المفهوم فی اللّغة عبارة عن «ما یفهم ویدرک»، فإذا اُضیف إلى اللفظ کان معناه ما یفهم من اللفظ، وإذا اُضیف إلى الجملة کان معناه ما یفهم من الجملة، فهو یعمّ حینئذ المعنى المصطلح للمفهوم أیّاً ما کان، حیث إنّه ممّا یفهم من اللفظ کذلک، فیکون مفهوماً له.
وأمّا فی الاصطلاح فقد عرّف فی کلمات القوم بتعاریف عدیدة:
أحدها: ما أفاده المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وهو: «إنّ المفهوم حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیّة المعنى (الذی اُرید من اللفظ) بتلک الخصوصیّة ولو بقرینة الحکمة، وکان یلزمه لذلک، وافقه فی الإیجاب والسلب أو خالفه».
ولکنّه قد أتعب نفسه الزکیّة حیث لا حاجة إلى کثیر من هذه القیود وهی کلمة «إنشائی أو إخباری» وقوله: «ولو بقرینة الحکمة إلى آخره».
بل لو قلنا: «إنّ المفهوم حکم غیر مذکور فی الکلام یدلّ علیه المذکور» کان شاملا لتمام ما أراده من تلک القیود، حیث إنّ لفظ «الحکم» عام یعمّ الإنشائی والإخباری معاً، وجملة «غیر مذکور فی الکلام» شامل لمفهوم الموافقة وغیرها، وکلمة «المذکور» مخرجة لما یستفاد من مقدّمات الحکمة; لأنّها ممّا یستفاد من بعض المقدّمات العقلیّة لا من دلالة وضعیة، وهذا بنفسه تعریف ثان للمفهوم.
ثالثها: ما نقله المحقّق الخراسانی(رحمه الله) أیضاً ممّا یکون فی جانب التفریط وهو أنّ «المفهوم حکم غیر مذکور» حیث لا إشکال فی أنّ کلّ حکم مذکور لیس مفهوماً.
رابعها: ما ذکره فی تهذیب الاُصول وهو «إنّه عبارة عن قضیّة غیر مذکورة مستفادة من القضیّة المذکورة عند فرض انتفاء أحد قیود الکلام».
ویرد علیه أیضاً: أنّه غیر جامع لمفهوم الموافقة; لأنّها لا تستفاد من انتفاء أحد قیود الکلام کما لا یخفى، مضافاً إلى أنّ الأولى هو التعبیر بالحکم بدل کلمة «القضیّة» حیث إنّها تعبیر منطقی أو فلسفی، والاُصولی یطلب فی المسائل الاُصولیّة الحکم لا القضیّة.
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذکرنا أنّ ظاهر کلمات القوم أنّهم فی مقام بیان تعریف حقیقی جامع ومانع، لا مجرّد شرح الاسم، ولذلک یتصدّون للنقض والإبرام وإثبات أنّ هذا القید داخل وأنّ ذاک خارج کما مرّ کراراً، وحینئذ فقول المحقّق الخراسانی(رحمه الله)فی ما نحن فیه من «أنّه لا موقع لما قد وقع فی تعریف المفهوم من النقض والإبرام بین الأعلام; لأنّه من قبیل شرح الاسم» فی غیر محلّه.
