من الممکن أن تطرح على ضوء البحث السابق عدّة أسئلة، منها:
1ـ لماذا یمنع الإسلام بیع وشراء کتب الضلال؟
2ـ لماذا یحرم إعطاء القرآن الکریم بید الکفار؟
3ـ کیف یمکن لإنسان لیس له إلمام بموضوع ما أن ینتخب ویمیّز الجیّد من السىّء ألا یستلزم هذا المعنى الدور؟
الجواب على السؤال الأوّل واضح، لأنّ البحث المتعلّق بالآیات المذکورة أعلاه یتناول أقوالا یؤمل منها الهدایة، ففی أىّ وقت یتضح بعد البحث والتحقیق أنّ الکتاب الفلانی هو مضل فإنّه یخرج من هذا الأمر، فالإسلام لا یسمح بأن یسلک الناس فی طریق ثبت انحرافه، وبالطبع فإنّه مادام الأمر لم یثبت لأحد، أی ما زال الشخص فی حالة التحقیق عن المذاهب الاُخرى لقبول الدین الصحیح، لا بأس بمطالعة کلّ تلک الکتب، ولکن بعد ثبوت ذلک الأمر یجب اعتبارها مادّة سامّة، ویجب إبعادها عن متناول الجمیع.
أمّا بالنسبة إلى السؤال الثّانی، فإنّه لا یجوز إعطاء القرآن لغیر المسلم إن کان ذلک الشخص یهدف إهانة وهتک القرآن، ولکن إن حصل علم بأنّ ذلک الکافر یفکر حقّاً بالتحقیق فی الإسلام من خلال القرآن للوصول إلى هذا الهدف، فإنّ إعطاء القرآن هنا لا یعدّ أمراً ممنوعاً، بل یعدّ واجباً، والعلماء الذین حرّموا ذلک لا یقصدون هذا المعنى.
ولهذا فإنّ الجمعیات الإسلامیة الکبیرة تصرّ بشدّة على ترجمة القرآن إلى بقیة اللغات الحیّة فی العالم، لیوضع تحت تصرّف المتعطشین لمعرفة الحقیقة.
وأمّا بشأن السؤال الثّالث، فیجب الإلتفات إلى أنّه فی کثیر من الأحیان لا یستطیع شخص ما إنجاز عمل ما، ولکن عندما ینجزه الآخرون یتمکن هو من تشخیص الجید من الردیء فی ذلک العمل.
وعلى سبیل المثال، من الممکن أن یوجد شخص لا إطلاع له بفنّ الإعمار والبناء حتى أنّه لا یستطیع وضع لبنتین فوق بعضهما البعض بصورة صحیحة، ولکنّه یستطیع تمییز البناء الجید ذی الکیفیة العالیة من البناء السیء غیر المتناسق، کما أنّ هناک أشخاصاً کثیرین لیسوا بشعراء، إلاّ أنّهم یتمکنون من تقییم أشعار شعراء کبار وتمییزها عن الأشعار الفارغة التی ینظمها بعض ناظمی الشعر. هناک أشخاص لیسوا بریاضیین ولکنّهم یتمکنون من التحکیم بین الریاضیین، وانتخاب الجیّد منهم.