تکبّر الشیطان وطرده من رحمة الله!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 11
سورة ص / الآیة 71 ـ 83 1ـ فلسفة وجود الشیطان

هذه الآیات ـ کما قلنا ـ توضیح لإختصام (الملأ الأعلى) و(إبلیس) وبحث حول مسألة خلق آدم (علیه السلام)، وبصورة عامّة فإنّ الهدف من توضیح هاتین المسألتین:

أوّلا: تذکیر الإنسان بقیمة وجوده، وسجود کلّ الملائکة لجدّه آدم، فکیف بالإنسان الذی کرّمه الباریء عزّوجلّ کلّ هذا التکریم یقع أسیراً فی حبائل الشیطان وهوى النفس؟ وکیف ینسى قیمة وجوده، أو یسجد لأصنام صنعها من الحجر والخشب؟!

من المعروف أنّ أحد الأسالیب المؤثّرة فی التربیة، هو إعطاء شخصیة للأفراد الذین یتلقّون التربیة. وبعبارة أصحّ: تذکیرهم بشخصیتهم الرفیعة وقیمة وجودهم، فإن تذکّروا هذا الأمر، أحسّوا بأنّ الذلّة والحقارة لا تلیقان بهم، فیتجنبوهما تلقائیاً.

ثانیاً: إنّ عناد الشیطان وغروره وتکبّره وحسده تسبّبت فی سقوطه من مقامه الشامخ

الرفیع إلى الحضیض، وغرقه بوحل اللعنة وإلى الأبد، ویمکن أن یکون هذا المثال عبرة لکلّ لجوج ومغرور لیعتبر ویترک ممارسات الشیطان.

ثالثاً: تعریف بنی آدم بعدوّهم الکبیر الذی أقسم الشیطان على إغوائهم، کی یکونوا جمیعاً على حذر منه ویجتنبوا السقوط فی حبائل أسره.

کلّ هذه الاُمور، هی تکملة للأبحاث السابقة، وعلى أیّة حال فإنّ الآیة الاُولى تذکّر بإخبار الله عزّوجلّ ملائکته بأنّه سیخلق بشراً من الطین: (وإذ قال ربّک للملائکة إنّی خالق بشراً من طین ).

ولکی لا یتصوّر البعض أنّ أصل خلق الإنسان هو ذلک الطین وحسب، أضافت الآیة التالیة: (فإذا سوّیته ونفخت فیه من روحی فقعوا له ساجدین ).

وبهذا الشکل إنتهت عملیة خلق الإنسان، وذلک بعد إمتزاج روح الباریء عزّوجلّ الطاهرة مع التراب. فخُلق موجود عجیب لم یسبق له مثیل، ولم توضع لرقیّه وإنحطاطه أیّة حدود. الموجود الذی زوّده الباریء عزّوجلّ بإستعدادات خارقة تجعله لائقاً لخلافة الله، والذی سجدت له الملائکة بأجمعها فور إکتمال عملیة خلقه (فسجد الملائکة کلّهم أجمعون ).

إلاّ أنّ إبلیس کان الوحید الذی أبى أن یسجد لآدم لتکبّره وتمرّده وطغیانه، ولهذا السبب أنزل من مقامه الرفیع إلى صفوف الکافرین: (إلاّ إبلیس استکبر وکان من الکافرین ).

نعم، فالتکبّر والغرور من أقبح الاُمور التی یبتلى بها الإنسان، إذ أنّهما یسدلان الستار على عینه وبصیرته، ویحرماه من إدراک الحقائق وفهمها، ویؤدّیان به إلى التمرّد والعصیان، ویخرجانه أیضاً من صفوف المؤمنین المطیعین لله إلى صفّ الکافرین الباغین والطاغین، ذلک الصفّ الذی یترأسه إبلیس ویقف فی مقدّمته.

وهنا إستجوب الباریء عزّوجلّ إبلیس: (قال یاإبلیس ما منعک أن تسجد لما خلقت بیدىّ ) من البدیهی أنّ عبارة (یدی) لا تعنی الأیدی الحقیقیّة المحسوسة، لأنّ الباریء عزّوجلّ منزّه عن کافّة أشکال الجسم والتجسیم، وإنّما «الید» هنا کنایة عن القدرة، ومن الطبیعی أنّ الإنسان یستعمل یدیه لیظهر قدرته على إنجاز العمل، وکثیراً ما تستخدم الید بهذا المعنى فی محادثاتنا الیومیة، إذ یقال: إنّ البلد الفلانی بید المجموعة الفلانیة، أو إنّ المسجد

الفلانی بنی على ید الشخص الفلانی، وأحیاناً یقال: إنّ یدی قصیرة، أو إنّ یدک مملوءة، الید فی کلّ تلک الجمل لیس المقصود منها الید الحقیقیة التی هی أحد أعضاء الجسم، بل کنایة عن القدرة والسلطة والتمکّن.

ومن هنا فإنّ الإنسان ینفّذ أعماله المهمّة بکلتا یدیه، واستخدامه کلتا یدیه یبیّن إهتمامه وتعلّقه بذلک العمل، ومجیء هذه العبارة فی الآیة المذکورة أعلاه إنّما هو کنایة عن الإهتمام الخاصّ الذی أولاه الباریء عزّوجلّ لعملیة خلق الإنسان.

ثمّ تضیف الآیة: (استکبرت أم کنت من العالین ) أی أکان عدم سجودک لأنّک استکبرت، أم کنت من الذین یعلو قدرهم عن أن یؤمروا بالسجود؟!

ومن دون أی شکّ فإنّه لا أحد یستطیع أن یدّعی أنّ قدرته ومنزلته أکبر من أن یسجد لله (أو لآدم بأمر من الله) وبهذا فإنّ الاحتمال الوحید المتبقّی هو الثانی، أی التکبّر.

وقال بعض المفسّرین: إنّ کلمة (عالین) تعنی ـ هنا ـ الأشخاص الذین یسیرون دوماً فی طریق الغرور والتکبّر، وطبقاً لهذا فإنّ معنى الآیة یکون: هل أنّک إستکبرت الآن، أم کنت دائماً هکذا؟!

ولکن المعنى الأوّل أنسب.

إلاّ أنّ إبلیس إختار ـ بکلّ تعجّب ـ الشقّ الثانی، وکان یعتقد بأنّه أعلى من أن یؤمر بذلک، لذلک قال ـ بکلّ وقاحة ـ أثناء تبیانه أسباب معارضته لأوامر الباریء عزّوجلّ: (قال أنا خیر منه خلقتنی من نّار وخلقته من طین ).

وعلّل إبلیس عدم سجوده لآدم وعصیانه أمر الله بالمقدّمات التالیة:

أوّلا: إنّنی خلقت من نار، أمّا هو فقد خلق من طین، وهذه حقیقة صرّح بها القرآن المجید فی الآیتین 14 و15 من سورة الرحمن : (خلق الإنسان من صلصال کالفخّار * وخلق الجانّ من مارج من نّار ).

ثانیاً: إنّ الشیء المخلوق من النار أفضل من الشیء المخلوق من التراب، لأنّ النار أشرف من التراب.

ثالثاً: لا یحقّ لأحد أن یأمر مخلوقاً بالسجود لمخلوق آخر دنى منه.

وخطأ إبلیس یکمن فی المقدّمتین الأخیرتین، وذلک من عدّة وجوه:

أوّلا: لأنّ آدم لم یکن تراباً فقط، وإنّما نفخت فیه الروح الإلهیّة، وهذا هو سبب عظمته، وإلاّ فأین التراب من کلّ هذا الفخر والإستعداد والتکامل؟

ثانیاً: التراب لیس بأدنى من النار، وإنّما هو أفضل منها بکثیر، لأنّ کلّ الحیاة أصلها من التراب، فالنباتات وکلّ الموجودات الحیّة بأجمعها تستمدّ غذاءها ومصدر حیاتها من التراب، وکلّ المعادن الثمینة مخفیة فی وسط التراب، خلاصة الأمر أنّ التراب هو مصدر کلّ أنواع البرکة، والنار رغم أهمیّتها الکبرى فی الحیاة فإنّها لا تبلغ أبداً أهمیّة التراب، وإنّما یستفاد منها فی الوسائل الترابیة، وقد تکون أداة خطرة ومدمّرة، والأهمّ من ذلک أنّ المواد التی یستفاد منها لإشعال النیران کالحطب والفحم والنفط هی من برکة الأرض.

ثالثاً: المسألة، هی مسألة إطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى وتنفیذها، لأنّه خالقنا ونحن عبیده ویجب أن نطبّق أوامره.

وعلى أیّة حال، لو أمعنا النظر فی أدلّة إبلیس لرأینا فیها کفراً عجیباً، لأنّه بکلامه أراد نفی حکمة الله، والتقلیل من شأن أوامره (نعوذ بالله)، وهذا الموقف المخزی لإبلیس دلیل على جهله التامّ، لأنّه لو کان قد إعترف بأنّ عدم سجوده إنّما کان لهوى هو هوى النفس، أو أنّ غروره وتکبّره حالا بینه وبین السجود لآدم، وما إلى ذلک لکان الأمر أهون، إذ أنّه یکون هنا قد أقرّ بإرتکاب ذنب واحد، إلاّ أنّه بکلامه هذا ولتبریر عصیانه، عمد إلى نفی حکمة الباریء عزّوجلّ وعلمه ومعرفته، وهذا یوضّح سقوطه إلى أدنى درجات الکفر والإنحطاط.

المخلوق مقابل خالقه یفتقد الاستقلال، إذ إنّ کلّ ما لدیه هو من خالقه، ولهجة کلام إبلیس توضّح أنّه کان یرید استقلالا وحکماً فی مقابل حکم الباریء عزّوجلّ، وهذا مصدر آخر من مصادر الکفر.

ویمکن القول أنّ أسباب ضلال الشیطان، تعود إلى عدّة اُمور منها الغرور والتکبّر والجهل والحسد، وهذه الصفات القبیحة اتّحدت وأسقطته إلى الحضیض بعد سنین طوال من مرافقة الملائکة، وکأنّه کان معلّماً لهم... أسقطته من أوج الفخر إلى أدنى الحضیض، وما أخطر هذه الصفات القبیحة أینما وجدت!!

وکما قال أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (علیه السلام) فی إحدى خطبه فی نهج البلاغة: «فاعتبروا بما کان من فعل الله بإبلیس إذ أحبط عمله الطویل وجهده الجهید وکان قد عبد الله ستّة آلاف سنة... عن کبر ساعة واحدة فمن ذا بعد إبلیس یسلم على الله بمثل معصیته» (1) .

نعم، فعملیّة بناء قصر عظیم قد تستغرق سنوات عدیدة، ولکن عملیة تدمیره قد لا تستغرق سوى لحظات بتفجیر قنبلة قویّة.

وهنا وجب إخراج هذا الموجود الخبیث من صفوف الملأ الأعلى وملائکة العالم العلوی، فخاطبه الباریء عزّوجلّ بالقول: (قال فاخرج منها فإنّک رجیم ).

الضمیر (منها) فی عبارة (فاخرج منها ) إمّا أنّه إشارة إلى صفوف الملائکة، أو إلى العوالم العلویة، أو إلى الجنّة، أو إلى رحمة الله.

نعم، فیجب إخراج هذا الخبیث من هنا، فهذا المکان مکان الطاهرین والمقرّبین، ولیس بمکان المذنبین والعاصین ذوی القلوب المظلمة.

«رجیم» من (رجم)، وبما أنّ لازمها الطرد، فقد وردت بهذا المعنى هنا.

ثمّ أضاف الباریء عزّوجلّ: (وإنّ علیک لعنتی إلى یوم الدّین ) فأنت خارج ومطرود من رحمتی إلى الأبد.

المهمّ انّ الإنسان عندما یرى النتائج الوخیمة لأعماله السیّئة علیه أن یستیقظ من غفلته، وأن یفکّر فی کیفیة إصلاح ذلک الخطأ، ولا شیء أخطر من بقاءه راکباً لموج الغرور واللجاجة واستمراره فی السیر نحو حافّة الهاویة، لأنّه فی کلّ لحظة یبتعد أکثر عن الصراط المستقیم، وهذا هو نفس المصیر المشؤوم الذی وصل إلیه إبلیس.

وهنا تحوّل (الحسد) إلى (عداء)، العداء الشدید والمتأصّل، کما قال القرآن: (قال ربّ فأنظرنی إلى یوم یبعثون ).

هذه الآیة تبیّن أنّ الشیطان طلب من الله سبحانه وتعالى أن یمهله، فهل طلب أن یمهله لیسکب عبرات الحسرة والندامة على ما فعله من قبل، أم أنّه طلب مهلة لإصلاح عصیانه القبیح؟

کلاّ، إنّه طلب من الباریء عزّوجلّ أن یمهله إلى یوم یبعثون کی ینتقم من أبناء آدم (علیه السلام)ویدفعهم جمیعاً إلى طریق الضلال، رغم علمه بأنّ إضلاله لکلّ إنسان سوف یضیف لذنوبه حملا ثقیلا جدیداً من الذنوب، ویغرقه فی مستنقع الکفر والعصیان، کلّ ذلک بسبب اللجاجة والتکبّر والغرور والحسد، فما أکثر المصائب التی تتولّد للإنسان من هذه الصفات الذمیمة.

وفی الحقیقة، إنّه کان یرید الإستمرار فی إغواء بنی آدم حتى آخر فرصة متاحة له، لأنّ فی یوم البعث تسقط التکالیف عن الإنسان، ولا معنى هناک للوساوس والإغواءات، إضافةً

إلى هذا فقد طلب من الله عزّوجلّ أن یبقیه حیّاً إلى یوم القیامة، رغم أنّ کلّ الموجودین فی العالم یموتون فی هذه الدنیا.

وهنا إقتضت مشیئة الله سبحانه ـ بدلائل سنشیر إلیها ـ أن یستجیب الله لطلب إبلیس، ولکن هذه الإستجابة کانت مشروطة ولیست مطلقة، کما توضّحه الآیة التالیة: (قال فإنّک من المنظرین ).

ولکن لیس إلى یوم البعث الذی تبعث فیه الخلائق، وإنّما إلى زمان معلوم، قال تعالى: (إلى یوم الوقت المعلوم ).

وهنا أعطى المفسّرون آراء مختلفة بشأن تفسیر (یوم الوقت المعلوم ) حیث قال البعض: إنّه یوم نهایة العالم، لأنّ کلّ الموجودات الحیّة فی ذلک الیوم تموت، وتبقى ذات الله المقدّسة فقط، کما ورد فی الآیة 88 من سورة القصص: (کلّ شیء هالک إلاّ وجهه ) وبهذا الشکل فقد استجیب لجزء من مطالب إبلیس.

والبعض الآخر قال: إنّ ذلک الیوم هو یوم القیامة، ولکن هذا الاحتمال لا یتلاءم مع ظاهر آیات بحثنا التی یتّضح منها أنّ الباریء عزّوجلّ لم یستجب لکلّ مطالیبه، کما أنّ هذا الاحتمال لا یتلاءم حتى مع بقیّة آیات القرآن الکریم التی تتحدّث عن موت الجمیع مع نهایة هذا العالم.

وقال البعض: إنّ هذه الآیة یحتمل أنّها تشیر إلى زمان لا یعرفه أحد سوى الله سبحانه وتعالى.

ولکن التّفسیر الأوّل أنسب من بقیّة التفاسیر، وقد وردت روایة فی تفسیر البرهان نقلا عن الإمام الصادق (علیه السلام)، وتقول بأنّ إبلیس یموت فی الفترة ما بین النفخة الاُولى والثانیة (2) .

هنا کشف إبلیس عمّا کان یضمره فی داخله، وعن الهدف الحقیقی لطلبه البقاء خالداً إلى زمن معیّن إذ: (قال فبعزّتک لأغوینّهم أجمعین ).

القسم بالعزّة یراد منه الإستناد على القدرة والاستطاعة، والتأکیدات المتتالیة فی الآیة (القسم من جهة، ونون التوکید الثقیلة من جهة اُخرى، وکلمة أجمعین من جهة ثالثة) تبیّن أنّه مصمّم بصورة جدیّة على المضی فی عمله، وأنّه سیبقى إلى آخر لحظة من عمره ثابتاً على عهده بإغواء بنی آدم.

وبعد قسمه إنتبه إبلیس إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ هناک مجموعة من عباد الله المخلصین لا یمکن کسبهم بأی طریقة إلى داخل منطقة نفوذه، لذلک اعترف بعجزه فی کسب اُولئک فقال: (إلاّ عبادک منهم المخلصین ).

اُولئک الذین یسیرون فی طریق المعرفة والعبودیة لک بصدق وإخلاص وصفاء، إنّک دعوتهم إلیک، وأخلصتهم لک، وجعلتهم فی منطقة أمنک، وهذه هی المجموعة الوحیدة التی لا أتمکّن من الوصول إلیها، أمّا البقیّة فإنّ بإمکانی إیقاعهم فی شباکی.

حدس وظنّ إبلیس کان صحیحاً، إذ أنّه أوجد العراقیل لکلّ واحد من بنی آدم عدا المخلصین الذین نجوا من فخاخه وذلک ما أکّده القرآن المجید فی الآیة 20 من سورة سبأ: (ولقد صدّق علیهم إبلیس ظنّه فاتّبعوه إلاّ فریقاً من المؤمنین ).


1. نهج البلاغة، الخطبة 192 (الخطبة القاصعة).
2. تفسیر البرهان، ج 2، ص 342.
سورة ص / الآیة 71 ـ 83 1ـ فلسفة وجود الشیطان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma