الندم لا ینفع فی ذلک الیوم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 56 ـ 59 1ـ التفریط فی جنب الله

الآیات السابقة أکّدت على التوبة وإصلاح الذات وإصلاح الأعمال السابقة، وآیات بحثنا الحالی تواصل التطرّق لذلک الموضوع، ففی البدایة تقول: (أن تقول نفس یا حسرتا على مافرّطت فی جنب الله وإن کنت لمن السّاخرین ) (1) .

«یا حسرتا»: هی فی الأصل (یا حسرتی)، (حسرة أضیفت إلیها یاء المتکلم)، والتحسّر معناه الحزن ممّا فات وقته لإنحساره ممّا لا یمکن استدراکه.

ویرى الراغب فی مفرداته أنّ (یا حسرتا) من مادة (حسر) على وزن (حبس) وتعنی التعرّی والتجرّد من الملابس، وبما أنّ الندم والحزن على ما مضى بمنزلة زوال حجب الجهل، فلهذا تطلق على هذه الموارد.

نعم، فعندما یرد الانسان إلى ساحة المحشر، ویرى بأُمّ عینیه نتائج إفراطه وإسرافه ومخالفته واتخاذه الأمور الجدیة هزواً ولعباً، یصرخ فجأة (واحسرتاه) إذ یمتلىء قلبه فی تلک اللحظات بغمّ کبیر مصحوب بندم عمیق، وهذه الحالة النفسیة التی وردت فی الآیات المذکورة.

أمّا فیما یخصّ معنى (جنب الله ) هنا؟ فإنّ المفسّرین ذکروا تفاسیر ومعانی کثیرة لها، وکلمة (جنب) تعنی فی اللغة «الخاصرة»، کما تطلق على کلّ شیء یستقر إلى جانب شیء آخر، مثلما أنّ الیمین والیسار یعنیان الطرف الأیمن والأیسر للجسم، ثمّ یقال لکل شیء فی یسار أو یمین الجسم، وهنا (جنب الله ) تعنی أنّ الاُمور ترجع إلى جانب الله، فأوامره وإطاعته والتقرّب إلیه، والکتب السماویة کلها نزلت من جانبه، وکلها مجموعة فی هذا المعنى.

وبهذا الترتیب فإنّ المذنبین یکشفون فی ذلک الیوم عن ندامتهم وحسرتهم وأسفهم على تقصیرهم وتفریطهم تجاه الله سبحانه وتعالى، خاصّة فیما یتعلّق بسخریتهم واستهزائهم بآیات الله ورسله، لأنّ السبب الرئیسی لتفریطهم هو العبث والسخریة من هذه الحقائق الکبیرة بدافع الجهل والغرور والتعصّب.

ثمّ تضیف الآیة (أو تقول لو أنّ الله هدانی لکنت من المتّقین ).

یبدو أنّ هذا الکلام یقوله الکافر عندما یوقف أمام میزان الحساب، حیث یرى البعض یقادون إلى الجنّة وهم محمّلون بأعمالهم الحسنة، وهنا یتمنى الکافر لو أنّه کان أحد هؤلاء المتوجهین إلى جنّة الخلد.

وتضیف الآیة مرّة اُخرى (أو تقول حین ترى العذاب لو أنّ لی کرّة فأکون من المحسنین ).

وهذا ما یقوله الکافر ـ أیضاًـ حینما تقوده الملائکة الموکلة بالنّار نحو جهنم، وترى عیناه نار جهنم ومنظر العذاب الألیم فیها، وهنا یتأوه من أعماق قلبه ویتوسل لکی یسمح له بالعودة مرّة اُخرى إلى الحیاة الدنیا لیطهّر نفسه من الأعمال السیئة والقبیحة ویستبدلها بأعمال صالحة تهیّئه وتعدّه للوقوف فی صفوف المحسنین والصالحین.

والملاحظ أنّ کلّ عبارة من هذه العبارات الثلاث یقولها المجرمون عند مشاهدة مشهد معیّن من عذاب یوم القیامة الرهیب.

حیث إنّهم یتحسرون على ما فرّطوا فی جنب الله فور دخولهم ساحة المحشر.

ویتمنون لو أنّهم فازوا بما فاز به المتقون، عندما یرون الثواب الجزیل الذی أغدقه الباریء عزّوجلّ على عباده المتقین.

ویتوسلون إلى الباریء عزّوجلّ لیعیدهم إلى الحیاة الدنیا لیصلحوا ماضیهم الفاسد، عندما یرون العذاب الإلهی الألیم.

القرآن المجید یردّ على القول الثّانی من بین الأقوال الثلاثة إذ یقول: (بلى قد جاءتک آیاتی فکذّبت بها واستکبرت وکنت من الکافرین ) (2) .

إنّ قولک: لو کانت الهدایة قد شملتنی لأصبحت من المتقین، فما هی الهدایة الإلهیّة؟ هل هی غیر الکتب السماویة ورسل الله، وآیاته وعلاماته الصادقة فی الآفاق والأنفس؟! إنّک سمعت بأذنیک وشاهدت بعینیک کلّ هذه الآیات، فما کان ردّ فعلک إزاءها غیر التکذیب والتکبّر والکفر!

فهل یمکن أن یعاقب الباریء عزّوجلّ أحداً من دون أن یتمّ حجّته علیه؟ وهل کان هناک فرق بینک وبین الذین اهتدوا إلى طریق الحق من حیث المناهج التربویة الإلهیّة التی اُعدّت لکم ولهم؟ لهذا فأنت المقصّر الرئیسی، وأنت بنفسک جلبت اللعنة إلیک!

فمن بین تلک الأعمال الثلاثة یعد (الاستکبار) الجذر الرئیسی، ومن بعد یأتی التکذیب بآیات الله، وحصیلة الاثنین هو الکفر وعدم الإیمان.

السؤال: ولکن لماذا لم یجیب القرآن على القول الأوّل؟

الجواب: لأنّ هناک حقیقة لا مناص منها، وهی أنّهم یجب أن یتحسروا ویغرقوا فی الغم والهم.

وأمّا بشأن قولهم الثّالث الذی یتوسلون فیه إلى الباریء عزّوجلّ کی یسمح لهم بالعودة إلى الحیاة الدنیا، فإنّ القرآن الکریم یجیبهم فی عدّة آیات، منها الآیة 28 من سوة الأنعام: (ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لکاذبون ) والآیة 100 من سورة المؤمنون، ولا حاجة لتکرار تلک الأجوبة.

والملاحظ هنا أنّ الرد على قولهم الثّانی، یمکن أن یکون فی الوقت نفسه إجابة على السؤال الثّالث أیضاً، لأنّهم ماذا یهدفون من عودتهم إلى الحیاة الدنیا؟ هل أنّه أمر آخر غیر إتمام الحجة، فی حین أنّ الباریء عزّوجلّ أتمّ الحجة علیهم بصورة کاملة لا نقص فیها، فانتباه المجرمین من غفلتهم فور مشاهدتهم للعذاب، إنّما هو نوع من الیقظة الاضطراریة التی لا یبقى لها أىّ أثر عندمایعودون إلى حالتهم الطبیعیة. حقاً إنّه نفس الموضوع الذی یشیر إلیه القرآن الکریم بشأن الکافرین والمشرکین الذین یدعون الله مخلصین له الدین عندما یبتلون بخطر ما فی وسط البحر المتلاطم الأمواج، ثمّ ینسون الله بمجرّد أن ینجیهم ویوصلهم بسلام إلى ساحل النجاة (فإذا رکبوا فی الفلک دعوا الله مخلصین له الدّین فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذاهم یشرکون ) (3) .


1. فی بدایة الآیة عبارة تتعلق بالآیات السابقة، ویکون التقدیر (لئلا تقول نفس)أو (حذراً أن تقول نفس) وفی الحالة الثانیة تکون مفعولا له لعبارة (أنیبوا واسلموا واتبعوا). (إن) فی عبارة (وإن کنت لمن الساخرین) مخففة من الثقیلة إذ أنّها کانت فی الأصل، (إنّی کنت من الساخرین).
2. رغم أنّ المتحدّث هی النفس وهی مؤنث، وأنّ القرآن أورد أوصافها وأفعالها بصیغة المؤنث فی آیاته،ولکن فی هذه الآیة ورد ضمیر (کذبت) وما بعدها بصیغة المذکر، وذلک لأنّ المقصود هنا هو الإنسان، وقد قال البعض: إنّ (النفس) یمکن أن تأتی بصیغتی المذکر والمؤنث.
3. العنکبوت، 65. 
سورة الزّمر / الآیة 56 ـ 59 1ـ التفریط فی جنب الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma