حیاة أیّوب الملیئة بالحوادث والعبر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 41 ـ 44 1ـ دروس مهمّة فی قصّة أیّوب

الآیات السابقة تحدّثت عن سلیمان (علیه السلام) وعن القدرة التی منحها إیّاه الباریء عزّوجلّ، والتی کانت بمثابة البشرى لرسول الله (صلى الله علیه وآله) ولمسلمی مکّة الذین کانوا یعیشون تحت ضغوط صعبة.

آیات بحثنا هذا تتحدّث عن أیّوب الذی کان اُنموذجاً حیّاً للصبر والإستقامة، وذلک لتعطی درساً لمسلمی ذلک الیوم ویومنا الحاضر وغداً، درساً فی مقاومة مشاکل وصعاب الحیاة، ولتدعوهم إلى الإتّحاد والتعاون، کما وضّحت العاقبة المحمودة للصبر والصابرین.

وأیّوب هو ثالث نبی من أنبیاء الله تستعرض هذه السورة (سورة ص) جوانب من حیاته، وهی بذلک تدعو رسولنا الأکرم (صلى الله علیه وآله) إلى تذکّر هذه القصّة، وحکایتها للمسلمین، کی یصبروا على المشاکل الصعبة التی کانت تواجههم، ولا ییأسوا من لطف ورحمة الله.

اسم «أیّوب» أو قصّته وردت فی عدّة سور من سور القرآن المجید، منها الآیة 163 فی سورة النساء، والآیة 84 فی سورة الأنعام التی ذکرت إسمه فی قائمة أنبیاء الله الآخرین، وبیّنت وأثبتت مقام نبوّته، بخلاف کتاب التوراة الحالی الذی لم یعتبره من الأنبیاء، وإنّما اعتبره أحد عباد الله المحسنین والأثریاء وذا عیال کثیرین.

کما أنّ الآیات 83 و84 فی سورة الأنبیاء إستعرضت بصورة مختصرة جوانب من حیاة أیّوب (علیه السلام)، أمّا آیات بحثنا هذه فإنّها تستعرض حیاته بصورة مفصّلة أکثر من أیّ سورة اُخرى من خلال أربعة آیات:

فالاُولى تقول: (واذکر عبدنا أیّوب إذ نادى ربّه أنّی مسّنی الشّیطان بنصب وعذاب ).

«نصب» على وزن (عسر)، و(نصب) على وزن (حسد)، وکلاهما بمعنى البلاء والشرّ.

هذه الآیة تبیّن أوّلا علوّ مقام أیّوب عند الباری عزّوجلّ، وذلک من خلال کلمة «عبدنا»، وثانیاً فإنّها تشیر بصورة خفیّة إلى الإبتلاءات الشدیدة التی لا تطاق، وإلى الألم والعذاب الذی مسّ أیّوب (علیه السلام).

ولم یرد فی القرآن الکریم شرحاً مفصّلا لما جرى على أیّوب (علیه السلام)، وإنّما نقرأ فی کتب الحدیث المعروفة والتفاسیر تفاصیل هذه القصّة.

ففی تفسیر نور الثقلین نقرأ أنّ أبا بصیر سأل الإمام الصادق عن بلیّة أیّوب التی ابتلی بها فی الدنیا لأیّ علّة کانت؟ (لعلّ السائل کان یظنّ أنّ أیّوب ابتلی بما ابتلی به لمعصیة إرتکبها) فأجاب (علیه السلام) بقوله: «لنعمة أنعم الله عزّوجلّ علیه بها فی الدنیا وأدّى شکرها، وکان فی ذلک الزمان لا یحجب إبلیس دون العرش، فلمّا صعد ورأى شکر نعمة أیّوب (علیه السلام) حسده إبلیس، فقال: یاربّ، إنّ أیّوب لم یؤدّ إلیک شکر هذه النعمة إلاّ بما أعطیته من الدنیا، ولو حرمته دنیاه ما أدّى إلیک شکر نعمة أبداً، فسلّطنی على دنیاه حتى تعلم أنّه لم یؤدّ إلیک شکر نعمة أبداً».

(ولکی یوضّح الباریء عزّوجلّ إخلاص أیّوب للجمیع، ویجعله نموذجاً حیّاً للعالمین حتى یشکروه حین النعمة ویصبروا حین البلاء، سمح الباری عزّوجلّ للشیطان فی أن یتسلّط على دنیا أیّوب).

«فقال له الباری عزّوجلّ: قد سلّطتک على ماله وولده، قال: فانحدر إبلیس فلم یبق له مالا ولا ولداً إلاّ أعطبه (أی أهلکه) فإزداد أیّوب لله شکراً وحمداً. قال: فسلّطنی على زرعه یاربّ، قال: قد فعلت، فجاء مع شیاطینه فنفخ فیه فاحترق، فازداد أیّوب لله شکراً وحمداً، فقال: یاربّ سلّطنی على غنمه، فسلّطه على غنمه فأهلکها، فإزداد أیّوب لله شکراً وحمداً، فقال: یاربّ سلّطنی على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعینیه، فنفخ فیه إبلیس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه، فبقی فی ذلک دهراً طویلا یحمد الله ویشکره».

(ولکن وقعت حادثة کسرت قلبه وجرحت روحه جرحاً عمیقاً، وذلک عندما زارته مجموعة من رهبان بنی إسرائیل).

«وقالوا له: یاأیّوب لو أخبرتنا بذنبک لعلّ الله کان یهلکنا إذا سألناه، وما نرى إبتلاک

بهذا الإبتلاء الذی لم یبتل به أحد إلاّ من أمر کنت تستره؟ فقال أیّوب (علیه السلام): وعزّة ربّی لم أرتکب أی ذنب، وما أکلت طعاماً إلاّ ویتیم أو ضعیف یأکل معی» (1) .

حقّاً إنّ شماتة أصحابه کانت أکثر ألماً علیه من أیّة مصیبة اُخرى حلّت به، ورغم هذا لم یفقد أیّوب صبره، ولم یلوّث شکره الصافی کالماء الزلال بالکفر، وإنّما توجّه إلى الباریء عزّوجلّ وذکر العبارة التی ذکرناها آنفاً، أی قوله تعالى: (أنّی مسّنی الشّیطان بنصب وعذاب ) ولکونه خرج من الإمتحان الإلهی بنتیجة جیّدة، فتح الباری عزّوجلّ ـ مرّة اُخرى ـ أبواب رحمته على عبده الصابر المتحمّل أیّوب، وأعاد علیه النعم التی إفتقدها الواحدة تلو الاُخرى، لا بل أکثر ممّا کان یمتلک من المال والزرع والغنم والأولاد، وذلک کی یفهم الجمیع العاقبة الحسنة للصبر والتحمّل والشکر.

بعض کبار المفسّرین، احتملوا أنّ الوساوس التی وسوس بها الشیطان فی قلب أیّوب هی المقصودة من أذى وعذاب الشیطان لأیّوب، إذ کان یقول له أحیاناً: لقد طالت فترة مرضک، ویبدو أنّ ربّک قد نسیک!

وأحیاناً کان یقول له: ما زلت تشکر الله رغم أنّه أخذ منک النعم العظیمة والسلامة والقوّة والقدرة!

یحتمل أنّهم ذکروا هذا التّفسیر لکونهم یستبعدون إمکانیة تسلّط الشیطان على الأنبیاء کأیّوب، ولکن مع الإنتباه إلى أنّ هذه السلطة: أوّلا: کانت بأمر من الله. وثانیاً: محدودة ومؤقتة. وثالثاً: لإمتحان هذا النّبی الکبیر ورفع شأنه، فلا إشکال فی ذلک.

على أیّة حال، قیل: إنّ فترة ألمه وعذابه ومرضه کانت سبع سنین، وفی روایة اُخرى قیل: إنّها کانت 18 سنة، وحالته وصلت إلى حدّ بحیث ترکه أصحابه وحتى أقرب المقربین إلیه، عدا زوجته التی صمدت معه وأظهرت وفاءها له. وهذا شاهد على وفاء بعض الزوجات!

وأشدّ ما آذى وآلم روح أیّوب (علیه السلام) من بین ذلک الأذى والعذاب الذی مرّ به، هو شماتة أعدائه، لذا فقد جاء فی إحدى الروایات أنّ أیّوب (علیه السلام) سئل بعد ما عافاه الله، أیّ شیء کان أشدّ علیک ممّا مرّ؟ فقال: شماتة الأعداء.

فی النهایة خرج أیّوب (علیه السلام) سالماً من بودقة الامتحان الإلهی، ونزول الرحمة الإلهیّة علیه یبدأ من هنا، إذ صدر إلیه الأمر (ارکض برجلک هذا مغتسل بارد وشراب ).

«ارکض» مشتقّة من (رکض) على وزن (فقر) وتعنی دکّ الأرض بالرجل، وأحیاناً تأتی بمعنى الرکض، وهنا تعطی المعنى الأوّل.

فالله الذی فجّر عین زمزم فی صحراء یابسة وحارقة تحت أقدام الطفل الرضیع إسماعیل، هو الذی أصدر أمراً بتفجّر عین باردة لأیّوب لیشرب منها ویغتسل بمائها للشفاء من کافّة الأمراض التی أصابته (الظاهریة والباطنیة).

ویرى البعض أنّ تلک العین عبارة عن ماء معدنی صالح للشرب، وفیه شفاء لکلّ الأمراض، ومهما کان فإنّه من لطف الله ورحمته النازلة على نبیّه الصابر المقاوم أیّوب (علیه السلام).

(مغتسل) یعنی الماء الذی یغسل به، وقال البعض: إنّها تعنی محل الغسل، لکنّ المعنى الأوّل أصحّ.

وعلى أیّة حال، فإنّ وصف ذلک الماء بالبارد، قد یکون إشارة إلى التأثیرات الخاصّة التی یترکها الماء البارد على سلامة الجسم، وذلک ما أثبته الطبّ الحدیث الیوم. إضافةً إلى أنّه إشارة لطیفة إلى أنّ کمال ماء الغسل یتمّ إن کان طاهراً ونظیفاً کماء الشرب.

والشاهد على هذا ما جاء فی الروایات من إستحباب شرب جرعة من الماء قبل الإستحمام به (2) .

النعمة المهمّة الاُولى التی اُعیدت على أیّوب هی العافیة والشفاء والسلامة، أمّا بقیّة النعم التی اُعیدت علیه، فاستعرضها القرآن المجید (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منّا وذکرى لاُولی الألباب ).

وعن کیفیة عودة عائلته إلیه؟ وردت تفاسیر متعدّدة، أشهرها یقول: إنّهم کانوا أمواتاً فأحیاهم الله مرّة اُخرى.

ولکن البعض قال: إنّهم کانوا قد تفرّقوا عنه أیّام إبتلائه بالمرض، فجمعهم الله إلیه بعد برئه.

ویحتمل أنّ جمیعهم أو بعضهم ابتلی بمختلف أنواع الأمراض، وقد شملتهم الرحمة الإلهیّة وعادت إلیهم صحّتهم وعافیتهم، لیجتمعوا مرّة اُخرى حول أیّوب.

أمّا قوله تعالى: (ومثلهم معهم )، فإنّها إشارة إلى تناسلهم وزیادة عددهم إلى الضعف، وبهذا إزداد عدد أبناء أیّوب إلى الضعف.

ورغم أنّ الآیات لا تتطرّق إلى إعادة أموال أیّوب إلیه، ولکن الدلائل کلّها تبیّن أنّ الباریء عزّوجلّ أعاد إلیه أمواله وأکثر من السابق.

الذی یلفت النظر فی آخر الآیة ـ محلّ البحث ـ أنّ هدف إعادة النعم الإلهیّة على أیّوب تحدّد بأمرین:

الأوّل: (رحمة منّا) والتی کان لها صبغة فردیة، وفی الحقیقة إنّها مکافأة وجائزة من الباریء عزّوجلّ لعبده الصابر المقاوم أیّوب.

والثّانی: إعطاء درس لکلّ أصحاب العقول والفکر على طول التاریخ لأخذ العبر من أیّوب، کی لا یفقدوا صبرهم وتحمّلهم عند تعرّضهم للمشاکل والحوادث الصعبة، وأن لا ییأسوا من رحمة الله، بل یزیدوا من أملهم وتعلّقهم به.

المشکلة الوحیدة التی بقیت لأیّوب (علیه السلام) هی قسمه بضرب زوجته، إذ کان قد أقسم أیّام مرضه لئن برىء من مرضه لیجلدنّ امرأته مائة جلدة أو أقل لأمر أنکره علیها، ولکن بعدما برىء من مرضه رغب أیّوب فی العفو عنها إحتراماً وتقدیراً لوفائها ولخدماتها التی قدّمتها إلیه أیّام مرضه، ولکن مسألة القسم بالله کانت تحول دون ذلک.

وهنا شمل الباریء عزّوجلّ أیّوب (علیه السلام) مرّة اُخرى بألطافه ورحمته، وذلک عندما أوجد حلاًّ لهذه المشکلة المستعصیة على أیّوب (وخذ بیدک ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ).

«ضغث» تعنی ملء الکفّ من الأعواد الرقیقة، کسیقان الحنطة والشعیر أو الورد وما شابهها.

وعن الأمر الذی أنکرته زوجة أیّوب على زوجها والتی تدعى (لیا) بنت یعقوب، فقد إختلف المفسّرون فی تفسیره...

فقد نقل عن (ابن عبّاس) أنّ الشیطان ظهر بصورته الطبیعیة لزوجة أیّوب، وقال لها: إنّی اُعالج زوجک بشرط أن تقولی حینما یتعافی: إنّی الوحید الذی کنت السبب فی معافاته، ولا اُرید أیّ اُجرة على معالجته... الزوجة التی کانت متألّمة ومتأثّرة بشدّة لاستمرار مرض زوجها وافقت على الإقتراح، وعرضته على زوجها أیّوب فیما بعد، فتأثّر أیّوب کثیراً لوقوع زوجته فی شرک الشیطان، وحلف أن یعاقب زوجته.

وقال البعض إنّ أیّوب بعث زوجته لمتابعة عمل ما، فتأخّرت فی العودة إلیه، فتأثّر أیّوب الذی کان یعانی من آلام المرض، وحلف أن یعاقب زوجته.

على أیّة حال، فإنّ زوجته کانت تستحقّ الجزاء من هذا الجانب، أمّا من جانب وفائها وخدمتها أیّوب طوال فترة مرضه فإنّه یجعلها تستحقّ العفو أیضاً.

حقّاً إنّ ضربها بمجموعة من سیقان الحنطة أو الشعیر لا تعطی مصداقاً واقعیاً لحلفه، ولکنّه نفّذ هذا الأمر لحفظ إحترام اسم الله، والحیلولة دون إشاعة مسألة إنتهاک القوانین، وهذا الأمر ینفّذ فقط بشأن الطرف الذی یستحقّ العفو، وفی الموارد الاُخرى التی لا تستحقّ العفو لا یجوز لأحد القیام بمثل هذا العمل (3) .

الآیة الأخیرة فی بحثنا هذا ـ التی هی بمثابة عصارة القصّة من أوّلها حتى آخرها ـ تقول: (إنّا وجدناه صابراً نعم العبد إنّه أوّ ا ب ).

ومن الواضح أنّ دعاء أیّوب الباریء عزّوجلّ، وطلبه دفع الوساوس الشیطانیة عنه، ورفع البلاء والمرض عنه، کلّ هذه لا تتنافی مع مقام صبره وتحمّله ـ ذلک الصبر والتحمّل الذی استمرّ لمدّة سبع سنین، وفی روایات اُخرى لمدّة ثمانیة عشر عاماً ـ للأوجاع والأمراض والفقر والعسر وإستمرار الشکر.

الذی یلفت النظر فی هذه الآیة أنّها أعطت ثلاثة أوصاف لأیّوب، کلّ واحد منها إن توفّر فی أی إنسان فهو إنسان کامل.

أوّلا: مقام عبودیته.

ثانیاً: صبره وتحمّله وثباته.

ثالثاً: إنابته المتکرّرة إلى الله.


1. هذه الروایة وردت فی تفسیر نورالثقلین، نقلا عن تفسیر علی بن إبراهیم، ونفس المضمون ورد فی تفسیر القرطبی، والتفسیر الکبیر، وتفسیر الصافی، وغیرها مع إختلاف بسیط.
2. وسائل الشیعة، ج 1، الباب 13 (من أبواب آداب الحمّام)، ح 13.
3. وسائل الشیعة، ج 1، الباب 13 (من أبواب آداب الحمّام)، ح 13.
سورة ص / الآیة 41 ـ 44 1ـ دروس مهمّة فی قصّة أیّوب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma