الثانی: الاستحسان

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
أدلّة القائلین بحجّیة القیاسبقی هنا شیء

وهو فی اللغة: «عدّ الشیء حسناً» لکنّه لیس المقصود فی المقام.

وأمّا فی الاصطلاح فقد نقل له عن العامّة معان مختلفة کثیرة:

منها: «إنّ الاستحسان ترک القیاس والأخذ بما هو أوفق للناس»، ویستفاد من هذا التعریف أنّهم حاولوا أن یعدّوا الاستحسان کاستثناء من القیاس فخرجوا عن القیاس فیما إذا کان ترکه أوفق بحال الناس، ولذلک کثیراً ما یقال فی کلماتهم «أنّ القیاس حجّة إلاّ فی مورد الاستحسان» وحینئذ لا یعدّ دلیلا مستقلا فی القیاس کما یشهد علیه عدم ذکر بعضهم إیّاه فی الاُصول.

ومنها: «أنّه هو الالتفات إلى المصلحة والعدل» وبناءً على هذا التعریف یعدّ الاستحسان أساساً مستقلا للتشریع التقنین، وسیأتی الفرق بینه وبین المصالح المرسلة.

ومنها: ما یشبه التعریف السابق، وهو «أنّه ما یستحسنه المجتهد بعقله» وغیر ذلک من التعاریف التی سیأتی ذکر بعضها فی آخر البحث.

ثمّ إنّهم اختلفوا فی حجّیة الاستحسان وعدمها، فحکی عن الشافعی والمالک جملتان:

إحدیهما: ما حکی عن الشافعی فی مذمّة الاستحسان وهو: «من استحسن فقد شرّع»(1) لکن اختلف فی المراد من هذه الجملة فحکی عن الفتوحات أنّ المراد منها أنّ للاستحسان مقاماً عالیاً کمقام الأنبیاء وتشریعاتهم، لکن الإنصاف أنّ الواضح کونها فی مقام المذمّة، ولذا عدّوا الشافعی من نفاة الاستحسان.

ثانیها: ما نقل عن المالک فی مدح الاستحسان وهو «أنّه تسعة أعشار العلم»(2).

ونسب إلى الظاهریین منهم إنکاره، والمعروف من مذهب أصحابنا نفیه مطلقاً.

هذه هی الأقوال فی المسألة.

ثمّ إنّ الاستحسان على قسمین: قطعی وظنّی.

فالقطعی منه لا کلام فی حجّیته بناءً على الحسن والقبح العقلیین وقاعدة الملازمة.

والظنّی هو موضع البحث والنزاع. فالقائلون بحجّیته تمسّکوا بالکتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الکتاب: فاستدلّوا أوّلا: بقوله تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِی الَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(3). وثانیاً: بقوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ)(4) بتقریب أنّ مدح العباد على اتّباع أحسن القول فی الآیة الاُولى وإلزامهم باتّباع أحسن ما اُنزل إلیهم من ربّهم فی الآیة الثانیة أمارة على جعل الحجّیة له بالنسبة إلى الأقوال، ومع إلغاء الخصوصیّة للأقوال تثبت الحجّیة للاستحسان فی الأفعال أیضاً.

لکن الإنصاف أنّه لا ربط للآیتین بالاستحسان، فإنّهما مربوطتان بالأحسن الواقعی، والطریق إلى الواقع إنّما هو القطع أو الظنّ الثابت حجّیته لأنّ الألفاظ وضعت للمعانی الواقعیّة ولم یؤخذ فیها العلم والجهل، فوضع لفظی «الدم» و«الخمر» مثلا للدم والخمر الواقعیین، فإن قطعنا بالواقع فهو حجّة لکون القطع نفس مشاهدة الواقع فیکون حجّة ذاتاً، وإن ظننا فلا دلیل على حجّیته ولیست الحجّیة ذاتیّة للظنّ، هذا أوّلا.

ثانیاً: المحتمل فی المراد من «القول» فی قوله تعالى: «ویستمعون القول» وجهان:

أحدهما: أنّ المراد منه هو قول الناس، الثانی: أنّ المراد هو آیات القرآن الکریم، فقد إحتمل المعنى الثانی بعض المفسّرین ببیان أنّ القرآن مشتمل على مستحبّات وواجبات ومکروهات ومباحات، والواجبات والمستحبّات أحسن من المکروهات والمباحات، وعباد الله تعالى یتّبعون الواجبات والمستحبّات، وهذا هو المراد باتّباع الأحسن، فإن کان هذا هو المراد من الآیة فلا دخل لها بما نحن بصدده وهی أجنبیة عنه.

وأمّا المعنى الأوّل فلازمه أنّ عباد الله یتّبعون أحسن أقوال الناس، فإنّها تنقسم إلى الحقّ والباطل، ومن الناس من یدعوا إلى الجود والسخاء مثلا، ومنهم من یدعوا إلى البخل والإقتار.

وعباد الله یتّبعون الأحسن منهما وهو الجود والإیثار، وحینئذ إن قلنا بأنّ المراد من الأحسن هو الأحسن فی نظر الشارع فلا ربط للآیة أیضاً بمحلّ البحث، وإن کان المراد منه الأحسن فی نظر العقل فهو داخل فی المستقلاّت العقلیّة ولا یشمل موارد الظنّ.

هذا کلّه بالنسبة إلى الآیة الاُولى.

أمّا الآیة الثانیة فلها أیضاً تفسیران: أحدهما: أنّ المراد من الأحسن هو أحسن الآیات التی أُنزل إلیکم، وحینئذ لا ربط أیضاً لها بالمقام.

ثانیهما: أنّ المراد منه القرآن وإنّه أحسن من التوراة والإنجیل وغیرهما من الکتب السماویّة وهذا أیضاً لا دخل له بما هو محلّ النزاع کما هو واضح.

هذا کلّه هو الاستدلال بالآیات.

أمّا السنّة: فقد روی عن ابن مسعود أنّه قال: «إنّ الله نظر فی قلوب العباد فوجد قلب محمّد (صلى الله علیه وآله) خیر قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثمّ نظر فی قلوب العباد بعد قلب محمّد (صلى الله علیه وآله) فوجد قلوب أصحابه خیر قلوب العباد فجعلهم وزراء لنبیّه یقاتلون على دینه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سیّئاً فهو عند الله سییء»(5).

وهذه الرّوایة غیر تامّة سنداً ودلالة أمّا السند: فهی موقوفة (أی موقوفة على ابن مسعود ولم یروها أحد عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)) فلیست بحجّة.

وأمّا الدلالة فأوّلا: أنّها إنّما ترتبط بمحلّ الکلام إذا کان المراد من الرؤیة فی قوله «ما رأوا» الرؤیة الظنّیة، والإنصاف أنّ نفس کلمة الرؤیة ظاهرة فی العلم والقطع ولا فرق فی هذه الجهة بین الرؤیة القلبیّة والرؤیة بالبصر.

وثانیاً: قد یرى التهافت بین صدر الحدیث وذیله، لأنّ الذیل ظاهر فی أنّ المسلمین إذا رأوا حسناً فهو عند الله حسن مع أنّ صدره یختصّ بخصوص الصحابة.

أمّا الإجماع: فقد ادّعوا أنّه توجد مسائل لا دلیل علیها غیر الإجماع على الاستحسان ولا تدخل تحت عنوان من العناوین الفقهیّة من العقود والإیقاعات کإجماع الاُمّة على استحسانهم دخول الحمام وشرب الماء من أیدی السائقین من غیر تقدیر لزمان المکث وتقدیر الماء بالاُجرة فلا یدخل شیء منهما تحت العناوین المعروفة من العقود الشرعیّة، وفی فوائد الرحموت مثّل له بمسألة الاصطناع، فیطلب من النجّار أو الکفّاش مثلا اصطناع باب أو نعلین من دون تقدیر للوزن أو القیمة، کما یمکن التمثیل لها فی عصرنا هذا برکوب السیارة من دون تقدیر للاُجرة.

لکن یرد على الإجماع هذا أوّلا: أنّه قائم على هذه الأحکام بالخصوص لا على استحسانها، وهو فی الواقع لیس إجماعاً فی المصطلح بل سیرة مستمرّة إلى زمن النبی (صلى الله علیه وآله) (لو ثبتت السیرة) قامت على هذه الأحکام.

وثانیاً: أنّه یمکن إدخال هذه الأحکام تحت عناوین معروفة فی فقهنا الثابتة بالأدلّة المعتبرة، فیدخل المثال الأوّل والثانی فی عنوان الإباحة مع الضمان الذی له مصادیق کثیرة فی الفقه وکذلک مثال رکوب السیارة.

یبقى مثال الاصطناع، وهو أیضاً یدخل فی عنوان البیع، کما إذا اشترى الأبواب على نحو الکلّی فی الذمّة، نعم أنّه لیس داخلا فی عقد من العقود إذا ذکر للنجّار خصوصیّات للباب ووعده أن یشتری منه فیما بعد، لکن قد یدخل هذا أیضاً فی قاعدة لا ضرر إذا لم یوجد من یشتری ذلک الباب مع تلک الخصوصیّات فیجب على الواعد جبران الخسارة.

هذا فی الأدلّة التی استدلّوا بها أنفسهم على حجّیة الاستحسان، ویمکن أیضاً أن یستدلّ لهم بدلیل عقلی، وهو الانسداد حیث إنّه فی صورة الانسداد لا یکون الظنّ القیاسی کافیاً لهم بل لابدّ من التعدّی إلى الظنّ الاستحسانی.

والجواب عنه واضح، وهو ما مرّ من کفایة الکتاب والسنّة (مع ملاحظة الرّوایات المرویة من طرق أهل البیت (علیهم السلام)).

فقد ظهر إلى هنا أنّه إذا کان الاستحسان قطعیّاً فلا إشکال فی حجّیته من باب کونها ذاتیّة للقطع، وإذا کان ظنّیاً یکون مشمولا لأدلّة عدم حجّیة الظنّ، وکلّ واحد من الأدلّة الأربعة التی استدلّ بها لإثبات الحجّیة له غیر تامّ.

وأمّا دلیل النافین فهی أدلّة عدم حجّیة مطلق الظنّ کما أشرنا إلیه آنفاً، لکن حکی عن الشافعی دلیلا لنفیه وهو أنّه لو قال المفتی فیما لا نصّ فیه ولا قیاس: «استحسن» فلا بدّ أن یزعم جواز استحسان خلافه لغیره، فیفتی کلّ حاکم فی بلد ومفت بما یستحسن، فیقال فی الشیء الواحد بضروب من الحکم والفتیا فإن کان هذا جائزاً فقد أهملوا أنفسهم فحکموا حیث شاؤوا، وإن کان ضیّقاً فلا یجوز أن یدخلوا فیه.

وقد یقال فی الردّ علیه: أنّ مثل هذا الکلام غریب على الفنّ لانتهائه ـ لو تمّ ـ إلى حصر الاجتهاد مطلقاً مهما کانت مصادره، لأنّ الاختلاف واقع فی الاستنباط منها إلاّ نادراً ولا خصوصیّة للاستحسان فی ذلک(6).

لکن الإنصاف أنّه فرق بین الاستحسان وغیره لأنّه فی غیره یوجد ضوابط معیّنة من شأنها أن تقلّل وقوع الاختلاف، بخلاف الاستحسان الذی لا ضابطة محدّدة فیه.


1. الاُصول العامّة: ص363، وفوائد الرحموت حاشیة المستصفى: ج2، ص321.
2. المصدر السابق.
3. سورة الزمر: الآیة 18.
4. سورة الزمر: الآیة55.
5. مسند أحمد: ج 1، ص 379.
6. الاُصول العامّة، للفقه المقارن: ص376.

 

أدلّة القائلین بحجّیة القیاسبقی هنا شیء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma