الثالث: المصالح المرسلة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
بقی هنا شیءالرابع: سدّ الذرائع

وقد ذکر لها معان مختلفة بل لعلّها متضادّة لکن ما یستفاد من أکثر الأدلّة التی ذکرت لها هو أنّ المراد من المصالح هی مصالح العباد ومضارّهم على مذاقّ الشرع، والمراد من المرسلة هی المصالح التی لم یرد فیها نصّ خاصّ ولا عامّ، أی أنّها اُرسلت واُطلقت ولم یرد علیها شرع لا فی العمومات ولا فی الخصوصات، ومثّل لها فی کلمات الغزالی بتترس الکفّار بجماعة من أسارى المسلمین فلو کففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا کافّة المسلمین، ثمّ یقتلون الاُسارى أیضاً، ولو رمینا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً لم یذنب ذنباً، وهذا لا عهد به فی الشرع، فیجوز لقائل أن یقول: هذا الأسیر مقتول على کلّ حال فحفظ جمیع المسلمین أقرب إلى مقصود الشرع، فیحکم العقل هنا بوجوب رمی الترس من باب تقدیم الأهمّ على المهمّ.

فمن هذا المثال أیضاً یستفاد أنّ المراد من المصالح المرسلة هی المصالح على مذاقّ الشرع، لأنّ المستفاد من مجموع الأحکام الشرعیّة أنّ حفظ کیان الإسلام أهمّ عند الشارع من حفظ النفوس المحترمة.

هذا ـ ولابدّ هنا من إضافة نکتتین غفل عنهما فی کلماتهم:

إحدیهما: فی الفرق بین الاستحسان والمصالح المرسلة، فالظاهر أنّ فی استحسان شیء یکفی مجرّد أن یستحسنه الطبع والفطرة من دون أن یلحظ أنّ فیه مصلحة أو مفسدة، لأنّ الحسن والقبح فی الأفعال کالحسن والقبح فی الطبیعة (کحسن صوت العندلیب وقبح صوت الحمار) له مبدأ فطری لا حاجة فیهما إلى درک المصلحة أو المفسدة، بینما فی المصالح المرسلة الحاکم هو العقل والبرهان لا الطبع والفطرة وإن استعملا (الاستحسان والمصالح المرسلة) فی بعض الکلمات فی معنى واحد.

الثانیة: أنّ ما ذکرنا فی الاستحسان من تقسیمه إلى القطعی والظنّی یجری هنا أیضاً، فالمصالح المرسلة أیضاً تارةً یکون حکم العقل بها قطعیّاً (أی القطع بوجود المقتضی وفقد المانع) فیکون حجّة بلا ریب، واُخرى یکون ظنّیاً فلا دلیل على حجّیته.

أمّا الأقوال فی المسألة، فاختلف العامّة فی حجّیتها، وعمدة الأقوال فیها ثلاثة:

الأوّل: قول الشافعی بإنکارها حیث حکى عنه عبارتان معروفتان:

إحدیهما: «أنّه من استصلح فقد شرع کمن استحسن».

ثانیهما: «إنّ الاستصلاح کالاستحسان متابعة الهوى»(1).

الثانی: قول مالک بإثباتها وحکی عنه أیضاً عبارة وهی «أنّ الاستصلاح طریق شرعی للاستنباط فیما لا نصّ فیه ولا إجماع»(2).

الثالث: ما حکی عن الغزالی من التفصیل بین الضروریات وبین الحاجیات والتحسینیات، والمراد من الضروریات ما لا یمکن حیاة الإنسان إلاّ به، والمراد من الحاجیات أنواع المعاملات التی توجب رفع بعض الحاجات وإن کانت حیاة الإنسان ممکنة بدونها، والمراد من التحسینیات غیر الضروریات والحاجیات من أنواع اللذائذ المشروعة التی توجب الراحة والاشتغالات اللهویّة، ثمّ قال: الاستصلاح حجّة فی القسم الأوّل(3) وذکر هنا مثال التترس الذی حکینا عنه آنفاً.

أمّا الأدلّة فی المسألة، فالقائلون بالحجّیة استدلّوا بوجوه عمدتها الإجماع والوجوه العقلیّة.

فمنها: ما یرجع فی الواقع إلى دلیل الانسداد وإن لم یعبّروا به فی کلماتهم، وهو أنّ الحوادث الکثیرة متجدّدة والنصوص قلیلة، ولو اکتفینا بالنصوص ضاقت الشریعة الإسلامیّة مع أنّ الإسلام خاتم الأدیان.

والجواب عنه ظهر ممّا مرّ کراراً من أنّه إن کان المراد من الاستصلاح ـ الاستصلاح فی موارد القطع فلا ننکره کما سیأتی فی الجواب عن الوجه الثانی، وإن کان المراد منه الاستصلاح فی موارد الظنّ (کما أنّه کذلک) فلا دلیل على حجّیته لما مرّ من عدم تمامیّة مقدّمات الانسداد عندنا، ومنشأ الانسداد على مذهبهم ناش من قلّة نصوصهم مع أنّ سنّة الأئمّة المعصومین عندنا کسنّة النبی (صلى الله علیه وآله)وهی تشتمل على الاُصول الکلّیة والأحکام الجزئیّة معاً، وتکون کافیة فی رفع الانسداد.

ومنها: أنّ الأحکام الشرعیّة إنّما شرّعت لتحقیق مصالح العباد وإنّ هذه المصالح التی بنیت علیها الأحکام الشرعیّة معقولة، أی ممّا یدرک العقل حسنها کما أنّه یدرک قبح ما نهى عنه فإذا حدثت واقعة لا نصّ فیها وبنى المجتهد حکمه فیها على ما أدرکه عقله من نفع أو ضرر، کان حکمه على أساس صحیح معتبر من الشارع.

وفی الجواب نقول: أنّ هذا منبی على الحسن والقبح العقلیین وقاعدة الملازمة، وهی مقبولة عندنا فی موارد القطع بالمصلحة والمفسدة التی لیست بنادرة، لأنّ اُمّهات الأحکام الشرعیّة قابلة لأن تدرک بالعقل وإن لم یدرک تفاصیلها، ولذلک نرى أنّه فی علل الشرائع ذکرت لأحکام الشرع علل یدرکه العقل تفاصیلها، ولذلک نرى أنّه فی علل الشرائع ذکرت لأحکام الشرع علل یدرکه العقل، فلا وجه لما ذکر فی مثل الاُصول العامّة من أنّ ما کان من قبیل الحسن والقبح الذاتیین فهو نادر جدّاً وأمثلته قد لا تتجاوز العدل والظلم وقلیلا من نظائرهما»(4).

ومن هنا یظهر أنّ الاستحسان إذا بلغ حدّ المستقلاّت العقلیّة وشبهها کان حجّة، ولکن الاستحسانات الظنّیة التی تدور علیها کلماتهم لا دلیل على حجّیتها أصلا، مضافاً إلى أنّ العدل والظلم لهما مصادیق کثیرة ربّما تشمل شیئاً من أحکام الشرع کالزنا والسرقة والخیانة والکذب والغیبة والسبّ والجنایة على الأنفس والأعضاء والغشّ فی المعاملة وغیر ذلک من أشباههما، فإنّها تدخل فی هذا المعنى.

ومنها: الاستدلال بسیرة الصحابة من زمن النبی (صلى الله علیه وآله) القائمة على تشریعهم ما رأوا إنّ فیه تحقیق المصلحة بعد أن طرأت بعد وفاة النبی (صلى الله علیه وآله) حوادث وجدت لهم طوارىء، فأبو بکر جمع القرآن فی مجموعة واحدة، وحارب مانعی الزّکاة، ودرأ القصاص عن خالد بن الولید، وعمر أوقع الطلاق الثلاث بکلمة واحدة ووقف تنفیذ حدّ السرقة فی عام المجاعة، وقتل الجماعة فی الواحد، وعثمان جدّد أذاناً ثانیاً لصلاة الجمعة.

وفیه أوّلا: أنّ هذه السیرة لا تصل إلى زمن النبی (صلى الله علیه وآله).

وثانیاً: لا تتکوّن السیرة من مجرّد نقل موارد شخصیة من أشخاص معدودین.

وثالثاً: أنّ الموارد المذکورة غالباً تکون من باب الاجتهاد فی مقابل النصّ مثل إیقاع الطلاق الثلاث بکلمة واحدة مع أنّ المفروض کون الاستحسان إستصلاحاً فی ما لا نصّ فیه.

هذا فی أدلّة المثبتین.

واستدلّ النافون منهم بوجوه عدیدة أهمّها ثلاثة أوجه:

الوجه الأوّل: (وهو أحسن الوجوه) ما ذکره العضدی والحاجبی (ابن الحاجب) فی مختصر الاُصول(5) وهو «أنّ المصالح المرسلة تقدّمت لنا لا دلیل فوجب الردّ» (أی حیث إنّه لا دلیل على حجّیة المصالح المرسلة، فیجب ردّها ولیست بحجّة) ثمّ نقل ما مرّ من الدلیل على الحجّیة مع الردّ علیه فقال: «قالوا لو لم تعتبر لأدّى إلى خلوّ الوقائع، قلنا: بعد تسلیم أنّها لا تخلو العمومات والأقیسة تأخذها» وقال العضدی فی شرح هذا الکلام أوّلا: إنّا لا نقبل خلوّ الواقع عن الحکم لأنّ العمومات والأقیسة تکون بمقدار یوجب عدم خلوّ الوقائع، وثانیاً: لو أدّى إلى خلوّ الوقائع عن الحکم فلا بأس به.

وحقّ الجواب عن هذا أنّه لو کان المراد من المصالح المرسلة المصالح القطعیّة التی ترجع بالمآل إلى المستقلاّت العقلیّة وشبهها وقاعدة الملازمة فلا إشکال فیه، وإن کان المراد منها مجرّد العلم بالمقتضی فی الجملة من دون إحراز عدم المانع ووجود الشرائط الذی یوجب الظنّ بالحکم فقط فلا دلیل على حجّیته کما مرّ کراراً.

الوجه الثانی: ما نقله عنهم فی الاُصول العامّة وهو «أنّه لو کانت مصالح الناس تحتاج إلى أکثر ممّا شرّعه وممّا أرشد إلى الإهتداء به لبیّنه ولم یترکه لأنّه سبحانه قال على سبیل الاستنکار: (أَیَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَنْ یُتْرَکَ سُدىً)(6).

ویمکن الجواب عنه بناءً على عدم المنافاة بین بیان الأحکام لجمیع الوقائع وعدم خلوّها منها وبین أن لا تصل جمیعها إلینا فلا بدّ من کشفها والاستدلال علیها بالعقل بالطرق الثلاثة المذکورة سابقاً (طریق علل الأحکام وطریق معلولاتها وطریق الملازمات) وهذا یرجع فی الواقع إلى خلوّ بعض الأحکام من دلیل الکتاب والسنّة فیما وصلت إلینا وهو أمر معقول.

الوجه الثالث: ما یستفاد من کلام الغزالی وحاصله: أنّ المصلحة هی المحافظة على مقاصد الشرع، ومقاصد الشرع تعرف بالکتاب والسنّة والإجماع، فلا بدّ فی اعتبار المصلحة من کونها موجودة فی الکتاب والسنّة والإجماع وإلاّ نستکشف عدم کونها مصلحة عند الشارع فتکون باطلة مطروحة.

والجواب عنه: أنّا نقبل المقدّمة الاُولى فی کلامه، وهی ما یعبّر عنها الیوم بأنّا نأخذ القیم من الشرع، ولکن المقدّمة الثانیة فی کلامه وهی انحصار طریق استکشافها فی الکتاب والسنّة والإجماع فممنوعة لأنّه قد یکون الطریق هو العقل القطعی.

نعم لا اعتبار بالعقل الظنّی ما لم یدلّ علیه دلیل شرعی من الکتاب أو السنّة أو الإجماع.

فقد ظهر من جمیع ما ذکرنا أنّ المصالح على قسمین: ما یستکشفه العقل القطعی ویحصل العلم بکونه جامعاً للشرائط وفاقداً للموانع فیکون حجّة، وما یستکشفه العقل الظنّی ولا یحصل القطع به فلیس بحجّة.

إن قلت: إذا أمکن أن تدرک المصالح والمفاسد بالعقل فلا حاجة إلى الشرع.

قلنا: إنّ العقل إنّما یدرک المصالح والمفاسد القطعیّة فی دائرة مضیّقة محدودة خاصّة من الاُمور، وما یبقى خارجاً من هذه الدائرة هو الأکثر فلیس للعقل سبیل إلى المصالح والمفاسد فی أحکام الإرث وکثیر من مسائل النکاح والنساء والمحرّمات وکثیر من المعاملات وما یحلّ وما یحرم من اللحوم والأطعمة والأشربة وغیرها من أشباهها، والشاهد على ذلک ما نشاهده من التغییرات فی القوانین البشریّة فی هذه الاُمور کلّ یوم، وبالجملة أنّ العقل هو بمنزلة مصباح مضیء فی صحراء مظلمة یضیء دائرة محدودة منها فقط، وأمّا الشرع فهو کالشمس فی السماء یضیء کلّ شیء.


1. راجع الاُصول العامّة: ص 385.
2. المصدر السابق: ص 384.
3. راجع الأصول العامّة: ص 383.
4. الاُصول العامّة: ص 387.
5. للحاجبی المتوفّى فی القرن السابع، وشرحه العضدی الشافعی، وکلّ من المؤلّف والشارح معنون فی علم الرجال بعنوان عالم اُصولی.
6. الاُصول العامّة: ص400.

 

بقی هنا شیءالرابع: سدّ الذرائع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma