التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سبب النّزولسورة یس / الآیة 80

قلنا أنّ البحوث المختلفة حول المبدأ والمعاد والنبوّة فی سورة (یس) التی هی قلب القرآن وردت بشکل مقاطع مختلفة، فهذه السورة ابتدأت بمسألة النبوّة، واختتمت بسبعة آیات تمثّل أقوى البیانات حول المعاد.

فی البدء تأخذ بید الإنسان وتشیر له إلى بدء حیاته فی ذلک الیوم حیث کان نطفة مهینة لا غیر وتدعوه إلى التأمّل والتفکّر، فتقول: (أو لم یر الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصیم مبین ) (1) . یا له من تعبیر حیوی؟ فالآیة تؤکّد أوّلا على مخاطبة الإنسان، أیّاً کان وأیّ إعتقاد کان یعتقد، وعلى أیّ مستوى کان من العلم، فهو یستطیع إدراک هذه الحقیقة.

ثمّ تتحدّث عن «النطفة» والتی هی لغویاً بمعنى «الماء المهین» لکی یعلم هذا الإنسان المغرور المتکبّر ـ بقلیل من التأمّل ـ ماذا کان فی البدء؟ کما أنّ هذا الماء المهین لم یکن هو السبب فی نشوئه وظهوره، بل خلیّة حیّة متناهیة فی الصغر،  لا ترى بالعین المجرّدة، من ضمن آلاف بل ملایین الخلایا الاُخرى التی کانت تسبح فی ذلک الماء المهین، وباتّحادها مع خلیة صغیرة اُخرى مستقرّة فی رحم المرأة تکوّنت الخلیّة البشریة الاُولى، ودخل الإنسان إلى عالم الوجود!

وتتواصل مراحل التکامل الجنینی الواحدة بعد الاُخرى والتی هی ستّة مراحل کما نقلها القرآن الکریم فی بدایة سورة «المؤمنون» (النطفة، العلقة، المضغة، العظام، إکتساء العظام باللحم، وتمثّل الخلق السوی). ثمّ إنّ الإنسان بعد الولادة کائن ضعیف جدّاً، لا یملک القدرة على شیء، ثمّ یقطع مراحل نموّه بسرعة حتى بلوغ الرشد الجسمانی والعقلی.

نعم، فهذا الموجود الضعیف العاجز، یصبح قویّاً إلى درجة أن یجیز لنفسه النهوض لمحاربة الدعوات الإلهیّة، وینسى ماضیه ومستقبله، لیکون مصداقاً حیّاً لقوله تعالى: (فإذا هو خصیم مبین ). واللطیف أنّ هذا التعبیر یتضمّن جنبتین، إحداهما تمثّل جانب القوّة، والاُخرى جانب الضعف، ویظهر أنّ القرآن الکریم أشار إلیهما جمیعاً.

إنّ هذا العمل لا یکون إلاّ من إنسان یملک عقلا وفکراً وشعوراً وإستقلالا وإرادة، ونعلم بأنّ أهمّ مسألة فی حیاة الإنسان هی التکلّم والحدیث الذی یهیّأ محتواه مسبقاً فی الذهن، ثمّ یصبّ فی قالب من العبارات ویطلق باتّجاه الهدف کالرصاص المنطلق من فوهة البندقیة، وهذا العمل لا یمکن حدوثه فی أی کائن حی عدا الإنسان.

وبذلک فإنّ الله سبحانه وتعالى یجسّد قدرته فی إعطاء هذا الماء المهین هذه القوّة العظیمة... هذا من جانب.

ومن جانب آخر فإنّ الإنسان مخلوق مغرور وکثیر النسیان، فهو یستغلّ کلّ هذه النعم التی أولاها إیّاه ولی نعمته ضدّه فی المجادلة والمخاصمة، فیا له من مغفّل أحمق!!

ویکفی لمعرفة مدى غفلته وحمقه أنّه جاء: (وضرب لنا مثلا ونسی خلقه قال من یحی العظام وهی رمیم ) (2) .

المقصود من ضرب المثل هنا، نفس المعنى بدون التشبیه والکنایة، فالمقصود هو الاستدلال وذکر مصداق لإثبات مطلب معیّن. نعم فإنّ (اُبیّ بن خلف أو اُمیّة بن خلف. أو العاص بن وائل) کان قد وجد قطعة متفسّخة من عظم لم یکن معلوماً لمن هی؟ وهل مات موتاً طبیعیاً، أو فی واحدة من حروب العصر الجاهلی المهولة، أو مات جوعاً؟ وظنّ أنّه وجد فیه دلیلا قویّاً لنفی المعاد! فحمل تلک القطعة من العظم وذهب حانقاً وفرحاً فی نفس الوقت وهو یقول: لأخصمن محمّداً.

فذهب إلى الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) وهو فی عجلة من أمره لیقول له: قل لی من ذا الذی یستطیع أن یلبس هذا العظم البالی لباس الحیاة من جدید؟ وفتّ بیده قسماً من العظم وذرّه على الأرض، واعتقد بأنّ الرّسول (صلى الله علیه وآله) سیتحیّر فی الجواب  ولا یملک ردّاً!!

والجمیل أنّ القرآن الکریم أجابه بجملة وجیزة مقتضبة وهی قوله تعالى: (ونسی خلقه ). ثم أردفها بتوضیح أکثر.

فکأنّه یقول: لو لم تنس بدء خلقک لما إستدللت بهذا الإستدلال الواهی الفارغ أبداً.

أیّها الإنسان الکثیر النسیان، عد قلیلا إلى الوراء وانظر فی خلقک، کیف کنت نطفة تافهة وکلّ یوم أنت فی لبس جدید من مراحل الحیاة، فأنت فی حال موت وبعث مستمرین، فمن جماد أصبحت رجلا بالغاً، وبکمیّة من عالم النبات الجامد، ومن عالم الحیوان المیّت أیضاً أصبحت إنساناً، ولکنّک نسیت کلّ ذلک وصرت تسأل: من یحیی العظام وهی رمیم؟ ألم تکن أنت فی البدء تراباً کما هو حال هذه العظام بعد تفسّخها؟!

لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى یأمر الرّسول (صلى الله علیه وآله) بأن یقول لهذا المغرور الأحمق الناسی (قل یحییها الذی أنشأها أوّل مرّة ).

فإذا کان بین یدیک الیوم بقیّة من العظام المتفسّخة تذکّرک به، فقد مرّ یوم لم تکن فیه شیئاً ولا حتى تراباً، نعم، أفلیس سهلا على من خلقک من العدم أن یعید الحیاة إلى العظام المهترئة؟!

وإذا کنت تعتقد بأنّ هذه العظام بعد تفسّخها تصبح تراباً وتنتشر فی الأصقاع، فمن یستطیع عند ذلک أن یجمع تلک الأجزاء المبعثرة من نقاط إنتشارها؟ فإنّ الجواب على ذلک أیضاً واضح: (وهو بکلّ خلق علیم ).

فمن کان له مثل هذا (العلم) وهذه (القدرة) فإنّ مسألة المعاد وإحیاء الموتى لا تشکّل بالنسبة إلیه أیّة مشکلة. فنحن نستطیع بقطعة من «المغناطیس» جمع برادة الحدید المبثوثة

فی کمیّة من التراب وفی لحظات، والله العالم القادر یستطیع کذلک بأمر واحد أن یجمع ذرّات بدن الإنسان من کلّ موضع کانت فیه من الکرة الأرضیة. فهو العالم لیس بخلق الإنسان فقط، بل هو العالم بنوایاه وأعماله أیضاً، المحیط بکلّ شیء علماً وهو على کلّ شیء قدیر.

وعلیه فإنّ الحساب على الأعمال والنوایا والإعتقادات المضمرة لا یشکّل له تعالى أدنى مشکلة أیضاً، فکما ورد فی الآیة 284 من سورة البقرة: (وإن تبدوا ما فی أنفسکم أو تخفوه یحاسبکم به الله ).

وکذلک حینما أظهر فرعون شکّاً فی قدرة الله على المعاد وإحیاء القرون السابقة، أجابه موسى (علیه السلام): (قال علمها عند ربّی فی کتاب لا یضلّ ربّی ولا ینسى ). (3)


1. «خصیم» بمعنى المصرّ على الخصومة والجدال، و(الرؤیة) بمعنى (العلم).
2. «رمیم» من مادّة «رم» وهو إصلاح الشیء البالی، و«الرِّمَّةُ» تختص بالعظم البالی، و«الرُّمّة» تختص بالحبل البالی، (مفردات الراغب مادّة «رم» ص 203).
3. طه، 52.
سبب النّزولسورة یس / الآیة 80
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma