اُحکم بالعدل ولا تتّبع هوى النفس:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 26 ـ 29 1ـ تقابل التقوى والفجور

نواصل استعراض قصّة داود، ونقف هنا على أعتابها النهائیة، حیث إنّ آیات بحثنا هذا هی آخر الآیات الواردة فی هذه السورة بشأن داود، إذ تخاطبه بلهجة حازمة وبعبارات مفعمة بالمعانی، شارحة له وظائفه ومسؤولیاته الجسیمة بعد أن وضّحت مقامه الرفیع، إذ تقول: (یا داود إنّا جعلناک خلیفة فی الأرض فاحکم بین النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فیضلّک عن سبیل اللّه إنّ الّذین یضلّون عن سبیل اللّه لهم عذاب شدید بما نسوا یوم الحساب ).

محتوى هذه الآیة التی تتحدّث عن مقام داود الرفیع والوظائف المهمّة التی کلّف بها، تبیّن أنّ القصص الخیالیة والکاذبة التی نسجت بشأن زواج داود من زوجة (أوریّا) کلّها کاذبة ولا أساس لها من الصحّة.

فهل یمکن أن ینتخب الباری عزّوجلّ شخصاً ینظر إلى شرف المؤمنین والمقرّبین منه بعین خؤونة ویلوّث یده بدم الأبریاء، خلیفة له فی الأرض، ویمنحه حکم القضاء المطلق؟!

هذه الآیة تضمّ خمس جمل کلّ واحدة منها تتحدّث عن حقیقة معیّنة:

الاُولى: خلافة داود فی الأرض، فهل المقصود منها خلافته للأنبیاء السابقین، أمّ أنّها تعنی خلافة الله؟ المعنى الثانی أنسب ویتطابق مع ما جاء فی الآیة 30 من سورة البقرة: (وإذ قال ربّک للملائکة إنّی جاعل فی الأرض خلیفة ).

بالطبع فإنّ المعنى الواقعی للخلافة لا یتعلّق بالله، لأنّه یأتی فی مورد وفاة شخص أو غیابه، والمراد من الخلافة هنا هو أن یکون نائباً لله بین العباد، والمنفّذ لأوامر الله سبحانه وتعالى فی الأرض، هذه الجملة تبیّن أنّ الحکومة فی الأرض یجب أن تستلهم شرعیّتها من الحکومة الإلهیّة، وأىّ حکومة لا تستلهم شرعیّتها من الحکومة الإلهیّة فإنّها حکومة ظالمة وغاصبة.

الجملة الثانیة: تأمر داود قائلة: بعد أن منحک الله سبحانه وتعالى هذه النعمة الکبیرة، أی الخلافة، فإنّک مکلّف بأن تحکم بین الناس بالحقّ (فاحکم بین النّاس بالحقّ ).

وفی واقع الأمر فإنّ إحدى ثمار خلافة الله هی ظهور حکومة تحکم بالحقّ، ومن هذه الجملة یمکن القول أنّ حکومة الحقّ تنشأ ـ فقط ـ عن خلافة الله، وأنّها النتیجة المباشرة لها.

أمّا الجملة الثالثة: فإنّها تشیر إلى أهمّ خطر یهدّد الحاکم العادل، ألا وهو اتّباع هوى النفس (ولا تتّبع الهوى ).

نعم، فهوى النفس ستار سمیک یغطّی بصیرة الإنسان، ویباعد بینه وبین العدالة.

لهذا فإنّ الجملة الرابعة تقول: (فیضلّک عن سبیل الله ).

فأینما وجد الضلال کان لهوى النفس ضلع فی ذلک، وأینما اتّبع هوى النفس فإنّ عاقبته الضلال.

فالحاکم الذی یتّبع هوى النفس، إنّما یفرّط بمصالح وحقوق الناس لأجل مطامعه، ولهذا السبب فإنّ حکومته تکون مضطربة ومصیرها الإنهیار والزوال.

ومن الممکن أن یکون لـ (هوى النفس) معانی واسعة، تضمّ فی نفس الوقت هوى نفس الإنسان، وهوى النفس عند کلّ الناس، وهکذا فإنّ القرآن یحکم ببطلان المناهج الوضعیّة التی تستند على أفکار عامّة الناس فی الحکم، لأنّ نتیجة الإثنین هو الضلال والانحراف عن سبیل الله وصراط الحقّ.

والیوم نشاهد الآثار السیّئة لهذا النوع من التفکیر فی عالم یسمّى بالعالم المتطوّر والحدیث، فأحیاناً نرى أشنع وأقبح الأعمال تأخذ شکلا قانونیاً نتیجة الأخذ بآراء الناس، ورائحة الفضیحة فی هذا العالم قد أزکمت الاُنوف، والقلم یجلّ عن ذکرها.

صحیح أنّ اُسس الحکومة مستندة على الجماهیر، وأنّ مشارکة الجمیع فیها یحفظ اُسسها، إلاّ أنّ هذا لا یعنی أنّ رأی الأکثریة هو معیار الحقّ والباطل فی کلّ شیء وفی کلّ مکان.

فالحکومة یجب أن یکون إطارها الحقّ، ولتطبیق الحقّ لا بأس بالإستعانة بطاقات أفراد المجتمع، وعبارة (الجمهوریة الإسلامیة) المتکوّنة من کلمتی (الجمهوریة) و(الإسلامیة) تعطی المعنى السابق، وبعبارة اُخرى فإنّ اُصولها مستمدّة من نهج الإسلام، وتنفیذ تلک الاُصول یتمّ بمشارکة الجماهیر.

وأخیراً فإنّ الجملة الخامسة تشیر إلى أنّ کلّ ضلال عن سبیل الله لا ینفکّ عن نسیان یوم الحساب، ومن ینسى یوم الحساب فإنّ عذاب الله الشدید ینتظره (إنّ الّذین یضلّون عن سبیل الله لهم عذاب شدید بما نسوا یوم الحساب ).

ومن الطبیعی أنّ نسیان یوم القیامة هو مصدر الضلال، وکلّ ضلال مرتبط بالنسیان، وهذا المبدأ یوضّح التأثیر التربوی فی الإهتمام بالمعاد فی حیاة البشر.

ولقد وردت روایات بهذا الشأن فی المصادر الإسلامیة، ومنها حدیث مشهور عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) وعن أمیر المؤمنین (علیه السلام) جاء فیه: «أیّها الناس، إنّ أخوف ما أخاف علیکم إثنان: اتّباع الهوى، وطول الأمل; فأمّا اتّباع الهوى فیصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فینسی الآخرة» (1) .

ألیس من الأفضل کتابة هذا الحدیث بماء الذهب، ووضعه أمام الجمیع خاصّة الحکّام والقضاة والمسؤولین.

وفی روایة اُخرى وردت عن الإمام الباقر (علیه السلام)، جاء فیها: «ثلاث موبقات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه» (2) .

وتتمّة للبحث الذی إستعرض حال داود وخلافته فی الأرض، تتطرّق الآیات لأهداف خلق عالم الوجود، کی تشخّص أسباب الحکومة على الأرض التی هی جزء من ذلک العالم، فیقول تعالى: (وما خلقنا السّماء والأرض وما بینهما باطلا ذلک ظنّ الّذین کفروا فویل للّذین کفروا من النّار ).

هناک مسألة مهمّة تعدّ مصدراً لکلّ الحقوق، وهی: ما الهدف من وجود الخلق؟ فعندما ننظر إلى هذا العالم الوسیع، ونوافق على أنّ هذا العالم الوسیع لم یخلقه الله عبثاً، نتابع الهدف من وراء ذلک الخلق، الهدف الذی یمکن إیجازه فی کلمات قصیرة وعمیقة، وهی (التکامل) و(التعلیم) و(التربیة) ومن هنا نستنتج أنّ الحکومات علیها أن تسیر وفق هذا الخطّ، فعلیها أن تثبت اُسس التربیة والتعلیم لتکون أساس التکامل المعنوی عند الإنسان.

وبعبارة اُخرى: إنّ الحقّ والعدل هما أساس عالم الوجود، وعلى الحکومات أن تعمل وفق موازین الحقّ والعدالة.

الجملة الأخیرة من الآیة السابقة التی تطرّقت إلى نسیان یوم الجزاء، متطابقة بصورة کاملة مع الآیة مورد بحثنا، لأنّ هدف خلق العالم یوجب عدم نسیان یوم الجزاء والحساب، وکما قلنا فی بحث المعاد (فی آخر سورة یس) لو لم یکن هناک یوم للحساب، فإنّ خلق العالم یعدّ عبثاً.

ونهایة هذه الآیة تشیر إلى خطوط واضحة تفصل بین الإیمان والکفر، وإعتقاد المذهب الإلحادی بعدم جدوى خلق العالم هو مثال للإبتلاءات التی إبتلینا بها الیوم، إذ إنّ أتباع ذلک المذهب یعلنون بصراحة أنّ خلق العالم لا فائدة فیه، ولا هدف یرتجى من ورائه، فمن یفکّر هکذا کیف یتمکّن من تطبیق الحقّ والعدالة فی حکومته؟!

الحکومة الوحیدة التی تستطیع تطبیق الحقّ والعدالة، هی الحکومة التی تستلهم أفکارها ومعتقداتها من المبادىء الإلهیّة، والتی تقول إنّ الباری عزّوجلّ لم یخلق العالم عبثاً وإنّما خلقه لأهداف وأغراض معیّنة، کی تسیر الحکومات وفق تلک الأهداف، وإذا کان العالم الإلحادی قد وصل الیوم إلى طریق مسدود فی شؤون الحکم والحرب والسلام وفی الاقتصاد والثقافة، فالسبب الرئیسی یکمن فی إبتعادهم عن هذا الأمر، ولهذا فإنّ اُسس حکوماتهم تقوم على الظلم والتسلّط، فکم تکون الدنیا موحشة ورهیبة إذا أصبحت تدار وفق هذا النوع من التفکیر العشوائی!

على أیّة حال، فإنّ الباری عزّوجلّ حکیم، ومن غیر الممکن أن یخلق هذا العالم من دون هدف، فالعالم هذا مقدّمة لعالم آخر أکبر وأوسع من عالمنا هذا، وهو أبدی وخالد یوضّح الأهداف الحقیقیّة وراء خلق عالم الدنیا.

الآیة التالیة تضیف: (أم نجعل الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات کالمفسدین فی الأرض أم نجعل المتّقین کالفجّار ) (3) .

کما أنّ عدم وجود هدف من خلق العالم یعدّ أمراً مستحیلا، فمن المستحیل أیضاً المساواة بین الصالحین والطالحین، لأنّ المجموعة الاُولى کانت تخطو خطواتها وفق أهداف خلق العالم للوصول إلى الغایة النهائیة، بینما کانت المجموعة الثانیة تسیر بإتّجاه مخالف لمسیر المجموعة الاُولى.

الواقع أنّ بحث المعاد بکافّة أبعاده قد تمّ تناوله فی هذه الآیة والآیة التی سبقتها بشکل مستدلّ.

فمن جهة تقول: إنّ حکمة الخالق تقتضی أن یکون لخلق العالم هدف، وهذا الهدف لا یتحقّق بعدم وجود عالم آخر، لأنّ الأیّام القلائل التی یعیشها الإنسان فی هذه الدنیا لا قیمة لها بالنسبة للهدف الرئیسی الکامن وراء خلق هذا العالم الواسع.

ومن جهة اُخرى، فإنّ حکمة وعدالة الباری عزّوجلّ تفرض أن لا یتساوى المحسن والمسیء والعادل والظالم، ولهذا کان البعث والثواب والعقاب والجنّة والنار.

وبغضّ النظر عن هذا، فعندما ننظر إلى ساحة المجتمع الإنسانی فی هذه الدنیا نشاهد الفاجر فی مرتبة المؤمن، والمسیء إلى جانب المحسن، ولربّما فی أکثر الأحیان نرى المفسدین المذنبین یعیشون فی حالة من الرفاه والتنعّم أکثر من غیرهم، فإذا لم یکن هناک عالم آخر بعد عالمنا هذا لتطبیق العدالة هناک، فإنّ وضع العالم هذا مخالف «للحکمة» و«للعدالة»، وهذا هو دلیل آخر على مسألة المعاد.

وبعبارة اُخرى، فلإثبات مسألة المعاد ـ أحیاناً ـ یمکن الاستدلال علیها عن طریق برهان (الحکمة) وأحیاناً اُخرى عن طریق برهان (العدالة)، فالآیة السابقة استدلال بالحکمة، والآیة التی بعدها إستدلال بالعدالة.

الآیة الأخیرة فی بحثنا هذا تشیر إلى موضوع یوضّح ـ فی حقیقة الأمر ـ الهدف من الخلق، إذ جاء فی الآیة الکریمة: (کتاب أنزلناه إلیک مبارک لیدّبّروا آیاته ولیتذکّر اُولوا الألباب ).

فتعلیماته خالدة، وأوامره عمیقة وأصیلة، ونظمه باعثة للحیاة وهادیة للإنسان إلى الطریق المؤدّی إلى إکتشاف هدف الخلق.

فالهدف من نزول هذا الکتاب العظیم لم یقتصر ـ فقط ـ على تلاوته وتلفّظ اللسان به، بل لکی تکون آیاته منبعاً للفکر والتفکّر وسبباً لیقظة الوجدان، لتبعث بدورها الحرکة فی مسیر العمل.

کلمة (مبارک) تعنی شیئاً ذا خیر دائم ومستمر، أمّا فی هذه الآیة فإنّها تشیر إلى دوام استفادة المجتمع الإنسانی من تعلیماته، ولکونها استعملت هنا بصورة مطلقة، فإنّها تشمل کلّ خیر وسعادة فی الدنیا والآخرة.

وخلاصة الأمر، فإنّ کلّ الخیر والبرکة فی القرآن، بشرط أن نتدبّر فی آیاته ونستلهم منها ونعمل بها.


1. نهج البلاغة، الخطبة 42.
2. کتاب الخصال، نقلا عن تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 453.
3. بعض المفسّرین قالوا: إنّ (أم) هنا تعطی معنى (بل) للاضراب، وهنا إحتمال آخر یقول: إنّ (أم) جاءت للعطف على إستفهام محذوف، وتقدیر الآیة هو (أخلقنا السموات والأرض باطلا أم نجعل المتّقین کالفجّار؟).
سورة ص / الآیة 26 ـ 29 1ـ تقابل التقوى والفجور
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma