1ـ التعبیر بـ «یفتح» ـ من مادّة «فتح» ـ إشارة إلى وجود خزائن الرحمة الإلهیّة التی ورد ذکرها أیضاً فی آیات اُخرى من القرآن الکریم، والملفت للنظر أنّ هذه الخزائن بمجرّد فتحها تجری الرحمة على الخلائق بلا أدنى حاجة إلى شیء آخر، وبدون أن یستطیع أحد منعها من ذلک.
وتقدّم مفهوم «فتح الرحمة» على «إمساکها»، لأنّ رحمة الله تسبق غضبه دوماً.
2ـ تعبیر «الرحمة» له معنى واسع وشامل لکلّ المواهب الإلهیّة فی الکون، معنویةً ومادیةً، ولهذا السبب یحسّ المؤمن عندما توصد أمامه جمیع الأبواب بأنّ الرحمة تنساب فی قلبه وروحه، فیکون مسروراً وقانعاً هادئاً ومطمئناً، حتى وإن کان مأسوراً فی السجن.
وتارةً ینعکس الحال، وذلک حینما تکون جمیع الأبواب الظاهریة مفتوحة أمام الإنسان، ومع ذلک یحسّ فی أعماقه بالضیق والضغط ویرى الدنیا على سعتها سجناً مظلماً موحشاً، لمجرد عدم إنفتاح باب الرحمة الإلهیّة فی أعماقه، وهذا أمر محسوس وملموس للجمیع.
3ـ استعمال صفتی «العزیز» و«الحکیم» لتوضیح قدرة الله سبحانه وتعالى على «إرسال» و«إمساک» الرحمة، وفی عین الحال إشارة إلى أنّ الفتح والإغلاق فی أیّ وقت شاء تعالى إنّما هو على أساس الحکمة، لأنّ قدرة الباری وحکمته مقرونتان.
وعلى کلّ حال فإنّ الإنتفاع من محتوى هذه الآیة، یمنح الإنسان المؤمن هدوءاً وسکینة، ویجعله مقاوماً لکلّ أنواع الحوادث، ولا یخاف من المشاکل، ویبعده عن الغرور فی حال النجاح والفوز.
وتشیر الآیة التالیة إلى «توحید العبادة» على أساس «توحید الخالقیة والرازقیة»
فتقول الآیة الکریمة: (یاأیّها الناس اذکروا نعمة الله علیکم ).
فکّروا ملیاً ما هو منشأ کلّ هذه المواهب والبرکات والإمکانیات الحیاتیة التی قیّضت لکم... (هل من خالق غیر الله یرزقکم من السماء والأرض ). فمن الذی یرسل علیکم من الشمس نورها الذی ینشر الحیاة، وحبّات المطر التی تحیی الموات، والنسیم الذی ینعش الروح؟ ومن الذی یخرج لکم من الأرض معادنها وذخائرها وغذاءها وأنواع نباتاتها وثمارها وبرکاتها الاُخرى؟
فإذا علمتم أنّ مصدر کلّ هذه البرکات هو الله، فاعلموا أنّ: (لا إله إلاّ هو ).
وعلیه فکیف تنحرفون عن طریق الحقّ إلى الباطل، وتسجدون للأصنام بدلا من السجود لله سبحانه؟ (فأنّى تؤفکون ).
«تؤفکون»: من مادّة «إفک»، بمعنى «کلّ مصروف عن وجهه الذی یحقّ أن یکون علیه» ولذا قیل لکلّ حدیث ینصرف عن الصدق فی المقال إلى الکذب «إفک» وإن کان البعض یرى أنّ هذه الکلمة تطلق على الکذب الفاحش والتهمة الشنیعة.
