هل العلماء والجهلة متساوون؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 8 ـ 9 بحث

الآیات السابقة تحدّثت بالأدلة والبراهین عن توحید ومعرفة الباریء عزّوجلّ، وذلک من خلال عرض بعض الظواهر العظیمة له فی الآفاق والأنفس، أما آیات بحثنا فتتحدّث فی البدایة عن التوحید الفطری وتوضّح أنّ ما یدرکه الإنسان عن طریق العقل أو الفهم أو المطالعة فی شؤون الخلق موجود بصورة فطریة فی أعماقه، وأنّه یظهر أثناء المشاکل وأعاصیر الحوادث التی تعصف به، ولکن هذا الإنسان الکثیر النسیان یبتلى مرّة اُخرى بالغفلة والغرور فور ما تهدأ العواصف والمشاکل، تقول الآیة الکریمة: (وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منیباً إلیه ) ونادماً من ذنوبه وغفلته.

وعندما یمنّ الله على الإنسان بالنعم ینسى المشاکل والإبتلاءات السابقة التی دعا الله عزّوجلّ من أجل کشفها عنه، قال تعالى: (ثمّ إذا خوّله نعمة منه نسی ماکان یدعوا إلیه من قبل ) (1) .

إذ یجعل لله أنداداً وشرکاء ویعمد إلى عبادتها، ولا یکتفی بعبادتها بل یعمد ـ أیضاً ـ لإضلال وحرف الناس عن سبیل الله: (وجعل لله أنداداً لیضلّ عن سبیله ).

المقصود هنا من (الإنسان) هم الناس العادیون الذین لم یتربّوا فی ظل إشعاعات أنوار تعالیم الأنبیاء، ولا یشمل هذا الکلام المؤمنین الذین یذکرون الله فی السّراء والضراء ویطلبون العون من لطفه دائماً.

المراد من (ضر) هنا کلّ أذى أو محنة أو ضرر یصیب الجسم أو الروح.

«خولناه»: من مادة (خول) على وزن (عمل) وتعنی المراقبة المستمرة لشیء ما، والمراقبة والتوجّه الخاص یستلزم العطاء والبذل، فقد استخدمت هنا بمعنى الهبة.

وقال البعض: إنّ (خول) على وزن (عمل) وتعنی الخادم، ولهذا فإنّ کلمة «خوله» تعنی الخادم الذی وهب لصاحبه، ثمّ استعملت فی کافة أشکال هبة النعم بالتخویل.

والبعض الآخر قال: إنّها تعنی الفخر والتباهی، ولهذا فإنّ العبارة المذکورة أعلاه تعنی حصول الإنسان على الفخر عن طریق منحه وهبته النعم (2) .

وبصورة عامة فإنّ هذه الجملة تعکس إضافة إلى العطاء والهبة، اهتمام الباریء عزّوجلّ الخاص بعبده.

عبارة (منیباً إلیه ) تبیّن أنّ الإنسان فی الحالات الصعبة یضع کافّة ستائر غروره وغفلته جانباً، ویترک وراءه کلّ ما کان یعبده أو یتمسک به من دون الله، ویعود إلى الباریء عزّوجلّ، ویستشفّ من مفهوم (الإنابة) هذه الحقیقة وهی أنّ مبدأ الانسان ومقصده وغایته هو الله تعالى.

«أنداد»: جمع (ند) على وزن (ضد) وتعنی الشبیه والمثیل، مع وجود بعض الاختلاف وهو أنّ (مثل) لها مفهوم واسع، ولکن (ند) لها معنى واحد، وهو المماثلة فی الذات والجوهر.

عبارة (جعل) تبیّن أنّ تصورات وخیالات الإنسان تصنع مثیلا وشبیهاً لله، الأمر الذی لا یمکن أن ینطبق مع الواقع.

وعبارة (لیضلّ عن سبیله ) تبیّن أنّ الضالین المغرورین لا یقتنعون بإضلال أنفسهم، وإنّما یعمدون لجر الآخرین إلى وادی الضلال.

وعلى أیّة حال، فإنّ آیات القرآن المجید أشارت ـ مرّات عدیدة ـ إلى العلاقة الموجودة بین (التوحید الفطری) و(الحوادث الصعبة فی الحیاة) کما عکست اضطراب الإنسان المغرور الذی یلجأ إلى الله، ویوحّده بإخلاص فور ما تعصف به العواصف والأعاصیر، وکیف أنّه ینسى الله ویعود إلى غروره ولجاجته فور هدوء العاصفة لیسیر من جدید فی طریق الشرک والضلال.

وما أکثر أمثال هؤلاء الأشخاص المتلونون، وما أقل من ینقلب ویتغیر عندما یمنّ الباریء عزّوجلّ علیه بالنصر والنعم والإستقرار.

نعم، فأبسط نسمة هواء تمرّ على حوض ماء تجعل میاهه مضطربة، أمّا المحیط الهادی فإنّه لا یتأثر أبداً بأشدّ الأعاصیر ولذا سمّی المحیط الهادی.

نهایة الآیة تخاطب مثل اُولئک الأشخاص بلغة ملؤها التهدید الصریح والحازم والقاطع: (قل تمتّع بکفرک قلیلا إنّک من أصحاب النّار ).

فهل یمکن أن یکون لإنسان کهذا مصیر أفضل من هذا؟!

الآیة التالیة استخدمت اُسلوب المقارنة، الاُسلوب الذی طالما استخدمه القرآن المجید لإفهام الآخرین القضایا المختلفة، حیث تقول: هل أنّ مثل هذا الشخص انسان لائق وذو قیمة: (أمّن هو قانت آناء اللیل ساجدأ وقائماً یحذر الآخرة ویرجوا رحمة ربّه ) (3) .

أین ذلک الإنسان المشرک والغافل والمتلوّن والضالّ والمضلّ من هذا الإنسان ذو القلب الیقظ الطاهر الساطع بالنور، الذی یسجد لله فی جوف اللیل والناس نیام، ویدعو ربّه خائفاً راجیاً؟!

فهؤلاء فی حال النعمة لا یعدّون أنفسهم فی مأمن من العقاب والعذاب، وفی حال البلاء لا ییأسون من رحمته، وهذان العاملان یرافقان وجودهم أثناء حرکتهم المستمرة بحذر واحتیاط نحو معشوقهم.

«قانت» من مادة «قنوت» بمعنى ملازمة الطاعة المقرونة بالخشوع والخضوع.

«آناء» هی جمع (انا) ـ على وزن کذاـ وتعنی ساعة أو مقداراً من الوقت.

التأکید هنا على ساعات اللیل، لأنّ تلک الساعات یحضر فیها القلب أکثر، وتقلّ نسبة تلوّثه بالریاء أکثر من أیّ وقت آخر.

قدّمت الآیة السجود على القیام، وذلک لکون السجود من أعلى درجات العبادة. وإطلاق الرحمة وعدم تقیّدها بالآخرة دلیل على سعة الرحمة الإلهیّة التی تشمل الحیاة الدنیا والآخرة.

وفی حدیث ورد فی کتاب «علل الشرائع» وفی کتاب «الکافی» نقلا عن الإمام الباقر (علیه السلام)، إنّه فسّر هذه الآیة: (أمّن هو قانت آناء اللیل ) بأنّها صلاة اللیل (4) .

من الواضح أنّ هذا التّفسیر کالکثیر من التفاسیر الاُخرى التی وردت فی ذیل آیات مختلفة فی القرآن الکریم إنّما هو من قبیل ذکر مصادیقها الواضحة، ولا ینحصر مفهوم الآیة بصلاة اللیل.

وتتمة الآیة تخاطب الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) بالقول: (قل هل یستوی الّذین یعلمون والّذین لا یعلمون ).

کلاّ، إنّهم غیر متساوین: (إنّما یتذکّر أولوا الألباب ).

لا شک فی أنّ السؤال المذکور أعلاه سؤال شامل، وأنّه یقارن ما بین الذین یعلمون والذین لا یعلمون، أی بین العلماء والجهلة، لأنّه قبل طرح هذا السؤال، کان هناک سؤال آخر قد طرح، وهو: هل یستوی المشرکون والمؤمنون الذین یحیون اللیل بالعبادة، فالسؤال الثّانی یشیر أکثر إلى هذه المسألة وهو: هل أنّ الذین یعلمون بأنّ المشرکین المعاندین لا یتساوون مع المؤمنین الطاهرین، یتساوون مع الذین لا یعلمون بهذه الحقیقة الواضحة؟

وعلى أیّة حال فهذه العبارة التی تبدأ باستفهام استنکاری، توضّح أحد شعارات الإسلام الأساسیة وهو سمو وعلو منزلة العلم والعلماء فی مقابل الجهل والجهلة. ولأنّ عدم التساوی ـ هذا ـ ذکر بصورة مطلقة، فمن البدیهی أن تکون هاتان المجموعتان غیر متساویتین عند الباریء عزّوجلّ، وغیر متساویین لدى العقلاء، ولا یقفون فی صفّ واحد لافی الدنیا، ولا فی الأخرة وأنّهم مختلفون ظاهراً وباطناً.


1. هناک اختلاف بین المفسّرین حول المعنى الذی تعطیه(ما) فی عبارة (نسی ما کان یدعوا إلیه ) البعض یعتقد أنّ (ما) موصولة تشیر إلى (ضر) ولکون هذا المعنى هو الأنسب، فقد قدّم على المعانی الأخرى، وقال البعض أیضاً: إنّ (ما) موصولة المراد منها هو الله سبحانه وتعالى، ومجموعة أخرى قالت: إنّ (ما) مصدریة وتعنی الدعاء. وإمعان النظر فی الآیة 12 من سورة یونس: (و إذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما کشفنا عنه ضره مر کأن لم یدعنا إلى ضر مسّه ) یبیّن أنّ هذه الآیة شاهد على صحة المعنى الأوّل.
2. یراجع (لسان العرب) و(مفردات الراغب) وتفسیر (روح المعانی).
3. فی هذه العبارة شق محذوف، والتقدیر (أهذا الذی ذکرنا خیر أمن هو قانت آناء اللیل).
4. علل الشرائع، وأصول الکافی، نقلا عن تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 479.
سورة الزّمر / الآیة 8 ـ 9 بحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma