أمّا المقام الأوّل: وهو تداخل الأسباب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
الأمر الثالث: فی تداخل الأسباب والمسبّباتالمقام الثانی: فی تداخل المسبّبات

ففیه ثلاثة أقوال:

أوّلها: عدم التداخل إلاّ ما خرج بالدلیل وهذا هو المشهور.

ثانیها: التداخل.

ثالثها: التفصیل بین ما إذا اختلف جنس الشرط وما إذا اتّحد، ففی الأوّل مقتضى القاعدة عدم التداخل، وفی الثانی التداخل.

واستدلّ للقول الأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه لا إشکال فی ظهور القضیّة الشرطیّة فی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، ومقتضى ذلک تعدّد الجزاء بتعدّد الشرط وهو یستلزم اجتماع حکمین متماثلین أو أکثر فی مورد واحد وهو محال کاجتماع الضدّین، وحینئذ لابدّ من التصرّف فی الظهور بأحد الطرق الثلاثة: إمّا بالالتزام بعدم دلالة الجملة الشرطیّة فی حال تعدّد الشرط على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، بل تدلّ على الثبوت عند الثبوت فحسب،

وإن شئت قلت: نرفع الید من تأثیر الشرط الثانی فی حدوث الجزاء، وهذا فی الحقیقة تصرف فی أداة الشرط.

أو بالالتزام بتأثیر الشرط الأوّل فی الوجوب وتأثیر الشرط الثانی فی تأکّد الوجوب فقط، وهو تصرّف فی هیئة الجزاء فی الجملة الثانیة.

أو بالالتزام بکون متعلّق الحکم فی الجزاء حقائق متعدّدة تنطبق على فعل واحد، فماهیّة غسل الجنابة غیر ماهیّة غسل مسّ المیّت کتفاوت ماهیّة صلاة الفریضة بالنسبة إلى ماهیّة صلاة النافلة، وهذا تصرّف فی مادّة الجزاء.

ولا یخفى إنّ هذه الوجوه الثلاثة جمیعها تصرّفات فی الظهور الوضعی، وهیهنا وجه رابع یتصرّف فیه فی إطلاق المادّة والفعل (أی الظهور الإطلاقی) وتقییدها بمرّة اُخرى کی لا یتعلّق الحکم الثانی بعین ما تعلّق به الأوّل فیلزم اجتماع المثلین بل تعلّق الحکم الأوّل بمصداق وتعلّق الحکم الثانی بمصداق آخر.

ولا یخفى أنّ مقتضى الوجه الأوّل والثانی هو تداخل الأسباب، ومقتضى الوجهین الأخیرین تداخل المسبّبات، فوقع البحث فی أنّه ما هو الأولى من هذه الوجوه؟

فالقائلون بعدم التداخل ذهبوا إلى أنّ الأولى هو الوجه الأخیر، واستدلّوا له بأنّ التصرّف فی إطلاق المادّة أهون من الثلاثة الاُول کلّها، من باب أنّ جمیعها تصرّفات فی الظهور ومخالفة لظاهر الکلام بخلاف التصرّف فی إطلاق المادّة فإنّه لیس مخالفة لظهور الإطلاق حیث إنّ الإطلاق إنّما ینعقد بمقدّمات الحکمة التی منها عدم البیان، ولا إشکال فی أنّ ظهور الجملة الشرطیّة فی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط یکون بیاناً لکون المراد من المادّة فی الجزاء الثانی فرداً آخر غیر الفرد الذی وجب بالشرط الأوّل.

ولکن یرد علیه:

أوّلا: أنّ هذا تامّ بناءً على ظهور القضیّة الشرطیّة فی السببیة الفعلیة لا الاقتضائیّة حیث إن السببیة الاقتضائیّة معناها أنّ الشرط مثلا مقتض للجزاء ویؤثّر فیه لولا المانع، وأمّا إذا تحقّق مانع عن تأثیره کأن یکون المحلّ مشغولا بسبب آخر مثله فلا یؤثّر فیه.

وبعبارة اُخرى: المستحیل إنّما هو توارد العلّتین التامّتین على معلول واحد لا توارد المقتضیین، أی العلّتین الناقصتین علیه، ومن المعلوم أنّه لا تدلّ القضیّة الشرطیّة فی ما نحن فیه على أکثر من السببیة بمعنى المقتضی.

ثانیاً: أنّ لازم التقیید بمرّة اُخرى أن یکون أحد الدلیلین ناظراً إلى الدلیل الآخر مع أنّه کما ترى حیث انّه لا یدّعی أحد کون أحد الدلیلین حاکماً على الدلیل الآخر وناظراً إلیه.

اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّه لیس المدّعی التقیید بمرّة اُخرى عند مراد المتکلّم وإنّ هذا القید کان ملحوظاً للمتکلّم ولم یظهره، بل المدّعى کونه مدلولا التزامیاً لتکرار الجزاء عرفاً فهو من قبیل دلالة التنبیه والإشارة.

ثالثاً: أنّه مبنیّ على کون اجتماع الوجوبین من قبیل اجتماع المثلین مع أنّه قد مرّ کراراً إنّ اجتماع المثلین المستحیل یتصوّر فی الاُمور التکوینیّة لا الاعتباریّة، نعم إنّه قبیح على الشارع الحکیم فی الاعتباریات من باب اللغویّة.

فظهر أنّ العمدة فی الجواب عن هذا الدلیل إنّما هو الوجه الأوّل حیث إنّا رفعنا الید عن الوجه الثانی بقولنا «اللهمّ إلاّ أن یقال ...» والوجه الثالث أیضاً تبدّل إلى الإشکال فی کیفیة الاستدلال فینحصر الجواب فی الوجه الأوّل.

الوجه الثانی: أنّ متعلّق الجزاء نفس الماهیّة المهملة فهی بالنسبة إلى الوحدة والتعدّد بلا اقتضاء، بخلاف أداة الشرط فإنّها ظاهرة فی السببیة المطلقة، والتعدّد فیها یقتضی التعدّد فی الجزاء، أی تعدّد السبب یوجب تعدّد المسبّب من باب أنّه لا تعارض بین الاقتضاء واللااقتضاء.

والجواب عنه أنّه فی الواقع عبارة اُخرى عن الوجه الأوّل، وإجمال لذلک التفصیل، حیث إنّه أیضاً ناش من قبول ظهور القضیّة الشرطیّة فی الحدوث عند الحدوث والسببیة الفعلیة، فیرد علیه نفس ما أوردناه على ذلک الوجه.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق الهمدانی(رحمه الله) فی مصباحه کالوجه الرابع (على ما نقله عنه فی تهذیب الاُصول)(1)، وحاصله: إنّ مقتضى القواعد اللفظیة سببیة کلّ شرط للجزاء مستقلا، ومقتضاه تعدّد اشتغال الذمّة بفعل الجزاء، ولا یعقل تعدّد الاشتغال إلاّ مع تعدّد المشتغل به فإنّ السبب الأوّل سبب تامّ فی اشتغال ذمّة المکلّف بإیجاد الجزاء، والسبب الثانی إن أثّر ثانیاً وجب أن یکون أثره اشتغالا آخر، لأنّ تأثیر المتأخّر فی المتقدّم غیر معقول، وتعدّد الاشتغال مع وحدة الفعل المشتغل به ذاتاً ووجوداً غیر معقول، وإن لم یؤثّر یجب أن یستند إمّا إلى فقد المقتضی أو وجود المانع، والکلّ منتف لأنّ ظاهر القضیّة الشرطیّة سببیة الشرط مطلقاً، والمحلّ قابل للتأثیر، والمکلّف قادر على الامتثال فأی مانع من التنجّز؟ (انتهى، وسیأتی الجواب عنه).

الوجه الرابع: أنّه لیس حال الأسباب الشرعیّة إلاّ کالأسباب العقلیّة، فکما أنّه یجب تحقّق الطبیعة فی ضمن فردین على تقدیر تکرّر علّة وجودها وقابلیتها للتکرار، فکذا یتعدّد اشتغال الذمّة بتعدّد أسبابه.

أقول: إنّ هذین الوجهین أیضاً یرجعان عند التأمّل إلى قبول ظهور القضیّة الشرطیّة فی الحدوث عند الحدوث فعلا لا اقتضاءً، فالجواب هو الجواب، ولا حاجة إلى تکراره.

إلى هنا ثبت عدم تمام وجه من الوجوه الأربعة التی استدلّ بها على عدم التداخل.

وهیهنا وجهان آخران:

أحدهما: ما أفاده المحقّق النائینی (رحمه الله) واستحسنه فی المحاضرات(2) بقوله: «ولشیخنا الاُستاذ(قدس سره) فی المقام کلام وهو فی غایة الصحّة والجودة»، وهو یتمّ ببیان أمرین حاصلهما: أنّ القضیّة الشرطیّة ظاهرة فی الانحلال وتعدّد الطلب لأنّها ترجع إلى القضیّة الحقیقة، ولا إشکال فی أنّ الحکم فی القضیّة الحقیقة ینحلّ بانحلال موضوعه إلى أحکام متعدّدة، هذا أوّلا.

وثانیاً: أنّ مقتضى تعدّد القضیّة الشرطیّة فی نفسها تعدّد الطلب أیضاً لأنّ تعلّق الطلب بشیء لا یقتضی إلاّ إیجاد ذلک الشیء خارجاً ونقض عدمه المطلق، وإذا فرض تعلّق طلبین بماهیّة واحدة کان مقتضى کلّ منهما إیجاد تلک الماهیّة فیکون المطلوب فی الحقیقة هو إیجادها ونقض عدمها مرّتین کما هو الحال فی تعلّق إرادتین تکوینیتین بماهیّة واحدة، فإذا فرض ظهور القضیّة الشرطیّة فی الانحلال وتعدّد الطلب، أو فرض تعدّد القضیّة الشرطیّة فی نفسها کان ظهور القضیّة فی تعدّد الحکم لکونه لفظیّاً مقدّماً على ظهور الجزاء فی وحدة الطلب لو سلّمنا ظهوره فیها ویکون مقتضى القاعدة عدم التداخل(3).

أقول: یرد علیه أنّ روح کلامه هذا یرجع فی الحقیقة إلى ما مرّ کراراً من أنّ لموضوع الحکم نوع علّیة للحکم، فیقع النزاع فی أنّ هذه العلّیة هل هی فعلیّة أو اقتضائیّة، وقد اخترنا أنّها ظاهرة فی الاقتضاء، ولا أقلّ من عدم ظهورها فی الفعلیّة أو الشکّ فیها فتصل النوبة إلى الأصل العملی، ولا یخفى أنّه بالنسبة إلى تداخل الأسباب (الذی هو مورد النزاع فی المقام) هو البراءة عن الزائد على الواحد، ونتیجتها التداخل کما لا یخفى.

ثانیهما: ما نسب إلى العلاّمة(رحمه الله) فی المختلف، وحاصله إنّه إذا تعاقب السببان أو إقترنا فإمّا أن یقتضیا مسبّبین مستقلّین أو مسبّباً واحداً، أو لا یقتضیان شیئاً أو یقتضی أحدهما دون الآخر، والثلاثة الأخیرة باطلة فیتعیّن الأوّل، ومقتضاه عدم التداخل.

ویرد علیه: أنّ روح هذا الوجه أیضاً یعود إلى ما سبق من کون السبب سبباً فعلیّاً فالجواب هو الجواب.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ الصور رباعیّة فیما إذا تحقّق الشرطان فی زمانین مختلفین، وإمّا إذا تحقّقا فی آن واحد ففیه احتمال خامس غیر ما ذکر، وهو أن یکون المؤثّر والسبب الحقیقی هو القدر الجامع بین السببین، وهو صرف الوجود من الشرط الذی قد یتحقّق ضمن مصداق واحد، وقد یتحقّق ضمن المصادیق المتعدّدة التی تحقّقت فی الخارج فی آن واحد، ولا یخفى أنّ لازمه أیضاً التداخل.

هذا کلّه فی الوجوه التی استدلّ بها على عدم التداخل.

وقد ظهر ممّا ذکرنا إلى هنا ما یثبت به المختار (أی القول بالتداخل) وهو أنّه لا شکّ فی ظهور القضیّة الشرطیّة فی الحدوث عند الحدوث، فإن قلنا بکونه فی حدّ الاقتضاء، أی القضیّة الشرطیّة ظاهرة فی اقتضاء الشرط حدوث الجزاء إذا لم یکن هناک مانع، ولم یکن المحلّ مشغولا بالمثل فهو المطلوب والمختار، وتکون النتیجة التداخل، وإن قلنا بأنّها ظاهرة فی الفعلیّة، أی فی علّیة الشرط لحدوث الجزاء فعلا فنقول: إنّه یعارض ظهور الجزاء فی الوحدة فیتساقطان، وتصل النوبة إلى الاُصول العملیّة، والأصل الجاری فی المقام إنّما هو البراءة عن الزائد على الواحد کما لا یخفى.

اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث أقوى من ظهور الجزاء فی الوحدة فیقدّم علیه، والنتیجة حینئذ بناءً على کون العلّیة فعلیّة عدم التداخل، ولکن الإنصاف أنّها ظاهرة فی الاقتضاء.

تنبیهات

التنبیه الأوّل: فی المحکی عن فخر المحقّقین (رحمه الله)، فقد حکی عنه إنّه جعل المسألة مبتنیة على أنّ الأسباب الشرعیّة هل هی معرفات وکواشف عمّا هو المؤثّر واقعاً أو هی بنفسها مؤثّرات وعلل، فعلى الأوّل یکون مقتضى القاعدة التداخل، وعلى الثانی عدم التداخل.

ویرد علیه:

أوّلا: أنّا لا نوافقه على المبنى فإنّ علل الشرائع لیست مؤثّرات ولا معرفات بل إنّها مقتضیات کما مرّ.

ثانیاً: ولا نوافقه على البناء أیضاً، فإنّ تعدّد الشرط لا یوجب تعدّد الجزاء ولو کانت العلل مؤثّرات.

وتوضیح الإیرادین: أنّه یتصوّر فی الأحکام سواء کانت شرعیّة أو غیرها ثلاثة عناصر:

أحدها: سبب الحکم وعلّته، وهو إرادة الجاعل، لأنّ حقیقة الکم هی الاعتبار، والاعتبار بید المعتبر، ویتحقّق بإرادته.

ثانیها: الداعی إلى الحکم، وهو المصلحة أو المفسدة التی تترتّب على متعلّق الحکم.

ثالثها: موضوع الحکم.

لا إشکال فی أنّ علل الشرائع وما یجعل بعنوان الشرط فی القضیّة إنّما یکون فی الواقع وعند الدقّة بمنزلة قیود الموضوع لا من العلّة ولا من الداعی، فالجنابة مثلا فی قولک «إذا أجنبت فاغتسل» بمنزلة قید لموضوع وجوب الغسل، وهکذا الاستطاعة فی قولک «إن استطعت فحجّ» فإنّها بمنزلة قید لموضوع وجوب الحجّ کما لا یخفى.

وعلى هذا فلیست القضایا الشرطیّة الواردة فی لسان الأدلّة مؤثّرات ولا معرفات، والظاهر أنّ فخر المحقّقین(رحمه الله) قاس العلل الشرعیّة بالعلل التکوینیّة، وهو قیاس مع الفارق حیث إنّ علّة الحکم الاعتباری هو إرادة المعتبر لا غیر.

وبما ذکرنا یظهر ضعف ما أفاده المحقّق الخراسانی (رحمه الله) من أنّ حال الأسباب الشرعیّة حال أسباب الأحکام العرفیّة فی أنّها معرفات تارةً مؤثّرات اُخرى فتدبّر.

نعم هیهنا نوع آخر من التعلیل فی لسان الشارع لا یؤتى به على نهج القضیّة الشرطیّة، بل إنّما یؤتى به بلام العلّة، نحو «لا تشرب الخمر لأنّه مسکر» فإنّ العلّة فی هذا القسم مع رجوعه إلى قیود الموضوع أیضاً یمکن أن تکون إشارة إلى المصالح والمفاسد الترتّبة على متعلّق الحکم، ولکنّه أیضاً لا ربط له بقضیّة المؤثّرات أو المعرفات لما عرفت من أنّ المؤثّر هو إرادة المولى.

هذا کلّه بالنسبة إلى ما أوردناه على المبنى، وأمّا ما أوردناه على البناء فتوضیحه إنّا سلّمنا ظهور الأسباب والشرائط فی کونها مؤثّرات وفی الحدوث عند الحدوث، ولکنّه ـ کما مرّ ـ یعارض ظهور الجزاء فی الوحدة، فیجب ملاحظة أقوى الظهورین فی صورة إقوائیّة أحدهما ثمّ الرجوع إلى الاُصول العملیّة على فرض تساویهما وتساقطهما بعد التعارض فتأمّل.

التنبیه الثانی: ما أفاده فی تهذیب الاُصول فإنّه بعد نقل ما مرّ من کلام العلاّمة(رحمه الله) فی المختلف وذکر ما أفاده الشیخ الأعظم(رحمه الله) فی ذیل کلام العلاّمة(رحمه الله) من أنّ الاستدلال المذکور ینحلّ فی مقدّمات ثلاث (إحداها دعوى تأثیر السبب الثانی بمعنى کون کلّ واحد من الشرطین مؤثّراً فی الجزاء، ثانیتها أنّ أثر کلّ شرط غیر أثر الآخر، وثالثتها أنّ ظاهر التأثیر هو تعدّد الوجود لا تأکّد المطلوب) وذکر ما ذکر فی توجیه المقدّمة الاُولى ـ قال ما إلیک نصّ کلامه: «الإنصاف أنّ أصحاب القول بعدم التداخل وإن کان مقالتهم حقّة إلاّ أنّ ذلک لا یصحّ إثباته بالقواعد الصناعیّة، ولا بدّ من التمسّک بأمر آخر، وقد نبّه بذلک المحقّق الخراسانی(رحمه الله) فی هامش کفایته، وهو أنّ العرف لا یشکّ بعد الاطّلاع على تعدّد القضیّة الشرطیّة فی إنّ ظهور کلّ قضیّة هو وجوب فرد غیر ما وجب فی الاُخرى کما إذا اتّصلت القضایا، وکانت فی کلام واحد، ولعلّ منشأ فهم العرف وعلّة استیناسه هو ملاحظة العلل الخارجیّة، إذ العلل الخارجیّة بمرأى ومسمع منه حیث یرى أنّ کلّ علّة إنّما تؤثّر فی غیر ما أثّر فیه الآخر، وهذه المشاهدات الخارجیّة ربّما تورث له إرتکازاً وفطرة، فإذا خوطب بخطابین ظاهرهما کون الموضوع فیه من قبیل العلل والأسباب فلا محالة ینتقل منه إلى أنّ کلّ واحد یقتضی مسبّباً غیر ما یقتضیه الآخر ... هذا کلّه راجع إلى المقدّمة الاُلوى أعنی فرض استقلال کلّ شرط فی التأثیر، ولکنّها وحدها لا تفید شیئاً بل لابدّ من إثبات المقدّمة الثانیة، وهی أنّ أثر الثانی غیر أثر الأوّل، ولقائل أن یمنع هذه المقدّمة لأنّ غایة ما تلزم من الاُولى من استقلالهما فی التأثیر هی إنّ الوجوب الآتی من قبل النوم غیر الآتی من قبل الآخر، وذلک لا یوجب إلاّ تعدّد الوجوب لا تعدّد الواجب، بل یمکن أن یستکشف من وحدة المتعلّق کون ثانیهما تأکیداً للأوّل ولا یوجب التأکید استعمال اللفظ فی غیر معناه لأنّ معناه وضع الأمر للوجوب هو وضعها لإیجاد بعث ناش من الإرادة الحتمیة، والأوامر التأکیدیّة مستعملة کذلک ... نعم حمل الأمر على التأکید یوجب ارتفاع التأسیس، وهو خلاف ظاهر الأمر، لکنّه ظهور لا یعارض إطلاق المادّة والشرطیّة، فإذا دار الأمر بین رفع الید عن أحد الإطلاقین ورفع الید عن التأسیس لا ریب فی أولویّة الثانی ...»(4).

أقول: العمدة فی کلامه الفقرة الا خیرة منه حیث ینبغی أن نلاحظها ونبحث فیها ـ وهی «إنّ ظهور إطلاق المادّة مقدّم على ظهور الهیئة فی التأسیس» وهی محالا یمکن المساعدة علیه، لأنّ الظهور اللفظی یمنع من انعقاد الإطلاق فإنّ من مقدّماته عدم البیان، والظهور اللفظی یعدّ بیاناً، وحینئذ یقدّم الظهور فی التأسیس على إطلاق المادّة، وعلیه تثبت المقدّمة الثانیة أیضاً فیثبت المطلوب، وهو عدم التداخل.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ کلامه أیضاً مبنی على ظهور القضیّة الشرطیّة فی التأثیر الفعلی وقد مرّ کراراً المناقشة فیه، کما مرّ أیضاً إنّه لو فرضنا ظهورها فی التأثیر الفعلی فهو یعارض مع ظهور الجزاء فی الوحدة فیتساقطان، والنتیجة حینئذ إجمال القضیتین معاً فتصل النوبة حینئذ إلى الأصل العملی، وهو فی المقام یقتضی نتیجة التداخل کما مرّ فتأمّل.

التنبیه الثالث: قد یفصّل فی المسألة بین ما إذا کان الشرطان مختلفین بحسب الجنس وما إذا کانا من جنس واحد، ویقال بالتداخل فی الثانی دون الأوّل.

ولکن الجواب عنه واضح فالنکتة الأصلیة فی التداخل وعدمه هی أنّ الجملة الشرطیّة ظاهرة فی الحدوث عند الحدوث أو فی الثبوت عند الثبوت، ولا إشکال فی أنّه لا فرق فی هذه الجهة بین ما إذا اختلف الشرطان فی الجنس أو إتّحدا.

وأجاب عنه المحقّق الخراسانی(رحمه الله) بأنّ الأجناس المختلفة لابدّ من رجوعها إلى واحد، فیما جعلت شروطاً وأسباباً لواحد، لما مرّت إلیه الإشارة من أنّ الأشیاء المختلفة بما هی مختلفة لا تکون أسباباً لواحد (من باب قاعدة الواحد).

أقول: قد مرّت الإشارة أیضاً إلى أنّه لا مجال لقاعدة الواحد فی الاُمور الاعتباریّة غیر البسیطة.

هذا کلّه فی تداخل الأسباب.


1. تهذیب الاُصول: ج1، ص441 ـ 442، طبعة جماعة المدرّسین.
2. المحاضرات: ج5، ص118.
3. راجع أجود التقریرات: ج1، ص429 ـ 430.
4. تهذیب الاُصول: ج1، ص443 ـ 445، طبع جماعة المدرسین.

 

الأمر الثالث: فی تداخل الأسباب والمسبّباتالمقام الثانی: فی تداخل المسبّبات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma