البحث الثالث: فی أحکام القطع الموضوعی والطریقی وأنّه هل تقوم الطرق والأمارات مقامهما أو لا؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
البحث الثانی: أخذ القطع موضوعاًبقی هنا شیء

لا ریب فی قیام الأمارات بنفس دلیل حجّیتها (کآیة النبأ) مقام القطع الطریقی المحض، کما لا ریب فی عدم قیامها مقام القطع الموضوعی على وجه الصفتیّة فلا شکّ فی أنّه إذا أشار المولى إلى الشمس مثلا وقال: «بمثل هذا فاشهد» فأخذ القطع بما أنّه صفة خاصّة ودرجة خاصّة من العلم والکشف فی موضوع الشهادة، فلا تجوز الشهادة على مالکیة زید مثلا بمجرّد قیام البیّنة على أنّ هذا ملک له، أو ثبتت مالکیته بالقرعة.

إنّما الکلام فی قیامها مقام القطع الموضوعی على نحو الکاشفیّة.

قال الشیخ (قدس سره) فی الرسائل: «ثمّ من خواص القطع الذی طریق إلى الواقع قیام الأمارات الشرعیّة والاُصول العملیّة مقامه فی العمل بخلاف المأخوذ فی الحکم على وجه الموضوعیّة فإنّه تابع لدلیل الحکم فإن ظهر منه أو من دلیل خارج اعتباره على وجه الطریقیة للموضوع قامت الأمارات والاُصول مقامه، وإن ظهر منه اعتبار صفة القطع فی الموضوع من حیث کونها صفة خاصّة قائمة بالشخص لم یقم مقامه غیره»(1).

فظاهر کلامه هذا أنّ الطرق والأمارات تقوم مقام القطع الموضوعی على وجه الکاشفیّة مطلقاً سواء کان جزءً للموضوع أو تمام الموضوع.

لکن المحقّق الخراسانی (رحمه الله) ذهب فی الکفایة إلى عدمه، حیث قال: «إنّ القطع المأخوذ بهذا النحو (على نحو الکاشفیة) فی الموضوع شرعاً کسائر ما لها دخل فی الموضوعات أیضاً (أی کسائر الصفات التی لها دخل فی موضوعات الأحکام) فلا یقوم مقامه شیء بمجرّد حجّیته أو قیام دلیل اعتباره ما لم یقم دلیل على تنزیله ودخله فی الموضوع کدخله».

أقول: لم یقم أحد من العلمین دلیلا على مدّعاه، وکأنّ کلّ واحد منهما أرسلها إرسال قضایا قیاساتها معها، والإنصاف أنّ المشکلة هنا أیضاً تنحلّ بما مرّ آنفاً من لزوم ملاحظة التفاسیر الثلاثة التی ذکرت لأخذ القطع موضوعاً على وجه الکاشفیّة فیثبت بذلک أنّ النزاع فی هذا المقام أیضاً لفظی.

بیان ذلک: أنّ ظاهر کلام الشیخ (رحمه الله) کون مراده من المأخوذ على وجه الکاشفیّة أنّ ما أخذ فی الموضوع هو جامع الکاشف وجنس الکاشف الذی یکون القطع مصداقاً من مصادیقه کما صرّح بهذا التفسیر المحقّق الحائری(رحمه الله) فی الدرر (وقد مرّ بیانه) ولا ریب أنّه بناءً على هذا التفسیر یقوم مقام القطع سائر مصادیق الکاشف بلا إشکال.

وأمّا المحقّق الخراسانی(رحمه الله) فقد مرّ أنّ مقصوده من المأخوذ على نحو الکاشفیّة أنّ تلک الحالة، أی حالة المائة فی المائة أخذت فی الموضوع من جهة أنّها منوّرة لغیره لا من جهة أنّها تؤثّر فی نفسه، ولا إشکال (حتّى عند الشیخ (قدس سره)) فی عدم قیام الأمارات مقام هذه الدرجة من العلم، فالمناقشة بین العلمین لفظیّة نشأت من اختلاف التفسیر للقطع الموضوعی على وجه الطریقیّة.

ثمّ إنّ المحقّق الخراسانی (رحمه الله) بعد هذا أورد على نفسه ما حاصله: أنّه یکفینا لإثبات قیام الأمارة مقام القطع الموضوعی المأخوذ على نحو الکاشفیّة إطلاق دلیل تنزیلها منزلة القطع الشامل ذلک الإطلاق لجمیع آثار القطع من الطریقیّة والموضوعیّة، فإنّ إطلاق دلیل اعتبار الأمارة ینزّل الأمارة منزلة القطع فی جمیع آثاره ولوازمه المترتّبة علیه من کونه طریقاً محضاً وموضوعاً حتّى على نحو الصفتیة.

وأجاب عن هذا بأنّ هذا الإطلاق ممتنع فی المقام لاستلزامه اجتماع اللحاظین المتضادّین لأنّ تنزیل الأمارة منزلة القطع الموضوعی موقوف على لحاظ القطع استقلالا لأنّ مقتضى موضوعیّة شیء هو استقلاله فی اللحاظ من دون کونه تبعاً للغیر، وتنزیلها منزلة القطع الطریقی موقوف على لحاظه آلة للغیر وهو الواقع المنکشف به فیستلزم منه لحاظ المنزّل علیه وهو القطع بلحاظین متضادّین فی إنشاء واحد وهو محال.

أقول: ویرد علیه: إنّ جوابه هذا مبنیّ على ما ذهب إلیه فی البحث عن حقیقة الاستعمال من أنّ استعمال اللفظ فی المعنى فناؤه فیه حقیقة، وقد مرّ الجواب عنه، فقد قلنا أنّ حقیقة الاستعمال هو جعل اللفظ علامة للمعنى والبناء على إرادته عنده، ولذلک لا مانع من استعمال لفظ واحد فی أکثر من معنى ومن احضار معانی متعدّدة فی الذهن ثمّ استعمال لفظ واحد فی جمیعها.

هذا ولکن نحن أیضاً نمنع عن إطلاق أدلّة حجّیة الأمارات لکن لا من باب اجتماع اللحاظین المتضادّین بل من باب انصراف أدلّة حجّیة الأمارات عن القطع الموضوعی فإنّها ناظرة بظهورها إلى القطع الطریقی المحض فقط.

وللمحقّق النائینی (رحمه الله) فی المقام بیان آخر لجواز قیام الأمارات مقام القطع الموضوعی على نحو الکاشفیّة، والنکتة الأساسیّة الرئیسة فی کلامه (بعد أن جعل عمدة ما یتصوّر أن یکون مانعاً عن القیام ما ذکره المحقّق الخراسانی (رحمه الله) من الجمع بین اللحاظین) تفسیر ذکره لحجّیة الطرق والأمارات، وهو أنّ دلیل الحجّیة إنّما ناظر إلى إعطاء صفة الطریقیّة والکاشفیّة للأمارة وجعل ما لیس بمحرز حقیقة محرزاً تشریعاً وإلیک نصّ کلامه: «أنّه لیس معنى حجّیة الطریق مثلا تنزیل مؤدّاه منزلة الواقع ولا تنزیله منزلة القطع حتّى یکون المؤدّى واقعاً تعبّداً أو یکون الأمارة علماً تعبّداً، بداهة أنّ دلیل الحجّیة لا نظر له إلى هذین التنزیلین أصلا وإنّما نظره إلى إعطاء صفة الطریقیّة والکاشفیّة للأمارة وجعل ما لیس بمحرز حقیقة محرزاً تشریعاً، نعم لابدّ وأن یکون المورد قابلا لذلک بأن یکون له کاشفیّة عن الواقع فی الجملة ولو نوعاً إذ لیس کلّ موضوع قابلا لإعطاء صفة الطریقیّة والمحرزیّة له فما یجری على الألسنة بأنّ ما قامت البیّنة على خمریته مثلا خمر تعبّداً أو أنّ نفس البیّنة علم تعبّداً فممّا لا محصّل له ولیس له معنى معقول إذ الخمریّة أو العلم من الاُمور التکوینیّة الواقعیّة التی تنالها ید الجعل تشریعاً، مضافاً إلى أنّ لم یرد فی آیة ولا روایة أنّ ما قامت البیّنة على خمریته خمر وإنّ الأمارة علم حتّى یصحّ دعوى کون المجعول هو الخمریّة أو کون البیّنة علماً ولو بنحو المسامحة من باب الضیق فی التعبیر، وبالجملة ما یکون قابلا لتعلّق الجعل التشریعی به کیفیة المجعولات التشریعیة هو نفس صفة الکاشفیّة والطریقیّة لما لیس کذلک بحسب ذاته من دون تنزیل للمؤدّى منزلة الواقع ولا لتنزیل نفسه منزلة العلم. وبعبارة اُخرى له فی موضع آخر: أنّ مفاد حجّیة الأمارات هو تتمیم الکشف أی یکمّل الشارع بأدلّة الحجّیة الکشف الظنّی الموجود فی الأمارة).

ثمّ أشار إلى ما مرّ من إشکال الجمع بین اللحاظین بأنّ بناء هذا الإشکال على تخیّل أنّ دلیل الاعتبار إنّما یتکفّل لإثبات أحکام الواقع للمؤدّى أو أحکام القطع للأمارة فیکون تعمیماً فی الموضوعات الواقعیّة أو فی العلم المأخوذ فی الموضوع واقعاً، وأمّا إذا بنینا على عدم تکفّل دلیل الحجّیة والاعتبار للتنزیل أصلا بل غایة شأنه هو إعطاء الطریقیّة والکاشفیّة للأمارة وجعل ما لیس بمحرز للواقع حقیقة محرزاً له تشریعاً فلیس هناک تنزیل حتّى یترتّب علیه الجمع بین اللحاظین المتنافیین»(2).

أقول یرد علیه:

أوّلا: ما المراد بإعطاء صفة الکاشفیّة لما لیس کاشفاً؟ ألیست الکاشفیّة أیضاً من الاُمور التکوینیّة غیر القابلة للجعل؟ فما لیس بعلم تکویناً وواقعاً کیف یمکن جعله علماً؟ ألیس هذا إلاّ کرّ على ما فرّ منه؟

إن قلت: فما هو معنى الحجّیة فی رأیکم؟

قلت: یمکن أن یبیّن لها معنیان:

الأوّل: تنزیل المؤدّى منزلة الواقع بحسب الأحکام والآثار الشرعیّة، فمعنى «صدّق العادل» مثلا «نزّل ما أخبر العادل بخمریته مثلا منزلة الخمر الواقعی فی أحکامه».

الثانی: جعل حکم طریقی مماثل للحکم الواقعی، أی ینشأ دلیل حجّیة خبر العادل فیما إذا أخبر عادل عن خمریّة شیء حرمةً لذلک الشیء مثل حرمة الخمر الواقعی.

ولا یخفى أنّ المعنى الأوّل هو ظاهر لسان الأدلّة، حیث إن الخبر الذی یقول مثلا: «ما رواه عنّی فعنّی یروی» یعنی «رتّب على ما رواه الآثار والأحکام الشرعیّة»، والعمدة أنّ الذی یقبل التشریع هو الاُمور الاعتباریّة مثل الأحکام الشرعیّة لا غیرها.

ثانیاً: سلّمنا إمکان إعطاء الکاشفیّة، لکن لیس هو لسان أحد من أدلّة الاعتبار فلیس معنى مفهوم آیة النبأ (وهو: إذا جاءکم عادل فلا تبیّنوا) اُعطیت خبر العادل صفة الکاشفیة کما لا یخفى.

ثالثاً: سلّمنا ذلک، ولکن نتیجته أنّ لدینا قسمین من القطع: قطعاً تکوینیاً وقطعاً تشریعیاً، وظاهر أدلّة أخذها فی الموضوع هو القطع التکوینی فقط، فالقطع التشریعی الحاصل بتتمیم الکشف وإعطاء صفة الطریقیة خارج عن منصرفها.

وبالجملة فالمختار فی المقام أنّه إن کان المراد من الأخذ على نحو الکاشفیّة أخذ جامع الکاشف فلا إشکال فی قیام الأمارة مقامه، وإن کان المراد منه أخذ القطع بما أنّه کاشف تامّ فلا إشکال أیضاً فی عدم قیام الأمارة مقامه لأنّ کشف الأمارة کشف ناقص.

هذا تمام الکلام فی قیام الأمارات مقام القطع.

أمّا قیام الاُصول مقامه فلنبدأ فیه ببیان أقسامها فنقول: قد قسّمها بعض الأکابر إلى الاُصول المحرزة وغیر المحرزة، والحقّ أنّ محرزیّة شیء بالنسبة إلى الواقع تنافی کونه من الاُصول العملیّة التی أخذ فی موضوعها الشکّ بالواقع، وعلیه فلا محصّل لهذا التقسیم.

اللهمّ إلاّ أن یقال: أنّه مجرّد اصطلاح لکلّ أصل عملی له نظر إلى الواقع وإن لم یکن کاشفاً ظنّیاً، أو کان کذلک ولکن لم یکن الکشف الظنّی ملاک حجّیته شرعاً.

وکیف کان، قال المحقّق الخراسانی (رحمه الله): «أمّا الاُصول فلا معنى لقیامها مقامه بأدلّتها أیضاً غیر الاستصحاب لوضوح أنّ المراد من قیام المقام ترتیب ما له من الآثار والأحکام من تنجّز التکلیف وغیره کما مرّت إلیه الإشارة وهی لیست إلاّ وظائف مقرّرة للجاهل فی مقام العمل شرعاً أو عقلا، إلى أن قال: ثمّ لا یخفى أنّ دلیل الاستصحاب أیضاً لا یفی بقیامه مقام القطع المأخوذ فی الموضوع مطلقاً».

وحاصل کلامه: أنّ غیر الاستصحاب من الاُصول العملیّة لا یقوم مقام القطع لأنّ لسانها لیس لسان التنزیل وترتیب الآثار بل هی لیست إلاّ مجرّد وظائف عملیة للجاهل، وأمّا الاستصحاب فهو وإن کان لسان أدلّته لسان التنزیل ولها نظر إلى الواقع إلاّ أنّ دلیل الاستصحاب مثل قوله (علیه السلام) «لا تنقض الیقین أبداً بالشکّ» لابدّ أن یکون ناظراً إمّا إلى تنزیل الشکّ فی البقاء منزلة القطع به، أو إلى تنزیل المشکوک منزلة المتیقّن، ولا یعقل أن یکون ناظراً إلى کلا التنزیلین لاستلزامه اجتماع اللحاظین على ما تقدّم منه (قدس سره) فی قیام الأمارات.

أقول یرد علیه:

أوّلا: ما مرّ من أنّ الإشکال فی المقام لیس هو الجمع بین اللحاظین، بل الإشکال أنّ الأدلّة منصرفة عن القطع الموضوعی، فمثل قوله «لا تنقض الیقین» المعنى المستظهر منه هو ترتّب آثار الواقع المتیقّن أی الوضوء مثلا فی مورد هذا الخبر، لا ترتیب آثار القطع.

ثانیاً: ظاهر کلامه هذا أنّ الاُصول لا توجب تنجّز التکلیف لأنّها لیست إلاّ وظائف مقرّرة للجاهل فی مقام العمل مع أنّه لا منافاة بینهما بل إنّها تنجّز التکلیف الواقعی فی صورة الإصابة وإن لم یکن لسانها لسان التنزیل منزلة الواقع.

فظهر ممّا ذکرنا: أنّ الاُصول لا تقوم مقام القطع الموضوعی مطلقاً حتّى إذا فسّر القطع الموضوعی المأخوذ على نحو الکاشفیّة بأخذ جامع الکاشف لأنّه لیس لأصل عملی کاشفیّة وإن کان لسانه لسان التنزیل، وعلیه فلا وجه لما ذهب إلیه فی تهذیب الاُصول من جواز قیام الاستصحاب مقام القطع الموضوعی.


1. الرسائل: ج1، ص6، طبع جماعة المدرّسین.
2. أجود التقریرات: ج2، ص12 ـ 13.

 

البحث الثانی: أخذ القطع موضوعاًبقی هنا شیء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma