الرّوایات والأحادیث الإسلامیّة کذّبت بشدّة تلک القصص الخرافیة والقبیحة الواردة فی التوراة.

ومن جملة تلک الأحادیث، ما ورد عن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) یقول فیه: «لا اُوتی برجل یزعم أنّ داود تزوّج امرأة أوریّا إلاّ جلدته حدّین حدّاً للنبوّة وحدّاً للإسلام» (1) .

لماذا، لأنّ المزاعم المذکورة تتّهم من جهة إنساناً مؤمناً بإرتکاب عمل محرّم، ومن جهة اُخرى تنتهک حرمة مقام النبوّة، ومن هنا حکم الإمام بجلد من یفتری علیه (علیه السلام) مرّتین (کلّ مرّة 80 سوطاً).

کما ورد حدیث آخر لأمیر المؤمنین (علیه السلام) یعطی نفس المعنى، جاء فیه «من حدّثکم بحدیث داود على ما یرویه القصّاص جلدته مئة وستّین» (2) .

وفی حدیث آخر نقله الشیخ الصدوق فی کتاب (الأمالی) عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «إنّ رضا الناس لا یملک، وألسنتهم لا تضبط، ألم ینسبوا داود إلى أنّه اتّبع الطیر حتى نظر إلى امرأة أوریّا فهواها، وأنّه قدّم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثمّ تزوّج بها!» (3) .

وأخیراً، ورد حدیث فی کتاب (عیون الأخبار) فی باب مجلس الرضا عند المأمون مع أصحاب الملل والمقالات قال الرض (علیه السلام) لابن الجهم: «وأمّا داود فما یقول من قبلکم فیه»؟

قال: یقولون: إنّ داود کان یصلّی فی محرابه إذ تصوّر له إبلیس على هیئة طیر أحسن ما یکون من الطیور، فقطع داود صلاته وقام یأخذ الطیر إلى الدار فخرج فی أثره فطار الطیر إلى السطح فصعد فی طلبه فسقط الطیر فی دار أوریّا بن حیان.

فأطلع داود فی أثر الطیر فإذا بامرأة أوریّا تغتسل؟ فلمّا نظر إلیها هواها، وکان قد أخرج أوریّا فی بعض غزواته فکتب إلى صاحبه أن قدّم أوریّا أمام التابوت فقدّم فظفر أوریّا بالمشرکین فصعب ذلک على داود، فکتب إلیه ثانیة أن قدّمه أمام التابوت فقدّم فقتل أوریّا وتزوج داود بامرأته.

قال: فضرب الرض (علیه السلام) یده على جبهته وقال: «إنّا لله وإنّا إلیه راجعون، لقد نسبتم نبیّاً من أنبیاء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج فی أثر الطیر ثمّ بالفاحشة، ثمّ بالقتل».

فقال: یا ابن رسول الله، ما کانت خطیئته؟

فقال: «ویحک إنّ داود (علیه السلام) إنّما ظنّ أنّه ما خلق الله خلقاً هو أعلم منه، فبعث الله عزّوجلّ إلیه الملکین فتسوّرا المحراب فقال: (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحکم بیننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إنّ هذا أخی له تسع وتسعون نعجة ولی نعجة واحدة فقال اکفلنیها وعزّنی فی الخطاب ) فعجّل داود على المدّعى علیه فقال: (لقد ظلمک بسؤال نعجتک إلى نعاجه ) ولم یسأل المدّعی البیّنة على ذلک، ولم یقبل على المدّعى علیه فیقول له: ما تقول؟ فکان هذا خطیئة رسم الحکم لا ما ذهبتم إلیه، ألا تسمع الله عزّوجلّ یقول: (یاداود إنّا جعلناک خلیفة فی الأرض فاحکم بین الناس بالحقّ ) إلى آخر الآیة.

فقال: یا ابن رسول الله، فما قصّته مع أوریّا؟

قال الرض (علیه السلام): «إنّ المرأة فی أیّام داود کانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً، فأوّل من أباح الله عزّوجلّ له أن یتزوّج بامرأة قتل بعلها داود (علیه السلام) فتزوّج بامرأة أوریّا لمّا قتل وإنقضت عدّتها، فذلک الذی شقّ على الناس من قتل أوریّا» (4) .

یستفاد من هذا الحدیث أنّ مسألة أوریّا کانت لها جذور حقیقیّة بسیطة، وأنّ داود نفّذ ما جاء فی الرسالة الإلهیّة، إلاّ أنّ أعداء الله من جهة، والجهلة من جهة اُخرى، إضافةً إلى مؤلّفی القصص الخیالیة الذین یکتبون دائماً قصص عجیبة وکاذبة من جهة ثالثة، إختلقوا سیقاناً وأغصاناً وأوراقاً لهذه القصّة کی ینفّروا الإنسان من داود.

فأحدهم قال: لا یمکن أن یتمّ هذا الزواج ما لم تکن هنالک مقدّمات له.

والآخر قال: یحتمل أنّ بیت أوریّا کان مجاوراً لبیت داود!

وأخیراً لکی یؤکّدوا أنّ داود (علیه السلام) شاهد زوجة (أوریّا) إصطنعوا قصّة الطیر، وفی النهایة اتّهموا أحد أنبیاء الله الکبار بإرتکاب مختلف أنواع الذنوب الکبیرة والمخزیة، وتناقلتها ألسنة الجهلة والبلهاء ولولا أنّها مذکورة فی الکتب المعروفة لکان من الخطأ ذکرها والتعرّض لها.

وبالطبع، فإنّ هذه الروایة لا تختلف عن حدیث أمیر المؤمنین (علیه السلام)، لأنّ حدیثه یشیر إلى أنّها قصّة کاذبة مزیّفة تنسب إرتکاب الزنا وغیرها من المحرّمات ـ نعوذ بالله ـ إلى أحد الأنبیاء الکبار.

1. تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 473، ذیل الآیات مورد البحث.
2. التفسیر الکبیر، ذیل الآیات مورد البحث.
3. الأمالی للشیخ الصدوق، طبق ما نقله تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 446.
4. عیون الأخبار، طبق ما نقله تفسیر نورالثقلین، ج 4، ص 445.