وکما نعرف، فإنّ إستعراض القرآن لهذه القصص یهدف إلى تربیة الإنسان، لأنّ القرآن لیس کتاب قصص وإنّما هو کتاب هدفه بناء الإنسان وتربیته.

من هذه القصّة العجیبة یمکن إستخلاص الکثیر من المواعظ والعبر:

أ) ترک النّبی للعمل بالأولى یعدّ أمراً مهمّاً عند الله، ویؤدّی إلى مجازاة ذلک النّبی، لأنّ مرتبة الأنبیاء عالیة جدّاً، وأبسط غفلة منهم تعادل ذنباً کبیراً یرتکبه عوام الناس، ولهذا السبب أطلق الله سبحانه وتعالى تسمیة (الآبق) على عبده یونس فی هذه الآیة، والتی تعنی العبد الهارب.

وقد ورد فی بعض الروایات أنّ رکّاب السفینة کانوا یقولون: هناک شخص عاص بیننا!

وعاقبة الأمر أنّ الباری عزّوجلّ إبتلاه بسجن رهیب، ثمّ أنقذه منه بعد أن تاب وعاد إلى الله، وکان منهار القوى مریضاً.

ذلک لیعرف الجمیع أنّ التوانی غیر مقبول من أی أحد، فعظمة مرتبة أنبیاء وأولیاء الله إنّما یحصلون علیها من طاعتهم الخالصة لأوامر الله سبحانه وتعالى، وإلاّ فالله لا تربطه صلة قربى مع أی أحد، وإنّ الموقف الحازم الذی اتّخذه الله تجاه عبده یونس یوضّح عظمة مرتبة هذا النّبی الکبیر.

ب) أحداث هذه القصّة (وخاصّة ما ورد فی الآیة 87 من سورة الأنبیاء) کشفت عن سبیل نجاة المؤمنین من الغمّ والحزن والإبتلاءات والمشاکل، وهو نفس السبیل الذی إنتهجه یونس، وهو إعترافه بخطئه أمام الله وتسبیحه الله وتنزیهه والعودة إلیه.

ج) هذه القصّة توضّح کیف أنّ قوماً مذنبین مستحقّین للعذاب یستطیعون فی آخر اللحظات تغییر مسیرتهم التاریخیة، بعودتهم إلى أحضان الرحمة الإلهیّة، وإنقاذ أنفسهم من العذاب، وهذا مشروط بالصحوة من غفلتهم قبل فوات الأوان، وإنتخاب شخص «عالم» قائداً لهم.

د) هذه الحادثة تبیّن أنّ الإیمان بالله والتوبة من الذنوب علاوة على أنّها تتسبّب فی نزول الآثار والبرکات المعنویة، فهی توجد النعم والهبات الدنیویة وتجعلها فی اختیار الإنسان، وتوجد حالة من العمران والبناء، وتطیل الأعمار، ونظیر هذا المعنى ورد أیضاً فی قصّة نوح (علیه السلام) والذی سنقرأ شرحه بعون الله فی تفسیر سورة نوح.

هـ) أخیراً فإنّ مجریات هذه القصّة تستعرض قدرة الباری عزّوجلّ العظیمة التی لا یقف أمامها شیء ولا یصعب علیها شیء، إلى درجة تستطیع حفظ حیاة إنسان فی فم وجوف حیوان کبیر وحشی، وإخراجه سالماً من هناک، هذا الأمر یبیّن أنّ کلّ ما هو موجود فی هذا الکون هو أداة بیده تعالى ومسخّر لأوامره.