المسألة الخامسة: فی وجوب الموافقة الالتزامیّة فی الأحکام الفرعیّة وعدمه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
المسألة الرابعة: هل یتصوّر ما ذکر من الأقسام للقطع فی الظنّ أیضاً أو لا؟بقی هنا شیء

إذا علمنا بوجوب شیء أو حرمته أو استحبابه مثلا فهل یجب الالتزام القلبی بذلک الوجوب أو الحرمة أو الاستحباب أو لا؟ وبعبارة اُخرى: الواجب فی الأحکام الفرعیّة شیئان أو شیء واحد؟

وفیه أبحاث ثلاثة:

الأوّل: فی المراد من الالتزام القلبی والمعنى المقصود منه.

الثانی: فی وجوبه فی الأحکام الفرعیّة وعدمه بعد إمکان تصوّره فی مرحلة الثبوت.

الثالث: فی ثمرة البحث، فیقع الکلام فی ثلاث مقامات:

أمّا المقام الأوّل: فحلّ المشکل فیه یتوقّف على إثبات جواز انفکاک الاعتقاد عن العلم وأنّه هل یکون العلم عین الاعتقاد أو لا؟ فذهب جمع إلى عدم إمکان التکفیک بینهما.

قال فی تهذیب الاُصول: «إنّ التسلیم القلبی والانقیاد الجنانی والاعتقاد الجزمی لأمر من الاُمور لا تحصل بالإرادة والاختیار، من دون حصول مقدّماتها ومبادئها، ولو فرضنا حصول عللها وأسبابها، یمتنع تخلّف الالتزام والانقیاد القلبی عند حصول مبادئها، ویمتنع الاعتقاد بأضدادها فتخلّفها عن المبادىء ممتنع کما أنّ حصولها بدونها أیضاً ممتنع ... إلى أن قال: فمن قام عنده البرهان الواضح بوجود المبدأ المتعال ووحدته لا یمکن له عقد القلب عن صمیمه بعدم وجوده وعدم وحدته، ومن قام عنده البرهان الریاضی على أنّ زوایا المثلّث مساویة لقائمتیه، یمتنع مع وجود هذه المبادىء، عقد القلب على عدم التساوی، فکما لا یمکن الالتزام على ضدّ أمر تکوینی مقطوع به فکذلک لا یمکن عقد القلب على ضدّ أمر تشریعی ثبت بالدلیل القطعی. نعم لا مانع من إنکاره ظاهراً وجحده لساناً لا جناناً واعتقاداً، وإلیه یشیر قوله عزّوجلّ: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً). وما یقال من أنّ الکفر الجحودی یرجع إلى الالتزام القلبی على خلاف الیقین الحاصل فی نفسه فاسد جدّاً. هذا هو الحقّ القراح فی هذا المطلب من غیر فرق بین الاُصول الاعتقادیّة ... إلى أن قال: فلو قام الحجّة عند المکلّف على نجاسة الغسالة وحرمة استعمالها، یمتنع علیه أن یعقد القلب على خلافها أو یلتزم جدّاً على طهارته، إلاّ أن یرجع إلى تخطئة الشارع (والعیاذ بالله) وهو خارج عن المقام. وبذلک یظهر أنّ وجوب الموافقة الالتزامیّة وحرمة التشریع لا یرجع إلى محصّل إن کان المراد من التشریع هو البناء والالتزام القلبی على کون حکم من الشارع مع العلم بأنّه لم یکن من الشرع، أو لم یعلم کونه منه، ومثله وجوب الموافقة وهو عقد القلب اختیاراً على الاُصول والعقائد والفروع الثابتة بأدلّتها القطعیّة الواقعیّة.

والحاصل أنّ التشریع بهذا المعنى أمر غیر معقول بل لا یتحقّق من القاطع حتّى یتعلّق به النهی، کما أنّ الاعتقاد بکلّ ما ثبت بالأدلّة أمر قهری تتبع مبادئها ویوجد غبّ عللها بلا إرادة واختیار ولا یمکن التخلّف عنها ولا للحاصل له مخالفتها، فلا یصحّ تعلّق التکلیف لأمر یستحیل وجوده، أو یجب وجوده بلا إرادة واختیار»(1).

أقول: لا یخفى أنّ لازم ما أفاده فی المقام عدم وجود موضوع للبحث هنا فینتفی بانتفاء موضوعه لأنّه أنکر إمکان تعلّق الوجوب بالالتزام القلبی ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى مقام الإثبات والبحث فی أنّه هل یکون الالتزام القلبی واجباً شرعاً أو لا؟

لکن الإنصاف هو إمکان التفکیک بین العلم والالتزام القلبی ثبوتاً وأنّه یوجد وراء العلم شیئاً آخر اختیاریّاً یسمّى بالتسلیم والالتزام القلبی، وإن شئت فعبّر عنه بالإیمان مقابل الإسلام، وقد بیّنه المحقّق الإصفهانی (رحمه الله)فی کلامه(2).

وتوضیحه: أنّه إذا تیقّن الإنسان بشیء یجد بوجدانه فی قبال یقینه وعلمه أمرین مختلفین: أحدهما: التسلیم الجوارحی، والثانی: التسلیم الجوانحی فربّما یحصل له التسلیم الجوارحی ولا یحصل له التسلیم القلبی والانقیاد الجناحی وبالعکس فیعلم کثیراً ما مثلا بأهلیة شخص للرئاسة والمرجعیة لکنّه لا ینقاد له قلباً ولا یقرّبه باطناً لخباثة نفسه أو لعدم کونه من قومه وقبیلته أو لجهة اُخرى، وإن کان فی مقام العمل یتحرّک بحرکته خوفاً من سوطه وسطوته، ونحن نعتقد أنّه من هذا القبیل الکفر الجحودی فکثیر من الکفّار الذین نطق القرآن بکفرهم کانوا عالمین بحقّانیّة القرآن ونبوّة نبیّنا (صلى الله علیه وآله)، ومع ذلک لم یکونوا منقادین، ولو کان ملاک الإیمان الحقیقی نفس العلم لزم أن یکونوا مؤمنین به وأن یکون الشیطان أو فرعون مثلا أظهر مصادیق المؤمن من أنّ کفرهم ممّا لا ینکره أحد، ومن هنا یکون المراد من الجحود فی قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَیْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ)الجحد القلبی لا أنّهم جحدوا لفظاً وعملا.

والعجب من تهذیب الاُصول حیث إنّه مع ما ذهب إلیه من عدم کون الالتزام القلبی اختیاریّاً صرّح فی ذیل کلامه بانفکاک العلم عن الإیمان وقال: «إنّ الإیمان لیس مطلق العلم الذی یناله العقل ویعدّ حظّاً فریداً له» ولم یبیّن أنّه کیف لا یلزم من عدم کون العلم عین الإیمان کون الالتزام والانقیاد اختیاریّاً بل قال: «وبما أنّ المقام لا یسع طرح تلک الأبحاث فلیراجع من أراد التفصیل إلى محالّه»(3).

وکیف کان، فإنّ عدم کون الإیمان والالتزام القلبی اختیاریّاً ینافی ظاهر کثیر من الرّوایات والآیات کالتی تأمر بالإیمان وتعلّق الأمر فیها بالتسلیم القلبی کقوله تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ولو لم یکن الإیمان والتسلیم أمراً اختیاریّاً یکون هذا القبیل من الأوامر تکلیفاً بما لا یطاق، والقول بأنّها محمولة على تحصیل مبادئه وأسبابه تکلّف لا وجه له.

فتلخّص ممّا ذکرنا أنّ محلّ البحث أنّه إذا علمنا بوجود شیء فهل یتصوّر فعل قلبی وراء العلم أو لا؟ فإن قبلنا وجود ذلک الفعل فیعقل ویتصوّر البحث عن وجوب الالتزام القلبی وعدمه وإلاّ فلا، وقلنا أنّ الوجدان حاکم على وجود أمر آخر قلبی یسمّى بالالتزام والتسلیم القلبی وهو المستفاد من ظاهر الآیات والرّوایات، ومن هنا یعلم أنّ حقیقة التشریع هی الالتزام القلبی على کون حکم من الشارع مع العلم بأنّه لم یکن من الشرع أو مع عدم العلم بکونه منه.

هذا کلّه فی إمکان تعلّق الوجوب على الالتزام وعدمه.

المقام الثانی: فی أنّه بعد قبول إمکان تعلّق الوجوب ثبوتاً فهل یکون واجباً إثباتاً أو لا؟

فنقول: لا دلیل لنا على وجوب الالتزام فی الأحکام الشرعیّة الفرعیّة تفصیلا لا عقلا ولا نقلا وإن کان واجباً فی الاُصول الاعتقادیّة.

أمّا عقلا فلأنّ العقل والعقلاء لا یحکمون باستحقاق العبد للعقوبة على ترک الالتزام القلبی فی الأحکام الفرعیّة، ولا یحکمون فیما إذا أتى العبد بالعمل ولم یلتزم قلباً لا بوجوبه ولا بحرمته بأنّه هاتک للمولى.

وأمّا نقلا فلعدم وجود روایة تدلّ على وجوب الموافقة الالتزامیّة، ومع عدمه والشکّ فی الوجوب تصل النوبة إلى البراءة، نعم مقتضى أدلّة الإیمان بالنبوّة هو الإیمان بالأحکام الفرعیّة التی جاء بها النبی إجمالا، وهذا غیر وجوب الالتزام القلبی بها تفصیلا، وخارج عن محلّ الکلام، وممّا یؤیّد هذا المعنى غفلة عامّة الناس عن هذا الالتزام التفصیلی، ولو کان واجباً لکان على الشارع البیان.

المقام الثالث فی ثمرة المسألة: ولیعلم أنّ المسألة لیست لها ثمرة فی الاُصول، وإن کان قد یمنع ذلک من إجراء الاُصول فی أطراف العلم الإجمالی على بعض الاحتمالات، بل تظهر ثمرتها فی الفقه بلا واسطة، فإنّ تعلّق العلم بحکم تفصیلا کالعلم بوجوب الصّلاة وجب الالتزام به قلباً إن قلنا بوجوب الموافقة الالتزامیّة ولا یجب إن قلنا بعدمه، وإن تعلّق العلم بحکم إجمالا وجب الالتزام القلبی به کذلک إن قلنا بوجوبه کالعلم الإجمالی بوجوب صلاة الجمعة أو صلاة الظهر، وذلک لعدم القدرة حینئذ على الالتزام التفصیلی، وهکذا لو تعلّق العلم بما یدور بین المحذورین، کما إذا علمنا بأنّ صلاة الجمعة إمّا حرام أو واجب، فیکون الالتزام القلبی حینئذ مثله.

هذا کلّه بالنسبة إلى الحکم الواقعی، وکذلک إذا کان الحکم ظاهریّاً کوجوب الاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالی کمثال الواجب یوم الجمعة إذا دار أمر الوجوب بین صلاة الجمعة وصلاة الظهر، وکالحکم بالتخییر فیما إذا دار الحکم بین الوجوب والحرمة، وبما أنّ العلم بهذا الحکم الظاهری یکون تفصیلیاً یجب الالتزام به تفصیلا، فیکون الالتزام الواجب فی مثل هذه الموارد قسمان: أحدهما: تفصیلی، وهو الالتزام بالحکم الظاهری المعلوم تفصیلا، والآخر: إجمالی وهو الالتزام بالحکم الواقعی المعلوم إجمالا.

ولا منافاة بینهما لعدم المنافاة بین الحکم الواقعی والظاهری کما سیأتی فی محلّه إن شاء الله.

وبهذا یظهر ضعف ما قیل: بأنّ ثمرة المسألة تظهر فی المسألة الاُصولیّة، وهی جریان الاُصول فی موارد التخییر، فإذا قلنا بعدم وجوب الالتزام القلبی بالحکم الواقعی فلا مانع من جریان البراءة عن الوجوب والبراءة عن الحرمة فی دوران الأمر بین الوجوب والحرمة مثلا، لأنّ جریانها إنّما یستلزم المخالفة العلمیّة الالتزامیّة فقط، والمفروض عدم وجوبها، وأمّا إن قلنا بوجوب الالتزام القلبی فلا یمکن جریان الاُصول من ناحیة لزوم الالتزام والموافقة العلمیّة بالحکم الواقعی.

ووجه الضعف: إنّ لنا فی المقام التزاماً قلبیاً إجمالیاً بالحکم الواقعی، وهو باق على قوّته، والتزاماً قلبیاً تفصیلیاً بالحکم الظاهری، وهو البراءة، وهو أیضاً باق على حاله، ولا منافاة بینهما کما سیأتی إن شاء الله.


1. تهذیب الاُصول: ج2، ص45 ـ 46، طبع جماعة المدرّسین.
2. راجع نهایة الدرایة: ج2، ص26، الطبع القدیم.
3. تهذیب الاُصول: ج2 ص49، طبع جماعة المدرّسین.

 

المسألة الرابعة: هل یتصوّر ما ذکر من الأقسام للقطع فی الظنّ أیضاً أو لا؟بقی هنا شیء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma