المسألة الثانیة: فی أحکام التجرّی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
بقی هنا أمرانالتنبیه الأوّل: فی مقتضى هذه الأدلة

 

إذا قطع الإنسان بحرمة شیء وإرتکبه ثمّ إنکشف الخلاف وعدم مطابقة قطعه للواقع، کما إذا قطع بأنّ هذا المایع خمر فشربه، ثمّ تبیّن أنّه لیس بخمر، أو قطع بأنّ هذا غصب فتصرف فیه، ثمّ تبیّن أنّه ماله فهل فعل حینئذ حراماً أو لا؟ وقع البحث فیه بین الأعلام.

ولکن ینبغی ذکر مقدّمتین قبل الورود فی أصل المسألة والأقوال الموجودة فیها:

المقدمة الاُولى: أنّه تتصوّر فی إرتکاب شیء مراحل أربع:

أحدها: النیّة بمراحلها (سیأتی أنّ للنیّة مراحل عدیدة).

ثانیها: إرتکاب مقدّمات الفعل.

ثالثها: إرتکاب ذی المقدّمة.

رابعها: مرحلة الإصابة للواقع وعدمها، ولا شکّ فی أنّ التجرّی صادق بالنسبة إلى کلّ مرحلة من هذه المراحل، فمن نوى ولم یأت بالعمل أو أتى بالمقدّمة ولم یأت بذی المقدّمة أو أتى بذی المقدّمة أیضاً ولکن لم یصب قطعه الواقع أو أصاب قطعه بالواقع أیضاً، ففی جمیع هذه المراحل قد تجرّى على مولاه، نعم فی مصطلح الاُصولیین یطلق التجرّی على خصوص المرحلة الثالثة فقط، أی ما إذا نوى وأتى بالمقدّمة وذی المقدّمة ولم یصب الواقع، ولا یخفى أنّ نفس هذا الکلام وهذه المراحل بأسرها تجری فی الإنقیاد أیضاً.

المقدمة الثانیة: هل هذه المسألة مسألة اُصولیّة أو فقهیّة أو کلامیّة؟

ذهب المحقّق الحائری (رحمه الله) فی درره إلى أنّها قابلة لکلّ منها وقال: «أنّ النزاع یمکن أن یقع فی استحقاق العقوبة وعدمه فیکون راجعاً إلى النزاع فی المسألة الکلامیّة، ویمکن أن یقع النزاع فی أنّ إرتکاب الشیء المقطوع حرمته هل هو قبیح أم لا؟ فیکون المسألة من المسائل الاُصولیّة التی یستدلّ بها على الحکم الشرعی، ویمکن أن یکون النزاع فی کون هذا الفعل أعنی إرتکاب ما قطع بحرمته مثلا حراماً شرعاً أو لا؟ فتکون من المسائل الفقهیّة»(1).

أقول: الإنصاف أنّ المسألة فقهیّة ولا غیر، أمّا کونها فقهیّة فلأنّ نتیجتها وهی حرمة التجرّی حکم کلّی فرعی قابل للانطباق على مصادیقه الجزئیّة وحیث یمکن للفقیه أن یکتب فی الرسالة العملیّة: أنّ من نوى حراماً وفعل مقدّماته ولم یطابق الواقع فقد فعل حراماً أو لم یفعل حراماً.

وبعبارة اُخرى: أنّ نتیجتها لا تقع کبرى لقیاس الاستنباط حتّى تستنتج منها حکماً کلّیاً فرعیاً بل هی نفسها حکم کلّی فرعیى، ولو تنزّلنا عن ذلک فلا أقلّ من کونها من القواعد الفقهیّة.

وأمّا عدم کونها کلامیّة فلأنّ البحث فیها بحث عن صغرى موضوع علم الکلام، حیث إن موضوعه هو کبرى: أنّ المعصیة هل توجب العقاب أو لا؟ بینما البحث فی المقام بحث فی صغرى المعصیة، أی فی أنّ فعل المتجرّی معصیة أو لا؟

وإلاّ فإن کانت هذه مسألة کلامیّة یلزم أن یکون کلّ فرع فقهی من مسائل الکلام، والإنصاف أنّ عدّها من علم الکلام من ناحیة هذا المحقّق بعید من مقامه.

وأمّا عدم کونها اُصولیّة فلما أشرنا إلیه من أنّ المسألة الاُصولیّة ما تقع نتیجتها فی طریق استنباط الحکم الکلّی الفرعی ولیست هی بنفسها حکماً کلّیاً فرعیاً.

وأمّا ما ذکره فی توجیه کونها اُصولیّة من أنّ البحث فیها بحث عن الحسن والقبح ووجود الملازمة بین حکم العقل والشرع.

ففیه: أنّه أیضاً من الخلط بین الصغرى والکبرى، حیث إن الاُصولی فی مسألة الحسن والقبح یبحث فی کبرى «کلّما حکم به العقل حکم به الشرع» بینما فی ما نحن فیه یبحث فی أنّ التجرّی هل یحکم العقل بقبحه حتّى یکون صغرى لتلک الکبرى وتکون النتیجة حرمته عند الشرع أیضاً أو لا؟ وهذا واضح.

وهیهنا کلام للمحقّق النائینی(رحمه الله): وهو «أنّ الإنصاف أنّ إحراز الشیء لا یکون مغیّراً لما علیه ذلک الشیء من المصلحة والمفسدة، ولیس من قبیل الضرر والنفع العارض على الصدق والکذب المغیّر لجهة حسنه وقبحه لوضوح أنّ العلم بخمریّة ماء وتعلّق الإحراز به لا یوجب انقلاب الماء عمّا هو علیه وصیرورته قبیحاً، فدعوى أنّ الفعل المتجرّی به یکون قبیحاً ویستتبعه الحکم الشرعی بقاعدة الملازمة واضحة الفساد»(2).

أقول: جوابه واضح، لأنّ القائل بالحرمة لا یقول: أنّ شرب الماء بعنوانه حرام بل لم یقل بحرمته بعنوانه أحد، بل یقول: إنّ الشارب للماء بنیّة شرب الخمر قد تجرّأ على المولى، وأوقع نفسه فی مقام الهتک علیه فینطبق على شربه عنوان الهتک والجرأة على المولى، ولذلک أی لأجل هذا الانطباق صار شرب الماء حراماً، وبعبارة اُخرى: أنّ عنوان التجرّی عنوان من العناوین الثانویّة، وفی کلامه وقع الخلط بینها وبین العناوین الأوّلیّة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأقوال فی المسألة ثلاثة:

أوّلها: الحرمة، وذهب إلیه المحقّق الخراسانی (رحمه الله)ومن تبعه.

الثانی: عدم الحرمة، ومال إلیه شیخنا الأعظم فی الرسائل.

الثالث: التفصیل بین الحالات المختلفة المتصوّرة فی المقام، وهذا هو الذی اختاره صاحب الفصول (رحمه الله) وسیأتی أنّه لیس بتفصیل، بل یرجع فی الواقع إلى القول بالحرمة مطلقاً.

واستدلّ القائلون بالحرمة بوجوه خمسة:

الوجه الأوّل: الإجماع المستفاد من موارد من الفقه:

منها: باب السفر الحرام، فإنّ الإجماع قام على حرمة سفر من یخاف على نفسه من الضرر أو الخطر المحتمل وجوده فی الطریق وإن انکشف خلافه بعد.

ومنها: باب أوقات الصّلاة، فالإجماع قام على عدم جواز تأخیر الصّلاة لمن یظنّ ضیق الوقت، فلو تأخّرها عصى وإن تبیّن بعد عدم ضیق الوقت.

وفیه: أوّلا: أنّ الإجماع فی مثل هذه المسألة التی لها مدارک مختلفة لیست بحجّة وکاشفاً عن قول المعصوم (علیه السلام).

ثانیاً: الإجماع فی الفرع الثانی لیس بثابت، لذهاب بعض الفقهاء إلى عدم المعصیة إذا انکشفت سعة الوقت، وأمّا الفرع الأوّل فیمکن أن یقال: إنّ موضوع الحرمة فیه هو نفس خوف الضرر والخطر لا الضرر الواقعی، وحینئذ لا یتصوّر کشف الخلاف، فإن الخوف موجود واقعاً على کلّ حال.

الوجه الثانی: بناء العقلاء على عقاب المتجرّی على المولى.

وجوابه واضح، لأنّه أوّل الکلام ولا دلیل علیه، نعم أصل المذمّة والحکم بالقبح من ناحیتهم ممّا لا إشکال فیه لکن حکمهم بالعقاب لیس ثابت.

إن قلت: حکم العقلاء من حیث هم عقلاء بالقبح یلازم العقاب الشرعی بقاعدة الملازمة.

قلنا: لا ملازمة بین العقاب الشرعی والقبح العقلی فی جمیع مراتبه لأنّ للقبح درجات: منها درجة تشبه الکراهة التی لا عقاب على إرتکابها بلا خلاف، بل الملازمة ثابتة بین العقاب الشرعی والقبح العقلی الذی یحکم العقل بلزوم ترکه أیضاً، کما أنّ الحسن العقلی أیضاً لا یلازم الوجوب الشرعی فی جمیع مراتبه، حیث إن للمستحبّات العقلیّة أیضاً درجة من الحسن لا تبلغ حدّ الإلزام.

الوجه الثالث: دلیل العقل وبیانه: أنّه إذا نوى شخصان شرب الخمر وإرتکبا مقدّماته وشرب کلّ منهما ما قطع بخمریته فأصاب قطع أحدهما بالواقع دون الآخر فالحکم فی المسألة حینئذ لا یخلو من أحد احتمالات أربعة: فأمّا أن نحکم باستحقاق کلیهما للعقاب وهو المطلوب، أو نقول بعدم استحقاق کلیهما له وهو کما ترى، والاحتمال الثالث استحقاق المخطىء له وعدم استحقاق المصیب، وهذا ممّا لا یتفوّه به أحد، والرابع عکس الثالث وهو یستلزم الترجیح بالإصابة التی هی خارجة عن الاختیار، وهو محال، فیتعیّن الاحتمال الأوّل، وهو استحقاق کلا الفردین للعقاب، فیثبت حینئذ حرمة التجرّی.

وجواب هذا الوجه أیضاً معلوم، وهو إنّا نختار الاحتمال الرابع ونلتزم بالتفاوت والترجیح المذکور، فإنّه لا إشکال فی أنّ عدم العقاب لأمر غیر اختیاری ممّا لا استحالة فیه، نظیر عدم العقاب الناشىء من تعطیل مراکز الفساد الخارج عن اختیار المکلّفین، بل الإشکال ثابت فی العقاب لأمر غیر اختیاری.

الوجه الرابع: روایات سیأتی ذکرها وتدلّ على أنّ نیّة المعصیة معصیة کما یأتی أیضاً الجواب عنها.

الوجه الخامس: (ولعلّه العمدة) الوجدان، حیث إن الوجدان قاض بأنّ من تجرّى على مولاه فقد هتک حرمة مولاه وخرج عن رسم العبودیّة وهو یوجب الاستحقاق للعذاب.

وجوابه: أنّ التجرّی على قسمین: تارةً یکون المتجرّی فی مقام الهتک على المولى، ولسان حاله أنّی افعل هذا عناداً وهتکاً ومعارضة للمولى، وهذا قد یکون سبباً للکفر فضلا عن الفسق.

واُخرى لیست نیّته الهتک والمعارضة بل یقول: غلبنی هوای ویقرّ ویعترف على تقصیره کما ورد فی دعاء أبی حمزة الثمالی عن علی بن الحسین (علیه السلام): «إلهی ما عصیتک حین عصیتک وأنا لربوبیتک جاهل ولا لأمرک مستخفّ بل خطیئة عرضت لی وسوّلت لی نفسی وغلبنی لی هوای» فإنّ هذا لیس هتکاً قطعاً، حیث إن الهتک من العناوین القصدیّة، والعاصی فی هذه الصورة لیس قاصداً للجرأة على مولاه.

ومن هنا یعلم أنّ من قصد قتل مولاه ولم یقتله کمن صبّ السمّ مثلا فی طعامه ولکن لم یأکله اتّفاقاً فإنّه إنّما یعاقب من باب الهتک والجرأة والمعارضة وانطباق عناوین قصدیّة محرّمة على فعله لا من باب التجرّی فی مصطلح الاُصولیین، وبعبارة اُخرى: موضع النزاع فی ما نحن فیه هو المتجرّی فی مصطلح الاُصولیین أی مطلق من نوى حراماً وأتى بمقدّماته ولم یصبّ الواقع، لا المتجرّی فی اللغة الذی یلازم الجرأة والهتک، بل أنّه خارج عن محلّ البحث، وکأنّه وقع الخلط بین المعنیین فی کلام المحقّق الخراسانی (رحمه الله).

الوجه السادس: ما نقله المحقّق النائینی (رحمه الله) عن السیّد الشیرازی الکبیر سیّد أساتذتنا، وهو مرکّب من أربع مقدّمات:

الاُولى: أنّ وظیفة المولى إرسال الرسل وإنزال الکتب، ووظیفة العبد وجوب الإطاعة بحکم العقل.

الثانیة: أنّه فرق بین حسن الطاعة وقبح المعصیة، وبین حسن الإحسان وقبح الظلم، لأنّ الأوّلین یرتبطان بسلسلة معالیل الأحکام والأخیرین یرتبطان بسلسلة علّلها.

الثالثة: أنّ المناط فی حکم العقل باستحقاق العقاب هو إرتکاب ما یعلم مخالفته للتکلیف لا ما یکون مخالفاً واقعاً، فالمهمّ إذن هو العلم بالتکلیف لا إصابة ذلک العلم للواقع وإلاّ لتعطّلت الأحکام حیث لا یمکن إحراز الإصابة فی مورد، وعلیه فالمتجرّی والعاصی على حدّ واحد من حیث وجود مناط استحقاق العقوبة فیهما.

الرابعة: أنّ المیزان فی استحقاق العقوبة إمّا القبح الفعلی أو الفاعلی، والأوّل واضح البطلان إذ یلزم استحقاق العقاب على شرب الخمر واقعاً باعتقاد أنّه خلّ، فیتعیّن الثانی، وهو فی المتجرّی والعاصی على حدّ سواء.

أقول: أوّلا: لا دخل للمقدّمة الاُولى والثانیة فی المقام مع صحّتهما فی أنفسهما کما لا یخفى.

وثانیاً: یصلح کلّ من المقدّمة الثالثة والرابعة أن یکون برهاناً مستقلا على استحقاق المتجرّی للعقاب.

وثالثاً: (بالنسبة إلى قوله فی المقدّمة الثالثة) المناط فی حکم العقل باستحقاق العقاب لیس هو العلم بالتکلیف فقط بل إنّنا نختار أنّ الإصابة للواقع أیضاً شرط، ولکنّها حاصلة لدى المتجرّی فی نظره لأنّ القاطع یرى قطعه مطابقاً للواقع، فهو دائماً یحرز التکلیف ویرى نفسه مستحقّاً للعقاب على تقدیر المخالفة فلا یلزم تعطیل الأحکام.

ورابعاً: قوله فی المقدّمة الرابعة مبنی على انقسام القبح إلى خصوص الفعلی والفاعلی مع إنّا نختار وجهاً ثالثاً، وهو کون المیزان مجموع القبحین، فتکون التفرقة بین العاصی والمتجرّی صحیحة بلا لزوم إشکال.

فظهر إلى هنا عدم وجود دلیل على حرمة المتجرّی واستحقاق العقاب علیه.


1. درر الفوائد: ص 335، طبع جماعة المدرّسین.
2. درر الفوائد: ج 3، ص 41، طبع جماعة المدرّسین.

 

بقی هنا أمرانالتنبیه الأوّل: فی مقتضى هذه الأدلة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma