین الجمیع، بل من الممکن أن تکون جمیعها صحیحة (1) .

أمّا «الخاصیة الثّالثة» فهی (تقشعرّ منه الجلود ).

وهذه الخاصیة للقرآن فتتجلّی فی مسألة نفوذه وتأثیره العمیقین والخارقین فی اعماق النفوس (تقشعرّ منه جلود الّذین یخشون ربّهم ثمّ تلین جلودهم وقلوبهم إلى ذکر الله ).

إنّه لوصف وتجسید لطیف وجمیل لنفوذ آیات القرآن العجیب إلى أعماق القلوب، إذ أنّه فی بدایة الأمر یبعث فی القلب شیئاً من الخوف والرهبة، الخوف الذی یکون أساساً للصحوة ولبدء الحرکة، والرهبة التی تجعل الإنسان یتحسس مسؤولیاته المختلفة. ثمّ تأتی مرحلة الهدوء وقبول آیات الله وتتبعها السکینة والإستقرار.

هذه الحالة التدریجیة التی تبیّن مراحل (السلوک إلى الله) المختلفة، یمکن إدراکها بسهولة، فالقلوب تقشعر فور ما تسمع آیات التهدید والتحذیر النازلة على رسول الله (صلى الله علیه وآله)، ثمّ تهدأ فور ما تسمع آیات الرحمة.

إنّ التفکیر بذات الله ومسألة أبدیته وأزلیته وعدم محدودیته بامکانه أن یخلق عند الإنسان حالة من الرهبة فی کیفیة معرفة الله، إلاّ أنّ دراسة آثار ودلائل ذاته المقدسة فی الآفاق والأنفس تمنح الإنسان نوعاً من الإرتیاح والهدوء (2) .

والتاریخ الإسلامی ملیء بالشواهد على التأثیر العجیب للقرآن فی قلوب المؤمنین، وحتى غیر المؤمنین من أصحاب القلوب المستعدة لتقبّل الإیمان، فالجاذبیة أو النفوذ الخارق للقرآن دلیل واضح على أنّ القرآن کتاب نزل من السماء بواسطة الوحی.

وقد ورد حدیث عن (أسماء)، جاء فیه (کان أصحاب النّبی حقاً إذا قرىء علیهم القرآن ـ کما نعتهم الله ـ تدمع أعینهم وتقشعر جلودهم) (3) .

أمیر المؤمنین (علیه السلام) وصف هذه الحقیقة بأفضل وجه فی الخطبة الخاصّة بالمتقین، إذ قال: «أمّا اللیل فصافون أقدامهم تالین لأجزاء القرآن یرتلونها ترتیلا، یحزنون به أنفسهم، ویستثیرون به دواء دائهم، فإذا مروا بآیة فیها تشویق رکنوا إلیها طمعاً، وتطلعت نفوسهم إلیها شوقاً، وظنوا أنّها نصب أعینهم، وإذا مروا بآیة فیها تخویف أصغوا إلیها مسامع قلوبهم، وظنوا أنّ زفیر جهنم وشهیقها فی أصول آذانهم». (4)

وفی نهایة الآیة یقول تعالى بعد أن بیّن تلک الخصائص: (ذلک هدى الله یهدی به من یشاء ).

حقاً إنّ القرآن نزل لهدایة الجمیع، لکن المتقین وطلاّب الحقّ والحقیقة هم المستفیدون ـ فقط ـ من نوره، أمّا اُولئک الذین تعمّدوا إغلاق کافة نوافذ قلوبهم أمام نور القرآن الکریم، والذین تتحکم بأرواحهم ظلمات التعصّب والعناد ـ فقط ـ لایستفیدون من نور القرآن، وإنّما یزدادون ضلالة من جرّاء عنادهم وعدائهم، لذلک فإنّ تتمة الآیة تقول: (ومن یضلل الله فما له من هاد ).

فهذه الضلالة هی التی یضع الإنسان حجر أساسها بیده، ویحکم بناء أساسها بواسطة أعماله الخاطئة والسیئة، ولذلک لا تتنافى اطلاقاً مع إرادة الإنسان وحریته.

الآیة التالیة تقارن بین مجموعة من الظالمین والمجرمین، ومجموعة من المؤمنین الذین استعرضت أوضاعهم فیما قبل، وذلک کی تجعل الحقیقة أکثر وضوحاً فی هذه المقارنة، إذ تقول: (أفمن یتّقی بوجهه سوء العذاب یوم القیامة ) (5) کمن هو آمن فی ذلک الیوم ولا تمسّه النّار أبداً؟!.

الملاحظة التی ینبغی الإلتفات إلیها، هی قوله تعالى: (یتّقی بوجه سوء العذاب ) وکما هو معروف فإنّ الوجه أشرف أعضاء جسم الإنسان، لأنّ فیه (العینان والفم والأذنان) التی هی أهم حواسّ الإنسان، وأساساً فإنّ تشخیص الإنسان إنّما یتمّ عن طریق وجهه، ولهذه الخصائص الموجودة فی الوجه، فإنّ الإنسان عندما یحسّ أنّ هناک خطراً سیصیب وجهه، فإنّه یضع یدیه وما یمکن من أعضاء جسمه أمام وجهه کدرع لدرء ذلک الخطر.

إلاّ أنّ أوضاع الظالمین فی جهنم فی ذلک الیوم تجبرهم على استخدام وجوههم کوسیلة دفاعیة، لأنّ أیدیهم وأرجلهم مقیدة بالسلاسل، کما ورد فی الآیة 8 من سورة یس: (إنّا جعلنا فی أعناقهم أغلالا فهی إلى الأذقان فهم مقمحون ).

قال البعض: بما أنّ أهل جهنم یرمون على وجوههم فی النّار، لذا فإنّ الوجه هو أوّل عضو من أعضاء الجسم یحترق فی نار جهنم، کما ورد فی الآیة 90 من سورة النمل: (من جاء بالسّیّئة فکبّت وجوههم فی النّار ).

والبعض الآخر قال: إنّ هذه العبارة کنایة عن عجز أهل جهنم من الدفاع عن أنفسهم مقابل نار جهنم.

التفاسیر الثلاثة ـ هذه ـ لا تتعارض مع بعضها، ویمکن أن تعطی جمیعها مفهوم الآیة.

ثم تضیف نهایة الآیة: (وقیل للظّالمین ذوقوا ما کنتم تکسبون ).

نعم، إنّ ملائکة العذاب هی التی توضّح لهم هذه الحقیقة المرّة والمؤلمة، إذ یقولون لهم: إنّ أعمالکم ستبقى معکم وستعذبکم، وهذا التوضیح هو تعذیب روحی آخر لهؤلاء.

وممّا یلفت النظر أنّ هذه العبارة لا تقول: ذوقوا عقاب ما کنتم تکسبون، وإنّما تقول لهم: ذوقوا ما کنتم تکسبون، وهذا شاهد آخر على مسألة تجسید الأعمال یوم القیامة.

إنّ ما قیل لحدّ الآن هو إشارة بسیطة لعذابهم الألیم فی یوم القیامة، والآیة التالیة تتحدّث عن العذاب الدنیوی لهؤلاء، کی لا یتصور أحد أنّه یعیش فی أمان بهذه الدنیا، قال تعالى: (کذّب الّذین من قبلهم فأتاهم العذاب من حیث  لا یشعرون ).

فالإنسان لا یتألم کثیراً إن اُصیب بضربة کان یتوقعها، إلاّ أنّه یتألم کثیراً إن وجّهت إلیه ضربة من طرف لم یتوقع أن تصدر منه، کأن تصدر عن أقرب أصدقائه، أو یلحق به أذى من اُمور حیویة جداً ومحبوبة له کالماء الذی هو مصدر حیاة الإنسان، أو من نفحة النسیم التی هی مصدر نشاطه، أو من الأرض الهادئة التی هی مقر استراحته وأمنه.

نعم، إنّ نزول العذاب الإلهی بواسطة هذه الطرق یعدّ أمراً مؤلماً جدّاً، کالذی أصاب قوم نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون وقارون وأمثالهم، إذ لم یکن أی أحد منهم یتوقع أن یصیبه العذاب بواسطة إحدى الطرق المذکورة أعلاه.

الآیة الأخیرة فی بحثنا هذا تبیّن أنّ عذاب هؤلاء الدنیوی لا یقتصر على العذاب الجسدی، وإنّما یشتمل أیضاً على عقوبات نفسیة: (فأذاقهم الله الخزی فی الحیاة الدّنیا ) (6) .

نعم، فإن اُصیب الإنسان بمصیبة فی هذه الدنیا، ثمّ خرج منها مرفوع الرأس حافظاً لماء وجهه، فهذه الحالة لیست بعار وخزی على الإنسان، إنّما العار والخزی للإنسان أن یخرج من هذه الدنیا حقیراً وذلیلا، قد ابتلی بعذاب فاضح یریق ماء وجهه، (ولعذاب الآخرة أکبر لو کانوا یعلمون ).

کلمة (أکبر) کنایة عن شدّة العذاب وقسوته.


1. قال الزمخشری فی الکشاف: إنّ (مثانی) یمکن أن تکون جمع (مثنى) على وزن (مصلّى) وتعنی المکرّر، ویمکن أن تکون جمع (مثنى) على وزن (مبنى) من التثنیة بمعنى التکرار، تفسیر الکشاف، ج 4، ص 123.
2. (تقشعر) من مادة (قشعریرة) وقد ذکر اللغویون والمفسّرون معانی مختلفة ومتقاربة بعض الشیء، فالبعض قال: إنّها تعنی انکماش جلد البدن (حالة تصیب الإنسان أثناء خوفه) والبعض قال: إنّها الرجفة التی تصیب الإنسان فی حالة الخوف، والبعض الآخر قال: إنّها تعنی وقوف شعر البدن، وفی الحقیقة فإنّ کلّ حالة من هذه الحالات ملازمة للاُخرى.
3. تفسیر القرطبی، ج 8، ص 5693، عن التأثیر العمیق والخارق لآیات القرآن، أوردنا روایات عدیدة فی ذیل الآیة 92 من سورة آل عمران.
4. نهج البلاغة، الخطبة 193.
5. هذه العبارة فیها محذوف، التقدیر (أفمن یتقی بوجهه سوء العذاب یوم القیامة کمن هو آمن لا تمسه النار).
6. کلمة «خزی» تعنی الذلّ والهوان کما تعنی الفضیحة (یراجع لسان العرب). 
التّفسیربحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma