1ـ الهدایة والإضلال من الله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
إنّ الله کاف!2ـ الإتکال على لطف الله

«الهدایة»: فی اللغة تعنی التوجیه والإرشاد بلطف ودقّة (1) ، وتنقسم إلى قسمین (بیان الطریق) و(الإیصال إلى المطلوب) وبعبارة اُخرى (هدایة تشریعیة) و(هدایة تکوینیة) (2) .

ولتوضیح ذلک نقول: إنّ الإنسان یصف أحیاناً الطریق للسائل بدقّة ولطف وعنایة ویترک السائل معتمداً على الوصف فی قطع الطریق والوصول إلى المقصد المطلوب. وأحیاناً اُخرى یصف الإنسان الطریق للسائل ومن ثمّ یمسک بیده لیوصله إلى المکان المقصود.

وبعبارة اُخرى: الشخص المجیب فی الحالة الاُولى یوضّح القانون وشرائط سلوک الطریق للشخص السائل کی یعتمد الأخیر على نفسه فی الوصول إلى المقصد والهدف، أمّا فی الحالة الثانیة، فإضافة إلى ما جاء فی الحالة الاُولى، فإنّ الشخص المجیب یهىّء مستلزمات السفر، ویزیل الموانع الموجودة، ویحلّ المشکلات، إضافة إلى أنّه یرافق الشخص السائل فی سلوک الطریق حتّى الوصول إلى مقصده النهائی لحمایته والحفاظ علیه.

و (الإضلال) هو النقطة المقابلة لـ (الهدایة).

فلو ألقینا نظرة عامة على آیات القرآن لاتّضح لنا ـ بصورة جیدة ـ أنّ القرآن یعتبر أنّ الظلالة والهدایة من الله، أی أنّ الاثنین ینسبان إلى الله، ولو أردنا أن نعدد کل الآیات التی تتحدّث بهذا الخصوص، لطال الحدیث کثیراً، ولکن نکتفی بذکر ما جاء فی الآیة 213 من سورة البقرة: (والله یهدی من یشاء إلى صراط مستقیم ) وفی الآیة 93 من سورة النحل: (ولکن یضلّ من یشاء ویهدی من یشاء ). وأمثال هذه الآیات ـ الخاصة بالهدایة أو الضلال أو أحدهماـ ورد فی آیات کثیرة من القرآن المجید (3) .

وأکثر من هذا، فقد جاء فی بعض الآیات نفی قدرة الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) على الهدایة وتحدید القدرة على الهدایة بالله سبحانه وتعالى، کما ورد فی الآیة 56 من سورة القصص: (إنّک لا تهدی من أحببت ولکنّ الله یهدی من یشاء ). وفی الآیة 272 من سورة البقرة: (لیس علیک هداهم ولکنّ الله یهدی من یشاء ).

الدراسة السطحیة لهذه الآیات وعدم إدراک معانیها العمیقة أدّى إلى زیغ البعض خلال تفسیرهم لها وانحرافهم عن طریق الهدایة ووقوعهم فی فخاخ المذهب الجبری، حتّى أنّ بعض المفسّرین المعروفین لم ینجوا من هذا الخطأ الکبیر، حیث اعتبروا الضلالة والهدایة وفی کلّ مراحلها أمراً جبریاً، والأدهى من ذلک أنّهم أنکروا أصل العدالة کی لا ینتقض رأیهم، لأنّ هناک تناقضاً واضحاً بین عقیدتهم وبین مسألة العدالة والحکمة الإلهیّة، فاذا کنّا أساساً نقول بالجبر، فلا یبقى هناک داع للتکلیف والمسؤولیة وإرسال الرسل وإنزال الکتب السماویة.

أمّا المعتقدون بمذهب الإختیار وأنّ الإنسان مخیّر فی هذه الدنیا ـ وأن العقل السلیم لا یقبل مطلقاً بأنّ الله سبحانه وتعالى یجبر مجموعة من الناس على سلوک سبیل الضلال ثمّ یعاقبهم على عملهم ذلک، أو أنّه یهدی مجموعة اُخرى بالإجبار ثم یمنحها ـ من دون أىّ سبب ـ المکافأة والثواب، ویفضّلها على الآخرین لأدائها عملا کانت قد أجبرت على القیام به ـ فهؤلاء انتخبوا لأنفسهم تفاسیر اُخرى لهذه الآیات، کان أهمها:

إنّ المراد من الهدایة الإلهیّة هی الهدایة التشریعیة التی تأتی عن طریق الوحی والکتب السماویة وإرسال الأنبیاء والأوصیاء، إضافة إلى إدراک العقل والشعور، أمّا انتهاج السبیل فهو فی عهدة الإنسان فی کافة مراحل حیاته، وبالطبع فإنّ هذا التّفسیر یتطابق مع الکثیر من الآیات القرآنیة التی تتناول موضوع الهدایة، ولکن هناک آیات کثیرة اُخرى لا یمکن تطابقها مع هذا التّفسیر، لأنّ فیها نوعاً من الصراحة فیما یخص (الهدایة التکوینیة) و(الإیصال إلى الهدف) کماورد فی الآیة 56 من سورة القصص: (إنّک لا تهدی من أحببت ولکنّ الله یهدی من یشاء ). فی حین أنّنا نعرف أنّ الهدایة التشریعیة والتوجیه نحو الطریق الصحیح، هی الواجب الرئیسی للأنبیاء.

مجموعة اُخرى من المفسّرین فسّروا الهدایة والضلال ذات الطابع التکوینی هنا، على أنّهما الثواب والعقاب، والإرشاد إلى طریق الجنّة والنّار، وقالوا بأنّ الباریء عزّوجلّ یهدی المؤمنین إلى طریق الجنّة، ویضل عنها الکافرین.

إنّ هذا المعنى صحیح بالنسبة لعدّة آیات فقط، ولکنّه لا یتطابق مع آیات اُخرى تتحدّث عن الهدایة والإضلال بصورة مطلقة.

مجموعة ثالثة قالت: إنّ المراد من الهدایة هو تهیئة الأسباب والمقدمات التی توصل إلى الغرض المطلوب، والمراد من الضلالة هو عدم توفیر تلک الأسباب والمقدمات أو حجبها عنهم، والتی عبّر عنها البعض بـ (التوفیق)(سلب التوفیق) لأنّ التوفیق یعنی تهیئة المقدمات للوصول إلى الهدف، وسلب التوفیق یعنی عدم تهیئة تلک المقدمات.

ووفقاً لهذا فإنّ الهدایة الإلهیّة لا تعنی أنّ الباریء عزّوجلّ یجبر الإنسان على الوصول إلى الهدف، وإنّما یضع الوسائل المطلوبة للوصول تحت تصرّفهم واختیارهم، وعلى سبیل المثال، وجود مربّ جیّد، بیئة سالمة للتربیة، أصدقاء وجلساء صالحین، وأمثالها، کلها من المقدمات، ورغم وجود هذه الاُمور فإنّه  لا یجبر الإنسان على سلوک سبیل الهدایة.

وثمّة سؤال یبقى مطروحاً، وهو: لماذا یشمل التوفیق مجموعة دون اُخرى؟

المنحازون لهذا التّفسیر علیهم أن ینتبهوا إلى حکمة أفعال الباریء عزّوجلّ ویعطوا دلائل لهذا الإختلاف، فمثلا یقولون: إنّ عمل الخیر هو سبب التوفیق الإلهی، وتنفیذ الأعمال الشریرة تسلب التوفیق من الإنسان.

وعلى أیّة حال فإنّ هذا التّفسیر جیّد ولکن الموضوع ما زال أعمق من هذا.

إنّ أدق تفسیر یتناسب مع کلّ آیات الهدایة والضلال، ویفسرها جمیعاً بصورة جیدة من دون أن یتعارض أدنى تعارض مع المعنى الظاهری، هو أنّ الهدایة التشریعیة التی تعنی (إراءة الطریق) لها خاصیة عامّة وشاملة، ولا توجد فیها أی قیود وشروط، کما ورد فی الآیة 3 من سورة الدهر (الإنسان): (إنّا هدیناه السّبیل إمّا شاکراً وإمّا کفوراً ) وفی الآیة 52 من سورة الشورى: (وإنّک لتهدی إلى صراط مستقیم ) ومن البدیهی أنّ دعوة الأنبیاء هی مظهر دعوة الله تعالى. لأنّ کلّ ما عند النّبی هو من الله.

وبالنسبة إلى مجموعة من المنحرفین والمشرکین ورد فی الآیة 23 من سورة النجم: (ولقد جاءهم من ربّهم الهدى ).

أمّا الهدایة التکوینیة فتعنی الإیصال إلى الغرض المطلوب، والأخذ بید الإنسان فی کلّ منعطفات الطریق، وحفظه وحمایته من کلّ الأخطار التی قد تواجهه فی تلک المنعطفات حتى إیصاله إلى ساحل النجاة، وهی ـ أی الهدایة التکوینیة ـ موضع بحث الکثیر من آیات القرآن الاُخرى التی لا یمکن تقییدها بأیّة شروط، فالهدایة هذه تخصّ مجموعة ذکرت أوصافهم فی القرآن، أمّا الضلال الذی هو النقطة المقابلة للهدایة فإنّه یخص مجموعة اُخرى ذکرت أوصافهم أیضاً فی القرآن الکریم.

ورغم وجود بعض الآیات التی تتحدّث عن الهدایة والإضلال بصورة مطلقة، إلاّ أنّ هناک الکثیر من الآیات الاُخرى التی تبیّن ـ بدقّة ـ محدودیتهما، وعندما تضع الآیات (المطلقة) إلى جانب (المحدودة) یتّضح المعنى بصورة کاملة، ولایبقى أىّ غموض أو إبهام فی معنى الآیات، کما أنّها ـ أی الآیات ـ تؤّکد بشدة على مسألة الاختیار وحریة الإرادة عند الإنسان ولا تتعارض معهما.

الآن یجب الإنتباه إلى التوضیح التالی:

القرآن المجید یقول فی إحدى آیاته: (یضلّ به کثیراً ویهدی به کثیراً وما یضلّ به إلاّ الفاسقین ) (4) وفی مکان آخر یقول الباریء عزّوجلّ: (واللّه لا یهدی القوم الظّالمین ) (5) وهذا یبیّن أنّ الظلم مقدمة للظلال. ومن هنا یتّضح أنّ الفسق، أی عدم إطاعة أوامر الباریء تعالى هو مصدر الضلال.

وفی موضع آخر نقرأ: (والله لا یهدی القوم الکافرین ) (6) ، وهنا اعتبر الکفر هو الذی یهىّء أرضیة الضلال.

وقد ورد فی آیة اُخرى: (إنّ الله لا یهدی من هو کاذب کفّار ) (7) یعنی أنّ الکذب والکفر هما مقدمة الضلال.

والآیة التالیة تقول: (إنّ الله لا یهدی من هو مسرف کذّاب ) (8) أی إنّ الإسراف والکذب یسببان الضلالة.

وبالطبع، فإنّ ما أوردناه کان جزءاً یسیراً من آیات القرآن التی تتناول هذا الموضوع، فبعض الآیات وردت مرّات عدیدة فی سور القرآن المختلفة وهی تحمل المعانی والمفاهیم.

إنّ ما یمکن استنتاجه هو أنّ القرآن الکریم یؤکّد على أنّ الضلالة الإلهیّة تشمل کلّ من توفرت فیه هذه الصفات (الکفر) و(الظلم) و(الفسق) و(الکذب) و(الإسراف) فهل أن الضلالة غیر لائقة بمن تتوفر فیه مثل هذه الصفات!

وبعبارة اُخرى: هل ینجو قلب من یتصف بتلک الصفات القبیحة، من الغرق فی الظلمات والحجب؟!

وبعبارة اُخرى أوضح: أنّ لهذه الأعمال والصفات آثاراً تلاحق الإنسان شاء أم أبى، إذ ترمی بستائرها على عینیه وأذنیه وعقله، وتؤدّی به إلى الضلال، لکون خصوصیات کلّ الأشیاء وتأثیرات کلّ الأسباب إنّما هی بأمر من الله، ومن الممکن أیضاً أن ینسب الإضلال إلیه سبحانه وتعالى فی جمیع هذه الموارد، وهذه النسبة هی أساس اختیار الإنسان وحریة إرادته.

هذا فیما یتعلّق بالضلالة، أمّا فیما یخصّ الهدایة، فقد وردت فی القرآن المجید شروط وأوصاف تبیّن أنّ الهدایة لا تقع من دون سبب وخلاف الحکمة الإلهیّة.

وقد استعرضت الآیات التالیة بعض الصفات التی تجعل الإنسان مستحقاً للهدایة ومحاطاً باللطف الإلهی، منها: (یهدی به الله من اتّبع رضوانه سبل السّلام ویخرجهم من الظّلمات إلى النّور بإذنه ویهدیهم إلى صراط مستقیم ) (9) .

إذن فإتباع أمر الله، وکسب مرضاته یهیئان الأرضیة للهدایة الإلهیّة.

وفی مکان آخر نقرأ: (إن الله یضلّ من یشاء ویهدی إلیه من أناب ) (10) إذن فالتوبة والإنابة تجعلان الإنسان مستحقاً للهدایة.

وفی آیة اُخرى ورد: (والّذین جاهدوا فینا لنهدینّهم سبلنا ) (11) فالجهاد، وخاصة (الجهاد الخالص فی سبیل الله) هو من الشروط الرئیسیة للهدایة.

وأخیراً نقرأ فی آیة اُخرى: (والّذین اهتدوا زادهم هدىً ) (12) أی أنّ قطع مقدار من طریق الهدایة هو شرط للإستمرار فیه بلطف الباریء عزّوجلّ.

نستنتج من ذلک أنّه لو لم تکن هناک توبة وإنابة من العبد، ولا اتباع لأوامر الله، ولا جهاد فی سبیله ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طریق الحق، فإنّ اللطف الإلهی لا یشمل ذلک العبد، وسوف لا یمسک الباریء بیده لإیصاله إلى الغرض المطلوب.

فهل أنّ شمول هؤلاء الذین یتحلّون بهذه الصفات بالهدایة هو أمر عبث، أو أنّه دلیل على هدایتهم بالإجبار؟

من الملاحظ أنّ آیات القرآن الکریم فی هذا المجال واضحة جدّاً ومعناها ظاهر، ولکن الذین عجزوا عن الخروج بنتیجة صحیحة من آیات الهدایة والضلال ابتلوا بمثل هذا الإبتلاء (لأنّهم لم یشاهدوا الحقیقة فقد ساروا فی طریق الخیال).

إذن یجب القول بأنّهم هم الذین إختاروا لأنفسهم سبیل (الضلال).

على أیّة حال، فإنّ المشیئة الإلهیّة فی آیات الهدایة والضلال لم تأت عبثاً ومن دون أىّ حکمة، وإنّما تتمّ بشرائط خاصّة، بحیث تبیّن تطابق حکمة الباریء عزّوجلّ مع ذلک الأمر.


1. «مفردات» مادة (هدى).
2. نلفت الإنتباه إلى أنّ الهدایة التکوینیة هنا قد استخدمت بمعناها الواسع، حیث تشمل کلّ أشکال الهدایة عدا الهدایة التی تأتی عن طریق بیان الشرائع والتوجیه إلى الطریق.
3. ومنها ما ورد فی السور والآیات التالیة: فاطر، 8; الزمر، 23; المدثر، 31; البقرة، 272; الأنعام، 88; یونس، 25; الرعد، 27; إبراهیم، 4.
4. البقرة، 26.
5. البقرة، 258.
6. البقرة، 264.
7. الزمر، 3.
8. غافر، 28.
9. المائدة، 16.
10. الرعد، 27.
11. العنکبوت، 69.
12. محمّد، 17.
إنّ الله کاف!2ـ الإتکال على لطف الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma