فی الشدائد یذکرون الله، ولکن...

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 49 ـ 52 سورة الزّمر / الآیة 53 ـ 55

الآیات هنا تتحدّث مرّة اُخرى عن المشرکین والظالمین، وتعکس صورة اُخرى من صورهم القبیحة.

فی البدایة یقول (فإذا مسّ الإنسان ضرّ دعانا ) فذلک الإنسان الذی کان ـ وفق ما جاء فی الآیات السابقة ـ یشمئز من ذکر اسم الله، نعم، هو نفسه یلجأ إلى ظلّ الله عندما یصیبه الضرّ ویتعرّض للشدائد. لکن هذا اللجوء مؤقت، إذ ما إن یتفضّل علیه الباریء عزّوجلّ ویکشف عنه الضر والشدائد، حتى یتبجح ناکراً لهذه النعم، وزاعماً بأنّه هو الذی أنقذ نفسه من ذلک الضر (ثمّ إذا خوّلناه نعمة منّا قال إنّما أوتیته على علم ) (1) .

نظیر هذا الکلام نقله القرآن فی الآیة 78 من سورة القصص عن لسان «قارون» عندما نصحه علماء بنی إسرائیل بأن ینفق ممّا منّ الله به علیه فی سبیل الله، إذ قال: (إنّما أوتیته على علم عندی ).

إنّ أمثال هؤلاء الغافلین لا یتصورون أنّ العلوم والمعارف التی یمتلکها الإنسان إنّما هی نعمة إلهیّة، فهل أنّ هؤلاء اکتسبوا العلم الذی کان یدرّ علیهم الأموال الطائلة من ذاتهم؟ أم أنّه کان فی ذاتهم منذ الأزل؟

بعض المفسّرین ذکروا احتمالا آخر لتفسیر هذه العبارة، وقالوا: إنّ النعم التی منّ بها الباریء عزّوجلّ علینا إنّما منّ بها علینا لعلمه بلیاقتنا واستحقاقنا لها.

ومع أنّ هذا الاحتمال وارد بشأن الآیة مورد بحثنا، لکنّه غیر وارد بشأن الآیة الآنفة التی تحدّثت عن قارون، خاصّة مع وجود کلمة (عندی) وهذه أحد القرائن لترجیح التّفسیر الأوّل للآیة التی هی مورد البحث.

ثم یجیب القرآن الکریم على أمثال هؤلاء المغرورین، الذین ینسون أنفسهم وخالقهم بمجرّد زوال المحنة وتوفّر النعمة، قائلا: (بل هی فتنة ولکنّ أکثرهم لایعلمون ).

فالهدف من إبتلائهم بالحوادث الشدیدة والصعبة، ومن ثمّ إغداق النعم الکبیرة علیهم هو اظهار خبایاهم والکشف عن بواطنهم.

هل ییأس الإنسان عند المصیبة ویغترّ ویطغى عند النعمة؟

هل أنّه یزداد تفکیراً بالله عزّوجلّ عندما یحاط بهذه النعم، أم أنّه یغرق فی ملذّات الدنیا؟

هل ینسى ذاته، أو أنّه یلتفت إلى نقاط ضعفه ویعود إلى ذکر الله أکثر؟

ممّا یؤسف له أنّ أکثر الناس مبتلون بالنسیان، وغیر مطلعین على الحقائق التی تکررت مرّات عدیدة فی آیات القرآن المجید، وهی أنّ العزیز الحکیم یجعل الإنسان أحیاناً محاطاً بالمشاکل والإبتلاءات الشدیدة، وأحیاناً یغدق علیه النعم، وذلک لیمتحنه ویرفع من شأنه ولیعرّفه بأنّ کلّ شیء فی هذه الحیاة هو من ا لله سبحانه وتعالى.

ومن الطبیعی أنّ الشدائد تهىّء الأرضیة لتفتح الفطرة، کما أنّ النعم مقدمة للمعرفة (وفی هذا الخصوص أوردنا بحثاً آخر فی تفسیرنا الأمثل فی نهایة الآیة 65 من سورة العنکبوت).

وممّا یدعوا إلى الإنتباه تأکید الآیة على کلمة (إنسان) التی عرّفته بأنّه کثیر النسیان والغرور، وهذه إشارة إلى الذین لم یتربّوا وفق ما جاء فی الشرائع والسنن الإلهیّة، والذین لم یکن لهم أیّ مربّ ومرشد.. الذین أطلقوا لشهواتهم العنان واستسلموا لأهوائهم، نعم فهؤلاء هم الذین یلجؤون إلى الباریء عزّوجلّ کلّما مسّهم الضرّ وکلّما ابتلوا بالشدائد

والمحن، ولکن عندما تهدأ أعاصیر الحوادث ویشملهم لطف الباریء وعنایته، ینسونه وکأنّهم لم یدعوه إلى ضرّ مسّهم، ولمزید من الإطلاع راجع موضوع، الإنسان فی القرآن الکریم، فی نهایة الآیة 12 من سورة یونس.

وتضیف الآیة التالیة (قد قالها الّذین من قبلهم فما اغنى عنهم ما کانوا یکسبون ) (2) .

نعم، فقارون وأمثاله من المغرورین یتصورون أنّهم حصلوا على الأموال بسبب لیاقتهم وغفلوا عن أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذی منّ بهذه النعم علیهم وأنّه المصدر الأصل للنعم والواهب الحقیقی لها، وأنّهم کانوا ینظرون فقط للأسباب الظاهریة، لکن التاریخ بیّن أنّه عندما خسف الباریء عزّوجلّ الأرض باُولئک لم یسرع أحد إلى مساعدتهم، ولم تنفعهم أموالهم، کما ورد فی سورة القصص الآیة 81 (فخسفنا به وبداره الأرض فما کان له من فئة ینصرونه من دون الله ).

ولیس قارون ـ وحده ـ ابتلی بهذا العذاب، وإنّما أقوام عاد وثمود وسبأ وأمثالهم ابتلوا ـ أیضاًـ وکان لهم نفس المصیر.

ثم یقول: (فأصابهم سیّئات ما کسبوا ).

فکل واحد منهم ابتلی بنوع من العذاب الإلهی وهلک، کابتلائهم بالطوفان والسیل والزلزال والصیحة السماویة.

ویضیف: إنّ هذا المصیر لا ینحصر باُولئک الاقوام وحسب بل إنّ مشرکی مکّة سیبتلون فی القریب العاجل بعواقب أعمالهم السیئة، ولا یستطیع أحد منهم أن یفرّ من قبضة العذاب الإلهی الذی سینزل بهم جمیعاً (والّذین ظلموا من هؤلاء سیصیبهم سیّئات ما کسبوا وما هم بمعجزین ).

وسینال هذا العذاب والإبتلاء کلّ الطغاة والمغرورین والمشرکین، وفی کلّ العصور والقرون.

ومن جهة اُخرى ورد احتمالان فی هل أنّ المراد من عبارة (سیصیبهم سیّئات ما کسبوا )هو العذاب الدنیوی أم العذاب الاُخروی، ولکن بقرینة (فأصابهم سیّئات ما کسبوا ) فإنّ التّفسیر الأوّل أنسب.

القرآن الکریم أجاب على ادعاءات الذین یزعمون أنّهم حصلوا على النعم الدنیویة بعلمهم وقدرتهم، عندما دعاهم إلى مراجعة تاریخ الأوّلین للإطلاع على أنواع الإبتلاءات والعذاب الذی ابتلوا به بسبب مزاعمهم الباطلة، وهذا هو ردّ تأریخی وواقعی.

ثمّ یرد القرآن الکریم علیهم بردّ عقلی، إذ یقول: (أو لم یعلموا أنّ الله یبسط الرّزق لمن یشاء ویقدر ).

فالکثیر من الأشخاص الکفوئین نراهم یعیشون حیاة المستضعفین والبسطاء، فی حین نرى أنّ الکثیر من الأشخاص غیر الکفوئین یعیشون أثریاء ومتنعمین من کلّ النواحی، فلو کان الظفر المادىّ کلّه یأتی عن طریق جهد وسعی الإنسان إضافة إلى کفاءته، لما کنّا نرى مثل هذه المشاهد. إذن فمن هنا یستدل على وجود ید قویّة اُخرى خلف عالم الاسباب تدیر الشؤون وفق منهج محسوب.

صحیح أنّه یجب على الإنسان أن یبذل الجهد والسعی فی حیاته، وصحیح أنّ الجهاد والسعی هما مفتاح حلّ الکثیر من المشاکل، ولکن إغفال مسبب الأسباب والنظر إلى الأسباب فقط، واعتبار الکفاءة هی المؤثر الوحید یعد خطأً کبیراً.

فإحدى أسرار إحاطة الفقر والحرمان بمجموعة من العلماء المقتدرین، وإحاطة الغنى بمجموعة من الجهلة غیر الأکفاء هو تنبیه لکلّ الناس التائهین فی عالم الأسباب بأن لا یعتمدوا فقط على قواهم الذاتیة، لذا تضیف الآیة (إنّ فی ذلک لآیات لقوم یؤمنون ). الآیات التی وضّحها أمیر المؤمنین علیه السلام عندما قال: «عرفت الله بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم» (3) . وهی کلمة سامیة تدلّ على ضعف وعجز الإنسان کی لا یتیه ولا یبتلى بالغرور والتکبّر.


1. «خول» من مادة «تخویل» وتعنی الإعطاء على نحو الهبة، وقد شرحت بالتفصیل فی ذیل الآیة الثامنة من هذه السورة (الزمر)، ضمیر (أوتیته)رغم أنّه یعود على (نعمة) فقد جاء بصیغة المذکر، لأنّ المقصود منه (شیء من النعمة) أو (قسم من النعمة).
2. ضمیر (قد قالها) راجع إلى القول السابق باعتبار أنّه مقالة أو کلمة، والمراد منها عبارة (إنّما أوتیته على علم ).
3. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 250.
سورة الزّمر / الآیة 49 ـ 52 سورة الزّمر / الآیة 53 ـ 55
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma