شرح برهان الإمکان والوجوب «الفقر والغنى»:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
( لا تزر وازرة وزر اُخرى ):سورة فاطر / الآیة 19 ـ 23

إنّ جمیع الموجودات التی نراها فی هذا العالم کانت کلّها ذات یوم «عدماً»، ثمّ اکتست بلباس الوجود، أو بتعبیر أدقّ: کان یوم لم تکن شیئاً فیه، ثمّ صارت وجوداً، وهذا بحدّ ذاته دلیل على أنّها معلولة فی وجودها لوجود آخر، ولیس لها وجود من ذاتها.

ونعلم بأنّ أی وجود معلول، مرتبط وقائم بعلّته وکلّه احتیاج، وإذا کانت تلک (العلّة) أیضاً معلولة لعلّة اُخرى فإنّها بدورها ستکون محتاجة، ولو تسلسل هذا الأمر إلى ما لا نهایة فسوف تکون الحصیلة مجموعة من الموجودات المحتاجة الفقیرة، وبدیهی أنّ مجموعة کهذه لن یکون لها وجود أبداً، لأنّ منتهى الاحتیاج احتیاج، ومنتهى الفقر فقر، وما لا نهایة له من الأصفار لا یمکن أن یحصل منه أی عدد، کما أنّه ممّا لا نهایة له من المرتبطات بغیرها لا تنتج أی حالة إستقلال.

من هنا نستنتج أنّنا فی النهایة یجب أن نصل إلى وجود قائم بذاته، ومستقل من جمیع النواحی، وهو علّة لا معلول، وهو واجب الوجود.

سؤال: هنا یثار السؤال التالی: لماذا تتعرّض الآیة أعلاه للإنسان وحاجته إلى الله فقط، بینما جمیع الموجودات تشترک فی هذا الفقر؟

والجواب: إذا کان الإنسان ـ الذی یعتبر سیّد المخلوقات ـ غارقاً فی الحاجة والفقر إلى الله، فإنّ حال بقیّة الموجودات واضحة، وبتعبیر آخر فإنّ بقیّة الموجودات تشترک مع الإنسان فی الفقر الذی هو «إمکان الوجود».

وتخصیص الحدیث فی الإنسان إنّما هو لأجل کبح جماح غروره، وإلفات نظره إلى حاجته إلى الله فی کلّ حال، وفی کلّ شیء وکلّ مکان، لیکون ذلک أساس الصفات الحسنة والفضائل والملکات الأخلاقیة، ذلک الإلتفات الذی یؤدّی إلى التواضع وترک الظلم والغرور والکبر والعصبیة والبخل والحرص والحسد، ویبعث على التواضع أمام الحقّ.

ولتأکید هذا الفقر والحاجة فی الإنسان یقول تعالى فی الآیة التالیة: (إن یشأ یذهبکم ویأت بخلق جدید ).

وعلیه فهو سبحانه وتعالى لیس بحاجة إلیکم أو إلى عبادتکم، وإنّما أنتم الفقراء إلیه.

وهذه الآیة شبیهة بما ورد فی الآیة 133 من سورة الأنعام حیث یقول تعالى: (وربّک الغنی ذو الرحمة إن یشأ یذهبکم ویستخلف من بعدکم ما یشاء کما أنشأکم من ذریّة قوم آخرین ).

فهو تعالى لیس محتاجاً لطاعتکم ولا خائفاً من معصیتکم، وفی نفس الوقت فإنّ رحمته الواسعة تشملکم جمیعاً، ولا ینقص من عظمته شیئاً ذهاب العالم بأسره، کما أنّ خلق هذا

العالم لا یضیف إلى مقام کبریائه شیئاً.

وفی الآیة الثالثة أیضاً یعود التأکید مرّةً ثانیة فیقول تعالى: (وما ذلک على الله بعزیز )نعم، فإنّما أمره إذا أراد شیئاً أن یقول له کن فیکون، وهذا یصدق على جمیع عالم الوجود.

على کلّ حال، فإنّه تعالى إذا أمرکم بالإیمان والطاعة والعبادة فإنّما ذلک لأجلکم أنتم، وکلّ ما ینشأ عن ذلک من فائدة أو برکة إنّما یعود علیکم.

الآیة الأخیرة من هذه الآیات تشیر إلى خمسة مواضیع فیما یتعلّق بما سبق بحثه فی الآیات السابقة:

الأوّل: من الممکن أن یثیر ما ورد فی الآیة الماضیة من قوله تعالى: (إن یشأ یذهبکم ویأت بخلق جدید ) سؤالا فی أذهان البعض من أنّ المقصودین فی هذه الآیة لیس المذنبین فقط، إذ إنّ المؤمنین الصالحین موجودون فی کلّ عصر وزمان، فهل یمکن أن یکون هؤلاء أیضاً معرضین للعقوبات المترتبة على أعمال الطالحین، ویُحکمون بالفناء على حد سواء؟

هنا یجیب (ولا تزر وازرة وزر اُخرى ).

«وِزر» بمعنى الثقل، وقد اُخذ من «وَزر» (على زنة کرب) بمعنى الملجأ فی الجبل، وأحیاناً یأتی بمعنى المسؤولیة ویعبّر بذلک عن الإثم کما یعبّر عنه بالثقل، والوزیر المتحمّل ثقل المسؤولیة من أمیره، والموازرة: المعاونة (1) ، لأنّ الشخص عند المعاونة یتحمّل قسطاً من الثقل عن رفیقه.

وهذه الجملة تعتبر واحدة من الاُسس الهامّة فی الإعتقادات الإسلامیة، والحقیقة أنّها ترتبط من جانب بالعدل الإلهی، بحیث یرتهن کلّ بعمله، وهو تعالى إنّما یثیب الشخص على سعیه وإجتهاده فی طریق الخیر، ویعاقبه على ذنبه.

ومن جانب آخر فإنّ فیها إشارة إلى شدّة العقوبة یوم القیامة، بحیث لا یکون أحد مستعدّاً لتحمّل وزر عمل غیره على عاتقه مهما کان قریباً منه.

والإلتفات إلى هذا المعنى له الأثر الفعّال فی البناء الروحی للإنسان، حیث یکون مراقباً لنفسه، ولا یسمح لها بالفساد بحجّة فساد الأقران أو المحیط، ففساد المحیط لا یمکن إعتباره مسوغاً لإفساد النفس، إذ إنّ کلا یحمل وحده وزر ذنبه.

ومن جانب آخر فإنّه یفهم الناس ویبصرهم بأنّ حساب الله للمجتمع لا یکون حساباً جمعیاً، بل إنّ کلّ فرد یحاسب بشکل مستقل، أی إنّ الفرد إذا أدّى ما علیه من تطهیر نفسه، ومحاربة الفساد، فلیس علیه أدنى بأس أو خوف إذا کان العالم بأسره ملوّثین بالکفر والشرک والظلم والمعصیة.

وأساساً فلن یکون لأىّ برنامج تربوی أثر ما لم یولّ إهتماماً لهذا الأصل المهمّ (دقّق النظر)!!

هذه المسألة تطرح فی الجملة الثانیة من الآیة بشکل آخر، یقول تعالى: (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا یحمل منه شیء ولو کان ذا قربى ) (2) .

فی حدیث عن ابن عبّاس أو غیره، أنّ اُمّاً وإبنها یأتیان فی یوم القیامة وکلاًّ منهما علیه ذنوب کثیرة، وتطلب الاُمّ من إبنها أن یحمل عنها بعض تلک المسؤولیات فی قبال تربیتها له وحملها به، فیقول لها إبتعدی عنّی فأنا أسوأ منک حال (3) .

ویبرز هنا السؤال التالی: هل أنّ هذه الآیة تنافی ما ورد فی الروایات الکثیرة حول السنّة السیّئة والسنّة الحسنة؟ حیث إنّ الروایات تقول: «من سنّ سنّة حسنة کان له أجرها وأجر من عمل بها من غیر أن ینقص من أجره شیء، ومن سنّ سنّة سیّئة کان له وزرها ووزر من عمل بها».

ولکنّنا إذا التفتنا إلى نکتة واحدة، یتّضح الجواب على هذا السؤال، وهی أنّ عدم تسجیل ذنب أحد على آخر، إنّما هو فی صورة أن لا یکون له سهم فی ذلک العمل، ولکن إذا کان له سهم فی إیجاد سنّة، أو الإعانة والمساعدة أو الترغیب والتشجیع، فمن المسلّم أنّه یُحسب من عمله ویکون شریکاً ومساهماً فی ذلک العمل.

وأخیراً، فی الجملة الثالثة من الآیة، ترفع الستارة عن حقیقة أنّ إنذارات الرّسول (صلى الله علیه وآله)لها أثرها فی القلوب المهیّأة لذلک فقط، تقول الآیة الکریمة: (إنّما تنذر الذین یخشون ربّهم بالغیب وأقاموا الصلاة ).

فإن لم یکن خوف الله متمکّناً من القلب، ولم یکن هناک إحساس بمراقبة قوّة غیبیة فی السرّ أو العلن، ولم تنفع الصلاة التی تؤدّی إلى إحیاء القلب والتذکیر بالله فی تقویة ذلک الإحساس... فلن یکون لإنذارات الأنبیاء أثر یذکر.

وحین لا یکون الإنسان قد إعتنق عقیدة ما ولم یؤمن، فلو لم تکن لدیه روح البحث عن الحقّ، وإحساس بالمسؤولیة تجاه معرفة الحقیقة، فلن یصغی لدعوة الأنبیاء، ولن یتفکّر فی آیات الله فی هذه الدنیا.

وفی الجملة الرابعة یعود مرّة اُخرى إلى حقیقة (إنّ الله غیر محتاج لأحد) فتضیف: (ومن تزکّى فإنّما یتزکّى لنفسه ).

وفی الختام ینبّه فی الجملة الخامسة إلى أنّ المحسنین والمسیئین إن لم ینالوا جزاء أعمالهم فی الدنیا فلیس لذلک أهمیّة ما دام المصیر إلى الله (وإلى الله المصیر ) وبالتالی فانّه سیحاسب الجمیع على أعمالهم.


1. الراغب فی مفرداته، کتاب الواو.
2. «مثقلة» بمعنى «الحامل لحمل ثقیل» ویقصد بها هنا حامل الوزر على عاتقه، و (حمل): على ما یقوله الراغب: معنى واحد اعتبر فی أشیاء کثیرة، فسوّی بین لفظة فی فعل وفرّق بین کثیر منها فی مصادرها، فقیل فی الأثقال المحمولة فی الظاهر کالشیء المحمول على الظهر (حِملٌ)، وفی الأثقال المحمولة فی الباطن (حَملٌ) کالولد فی البطن والماء فی السحاب والثمرة فی الشجرة تشبیهاً بحمل المرأة، ولأنّ ما ورد فی هذه الآیة، هو تشبیه للذنب بالحمل المحمول على العاتق، فیجب أن تقرأ بکسر الحاء.
3. مع أنّ الحدیث ورد فی تفاسیر مختلفة حیناً عن الفضیل بن عیّاض، وحیناً عن ابن عبّاس، ولکن یستبعد أن یکون الحدیث عنهما مستقلا، فمن الممکن أن یکون أصل الحدیث عن الرّسول (صلى الله علیه وآله).
راجع تفسیر (روح الجنان، وتفسیر القرطبی، وتفسیر روح البیان) وقد أوردناه بالمعنى.
( لا تزر وازرة وزر اُخرى ):سورة فاطر / الآیة 19 ـ 23
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma