یوم تسکت الألسن وتشهد الأعضاء!!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة یس / الآیة 63 ـ 68 سورة یس / الآیة 69 ـ 70

تعرّضت الآیات السابقة، إلى قسم من التوبیخات والتقریعات الإلهیّة وإلى مخاطبته سبحانه المجرمین فی یوم القیامة.

هذه الآیات تواصل البحث حول الموضوع نفسه أیضاً.

نعم، ففی ذلک الیوم وحینما تظهر جهنّم للمجرمین الکافرین یذکّرهم الله بوعده، والآیة تشیر إلى ذلک فتقول: (هذه جهنّم التی کنتم توعدون ).

فقد بُعث إلیکم الأنبیاء واحداً بعد واحد، وحذّروکم من مثل هذا الیوم ومن مثل هذه النار، ولکنّکم لم تأخذوا أقوالهم إلاّ على محمل السخریة والاستهزاء (اصلوها الیوم بما کنتم تکفرون ) (1) .

ثمّ یشیر تعالى إلى شهود یوم القیامة... الشهود الذین هم جزء من جسد الإنسان، حیث لا مجال لإنکار شهادتهم، فیقول تعالى: (الیوم نختم على أفواههم وتکلّمنا أیدیهم وتشهد أرجلهم بما کانوا یکسبون ).

نعم ففی ذلک الیوم لا تکون أعضاء الإنسان طوع إرادته ومیوله، فهی بأجمعها تتخلّى عن إمتثال أمره وتستسلم لأمر الله سبحانه، ویالها من محکمة عجیبة تلک المحکمة التی شهودها نفس أعضاء الإنسان. تلک الأعضاء التی کانت الوسائل لإرتکاب المعاصی والذنوب.

ویحتمل أن تکون شهادة الأعضاء، بسبب أنّ المجرمین حینما یرون بأنّهم سیصلون جهنّم جزاء أعمالهم، یمیلون إلى إنکار ما ارتکبوا ظنّاً منهم أنّه یمکن الإفلات بإخفاء الحقائق والإنکار، إلاّ أنّ الأعضاء تبدأ هنا بالشهادة، الأمر الذی یثیر عجب اُولئک المجرمین ووحشتهم ویغلق علیهم جمیع طرق الفرار والخلاص.

أمّا عن کیفیة نطق تلک الأعضاء، فثمّة تفسیرات وإحتمالات عدیدة:

انّ الله سبحانه وتعالى یجعل فی کلّ واحد من تلک الأعضاء القدرة على التکلّم والشعور، وهی تقوم بنقل الحقیقة بصدق، وما هو العجب فی ذلک؟ فمن جعل فی قطعة من اللحم المسمّاة «لسان» أو «مخ الإنسان» القدرة على النطق، یستطیع أن یجعل هذه القدرة فی سائر أعضاء البدن أیضاً.

أنّ تلک الأعضاء لا تُعطى الإدراک والشعور، ولکن الله سبحانه وتعالى ینطقها، وفی الحقیقة فإنّ تلک الأعضاء ستکون محلا لظهور الکلام، وإنکشاف الحقائق بإذن الله.

أنّ أعضاء البدن الإنسانی تحتفظ بآثار الأعمال التی قامت بها فی الدنیا، إذ إنّ أی عمل فی هذه الدنیا لا یفنى، بل إنّ آثاره ستبقى على کلّ عضو من البدن، وفی الفضاء المحیط بها، وفی ذلک الیوم الذی هو یوم الظهور والتجلّی، ستظهر هذه الآثار على الید والقدم وسائر الأعضاء، وظهور تلک الآثار هو بمنزلة الشهادة، وهذا تماماً کما یرد فی لغتنا المعاصرة حینما نقول: «عینک تشهد على سهرک»، أو «الجدران تبکی صاحب الدار».

وعلى کلّ حال، فإنّ من المسلّمات شهادة الأعضاء فی یوم القیامة، ولکن هل أنّ کلّ عضو یکشف عن فعله فحسب، أو یکشف عن کلّ الأعمال؟ فلا شکّ أنّ الاحتمال الأوّل هو الأنسب، لذا فإنّ الآیات القرآنیة الکریمة الاُخرى تذکر شهادة الاُذن والعین والجلد، کما فی الآیة 20 من سورة فصلت حین یقول تعالى: (حتى إذا ما جاؤوها شهد علیهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما کانوا یعملون ) أو ما ورد فی الآیة 24 من سورة النور من قوله تعالى: (یوم تشهد علیهم ألسنتهم وأیدیهم وأرجلهم بما کانوا یعملون ).

والجدیر بالملاحظة أنّه تعالى فی سورة النور یقول: (تشهد علیهم ألسنتهم ) وفی الآیة مورد البحث یقول: (الیوم نختم على أفواههم )، ومن الممکن أن یکون ما یحصل هناک هو أن یختم على فم المجرم أوّلا لتشهد أعضاؤه، وبعد أن یرى بنفسه شهادة أعضائه، یفتح لسانه، ولأنّه لا مجال للإنکار فإنّ لسانه أیضاً یقرّ بالحقیقة.

وکذلک یحتمل أن یکون المقصود من کلام اللسان هو الکلام الداخلی الذی ینبعث منه کما فی سائر الأعضاء، ولیس نطقه العادی.

آخر ما نرید قوله بخصوص موضوع تکلّم الأعضاء هو أنّ ذلک خاص بالمجرمین، وإلاّ فالمؤمنون حسابهم واضح، لذا ورد فی الحدیث عن الباقر (علیه السلام)«لیست تشهد الجوارح على مؤمن، إنّما تشهد على من حقّت علیه کلمة العذاب، فأمّا المؤمن فیعطى کتابه بیمینه، قال الله عزّوجلّ: (فمن اُوتى کتابه بیمینه فاُولئک یقرؤن کتابهم ولا یظلمون فتیلا ) (2) (3) .

الآیة التالیة تشیر إلى أحد ألوان العذاب التی یمکن أن یبتلی الله تعالى بها المجرمین فی هذه الدنیا، تقول الآیة الکریمة: (ولو نشاء لطمسنا على أعینهم ) (4) .

وفی تلک الحالة التی یبلغ فیها الرعب الذروة عندهم: (فاستبقوا الصراط فأنّى یبصرون ). فهم عاجزون حتى عن العثور على الطریق إلى بیوتهم، ناهیک عن العثور على طریق الحقّ وسلوک الصراط المستقیم!

وعقوبة مؤلمة اُخرى لهم: انّنا لو أردنا لمسخناهم فی مکانهم على شکل تماثیل حجریة فاقدة للروح والحرکة، أو على أشکال الحیوانات بحیث لا یستطیعون التقدّم إلى الأمام، ولا الرجوع إلى الخلف: (ولو نشاء لمسخناهم على مکانتهم فما استطاعوا مضیّاً ولا یرجعون ) (5) .

«فاستبقوا الصراط» یمکن أن تکون بمعنى التسابق فیما بینهم للعثور على الطریق الذی یذهبون منه عادةً، أو بمعنى الإنحراف عن الطریق وعدم العثور علیه، على ضوء ما قاله بعض أرباب اللغة من أن «فاستبقوا الصراط» بمعنى «جاوزوه وترکوه حتى ضلّوا» (6) .

وعلى کلّ حال، فطبقاً للتفسیر الذی قبل به أغلب المفسّرین الإسلامیین، فإنّ الآیتین أعلاه، تتحدّثان عن عذاب الدنیا، وعن تهدید الکفّار والمجرمین بأنّ الله سبحانه وتعالى قادر على تعریضهم لمثل هذا العذاب فی الدنیا، ولکن للطفه ورحمته فإنّه یمتنع عن ذلک، فقد ینتبه هؤلاء المعاندین ویرجعوا عن غیّهم إلى طریق الحقّ.

ولکن یوجد احتمال آخر أیضاً، وهو أنّ الآیات تشیر إلى العقوبات الإلهیّة فی یوم القیامة لا فی الدنیا، وفی الحقیقة فهو تعالى بعد أن أشار إلى «الختم على أفواههم» فی الآیة السابقة، یشیر هنا إلى نوعین آخرین من العقوبات التی لو شاء لأجراها علیهم:

الأوّل: الطمس على عیونهم بحیث لا یمکنهم رؤیة «الصراط» أی طریق الجنّة.

الثانی: أنّ هؤلاء الأفراد بعد أن کانوا فاقدین للحرکة فی طریق السعادة فإنّهم یتحوّلون إلى تماثیل میتة فی ذلک الیوم ویظلّون حیارى فی مشهد المحشر، ولیس لهم طریق للتقدّم أو للتراجع، إنّ تناسب الآیات ـ طبعاً ـ یؤیّد هذا التّفسیر الأخیر، وإن کان أکثر المفسّرین قد اتّفقوا على قبول التّفسیر السابق (7) .

الآیة الأخیرة من هذه المجموعة تشیر إلى وضع الإنسان فی آخر عمره من حیث الضعف والعجز العقلی والجسمی، لتکون إنذاراً لهم ولیختاروا طریق الهدایة عاجلا، ولتکون جواباً على الذین یلقون بمسؤولیة تقصیرهم على قصر أعمارهم، وکذلک لتکون دلیلا على قدرة الله سبحانه وتعالى، فالقادر على أن یعید ذلک الإنسان القوی إلى ضعف وعجز الولید الصغیر... قادر على مسألة المعاد بالضرورة، وعلى الطمس على عیون المجرمین ومنعهم عن الحرکة، کذلک تقول الآیة الکریمة: (ومن نعمّره ننکّسه فی الخلق أفلا یعقلون ).

«ننکّسه» من مادّة «تنکیس» وهو قلب الشیء على رأسه. وهی هنا کنایة عن الرجوع الکامل للإنسان إلى حالات الطفولة. فالإنسان منذ بدء خلقته ضعیف، ویتکامل تدریجیّاً ویرشد، وفی أطواره الجنینیة یشهد فی کلّ یوم طوراً جدیداً ورشداً جدیداً، وبعد الولادة ـ أیضاً ـ یستمرّ فی مسیره التکاملی جسمیاً وروحیاً وبسرعة، وتبدأ القوى والإستعدادات التی أخفاها الله فی أعماق وجوده بالظهور تدریجیّاً الواحدة تلو الاُخرى، فی طور الشباب، ثمّ طور النضج، لیبلغ الإنسان أوج تکامله الجسمی والروحی.

وهنا تنفصل الروح عن الجسد فی تکاملها ونموّها، فتستمر فی تکاملها فی حال أنّ الجسد یشرع بالنکوص، ولکن العقل فی النهایة یبدأ هو الآخر بالتراجع أیضاً، فیعود تدریجیّاً ـ وأحیاناً بسرعة ـ إلى مراحل الطفولة، ویتساوق ذلک مع الضعف البدنی أیضاً، مع الفارق طبعاً، فالآثار التی تترکها حرکات وروحیات الأطفال على النفس هی الراحة والجمال والأمل ولهذا فهی مقبولة منهم، ولکنّها من أهل الشیخوخة، قبیحة ومنفّرة، وفی بعض الأحیان قد تثیر الشفقة والترحّم، فالشیخوخة أیّام عصیبة حقّاً، یصعب تصوّر عمق آلامها.

فی الآیة 5 من سورة الحجّ أشار القرآن المجید إلى هذا المعنى، قائلا: (ومنکم من یرد إلى أرذل العمر لکیلا یعلم من بعد علم شیئاً ). لذا فقد ورد فی بعض الروایات أنّ من جاوز السبعین حیّاً فهو «أسیر الله فی الأرض» (8) .

وعلى کلّ حال فإنّ جملة (أفلا یعقلون ) تشعّ تنبیهاً عجیباً بهذا الخصوص، وتقول للبشر: إنّ هذه القدرة والقوّة التی عندکم لو لم تکن على سبیل «العاریة» لما أخذت منکم بهذه البساطة. اعلموا أنّ فوقکم ید قدرة اُخرى قادرة على کلّ شیء، فقبل أن تصلوا إلى تلک المرحلة خلّصوا أنفسکم، وقبل أن یتبدّل هذا النشاط والجمال إلى موت وذبول، اجمعوا الورد من هذا الروض، وتزوّدوا بالزاد من هذه الدنیا لطریق الآخرة البعید، لأنّه لم یمکنکم أداء أی عمل ذی قیمة فی وقت الشیب والضعف والمرض، ولذا فإنّ من ضمن ما أوصى به النّبی (صلى الله علیه وآله) أبا ذرّ أنّه قال: «اغتنم خمساً: قبل خمس: شبابک قبل هرمک، وصحّتک قبل سقمک، وغناک قبل فقرک، وفراغک قبل شغلک، وحیاتک قبل موتک» (9) .


1. «أصلوها» من (صلا) أصل الصَّلی إیقاد النار، ویقال صَلِیَ بالنار وبکذا، أی بُلی بها واصطلى بها.
2. الإسراء، 71.
3. تفسیر الصافی، ج 4، ص 258، ذیل الآیات مورد البحث.
4. «طمسنا» من «طمس» ـ على وزن شمس ـ بمعنى إزالة الأثر بالمحو، وهذه إشارة إلى إزالة ضوء العین أو صورتها بشکل کلّی بحیث لا یبقى منها أثر.
5. «مکانتهم» بمعنى محل التوقّف، وهی إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن یخرجهم عن إنسانیتهم فی محل توقّفهم، یغیّر أشکالهم، ویفقدهم القدرة على الحرکة، تماماً کالتمثال الخالی من الروح.
6. لسان العرب ـ قطر المحیط ـ المنجد «مادّة سبق».
7. ذکر صاحب تفسیر فی ظلال القرآن هذا التّفسیر على انّه الوحید، فی حین انّ التّفسیر السابق إختاره کلّ من تفاسیر مجمع البیان، التبیان، المیزان، الصافی، روح المعانی، روح البیان، القرطبی، والکبیر.
8. ورد هذا الحدیث فی سفینة البحار مادّة (عمر).
9. بحارالأنوار، ج 77، ص 75، ح 3.
سورة یس / الآیة 63 ـ 68 سورة یس / الآیة 69 ـ 70
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma