الجمیع مخلوقون من نفس واحدة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الزّمر / الآیة 6 ـ 7 سورة الزّمر / الآیة 8 ـ 9

مرّة اُخرى تستعرض آیات القرآن الکریم عظمة خلق الله، وتبیّن فی نفس الوقت بعض النعم الاُخرى التی منّ بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان.

فی البدایة تتحدّث عن خلق الإنسان وتقول: (خلقکم من نفس واحدة ثمّ جعل منها زوجها ).

خلق کلّ بنی آدم من نفس واحدة إشارة إلى مسألة خلق آدم أبی البشر، إذ إنّ کل البشر وبتنوع خلقتهم وأخلاقهم وطبائعهم وإستعداداتهم وأذواقهم المختلفة یعودون فی الأصل إلى آدم (علیه السلام)

وعبارة: (ثمّ جعل منها زوجها ) (1) إشارة إلى أنّ الله خلق آدم فی البدایة، ثمّ خلق حواء ممّا تبقّى من طینته.

وعلى هذا الأساس فإنّ عملیة خلق حواء تمّت بعد خلق آدم، وقبل خلق أبناء آدم.

عبارة(ثمّ) لا تأتی دائماً کتأخیر للزمان، وإنّما تأتی أحیاناً کتأخیر للبیان، فمثلا یقال: رأیت ما عملته الیوم ثمّ رأیت ما عملته بالأمس، فی حین أنّ عمل الأمس قد نفّذ قبل عمل الیوم، ولکن المراد هنا أنّ مشاهدته تمّت بعد عمل الیوم.

والبعض اعتبر الآیة المذکورة أعلاه إشارة إلى (عالم الذّر) وخلق أبناء آدم بعد خلق آدم وقبل خلق حواء بشکل أرواح، هذا التّفسیر غیر صحیح، وقد بیّنا هذا فی تفسیر وتوضیح «عالم الذّر» فی ذیل الآیة 172 من سورة الأعراف.

وممّا یجدر ذکره أنّ زوجة آدم (علیه السلام) لم تخلق من أىّ جزء منه، وإنّما خلقت ممّا تبقّى من طینته التی خلق منها، وذلک کما ورد فی الرّوایات الإسلامیة، وأمّا الرّوایات التی تقول بأنّها خلقت من ضلع آدم الأیسر، فإنّه کلام خاطىء مأخوذ من بعض الرّوایات الإِسرائیلیة، ومطابق فی نفس الوقت لما جاء فی الفصل الثّانی من کتاب التّوراة (سفر التکوین) المحرّف، إضافة إلى کونه مخالفاً للواقع والعقل، إذ إنّ تلک الرّوایات ذکرت أنّ أحد أضلاع آدم قد أخذ وخلقت منه حواء، ولهذا فإنّ الرجال ینقصهم ضلع فی جانبهم الأیسر، فی حین أنّنا نعلم بعدم وجود أیّ فارق بین عدد أضلع المرأة والرجل، وهذا الاختلاف لیس أکثر من خرافة.

بعد هذا ینتقل الحدیث إلى مسألة خلق أربعة أنواع من الانعام تؤمّن للإنسان ضروریات الحیاة، حیث یستفید من جلودها لملابسه، ومن حلیبها ولحمها لغذائه، ومن جهة اُخرى یصنع من جلودهاوأصوافها عدّة اُمور یستفید منها فی حیاته، ومن جهة ثالثة یستخدمها کوسیلة لتنقّله وحمل أثقاله: (وأنزل لکم من الأنعام ثمانیة أزواج ) والمقصود من (الأزواج الثمانیة) الذکر والأنثى لکلّ من الإِبل والبقر والضأن والمعز، ومن هنا فإنّ کلمة (زوج) تطلق على کلّ من الذکر والأنثى، ولهذا فإنّ عدده یکون ثمانیة أزواج. (ولذا فی بدایة الآیة هذه اُطلقت کلمة زوج على حواء).

وعبارة (أنزل لکم ) والتی تخص هنا الأنعام الأربعة ـ کما بیّنا ذلک من قبل ـ لا تعنی فقط إنزال الشیء من مکان عال، وإنّما فی مثل هذه الحالات تعنی (تدنّی المقام) والنعم من مقام أعلى إلى أدنى.

کما ذکروا احتمالا آخر فی أنّ (إنزال) مشتقّة هنا من (نزل) على وزن (رسل) وتعنی ضیافة الضیف، أو أوّل ما یقدّم للضیف، ونظیر هذا المعنى ورد فی الآیة 198 من سورة آل عمران

بخصوص أهل الجنّة، قال تعالى: (خالدین فیها نزلا من عند الله ).

وقد ذهب بعض المفسّرین إلى أنّ الأنعام الأربعة مع أنّها لم تنزل من مکان أعلى إلى الأرض، فإنّ مقدّمات توفیر متطلبات حیاتها وتربیتها ـ والتی هی قطرات المطر وأشعة الشّمس ـ هی التی تنزل من الأعلى إلى الأرض.

وورد تفسیر رابع لهذه العبارة هو أنّ کلّ الموجوات کانت من البدایة موجودة فی خزائن علم وقدرة البارىء عزّوجلّ، أی فی علم الغیب، ثمّ انتقلت من الغیب إلى الشهادة أی إلى (الظهور)، ولهذا أطلقوا على هذا الإنتقال عبارة (الإنزال) کما ورد ذلک فی الآیة 21 فی سورة الحجر: (و إن من شیء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم ) (2) .

لکنّ التّفسیر الأوّل أکثر مناسبة من غیره، رغم عدم وجود أی تعارض بین هذه التفاسیر، بل من الممکن أن تصب جمیعها فی نفس المفهوم والمعنى.

وورد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) حدیث فی تفسیر هذه الآیة جاء فیه: «إنزاله ذلک خلقه إیاه» أی إنّ إنزال تلک الأزواج الثمانیة من الأنعام یعنی خلقها من قبل الله.

ظاهر الحدیث یشیر إلى التّفسیر الأوّل، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، وله المقام الأسمى والأرفع.

وعلى أیّة حال، فرغم أنّ الأنعام المذکورة قلیلا ما یستفاد منها الیوم فی عملیات النقل وحمل الأثقال، لکنّها تقوم بمنافع مهمّة اُخرى یزداد ویتسع حجم الاحتیاج إلیها یوماً بعد آخر، لأنّها تغطی الیوم الجانب الأعظم من احتیاجات الإنسان الغذائیة کالحلیب واللحوم، إضافة إلى أصوافها وجلودها التی کانت منذ السابق وحتى یومنا هذا تستخدم فی صناعة الألبسة وغیرها من الاُمور التی یحتاج إلیها الإنسان، حتى أنّ أحد المنابع المالیة المهمّة لدى الدول الکبیرة فی العالم یأتی عن طریق تربیة وتکثیر هذه الحیوانات.

ثمّ تتطرّق الآیات إلى حلقة اُخرى من حلقات خلق الله، وهی عملیة نمو الجنین إذ تقول الآیة: (یخلقکم فی بطون أمهاتکم خلقاً من بعد خلق فی ظلمات ثلاث ).

یتضح أنّ المقصود من (خلقاً من بعد خلق ) هو الخلق المتکرر والمستمر، ولیس الخلق مرّتین فقط.

«یخلقکم»: فعل مضارع یعطی معنى الاستمراریة، وهو هنا بمثابة إشارة قصیرة ذات معان عمیقة إلى التحولات العجیبة والصور المختلفة التی تطرأ على الجنین فی مراحل وجوده المختلفة فی بطن الاُم، وطبقاً لأقوال علماءعلم الأجنّة فإنّ عملیة خلق ونمو الجنین فی بطن الاُمّ تعدّ من أعجب وأدقّ صور خلق الباریء عزّوجلّ، ونادراً ما نلاحظ أنّ المطلعین على دقائق هذه القضایا لا تلهج ألسنتهم بحمد الخالق وثنائه.

وقوله (ظلمات ثلاث )إشارة إلى ظلمة بطن الأمّ وظلمة الرحم وظلمة المشیمة (الکیس الخاص الذی یستقر فیه الجنین) التی هی فی الحقیقة ثلاثة أغلفة سمیکة تغطّی الجنین.

فالمصوّرون ـ الآن ـ بحاجة إلى ضوء ساطع ونور من أجل التصویر، أمّا خالق الإنسان فیخطط فی تلک الظلمة بشکل عجیب ویصوّر بشکل یدهش العقول، ویمدّه بأسباب العیش فی مکان لا یمکن لأحد أن یوصل إلیه رزقه الذی هو فی أمسّ الحاجة إلیه للنمو.

الإمام الحسین (علیه السلام) سید الشهداء یقول ـ فی دعائه المعروف بدعاء عرفه، الذی یعدّ دورة دراسیة کاملة وعالیة فی التوحید، ـ عند استعراضه للنعم التی منّ بها البارىء عزّوجلّ علیه: «وابتدعت خلقی من منی یمنى، ثمّ أسکنتنی فی ظلمات ثلاث: بین لحم وجلد ودم لم تشهدنی خلقی، ولم تجعل إلیّ من أمری ثمّ أخرجتنی إلى الدنیا تامّاً سویّاً» (3) .

(ممّا یذکر أنّنا قد تطرّقنا إلى عجائب خلق الجنین ومراحل خلقه فی ذیل الآیة 6 من سورة آل عمران وفی ذیل الآیة 5 من سورة الحج).

وفی نهایة الآیة، بعد ذکر الحلقات التوحیدیة الثلاث الخاصّة بخلق الإنسان والأنعام ومراحل خلق الجنین، یقول الباریء عزّوجلّ: (ذلکم الله ربّکم له الملک لا إله إلاّ هو فأنّى تصرفون ).

فأحیاناً یصل الإنسان بعد مشاهدته لهذه الآثار التوحیدیة العظیمة إلى مقام الشهود. ثمّ أشار تعالى إلى ذاته القدسیة، حیث یقول: (ذلکم الله ربّکم ) حقّاً لو کانت هناک عین بصیرة لأمکنها أن تراه وراء هذه الآثار... فعین الجسم ترى الآثار، وعین القلب ترى خالق الآثار.

عبارتی «ربّکم» و«له الملک» تدلان فی الحقیقة على حصر الربوبیة بذاته الطاهرة المقدسة، والذی اتضح بصورة جیّدة فی عبارة (لا إله إلاّ هو ) فعندما یکون هو الخالق والمالک والمربی والحاکم لکلّ عالم الوجود، فما هو دور غیره فی هذا العالم کی یستحق العبودیة؟!

وهنا تصرخ الآیة بوجه مجموعة من النائمین والغافلین قائلة: (فأنّى تصرفون ) أی کیف ضللتم وانحرفتم عن سبیل التوحید (4) ؟

بعد ذکر هذه النعم الکبیرة التی منّ بها الباریء عزّوجلّ على عباده، تتطرق الآیة التالیة إلى مسألة الشکر والکفر، وتناقش جوانب من هذه المسألة. وفی البدایة تقول: (إن تکفروا فإنّ الله غنىّ عنکم ) أی إن تکفروا أو تشکروا فإنّ نتائجه تعود علیکم، والله غنی عنکم فی حال کفرکم وشکرکم.

ثمّ تضیف، إنّ غناه وعدم احتیاجه لا یمنعان من أن تشکروا وتتجنبوا الکفر، لأنّ التکلیف إنّما هو لطف ونعمة إلهیّة، قال تعالى: (ولا یرضى لعباده الکفر و إن تشکروا یرضه لکم ) (5) .

وبعد استعراض هاتین النقطتین تستعرض الآیة نقطة ثالثة وهی تحمّل الشخص مسؤولیة أعماله، لأنّ قضیة التکلیف لا یکتمل معناها بدون هذا الأمر، قال تعالى: (ولا تزر وازرةٌ وزر اُخرى ).

ولأنّه لا معنى للتکلیف إن لم یکن هناک عقاب وثواب، فالآیة تشیر فی المرحلة الرّابعة إلى قضیة المعاد، وتقول: (ثمّ إلى ربّکم مرجعکم فینبّئکم بما کنتم تعملون ).

ولکون مسألة الحساب والعقاب لا یمکن أن تتمّ ما لم یکن هناک إطلاع وعلم کاملین بالأسرار الخفیة للإنسان، تختتم الآیة بالقول: (إنّه علیم بذات الصّدور ).

بهذا الشکل، ومن خلال جمل قصار، استعرضت فلسفة التکلیف وخصوصیاته ومسؤولیة الإنسان ومسألة العقاب والثواب، وهذه الآیة جواب قاطع لمن یتولى المذهب الجبری، الذی انتشر ـ ممّا یؤسف له ـ فی صفوف بعض الطوائف الإسلامیة، لأنّ الآیات الکریمة تقول وبصراحة: (ولا یرضى لعباده الکفر ).

وهذا دلیل واضح على أنّ إرادة الکفر لم تفرض على الکافرین (کما یقول بذلک أتباع المذهب الجبری) لأنّ من البدیهی أنّ من لا یرتضی شیئاً لا یأتی به، فهل یمکن أن تکون إرادة الله منفصلة عن رضاه؟ متعصّبو المذهب الجبری یثیرون العجب عندما یعمدون إلى ستر هذه العبارة الواضحة من خلال حصر کلمة (العباد) بالمؤمنین أو المعصومین، فی حین أنّها کلمة ذات معنى مطلق وتشمل بصورة واضحة کلّ العباد، نعم، فالبارىء عزّوجلّ لا یرتضی الکفر لأحد من عباده، بل یرتضی الشکر لکلّ عباده من دون أىّ استثناء (6) .

وهذه النقطة تلفت الإنتباه، وهی أنّ أساس تحمّل کلّ إنسان مسؤولیة أعماله یعدّ من الأسس المنطقیة والمسلّم بها فی کلّ الأدیان السماویة (7) .

وبالطبع یمکن أحیاناً أن یکون الإنسان مشترکاً فی ذنوب الآخرین، وذلک عندما یکون مضطلعاً أو مساهماً مع آخرین فی تهیئة مقدمات أو أسس ذلک العمل، کالذین یبتدعون البدع أو السنن الضالة، فی هذه الحالة تکون ذنوب أىّ شخص یرتکب تلک المحرمات فی ذمّة مسببها الرئیسی دون أن تقلل ذنوب ذلک الشخص الذی ارتکب الذنب (8) .


1. فی قوله تعالى: (ثمّ جعل منها زوجها ) محذوف تقدیره (خلقکم من نفس واحدة خلقها، ثمّ جعل منها زوجها).
2. تفسیر المیزان، وتفسیر روح المعانی، ذیل الآیات مورد البحث.
3. دعاء عرفة، (من مصباح الزائر، لابن طاووس).
4. نلفت الإنتباه إلى أنّ (أنّى) تأتی أحیاناً بمعنى (این) وأحیاناً اُخرى بمعنى(کیف).
5. وفق القراءات المشهورة، فإنّ (یرضه) تقرأ بضم الهاء وبدون إشباع الضمیر، لأنّها کانت فی الأصل (یرضاه) وقد أسقطت الألف بسبب الجزم وأصبحت (یرضه) والضمیر فیها یعود على الشکر، ورغم أنّ کلمة (شکر) لم ترد فی العبارة السابقة بصورة صریحة، إلاّ أنّ عبارة (إن تشکروا) تدل علیها، کما هو الحال بالنسبة إلى الضمیر فی (اعدلوا هو أقرب للتقوى )الذی یعود على العدالة.
6. هناک بحث مفصل فی ذیل الآیة 5 من سورة إبراهیم ـ عن أهمیة وفلسفة الشکر وعن مفهومها الحقیقی وأبعادها.
7. بهذا الخصوص هناک بحث فی ذیل الآیة 15 من سورة الإسراء.
8. هناک بحث بهذا الشأن فی ذیل الآیة 64 من سورة الأنعام.
سورة الزّمر / الآیة 6 ـ 7 سورة الزّمر / الآیة 8 ـ 9
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma