سلیمان (علیه السلام) یستعرض قوّاته القتالیة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 30 ـ 33 سورة ص / الآیة 34 ـ 40

هذه الآیات تواصل البحث السابق بشأن داود (علیه السلام).

فالآیة الاُولى تزفّ البشرى لداود فی أنّه سیرزق بولد صالح هو سلیمان، وسیتولّى الحکم وأعباء الرسالة من بعده، وتقول: (ووهبنا لداوود سلیمان نعم العبد إنّه أو ّا ب ).

هذه الجملة تبیّن عظمة مقام سلیمان، ویحتمل کونها ردّاً على الإتّهامات القبیحة والعاریة من الصحّة الواردة فی التوراة المحرّفة عن ولادة سلیمان من زوجة أوریّا، والتی کانت شائعة فی المجتمع قبل نزول القرآن.

فعبارة (وهبنا) من جهة و(نعم العبد) من جهة اُخرى، والتعلیل (إنّه أوّاب) أی (الشخص المطیع لله والممتثل لأوامره، والذی یتوب إلى الباری عزّوجلّ إثر أبسط غفلة أو زلّة) من جهة ثالثة، کلّها تدلّ على عظمة مقام هذا النّبی الکبیر.

وعبارة (إنّه أوّاب) هی نفس العبارة التی جاءت بحقّ والده داود فی الآیة 17 من نفس السورة، ورغم أنّ کلمة (أوّاب) صیغة مبالغة وتعنی کثیر الرجوع وغیر محدودة، فإنّها هنا تعنی العودة لطاعة الأمر الإلهی، العودة إلى الحقّ والعدالة، العودة من الغفلة وترک العمل بالأولى.

الآیة التالیة تبدأ بقصّة خیل سلیمان، التی فسّرت بأشکال مختلفة، حیث إنّ البعض

فسّرها بصورة سیّئة ومعارضة لموازین العقل، حتى أنّه لا یمکن إیرادها بشأن إنسان عادی، فکیف ترد بحقّ نبی عظیم کسلیمان (علیه السلام).

ولکن المحقّقین بعد بحثهم فی الدلائل العقلیّة والنقلیة أغلقوا الطریق أمام أمثال هذه التّفسیرات، وقبل أن نخوض فی الاحتمالات المختلفة الواردة، نفسّر الآیات وفق ظاهرها أو (وفق أقوى إحتمال ظاهری لها) لکی نوضّح أنّ القرآن الکریم خال من مثل هذه الإدّعاءات المزیّفة التی فُرضت على القرآن من قبل الآخرین.

إذ یقول القرآن: (إذ عرض علیه بالعشىّ الصّافنات الجیاد ).

«صافنات» جمع (صافنة) وقال معظم اللغویین والمفسّرین: إنّها تطلق على الجیاد التی تقوم على ثلاث قوائم وترفع أحد قوائمها الأمامیة قلیلا لیمسّ الأرض على طرف الحافر، وهذه الحالة تخصّ الخیول الأصیلة التی هی على أهبّة الإستعداد للحرکة فی أیّة لحظة (1) .

«الجیاد» جمع (جواد) وتعنی الخیول السریعة السیر، وکلمة «جیاد» مشتقّة فی الأصل من (جود)، والجود عند الإنسان یعنی بذل المال، وعند الخیول یعنی سرعة سیرها. وبهذا الشکل فإنّ الخیول المذکورة تبدو کأنّها على أهبّة الإستعداد للحرکة أثناء حالة توقّفها، وإنّها سریعة السیر أثناء عدوها.

ویستشف من الآیة مع القرائن المختلفة المحیطة بها، أنّه فی أحد الأیّام وعند العصر إستعرض سلیمان (علیه السلام) خیوله الأصیلة التی کان قد أعدّها لجهاد أعدائه، إذ مرّت تلک الخیول مع فرسانها أمام سلیمان (علیه السلام) فی إستعراض منسّق ومرتّب، وبما أنّ الملک العادل وصاحب النفوذ علیه أن یمتلک جیشاً قویّاً، والخیول السریعة إحدى الوسائل المهمّة التی یجب أن تتوفّر لدى ذلک الجیش، فقد جاء هذا الوصف فی القرآن بعد ذکر مقام سلیمان باعتباره نموذجاً من أعماله.

ولکی یطرد سلیمان التصوّر عن أذهان الآخرین فی أنّ حبّه لهذه الخیول القویّة ناتج من حبّه للدنیا، جاء فی قوله تعالى: (فقال إنّی أحببت حبّ الخیر عن ذکر ربّی ) انّی اُحبّ هذه الخیل من أجل الله وتنفیذ أمره، واُرید الإستفادة منها فی جهاد الأعداء.

لقد ورد أنّ العرب تسمّی «الخیل» خیراً، وفی حدیث عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال فیه: «الخیر معقود بنواصی الخیل إلى یوم القیامة» (2) .

وإستمرّ سلیمان (علیه السلام) ینظر إلى خیله الأصیلة المستعدّة لجهاد أعداء الله، وهو یعیش حالة من السرور، حتى توارت عن أنظاره (حتّى توارت بالحجاب ).

کان هذا المشهد جمیلا ولطیفاً لقائد کبیر مثل سلیمان، بحیث أمر بإعادة عرض الخیل مرّة اُخرى (ردّوها علیّ ). وعندما نفّذت أوامره بإعادة الخیل، عمد سلیمان (علیه السلام) إلى مسح سوقها وأعناقها (فطفق مسحاً بالسّوق والأعناق ).

وبهذا الشکل أشاد بجهود مدربی تلک الخیول، وأعرب لهم عن تقدیره لها، لأنّ من الطبیعی لمن أراد أن یعرب عن تقدیره للجواد أن یمسح رأس ذلک الجواد ووجهه ورقبته وشعر رقبته، أو یمسح على ساقه، وأبرز فی نفس الوقت تعلّقه الشدید بخیله التی تساعده فی تحقیق أهدافه العلیا السامیة، وتعلّق سلیمان الشدید بخیله لیس بأمر یبعث على العجب.

«طفق» بإصطلاح النحویین من أفعال المقاربة، وتأتی بمعنى «شرع».

«سوق» هی جمع (ساق) و(أعناق) جمع (عنق) ومعنى الآیة هو أنّ سلیمان شرع بمسح سوق الجیاد وأعناقها.

ما ذکرناه بشأن تفسیر هذه الآیة یتطابق مع ما ذهب إلیه بعض المفسّرین کالفخر الرازی، کما تمّت الإستفادة من بعض ما ورد عن العالم الشیعی الکبیر السیّد المرتضى، إذ قال فی کتابه (تنزیه الأنبیاء) فی باب نفی الادّعاءات الباطلة والمحرّمة التی ینسبها بعض المفسّرین ورواة الحدیث إلى سلیمان (إنّ الله تعالى ابتدأ الآیة بمدحه والثناء علیه فقال: (نعم العبد إنّه أو ّا ب ) فلا یمکن أن یثنی علیه بهذا الثناء ثمّ یتبعه من غیر فصل بإضافة القبیح إلیه، وأنّه یتلهّى بعرض الخیل عن فعل المفروض علیه من الصلاة، والذی یقتضیه الظاهر أنّ حبّه للخیل وشغفه بها کان عن إذن ربّه وبأمره وبتذکیره إیّاه، لأنّ الله تعالى قد أمرنا بإرباط الخیل وإعدادها لمحاربة الأعداء، فلا ینکر أن یکون سلیمان (علیه السلام) مأموراً بمثل ذلک) (3) .

أمّا العلاّمة المجلسی فقد ذکر فی کتابه (بحار الأنوار) فی باب النبوّة، تفسیراً لهذه الآیات یشابه کثیراً ما ذکر أعلاه (4).

على أیّة حال ـ وفق هذا التّفسیر ـ لم یصدر من سلیمان أی ذنب، ولم یحدث أی خلل فی ترتیب الآیات، ولا تبدو أیّة مشکلة حتى نعمد إلى توضیحه (5).

والآن نستعرض تفاسیر اُخرى لمجموعة من المفسّرین بشأن هذه الآیات وأشهرها، فهناک تفسیر یعود بالضمیر فی جملتی (توارت) و(ردّوها) إلى (الشمس) التی لم ترد فی تلک الآیات، ولکنّهم استدلّوا علیها من کلمة (العشی) (التی تعنی آخر النهار بعد الزوال) الموجودة فی آیات بحثنا.

وبهذا الشکل فإنّ الآیات تعطی المفهوم التالی، إنّ سلیمان کان غارقاً فی مشاهدة الخیل والشمس قد غربت واستترت خلف حجاب الاُفق، فغضب سلیمان کثیراً لأنّه لم یکن قد صلّى صلاة العصر، فنادى ملائکة الله، ودعاها إلى ردّ الشمس، فإستجابت له الملائکة وردّتها إلیه، أی رجعت فوق الاُفق، فتوضّأ سلیمان (المراد بمسح السوق والأعناق هو أداء الوضوء الذی کان حینذاک یعمل به وفق سنّة سلیمان، وبالطبع فإنّ کلمة (المسح) تأتی أحیاناً فی لغة العرب بمعنى الغسل) ثمّ صلّى.

البعض ممّن لیس لدیهم الإطلاع الکافی تحدّثوا بأکثر من هذا، ونسبوا اُموراً سیّئة ومحرّمة اُخرى إلى هذا النّبی الکبیر، عندما قالوا: إنّ المقصود من جملة (طفق مسحاً بالسّوق والأعناق ) هو أنّه أمر بضرب سوق وأعناق الخیل بالسیف، أو أنّه نفّذ هذا الأمر بشخصه، لأنّها شغلته عن ذکر الله والصلاة.

طبیعی أنّ بطلان التّفسیر الأخیر لا یخفى على أحد، لأنّ الخیول لا ذنب لها کی یقتلها سلیمان بحدّ السیف، فإن کان هناک ذنب فقد إرتکبه هو، لأنّه کان غارقاً فی مشاهدة خیله، ونسی صلاته.

وأحیاناً فإنّ قتل الخیل إسراف إضافةً إلى کونه جریمة، فکیف یمکن أن یصدر مثل هذا العمل المحرّم من نبی؟! أمّا الروایات التی وردت من المصادر الإسلامیة بشأن هذه الآیة فإنّها تنفی ـ بشدّة ـ هذه التهمة الموجّهة إلى سلیمان (علیه السلام).

أمّا التفاسیر السابقة التی قالت بنسیان سلیمان وغفلته عن أداء صلاة العصر، فهی موضع السؤال التالی، هل یمکن لنبی معصوم أن ینسى واجباً مکلّفاً به؟ رغم أنّ إستعراضه للخیول کان واجباً آخر مکلّفاً به، إلاّ إذا کانت الصلاة ـ کما قال البعض ـ صلاة مندوبة أو مستحبّة، ونسیانها لا یسبّب أیّة مشاکل، ولکن إن کانت صلاة نافلة فلا ضرورة إذن لردّ الشمس.

إذا إنتهینا من هذا، فهناک إشکالات اُخرى وردت بشأن هذا التّفسیر:

کلمة (الشمس) لم تأت بصورة صریحة فی الآیات، فی حین أنّ الخیل (الصّافنات الجیاد ) جاء ذکرها صریحاً، ونرى من المناسب أن نعود بالضمیر على شیء صرّحت به الآیات.

عبارة (عن ذکر ربّی ) ظاهرها یعنی أنّ حبّ هذه الخیل إنّما هو ناشیء من ذکر وطاعة أمر الله، فی حین ـ طبقاً للتفسیر الأخیر ـ تعطی کلمة (عن) معنى (على) ویکون معنى العبارة، إنّی آثرت حبّ الخیل على حبّ ربّی، وهذا المعنى مخالف لظاهر الآیة.

الأعجب من کلّ ذلک هی عبارة (ردّوها علیّ ) التی تحمل صفة الأمر، فهل یمکن أن یخاطب سلیمان الباری عزّوجلّ أو ملائکته بصیغة الأمر، أن ردّوا علیّ الشمس، کما یخاطب عبیده أو خدمه.

قضیّة ردّ الشمس، رغم أنّها فی مقابل قدرة الباری عزّوجلّ تعدّ أمراً یسیراً، إلاّ أنّها تواجه بعض الإشکالات بحیث جعلتها أمراً لا یمکن قبوله من دون توفّر أدلّة واضحة علیها.

الآیات المذکورة أعلاه تبدأ بمدح وتمجید سلیمان، فی حین أنّ التّفسیر الأخیر لها یعطی معنى الذمّ والتحقیر.

إذا کانت الصلاة المتروکة واجبة، فتعلیلها یعدّ أمراً صعباً، أمّا إذا کانت نافلة فلا داعی لردّ الشمس.

السؤال الوحید المتبقّی هنا، هو أنّ هذا التّفسیر ورد فی عدّة روایات فی مصادر الحدیث، وإذا دقّقنا جیّداً فی أسناد هذه الأحادیث، یتّضح لنا أنّها جمیعاً تفتقد السند الموثوق المعتبر، وأنّ أکثر هذه الروایات موضوعة.

ألیس من الأفضل صرف النظر عن تلک الروایات غیر الموثوقة، وإرجاع علمها إلى أصحابها، وتقبّل کلّ ما یبیّنه ظاهر الآیات بذهنیة صافیة ومتفتّحة، لنریح أنفسنا من عناء الإشکالات الفارغة؟


1. ویرى البعض: إنّ (صافنات)، تستعمل للمذکّر والمؤنث، ولهذا فإنّها لا تختصّ بإناث الخیل.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث، قال البعض: إنّ (خیر) الواردة فی الآیة الآنفة الذکر تعنی المال أو المال الکثیر، وهذا التّفسیر من الممکن أن یتطابق مع التّفسیر السابق، لأنّ مصداق المال هنا هو الخیل.
3. تنزیه الأنبیاء، ص 93.
4. بحار الأنوار، ج 14، ص 104.
5. طبقاً لهذا التّفسیر فإنّ الضمیر فی عبارتی (توارت) و(ردّوها) یعود على الخیل الماهرة والحاذقة (الصافنات الجیاد).
سورة ص / الآیة 30 ـ 33 سورة ص / الآیة 34 ـ 40
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma