عباد الله الحقیقیون:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 17 ـ 20 1ـ منطق حریة التفکیر فی الإسلام

استخدم القرآن الکریم مرّة اُخرى أسلوب المقارنة فی هذه الآیات، إذ قارن بین عباد الله الحقیقیین والمشرکین المعاندین الذین لا مصیر لهم سوى نار جهنّم، قال تعالى: (والّذین اجتنبوا الطّاغوت أن یعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى ).

ولکون کلمة (البشرى)جاءت هنا بصورة مطلقة وغیر محدودة، فتشمل کافة أنواع البشرى بالنعم الإلهیّة المادیة والمعنویة، وهذه البشرى بمعناها الواسع تختص فقط بالذین اجتنبوا عبادة الطاغوت وعمدوا إلى عبادة الله وحده من خلال إیمانهم به وعملهم الصالح.

وکلمة «طاغوت» من مادة (الطغیان) تعنی الإعتداء وتجاوز الحدود، ولذا فإنّها تطلق على کلّ متعدّ، وعلى کلّ معبود من دون الله، کالشیطان والحکّام المتجبرین (وتستعمل هذه الکلمة للمفرد والجمع) (1) .

فعبارة (اجتنبوا الطّاغوت )بمعناها الواسع تعنی الإبتعاد عن کلّ أشکال الشرک وعبادة الأصنام وهوى النفس والشیطان، وتجنّب الإنصیاع والاستسلام للحکّام المتجبرین الطغاة.

أمّا عبارة ( أنابوا إلى الله ) فإنّها تجمع روح التقوى والزهد والإیمان، وأمثال هؤلاء یستحقون البشرى.

ویجب الإلتفات إلى أنّ عبادة الطاغوت لا تعنی فقط الرکوع والسجود له، وإنّما تشمل کلّ طاعة له، کما ورد فی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام): «من أطاع جباراً فقد عبده» (2) .

ثم تعرّج الآیة على تعریف العباد الخاصّین فتقول: (فبشّر عباد (3) * الّذین یستمعون القول فیتّبعون أحسنه اُولئک الّذین هداهم الله وأولئک هم أولوا الألباب ).

الآیتان المذکورتان بمثابة شعار إسلامی، وقد بیّنتا حریة الفکر عند المسلمین، وحریة الإختیار فی مختلف الاُمور.

ففی البدایة تقول (بشر عباد) ثمّ تعرّج على تعریف اُولئک العباد المقرّبین بأنّهم اُولئک الذین لا یستمعون لقول هذا وذاک ما لم یعرفوا خصائص ومیزات المتکلم، والذین ینتخبون أفضل الکلام من خلال قوّة العقل والإدراک، إذ لاتعصّب ولا لجاجة فی أعمالهم، ولا تحدید وجمود فی فکرهم وتفکیرهم، إنّهم یبحثون عن الحقیقة وهم متعطشون لها، فأینما وجدوها استقبلوها بصدور رحبة، لیشربوا من نبعها الصافی من دون أیّ تردّد حتى یرتووا.

إنّهم لیسوا طالبین للحق ومتعطشین للکلام الحسن وحسب، بل هم یختارون الأجود والأحسن من بین (الجید) و(الأجود) و(الحسن) و(الأحسن)، وخلاصة الأمر فإنّهم یطمحون لنیل الأفضل والأرفع، وهذه هی علامات المسلم الحقیقی المؤمن الساعی وراء الحق.

أمّا ما المقصود من کلمة (القول) فی عبارة (یستمعون القول )؟ فإنّ المفسّرین أعطوا عدّة آراء لتفسیرها:

البعض فسّره بأنّه (القرآن) الذی یحتوی على الطاعات والمباحات، واقتفاء الأحسن یعنی اقتفاء الطاعات.

والبعض الآخر فسّرهذه الکلمة بأنّها تعنی مطلق الأوامر الإلهیّة المذکورة فی القرآن وغیر المذکورة فیه.

ولکن لم یتوفّر أیّ دلیل على هذین التّفسیرین، بل إنّ ظاهر الآیة یشمل کلّ قول وحدیث، فالمؤمنون هؤلاء یختارون من جمیع الکلمات والاحادیث ما هو (أحسن)، لیترجموه فی أعمالهم.

والطریف فی الأمر أنّ القرآن الکریم حصر فی الآیة المذکورة أعلاه الذین هداهم الله باُولئک القوم الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه، کما أنّه اعتبر العقلاء ضمن هذه المجموعة، وهذه إشارة إلى أنّ أفراد هذه المجموعة مشمولون بالهدایة الإلهیّة الظاهریة والباطنیة، الهدایة الظاهریة عن طریق العقل والإدراک، والهدایة الباطنیة عن طریق النور الإلهی والإمداد الغیبی، وهاتان مفخرتان کبیرتان للباحثین وراء الحقیقة ذوی التفکیر الحرّ.

ولکون رسول الله (صلى الله علیه وآله) کان یرغب ـ بشدّة ـ فی هدایة المشرکین والضالین، و کان یتألّم کثیراً لإنحراف اُولئک الذین لم یعطوا آذاناً صاغیة للحقائق، فإنّ الآیة التالیة عمدت إلى مواساته بعد أن وضّحت له حقیقة أنّ عالمنا هذا هو عالم الحریة والامتحان، ومجموعة من الناس ـ فی نهایة الأمرـ یجب أن تدخل جهنم، إذ قالت: (أفمن حقّ علیه کلمة العذاب أفأنت تنقذ من فی النّار ) (4) .

عبارة (حق علیه کلمة العذاب) إشارة إلى آیات مشابهة، کالآیة 85 من سورة ص التی تقول بشأن الشیاطین وأتباعهم: (لأملأنّ جهنّم منک وممّن تبعک منهم أجمعین ).

ومن البدیهی أنّ حتمیة تعذیب هذه المجموعة لا تحمل أیّ طابع إجباری، بل إنّهم یعذبون بسبب الأعمال التی إرتکبوها، ونتیجة إصرارهم على إرتکاب الظلم والذنب والفساد، بشکل یوضّح أنّ روح الإیمان والتعقل کانت میّتة فی أعماقهم، وأنّ وجودهم کان قطعة من جهنم لا أکثر.

من هنا یتبیّن أنّ قوله تعالى: (أفأنت تنقذ من فی النّار ) هو إشارة الى حقیقة أنّ کونهم من أصحاب النّار یعد أمراً مسلّماً به وکأنّهم الآن هم فی قلب جهنم، حتّى أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله)الذی هو (رحمة للعالمین) لا یستطیع إنقاذهم من العذاب، لأنّهم قطعوا کافّة طرق الإتصال بالله سبحانه وتعالى ولم یبقوا أیّ سبیل لنجاتهم.

ولبعث السرور فی قلب رسول الله (صلى الله علیه وآله) ولزیادة الأمل فی قلوب المؤمنین، جاء فی آخر الآیة: (لکن الّذین اتّقوا ربّهم لهم غرف من فوقها غرف مبنیّة ).

فإن کان أهل جهنم مستقرین فی ظلل من النّار، کما ورد فی الآیة السابقة: (لهم من فوقهم ظلل من النّار ومن تحتهم ظلل ) فإنّ لأهل الجنّة غرفاً من فوقها غرف اُخرى، وقصور فوقها قصور اُخرى، لأنّ منظر الورود والماء والأنهار والبساتین من فوق الغرف یبعث على اللذة والبهجة بشکل أکثر.

«غرف» جمع «غرفة»من مادة «غرف» وعلى وزن حرف، بمعنى تناول الشیء ولذا یطلق على من یتناول الماء بکفّه لیشربه «غرفة» ثمّ اطلقت على الطبقات العلیا من المنازل.

وکشفت الآیة أیضاً عن أنّ غرف أهل الجنّة الجمیلة قد زیّنت بأنهار تجری من تحتها (تجری من تحتها الأنهار ) نعم، هذا وعد الله (وعد الله لا یخلف الله المیعاد ) (5) .


1. بعض المفسّرین، ومنهم الزمخشری صاحب الکشّاف یعتقدون أنّ أصل کلمة (طاغوت) هو (طغوت) على وزن (فعلوت) (کملکوت)، ثمّ تقدّمت لام الفعل على عین الفعل وأصبحت (طوغوت)، وبعد إبدال الواو بالألف أصبحت (طاغوت) ویستدل صاحب الکشّاف على هذا الکلام من عدّة مصادر (تفسیر الکشاف، ج 4، ص120).
2. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 493، ذیل الآیة مورد البحث.
3. (عباد) کانت فی الأصل (عبادی) وقد حذفت الیاء وعوّض عنها بالکسرة.
4. فی الحقیقة، إنّ الآیة تحوی جملة محذوفة تدل علیها الجملة التی تلتها، تقدیرها (أفأنت تخلصه) إذ یصبح تقدیر الجملة کالتالی (أفمن حق علیه کلمة العذاب أفأنت تخلصه (بقرینة الجملة التالیة) أفأنت تنقذ من فی النّار) وقال البعض الآخر: إنّ تقدیر الآیة هو کالتالی (أفمن حقت علیه کلمة العذاب ینجو منه).
5. یقول «الزمخشری» فی الکشاف: (وعد الله ) منصوب لکونه مفعولا مطلقاً للتأکید، ولأنّ عبارة (لهم غرف ) تعنی (وعدهم الله غرفاً).
سورة الزّمر / الآیة 17 ـ 20 1ـ منطق حریة التفکیر فی الإسلام
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma