إبراهیم عند المذبح:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة الصافات / الآیة 101 ـ 110 1ـ من هو ذبیح الله؟

بحثنا فی الآیات السابقة إنتهى عند هجرة إبراهیم (علیه السلام) من بابل بعد أن أدّى رسالته هناک، وطلبه من الله أن یرزقه ولداً صالحاً، إذ لم یکن له ولد.

وأوّل آیة فی هذا البحث تتحدّث عن الإستجابة لدعاء إبراهیم، إذ قالت الآیة: (فبشّرناه بغلام حلیم ).

فی الواقع إنّ ثلاثة بشائر جمعت فی هذه الآیة، الاُولى أنّه سیرزق طفلا ذکراً، والثانیة أنّ هذا الطفل یبلغ سنّ الفتوّة، أمّا الثالثة فهی أنّ صفته حلیم.

وکلمة (حلیم) تعنی الذی لا یعجّل فی الأمر قبل وقته مع القدرة علیه، وقیل: الذی لا یعجّل بالعقوبة، والذی له روح کبیرة وهو متسلّط على أحاسیسه.

ویرى «الراغب» فی مفرداته أنّ کلمة حلیم تعنی الضابط نفسه فی لحظة الإثارة والغضب، وبسبب کون هذه الحالة تنشأ من العقل والإدراک، فإنّ کلمة الحلم تعنی ـ أحیاناً ـ العقل والإدراک.

ولکنم المعنى الحقیقی لکلمة حلیم هو المعنى الأوّل الذی ذکرناه.

ویمکن الاستفادة من هذا الوصف فی أنّ الله بشّر عبده إبراهیم فی أنّه سیعطی إبنه إسماعیل عمراً یمکن وصفه فیه بالحلیم، کما أنّ الآیات التالیة ستوضّح أنّ إسماعیل بیّن مرتبة حلمه أثناء قضیّة الذبح، مثلما وضّح أبوه إبراهیم حلمه فی أثناء قضیّة الذبح، وأثناء إحراقه بالنار.

وکلمة (حلیم) کرّرت 15 مرّة فی القرآن المجید، وأغلبها وردت وصفاً لله، عدا ثلاث موارد جاءت فی وصف إبراهیم وإبنه إسماعیل من قبل القرآن الکریم، والثالثة جاءت فی وصف شعیب وعلى لسان الآخرین.

وکلمة (غلام) حسب إعتقاد البعض تطلق على کلّ طفل لم یصل بعد مرحلة الشباب، والبعض یطلقها على الطفل الذی إجتاز عمره العشر سنوات ولم یصل بعد إلى سنّ البلوغ.

ویمکن الإستفادة من العبارات المختلفة الواردة بلغة العرب فی أنّ کلمة (غلام) تطلق على الذکر الذی إجتاز مرحلة الطفولة ولم یصل بعد إلى مرحلة الشباب.

أخیراً، ولد الطفل الموعود لإبراهیم وفق البشارة الإلهیّة، وأثلج قلب إبراهیم الذی کان ینتظر الولد الصالح لسنوات طوال، إجتاز الطفل مرحلة الطفولة وأضحى غلاماً، وهنا یقول القرآن: (فلمّا بلغ معه السعی ).

یعنی أنّه وصل إلى مرحلة من العمر یستطیع فیها السعی وبذل الجهد مع والده فی مختلف اُمور الحیاة وإعانته على اُموره.

وقال البعض: بأنّ (السعی) هنا یعنی العمل لله والعبادة، وبالطبع فإنّ کلمة (السعی) لها مفاهیم ومعان واسعة تشمل هذا المعنى أیضاً، ولکنّها لا یقتصر معناها علیه. و(معه) تدلّ على أنّه کان یساعد والده فی اُمور الحیاة.

على کلّ حال، فقد ذهب جمع من المفسّرین: إنّ عمر إسماعیل کان 13 عاماً حینما رأى إبراهیم ذلک المنام العجیب المحیّر، والذی یدلّ على بدء امتحان عسیر آخر لهذا النّبی ذی الشأن العظیم، إذ رأى فی المنام أنّ الله یأمره بذبح إبنه الوحید وقطع رأسه. فنهض من نومه مرعوباً، لأنّه یعلم أنّ ما یراه الأنبیاء فی نومهم هو حقیقة ولیس من وساوس الشیاطین، وقد تکرّرت رؤیته هذه لیلتین اُخریین، فکان هذا بمثابة تأکید على ضرورة تنفیذ هذا الأمر فوراً.

وقیل: إنّ أوّل رؤیا له کانت فی لیلة الترویة، أی لیلة الثامن من شهر ذی الحجّة، کما

شاهد نفس الرؤیا فی لیلة عرفة، ولیلة عید الأضحى، وبهذا لم یبق عنده أدنى شکّ فی أنّ هذا الأمر هو من الله سبحانه وتعالى.

امتحان شاقّ آخر یمرّ على إبراهیم الآن، إبراهیم الذی نجح فی کافّة الامتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس، الامتحان الذی یفرض علیه وضع عواطف الاُبوّة جانباً والإمتثال لأوامر الله بذبح إبنه الذی کان ینتظره لفترة طویلة، وهو الآن غلام یافع قوی.

ولکن قبل کلّ شیء، فکّر إبراهیم (علیه السلام) فی إعداد ابنه لهذا الأمر، حیث (قال یابنی إنّی أرى فی المنام أنّی أذبحک فانظر ماذا ترى ).

الولد الذی کان نسخة طبق الأصل من والده، والذی تعلّم خلال فترة عمره القصیرة الصبر والثبات والإیمان فی مدرسة والده، رحّب بالأمر الإلهی بصدر واسع وطیبة نفس، وبصراحة واضحة قال لوالده: (قال یاأبت افعل ما تؤمر ).

ولا تفکّر فی أمری، فانّک (ستجدنی إن شاء الله من الصابرین ).

فما أعظم کلمات الأب والإبن وکم تخفی فی بواطنها من الاُمور الدقیقة والمعانی العمیقة؟!

فمن جهة، الأب یصارح ولده البالغ من العمر 13 عاماً بقضیّة الذبح، ویطلب منه إعطاء رأیه فیها، حیث جعله هنا شخصیّة مستقلّة حرّة الإرادة.

فإبراهیم لم یقصد أبداً خداع ولده، ودعوته إلى ساحة الامتحان العسیر بصورة عمیاء، بل رغب بإشراکه فی هذا الجهاد الکبیر ضدّ النفس، وجعله یستشعر حلاوة لذّة التسلیم لأمر الله والرضى به، کما إستشعر حلاوتها هو.

ومن جهة اُخرى، عمد الإبن إلى ترسیخ عزم وتصمیم والده فی تنفیذ ما أمر به، إذ لم یقل له: إذبحنی، وإنّما قال له: افعل ما أنت مأمور به، فإنّنی مستسلم لهذا الأمر، وخاصّة أنّه خاطب أباه بکلمة (یاأبت ) کی یوضّح أنّ هذه القضیّة لا تقلّل من عاطفة الابن تجاه أبیه ولو بمقدار ذرّة، وأنّ أمر الله هو فوق کلّ شیء.

ومن جهة ثالثة، أظهر أدباً رفیعاً اتّجاه الله سبحانه وتعالى، وأن لا یعتمد أحد على إیمانه وإرادته وتصمیمه فقط، وإنّما یعتمد على إرادة ومشیئة الله، وبعبارة اُخرى: أن یطلب توفیق الإستعانة والإستقامة من الله.

وبهذا الشکل یجتاز الأب وإبنه المرحلة الاُولى من هذا الامتحان الصعب بإنتصار کامل.

ماذا یدور فی هذا الوسط؟ القرآن الکریم لم یفصّل مجریات الحدث، ورکّز فقط على النقاط الحسّاسة فی هذه القصّة العجیبة.

کتب البعض: إنّ إسماعیل ساعد والده فی تنفیذ هذا الأمر الإلهی، وعمل على تقلیل ألم وحزن والدته.

فعندما أخذه والده للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة فی أرض (منى) قال إسماعیل لوالده:

یاأبت، أحکم شدّ الحبل کی لا تتحرّک یدی ورجلی أثناء تنفیذک الأمر الإلهی، أخاف أن یقلّل ذلک من مقدار الجزاء الذی سأناله.

والدی العزیز اشحذ السکّین جیّداً، وامرره بسرعة على رقبتی کی یکون تحمّل ألم الذبح سهلا بالنسبة لی ولک.

والدی قبل ذبحی اخلع ثوبی من على جسدی کی لا یتلوّث بالدم، لأنّی أخاف أن تراه والدتی وتفقد عنان صبرها.

ثمّ أضاف: أوصل سلامی إلى والدتی، وإن لم یکن هناک مانع أوصل ثوبی إلیها کی یسلّی خواطرها ویهدّىء من آلامها، لأنّها ستشمّ رائحة إبنها منه، وکلّما أحسّت بضیق القلب، تضعه على صدرها لیخفّف الحرقة الموجودة فی أعماقها.

قربت اللحظات الحسّاسة، فالأمر الإلهی یجب أن ینفّذ، فعندما رأى إبراهیم (علیه السلام) درجة إستسلام ولده للأمر الإلهی إحتضنه وقبّل وجهه، وفی هذه اللحظة بکى الإثنان، البکاء الذی یبرز العواطف الإنسانیة ومقدّمة الشوق للقاء الله.

القرآن الکریم یوضّح هذا الأمر فی جملة قصیرة ولکنّها ملیئة بالمعانی، فیقول تعالى: (فلمّا أسلما وتلّه للجبین ) (1) .

مرّة اُخرى تطرّق القرآن هنا بإختصار، کی یسمح للقاریء متابعة هذه القصّة بإنشداد کبیر.

قال البعض: إنّ المراد من عبارة (تلّه للجبین ) هو أنّه وضع جبین ولده ـ طبقاً لإقتراحه ـ على الأرض، حتى لا تقع عیناه على وجه ابنه فتهیج عنده عاطفة الاُبوّة وتمنعه من تنفیذ الأمر الإلهی.

على أیّة حال کبّ إبراهیم (علیه السلام) إبنه على جبینه، ومرّر السکّین بسرعة وقوّة على رقبة ابنه، وروحه تعیش حالة الهیجان، وحبّ الله کان الشیء الوحید الذی یدفعه إلى تنفیذ الأمر ومن دون أی تردّد.

إلاّ أنّ السکّین الحادّة لم تترک أدنى أثر على رقبة إسماعیل اللطیفة.

وهنا غرق إبراهیم فی حیرته، ومرّر السکّین مرّة اُخرى على رقبة ولده، ولکنّها لم تؤثّر بشیء کالمرّة السابقة.

نعم، فإبراهیم الخلیل یقول للسکّین: إذبحی، لکنّ الله الجلیل یعطی أوامره للسکّین أن لا تذبحی، والسکّین لا تستجیب سوى لأوامر الباری عزّوجلّ.

وهنا ینهی القرآن کلّ حالات الإنتظار وبعبارة قصیرة ملیئة بالمعانی العمیقة (ونادیناه أن یاإبراهیم قد صدّقت الرؤیا إنّا کذلک نجزی المحسنین ).

إذ نمنحهم توفیق النجاح فی الإمتحان، ونحفظ لهم ولدهم العزیز، نعم فالذی یستسلم تماماً وبکلّ وجوده للأمر الإلهی ویصل إلى أقصى درجات الإحسان، لا یمکن مکافأته بأقلّ من هذا.

ثمّ یضیف القرآن الکریم (إنّ هذا لهو البلاء المبین ).

عملیّة ذبح الإبن البارّ المطیع على ید أبیه، لا تعدّ عملیّة سهلة وبسیطة بالنسبة لأب إنتظر فترة طویلة کی یرزقه الله بهذا الابن، فکیف یمکن إماتة قلبه تجاه ولده؟ والأکثر من ذلک إستسلامه ورضاه المطلق ـ من دون أی إنزعاج ـ لتنفیذ هذا الأمر، وتنفیذه کافّة مراحل العملیة من بدایتها إلى نهایتها، بصورة لا یغفل فیها عن أی شیء من الإستعداد لعملیة الذبح نفسیاً وعملیّاً.

والذی یثیر العجب أکثر هو التسلیم المطلق لهذا الغلام أمام أمر الله، إذ استقبل أمر الذبح بصدر مفتوح وإطمئنان یحفّه اللطف الإلهی، وإستسلام فی مقابل هذا الأمر.

لذا فقد ورد فی بعض الروایات أنّ جبرئیل هتف «الله أکبر» «الله أکبر» أثناء عملیّة الذبح لتعجّبه.

فیما هتف إسماعیل «لا إله إلاّ الله، والله أکبر».

ثمّ قال إبراهیم: «الله أکبر ولله الحمد» (2) .

وهذه العبارات تشبه التکبیرات التی نردّدها فی یوم عید الأضحى.

ولکی لا یبقى برنامج إبراهیم ناقصاً، وتتحقّق اُمنیة إبراهیم فی تقدیم القربان لله، بعث الله کبشاً کبیراً إلى إبراهیم لیذبحه بدلا عن ابنه إسماعیل، ولتصیر سنّة للأجیال القادمة التی تشارک فی مراسم الحجّ وتأتی إلى أرض (منى) (وفدیناه بذبح عظیم ).

ما المراد بالذبح العظیم؟

هل أنّه یقصد منه الجانب الجسمی والظاهری؟

أو لأنّه کان فداء عن إسماعیل؟

أو لأنّه کان لله وفی سبیل الله؟

أو لأنّ هذه الاُضحیة بعثها الله تعالى إلى إبراهیم؟

المفسّرون قالوا الکثیر بشأنها، ولکن لا یوجد أی مانع یحول دون جمع کلّ ما هو مقصود أعلاه.

وإحدى دلائل عظمة هذا الذبح، هو إتّساع نطاق هذه العملیة سنة بعد سنة بمرور الزمن، وحالیاً یذبح فی کلّ عام أکثر من ملیون اُضحیة تیمّناً بذلک الذبح العظیم وإحیاءاً لذلک العمل العظیم.

«فدیناه» مشتقّة من (الفداء) وتعنی جعل الشیء مکان شیء آخر لدفع الضرر عنه، لذا یطلق على المال الذی یدفع لإطلاق سراح الأسیر (الفدیة) کما تطلق (الفدیة) على الکفّارة التی یخرجها بعض المرضى بدلا عن صیامهم.

وبشأن کیفیة وصول الکبش العظیم إلى إبراهیم (علیه السلام)، أعرب الکثیر من المفسّرین عن إعتقادهم فی أنّ جبرئیل أنزله، فیما قال البعض الآخر: إنّه هبط علیه من أطراف جبال (منى)، ومهما کان فإنّ وصوله إلى إبراهیم کان بأمر من الله.

النجاح الذی حقّقه إبراهیم (علیه السلام) فی الإمتحان الصعب، لم یمدحه الله فقط ذلک الیوم، وإنّما جعله خالداً على مدى الأجیال (وترکنا علیه فی الآخرین ).

إذ غدا إبراهیم (علیه السلام) «اُسوة حسنة» لکلّ الأجیال، و«قدوة» لکلّ الطاهرین، وأضحت أعماله سنّة فی الحجّ، وستبقى خالدة حتى تقوم القیامة، إنّه أبو الأنبیاء الکبار، وإنّه أبو هذه الاُمّة الإسلامیة ورسولها الأکرم محمّد بن عبدالله (صلى الله علیه وآله).

ولما إمتاز به إبراهیم (علیه السلام) من صفات حمیدة، خصّه الباری عزّوجلّ بالسلام (سلام على إبراهیم ).

نعم، إنّا کذلک نجزی ونثیب المحسنین (کذلک نجزی المحسنین ) جزاء یعادل عظمة الدنیا، جزاء خالد على مدى الزمان، جزاء یجعل من إبراهیم أهلا لسلام الله عزّوجلّ علیه.

وعبارة (کذلک نجزی المحسنین ) تثیر الإنتباه، إذ أنّها أتت قبل عدّة آیات، وتکرّرت ثانیة هنا، فهناک حتماً علّة لهذا التکرار.

المرحلة الاُولى ربّما کانت بسبب أنّ الله سبحانه وتعالى صادق على نجاح إبراهیم فی الإمتحان الصعب، وأمضى نتیجة قبوله، وهذه بحدّ ذاتها أهمّ مکافأة یمنحها الله سبحانه وتعالى لإبراهیم، ثمّ تأتی قضیّة (الفدیة بذبح عظیم) و(بقاء اسمه وسنّته خالدین على مدى التاریخ) و(إرسال الباری عزّوجلّ سلامه وتحیّاته إلى إبراهیم) التی إعتبرت ثلاث نعم کبیرة منحها الله سبحانه وتعالى لعبده إبراهیم بعنوان أنّها مکافأة وجزاء للمحسنین.


1. «تلّه» من مادّة «تلّ» وتعنی فی الأصل المکان المرتفع، و (تلّه للجبین) تعنی أنّه وضع أحد جوانب وجه إبنه على مکان مرتفع من الأرض.
«جبین» تعنی أحد جانبی الجبهة أو الوجه، وطرفی الوجه أو الجبهة یقال لهما (جبینان).
2. تفسیر القرطبی، وتفسیر روح البیان.
سورة الصافات / الآیة 101 ـ 110 1ـ من هو ذبیح الله؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma