تکفیهم صیحة سماویة واحدة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 12 ـ 16 سورة ص / الآیة 17 ـ 20

تتمّة للآیة الآنفة الذکر، التی بشّرت بهزیمة المشرکین مستقبلا، ووصفتهم بأنّهم مجموعة صغیرة من الأحزاب، تناولت آیات بحثنا الحالی بعض الأحزاب التی کذّبت رسلها، وبیّنت المصیر الألیم الذی کان بإنتظارها.

إذ تقول، إنّ أقوام نوح وعاد وفرعون ذی الأوتاد کانت قد کذّبت قبلهم بآیات الله ورسله (کذّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ).

کذلک أقوام ثمود ولوط وأصحاب الأیکة ـ أی قوم شعیب ـ کانت هی الاُخرى قد کذّبت رسلهم (وثمود وقوم لوط وأصحابُ لْئَیْکَةِ اُولئک الأحزاب ) (1) .

نعم، هذه هی ستّة مجامیع من أحزاب الجهل وعبدة الأصنام، التی عملت ضدّ أنبیاء الله، ورفضت قبول ما جاؤوا به من عند الله.

فقوم نوح واجهوا هذا النّبی العظیم.

وقوم عاد واجهوا نبیّ الله «هود».

وفرعون وقف ضدّ «موسى وهارون».

وقوم ثمود وقفوا بوجه «صالح».

وقوم لوط وقفوا بوجه نبی الله «لوط».

وأصحاب الأیکة واجهوا نبی الله «شعیب».

إذ کذّبوا وآذوا أنبیاء الله والمؤمنین وبذلوا فی ذلک قصارى جهودهم، ولکن فی نهایة الأمر نزل علیهم العذاب الإلهی وجعلهم کعصف مأکول.

فقوم نوح اُبیدوا بالطوفان وسیول الأمطار.

وقوم عاد اُبیدوا بالأعاصیر الشدیدة.

وفرعون وأتباعه اُغرقوا فی نهر النیل.

وقوم ثمود اُهلکوا بالصیحة السماویة.

وقوم لوط بالزلزلة الرهیبة المقترنة بأمطار الحجارة السماویة.

وقوم شعیب اُبیدوا بالصاعقة المهلکة التی نزلت علیهم من السحب الکثیفة التی غطّت سماء المنطقة، وبهذا الشکل فإنّ (الماء) و(الهواء) و(التراب) و(النار) التی تشکّل اُسس حیاة الإنسان، کانت السبب فی موت وإبادة تلک الأقوام الطائشة والعاصیة، وجعلهم فی طی النسیان، حیث لم یبق لهم أیّ أثر، فعلى مشرکی مکّة أن یدرکوا بأنّهم لا یعدّون سوى مجموعة صغیرة بالنسبة إلى تلک الأقوام، فلِمَ لا یصحون من غفلتهم.

وصف (فرعون) بـ (ذی الأوتاد) أی (صاحب الأوتاد القویّة) فی الآیات المذکورة أعلاه، وفی الآیة 10 من سورة الفجر، کنایة عن قوّة حکم فرعون والفراعنة وثباته، وتستعمل هذه الکنایة بکثرة، فیقال: الشخص الفلانی أوتاده ثابتة، أو إنّ أوتاد هذا العمل ثابتة، أو إنّها مثبتة بأربعة أوتاد، وذلک لأنّ الأوتاد دائماً تستخدم لتثبیت أرکان الخیمة.

والبعض إعتبرها إشارة إلى کثرة جیوش فرعون السائرة فی الأرض وکثرة أوتاد خیامهم.

والبعض الآخر قال: إنّها إشارة إلى التعذیب الوحشی الذی کان الفراعنة یعذّبون به معارضیهم، إذ کانوا یربطون الأشخاص بأربعة أوتاد على الأرض أو على الخشبة أو على الحائط، وکانوا یثبتون وتدین فی الرجلین، ووتدین آخرین فی الیدین ویترکون الشخص یتعذّب حتى یموت.

وأخیراً، احتمل البعض أنّ الأوتاد تعنی الأهرامات الموجودة فی أرض مصر، والتی

تقوم فی الأرض کالأوتاد، ولأنّ الفراعنة هم الذین بنوا الأهرامات، فإنّ هذا الوصف ینحصر بهم فقط.

على أیّة حال فإنّه لا یوجد أیّ اختلاف بین تلک الاحتمالات، ومن الممکن جمعها لتعطی مفهوم هذه الکلمة.

أمّا (الأیکة) فإنّها تعنی الشجرة، و(أصحاب الأیکة) هم قوم نبی الله «شعیب» الذین کانوا یعیشون فی منطقة خضراء بین الحجاز والشام، وقد تمّ التطرّق إلیها بصورة موسّعة فی تفسیر الآیة 78 من سورة الحجرات.

نعم، فکلّ قوم من هذه الأقوام کذّب بما جاء به رسل الله، وأنزل العذاب الإلهی بحقّه (إن کلّ إلاّ کذّب الرّسل فحقّ عقاب ) (2) .

والتاریخ بیّن کیف أنّ کلّ قوم من تلک الأقوام اُبید بشکل من أشکال العذاب، وکیف أنّ مدنهم تحوّلت إلى خرائب وأطلال خلال لحظات، وأصبح ساکنوها أجساد بلا أرواح!!

فهل یتوقّع مشرکو مکّة أن یکون مصیرهم أفضل من مصیر اُولئک من جرّاء الأعمال العدائیة التی یقومون بها؟ فی حین أنّ أعمالهم هی نفس أعمال اُولئک، وسنّة الله هی نفس تلک السنّة؟

لذا فإنّ الآیة التالیة تخاطبهم بلغة التهدید الحازمة والقاطعة: ما ینتظر هؤلاء من جرّاء أعمالهم إلاّ صیحة سماویة واحدة تقضی علیهم وتهلکهم وما لهم من رجوع، (وما ینظر هؤلاء إلاّ صیحة واحدة ما لها من فواق ).

یمکن أن تکون هذه الصیحة مماثلة للصیحات السابقة التی نزلت على الأقوام الماضیة، کأن تکون صاعقة رهیبة أو زلزالا عنیفاً یدمّر حیاتهم وینهیها.

وقد تکون إشارة إلى صیحة یوم القیامة، التی عبّر عنها القرآن الکریم بـ (النفخة الاُولى فی الصور).

إعترض بعض المفسّرین على التّفسیر الأوّل، وإعتبروه مخالفاً لما جاء فی الآیة 33 من سورة الأنفال التی تقول: (وما کان الله لیعذّبهم وأنت فیهم ).

أمّا بالنظر إلى أنّ المشرکین کانوا لا یعتقدون برسول الإسلام (صلى الله علیه وآله) ولا یؤمنون برسالته، بالإضافة إلى کون أعمالهم تشابه أعمال الأقوام السابقة التی اُهلکت بالصیحات السماویة، لذا فعلیهم أن یتوقّعوا مثل ذلک المصیر وفی أیّ لحظة، لأنّ الآیة تتحدّث عن (الإنتظار).

کما إعترض آخرون على التّفسیر الثانی بأنّ مشرکی مکّة لن یبقوا أحیاء حتى آخر الزمان کی تشملهم الصیحة.

ولکن هذا الإعتراض غیر وارد، لنفس السبب الذی ذکرناه من قبل، وهو أنّه  لا أحد من الناس یعلم لحظة نهایة العالم وقیام الساعة، ولذا فعلى المشرکین أن یترقّبوا لحظة بلحظة تلک الصیحة (3) .

على أیّة حال، فکأنّ اُولئک الجهلة ینتظرون العذاب الإلهی جزاء تکذیبهم وإنکارهم لآیات الله سبحانه وتعالى، وتقوّلهم على الرّسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) بکلام  لا یلیق، وإصرارهم على عبادة الأصنام، والظلم وإشاعة الفساد، العذاب الذی سیحرق حصیلة أعمارهم، أو الصیحة التی تنهی کلّ شیء فی العالم، وتؤدّی باُولئک إلى طریق لا رجعة فیه.

«فواق» على وزن (رواق) وقد ذکر أهل اللغة والتّفسیر عدّة معان لها منها: أنّها الفاصل بین کلّ رضعتین، إذ بعد فترة معیّنة من حلب الثدی بصورة کاملة یعود فینزل إلیه اللبن من جدید.

وقال البعض: إنّها الفاصل بین فتح الأصابع عن الثدی بعد حلبه وإعادتها لحلبه مرّة اُخرى.

وبما أنّ الثدی یستریح قلیلا بعد کلّ حلبة، فکلمة (فواق) یمکن أن تعطی معنى الهدوء والراحة.

وبما أنّ هذه الفاصلة من أجل عودة الحلیب مرّة اُخرى إلى الثدی فإنّ هذه الکلمة تعطی مفهوم العودة والرجوع، کما یقال للمریض الذی تتحسّن حالته الصحیّة بأنّه (أفاق) وذلک لأنّه إستعاد صحّته وسلامته، کما یقال لحالة السکران الذی یصحو من سکرته وللمجنون عندما یستعید عقله «إفاقة» عند عودتهما إلى الشعور والإدراک والعقل (4) .

على أیّة حال، فالصیحة الرهیبة لیس بعدها رجوع ولا راحة ولا هدوء  ولا إفاقة، ففور شروعها تغلق کلّ الأبواب أمام الإنسان، ولا ینفع الندم حینئذ، إذ لا مجال لإصلاح الماضی، ولا مجیب لصراخهم.

الآیة الأخیرة فی هذا البحث تشیر إلى کلام آخر للکافرین حیث قالوا باستهزاء وسخریة: ربّنا عجّل علینا العذاب قبل حلول یوم الحساب، (وقالوا ربّنا عجّل لنا قطّنا قبل یوم الحساب ).

فهؤلاء المغرورون بلغ بهم الغرور حتى إلى الإستهزاء بعذاب الله ومحکمته العادلة، وإلى القول: لِمَ تأخّرت حصّتنا من العذاب؟!

لماذا لا یوفّینا الله بسرعة حظّنا من العذاب؟

والأقوام السابقة کانت تضمّ الکثیر من أمثال هؤلاء السفهاء الذین نعقوا کالحیوانات فور نزول العذاب الإلهی علیهم، ولم یهتمّ لنعیقهم أحد.

«قِط» على وزن (جِنّ) تعنی قطع الشیء عرضاً، فیما تعنی کلمة (قَد) وهی على نفس الوزن السابق، قطع الشیء طولا! وکلمة (قط) هنا تعنی نصیباً أو سهماً. وأحیاناً تعنی الورقة التی یرسم علیها، أو تکتب علیها أسماء أشخاص فازوا بالجوائز.

لهذا فإنّ بعض المفسّرین، قالوا فی تفسیر الآیة المذکورة أعلاه: إنّ المقصود منها هو أنّ الله سبحانه وتعالى یسلّم عباده صحائف أعمالهم قبل حلول یوم الجزاء، وهذا الکلام قیل بعد نزول آیات قرآنیة تؤکّد على أنّ هناک مجموعة تعطى صحائفها بالید الیمنى، ومجموعة اُخرى تستسلم صحائفها بالید الیسرى.

وهنا قالت مجموعة من مشرکی مکّة وهی تستهزىء: ما أجمل أن تسلّم إلینا الآن صحف أعمالنا لنقرأها ونشاهد ماذا عملنا؟

على أیّة حال، فإنّ «الجهل» و«الغرور» صفتان قبیحتان مذمومتان، ولا تنفصل الواحدة عن الاُخرى، إذ إنّ الجهلة مغرورون، والمغرورون جهلة، وشواهد هذا الوصف کانت موجودة بکثرة عند مشرکی عصر الجاهلیة.


1. عبارة ( اُولئک الأحزاب ) مبتدأ وخبر، و (اُولئک) إشارة إلى الأقوام الستّة المذکورة فی هاتین الآیتین، و (أحزاب) إشارة إلى الأحزاب التی وردت فی الآیتین السابقتین اللتین اعتبرتا مشرکی مکّة مجموعة صغیرة من تلک المجموعات.
2. عبارة ( فحقّ عقاب ) فی الأصل (فحقّ عقابی)، وقد حذفت الیاء منها، طبقاً للمعمول به، واُبقیت الکسرة لتدلّ علیها. (حقّ) فعل و (عقاب) فاعل، یعنی أنّ عقابی وجب علیهم وسیتحقّق.
3. أمّا الرأی الذی احتمله بعض المفسّرین فی أنّ المقصود هنا هو الصیحة الثانیة، والتی تطلق لإحیاء الموتى وسوقهم إلى محکمة العدل الإلهیّة، فإنّه أمر مستبعد جدّاً، لأنّه لا ینسجم مع الآیة التالیة والآیات السابقة.
4. بعض اللغویین قالوا بوجود عدّة فروق بین کلمة (فواق) المفتوحة و (فواق) المضمومة، والبعض قال: إنّهما بمعنى واحد، ومن یرید توضیحاً أکثر علیه مراجعة مفردات الراغب، وتفسیر روح المعانی، والتفسیر الکبیر ، وتفسیر روح الجنان، وتفسیر القرطبی، ومصادر اللغة.
سورة ص / الآیة 12 ـ 16 سورة ص / الآیة 17 ـ 20
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma