2 ـ الکلام فی مفهوم الوصف

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
المقام الثانی: فی تداخل المسبّبات3 ـ الکلام فی مفهوم الغایة

ولابدّ فیه من تنقیح محلّ النزاع قبل الخوض فی أصل المسألة.

فنقول: قال المحقّق النائینی (رحمه الله): «إنّ محلّ الکلام فی المقام هو الوصف المعتمد على موصوفه، وامّا غیر المعتمد علیه فلا إشکال فی عدم دلالته على المفهوم، فهو حینئذ خارج عن محلّ النزاع، إذ لو کان الوصف على إطلاقه ولو کان غیر معتمد على الموصوف محلا للنزاع لدخلت الجوامد فی محلّ النزاع أیضاً ... إلى أن قال:

بل یمکن أن یقال: إنّ کون المبدأ الجوهری مناطاً للحکم بحیث یرتفع الحکم عند عدمه أولى من کون المبدأ العرضی مناطاً له، فهو أولى بالدلالة على المفهوم من الوصف غیر المعتمد»(1).

فحاصل کلامه أنّ الوصف غیر المعتمد خارج عن محلّ النزاع لأنّه کاللقب، بل اللقب أولى منه من هذه الجهة لأنّه حاک عن الذات، بینما الوصف غیر المعتمد یحکی عن الصفة، وکون الذات مناطاً للحکم بحیث ینتفی بانتفائها أولى من کون الوصف (الذی یکون مبدأً عرضیاً للحکم) مناطاً له.

ولکن الإنصاف أنّ محلّ النزاع أعمّ کما صرّح به فی تهذیب الاُصول(2)، والشاهد على ذلک أنّ المثبت للمفهوم قد یتمسّک بأمثلة تکون من مصادیق الوصف غیر المعتمد من دون أن یعترض علیه النافی للمفهوم بأنّها خارجة عن محلّ الکلام، نظیر التمسّک بفهم أبی عبیدة فی قوله(صلى الله علیه وآله) «مطل الغنی ظلم»(3) وقوله (صلى الله علیه وآله): «لیّ الواجد بالدین یحلّ عقوبته وعرضه»(4) ونظیر التمسّک بقوله تعالى: (إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَیَّنُوا) » هذا ـ مضافاً إلى أنّه لا یجری بناءً على مبنى القائلین باشتمال المشتقّ على الذات حیث إنّه حینئذ لا فرق بین القسمین فی الاعتماد على الذات.

وکیف کان ـ فقد استدلّ القائل بعدم المفهوم (مع أنّه على المنکر إقامة الدلیل) بوجهین:

الوجه الأوّل: إنّ دلالة الوصف على المفهوم امّا بالوضع أو بالقرینة العامّة، وکلاهما ممنوعان، إمّا الوضع فلأنّه لو کان الوصف دالا على المفهوم بالوضع لکان استعماله فی غیره مجازاً، وهو ممنوع.

وأمّا القرینة العامّة فلأنّها لا تخلو من أن تکون واحدة من الثلاثة: لزوم اللغویّة، کون الوصف مطلقاً مع أنّ المتکلّم فی مقام البیان، وکونه مشعراً بالعلّیة المنحصرة.

أمّا لزوم اللغویّة فالجواب عنه إنّ اللغویّة إنّما تلزم فیما إذا انحصرت فائدة الوصف فی المفهوم مع أنّه قد یترتّب علیه فوائد کثیرة اُخرى فقد یؤتى به لإبراز شدّة الإهتمام بمورد الوصف، مثل قوله: «إیّاک وظلم الیتیم»، أو «إیّاک وغیبة العلماء» أو لدفع توهّم عدم شمول الحکم لمورد الوصف کما فی قوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاَق) (هذا شبیه الوصف) أو لعدم حاجة السامع إلى ما سوى مورد الوصف کقولک لمن لا یجد غیر ماء البئر: ماء البئر طاهر مطهّر، أو لغیر ذلک من اُمور اُخر کعلم المخاطب بحکم غیر مورد الوصف أو توضیح ما اُرید بالموصوف والکشف عنه أو غیر ذلک.

وأمّا الإطلاق (والمقصود منه إنّه لو کان للوصف عدیل أو جزء آخر لذکره المتکلّم لکونه فی مقام البیان فإطلاقه دالّ على أنّه لا عدیل له، کما أنّه دالّ على کونه تمام الموضوع للحکم).

فیرد علیه: أنّ هذا الإطلاق ـ الذی یکون إطلاقاً مقامیّاً على فرض وجوده، أی على فرض کون المتکلّم بصدد بیان العلّة المنحصرة أو الموضوع المنحصر للحکم ـ لا یختصّ فی دلالته على المفهوم بباب الوصف بل إنّه یجری فی اللقب أیضاً، وحینئذ تکون الدلالة على المفهوم مستندة إلى وجود القرینة لا إلى الوصف وإلاّ لکانت الدلالة مختصّة بالوصف فحسب.

وأمّا إشعار الوصف بالعلّیة المنحصرة فالجواب عنه: إنّ إشعار الوصف بها وإن کان مسلّماً، إلاّ أنّه لا یفید فی الدلالة على المفهوم ما لم یصل إلى حدّ الظهور.

هذا کلّه هو الوجه الأوّل لمنکری مفهوم الوصف، وهو وجه تامّ إلاّ من ناحیة حصرهم القرائن العامّة فی الثلاثة المزبورة فانّه ممّا لا دلیل علیه عقلا.

الوج الثانی: ما أفاده المحقّق النائینی (رحمه الله) (ووافقه على ذلک فی هامش أجود التقریرات وصرّح بأنّه متین) وحاصله: إنّ القیود الواردة فی الکلام تارةً ترجع إلى المفهوم الإفرادی (الموضوع أو المتعلّق) واُخرى إلى الجملة الترکیبیة بحیث یکون القید قیداً للمادّة المنتسبة (الحکم)، وملاک الدلالة على المفهوم هو أن یکون القید راجعاً إلى الحکم، أی إلى المادّة المنتسبة لیترتّب علیه ارتفاع الحکم عند ارتفاع قیده، إذ لو کان الحکم ثابتاً عند عدم القید أیضاً لما کان الحکم مقیّداً به بالضرورة، ففرض تقیید الحکم بشیء یستلزم فرض انتفائه بانتفائه، وأمّا إذا کان القید راجعاً إلى المفهومی الإفرادی والموضوع، فغایة ما یترتّب على التقیید هو ثبوت الحکم على المقیّد، ومن الضروری أنّ ثبوت شیء لشیء لا یستلزم نفیه عن غیره، وإلاّ لکان کلّ قضیّة مشتملة على ثبوت حکم على شیء دالة على المفهوم وذلک واضح البطلان، وبما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الإفرادیّة یکون الأصل فیها عدم الدلالة على المفهوم کما هو الحال فی اللقب عین(5).

أقول: الإنصاف أنّ ما أفاده إنّما هو أحد طرق إثبات المفهوم، فإنّه ربّما یستفاد من ناحیة إحترازیّة القیود مع رجوعها إلى الموضوع والمفهوم الإفرادی على تعبیره، بل قد لا یکون للکلام مفهوم وان رجع القید إلى الحکم والمفهوم الترکیبی إذا کان المقصود من أخذه فی الکلام أمراً آخر غیر الانتفاء عند الانتفاء کأن یؤتى به لکون مورده محلا لابتلاء المخاطب مثلا.

فظهر إلى هنا عدم تمام کلا الوجهین لإثبات عدم المفهوم فالأولى لمنکره الاکتفاء بما هو مقتضى القاعدة وطلب البرهان من مدّعیه.

فنقول: استدلّ المثبتون بوجوه اُشیر إلى بعضها ضمن بیان أدلّة المنکرین (منها اللغویّة لولا المفهوم، والإطلاق وإشعاره بالعلّیة) وبقى غیرها:

فمنها: أنّ الأصل فی القیود أن تکون إحترازیّة وذلک ببیانین:

أحدهما: أنّ معنى کون شیء قیداً لموضوع حکم هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّق الحکم بها إلاّ بعد تقیّده بهذا القید واتّصافه بهذا الوصف، فیکون القید أو الوصف حینئذ متمّماً لقابلیة القابل، وهو فی الحقیقة عبارة اُخرى عن معنى الاشتراط، فترجع القضیّة إلى القضیّة الشرطیّة لبّاً، وبما الظاهر دخل هذا القید بخصوصه وبعنوانه الخاصّ (إذ لازم دخل قید آخر أن تکون العلّة والشرط هو الجامع بین الشرطین لأنّ الواحد لا یصدر إلاّ من الواحد، وهو خلاف الظاهر) فلا محالة ینتفی سنخ الحکم بانتفائه وهو معنى المفهوم.

ولکن یرد علیه:

أوّلا إنّه مبنی على قبول قاعدة الواحد، وقد مرّ عدم جریانها فی الاُمور الاعتباریّة أصلا وعکساً.

وثانیاً: إنّ علّة الأحکام إنّما هی إرادة المولى لا غیر کما مرّ مراراً.

ثانیهما: أنّ للإنسان فی بیان مقاصده وما لیس مقصوداً له طریقین: فإنّه تارةً یصرّح باسم المقصود ویجعله بعنوان موضوعاً لحکمه، وهذا یتصوّر فیما إذا کان للمقصود اسم خاصّ، واُخرى لا یکون له اسم خاصّ فیتمسّک بذیل القیود والأوصاف فیذکر مقصوده أوّلا بنحو کلّی ثمّ یقیّده بقید بعد قید حتّى یبیّن مراده بتمامه ویخرج ما لیس بمقصوده، ففلسفة القیود حینئذ هو بیان المقصود وإخراج ما لیس بمقصود، وهذا معنى إحترازیّة القیود، ولازمها الانتفاء عند الانتفاء وهو المراد من المفهوم.

ولکن یمکن الجواب عنه أیضاً بأنّ غایة ما یقتضیه هذا البیان وما سبقه هو ظهور القید فی أنّه دخیل فی موضوع الحکم ومقصوده، وأنّ الحکم غیر ثابت ومقصوده غیر حاصل إلاّ مقیّداً بهذا القید لا مطلقاً، ولا یقتضی نفی الحکم عن حصّة اُخرى من ذات الموضوع ولو بملاک آخر وبقید آخر، وبعبارة اُخرى: مجرّد أخذ القید فی العنوان لا یکون دلیلا على کونه إحترازیّاً، نعم لو علمنا من القرائن الحالیّة أو الکلامیّة کون المتکلّم بصدد الإحتراز کان للقیود مفهوم حتّى للألقاب.

ومنها: فهم أهل اللسان ـ ولعلّه أحسنها ـ فإنّ أهل اللسان یفهمون من الوصف المفهوم فی موارد مختلفة کما فهم أبو عبیدة فیما رواه عن رسول الله (صلى الله علیه وآله)«لیّ الواجد بالدین یحلّ عرضه وعقوبته»(6) أنّ لیّ الفقیر لا یحلّ عرضه وعقوبته، نعم الإشکال فی سنده لمکان هارون بن عمرو والمجاشعیّ فی طریق الشیخ (رحمه الله)على ما نقله صاحب الوسائل عن مجالسه.

ومن هذه الموارد قوله تعالى: (وَرَبَائِبُکُمْ اللاَّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسَائِکُمْ اللاَّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ)(7) فالکثیر من الاُصولیین والمفسّرین یعتذرون عن أخذ المفهوم فیها بأنّ قید «فی حجورکم» من القیود الغالبیّة، ولذا لا مفهوم له، فإنّ اعتذارهم هذا دالّ على کون المفهوم فی مثل هذه الموارد أمراً وجدانیاً وإرتکازیّاً لهم، إنّما المانع هو کون القید غالبیّاً، کما أنّ وصف «دخلتم بهنّ» الوارد فی صدر الآیة یدلّ على المفهوم وهو قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْکُمْ) الوارد فی ذیلها، فإنّ ترتّب هذا الذیل على ذلک الصدر بفاء التفریع یشهد على أنّه لو لم یصرّح به لکنّا نفهمه من نفس الوصف الوارد فی الصدر.

ومن هذه الموارد قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِی لاَ یَرْجُونَ نِکَاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیَابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجَات بِزِینَة)(8) فإنّ وصفی «لا یرجون نکاحاً» و «غیر متبرّجات» یدلاّن على أنّ القواعد اللاتی یرجون نکاحاً أو یتبرّجنّ بزینة فعلیهنّ جناح أن یضعن ثیابهنّ کما أفتى به الفقهاء فحکموا بحرمة وضعهنّ ثیابهنّ.

وکیف کان، فقد فهم أهل اللسان من هذه الموارد ونظائرها المفهوم، وهو یدلّ على دلالة الوصف على المفهوم.

نعم یمکن أن یقال: إنّ فهم المفهوم فی هذه الموارد إنّما هو لوجود قرینة مقامیّة، وهی کون المتکلّم فی مقام الإحتراز عمّا لیس داخلا فی الحکم، ومحلّ النزاع هو صورة فقد القرینة، فتأمّل.

ومنها: «إنّ القضیّة الوصفیة لو لم تدلّ على المفهوم وانحصار التکلیف بما فیه الوصف لم یکن موجب لحمل المطلق على المقیّد، حیث إنّ النکتة فی هذا الحمل هی دلالة المقیّد على انحصار التکلیف به وعدم ثبوته لغیره»(9).

ولکن یمکن الجواب عنه:

أوّلا: بأنّ هذا إنّما یتصوّر فی ما إذا کان المطلق والمقیّد مثبتین وعلمنا بوحدة المطلوب کما فی قولک: «إن ظاهرت فاعتق رقبة» و «إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة»، وأمّا إذا کان أحدهما مثبتاً والآخر نافیاً کما فی قوله تعالى: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ) وقوله (علیه السلام): «نهى النبی عن بیع الغرر» فالمقیّد حینئذ هو نفس المنطوق وهو فی المثال منطوق قوله (علیه السلام) «نهى النبی عن بیع الغرر» لا مفهومه کما لا یخفى.

وثانیاً: نقول فی المثبتین أیضاً: إنّ المفهوم فیهما إنّما هو لأجل قرینیة وحدة الحکم التی تستکشف من وحدة الشرط (وهو «إن ظاهرت» فی المثال) وإلاّ لو لم یکن الشرط واحداً ولم تعلم وحدة الحکم کما فی قولک: «أکرم العلماء» و «أکرم العلماء العدول» فلا مفهوم للجملة الثانیة، ولذلک لا تقیّد الاُولى بالثانیة بل إنّهما من قبیل تعدّد المطلوب کما صرّح به القوم فی محلّه، بل تصریحهم هذا دلیل على عدم المفهوم فی باب المطلق والمقیّد، وعلى أنّ فهم المفهوم فی مثال «إن ظاهرت» إنّما هو من باب وجود القرینة.

فظهر ممّا ذکرنا کلّه عدم تمامیّة وجه من الوجوه التی استدلّوا بها على المفهوم، ولکن مع ذلک کلّه یستفاد من الوجه الثانی دلالة الوصف على المفهوم غالباً لکون القید إحترازیّاً فی الغالب، فلا بدّ حینئذ من ملاحظة المقامات والمناسبات، وأنّ خصوصیّة المقام هل تکون قرینة على کون القید إحترازیّاً أو لا؟

بقی هنا اُمور

الأمر الأوّل: فیما أفاده المحقّق النائینی(رحمه الله) فی المقام من أنّ دلالة القضیّة على المفهوم ترتکز على أن یکون القید فیها راجعاً إلى الحکم دون الموضوع فإن رجع إلى الحکم فلها مفهوم وإلاّ فلا، وقد مرّ تفصیل بیانه فی الوجه الثانی من الوجهین اللذین استدلّ بهما منکروا المفهوم فی المقام، وأجبنا عنه هناک، ونقول هنا أیضاً:

الإنصاف أنّ القیود بأسرها قیود للحکم وراجعة إلى الحکم إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة، حتّى فی مثل قولنا: «فی الغنم السائمة زکاة» یکون وصف «السائمة» قیداً للموضوع (وهو الغنم) بلحاظ الحکم لأنّ الموضوع المفرد من دون تعلّق حکم علیه لا معنى لتقییده بقید، هذا أوّلا.

وثانیاً: لیس رجوع القید إلى الحکم تمام الملاک للدلالة على المفهوم (کما مرّ بیانه) لأنّ لتقییده دواعیاً مختلفة لا تنحصر فی نفی الحکم عن الغیر کأن یکون مورد الوصف محلا لابتلاء المتکلّم فعلا ونحوه.

الأمر الثانی: أنّ الأوصاف الغالبیّة لیس لها مفهوم حتّى بناءً على القول بمفهوم الوصف، نظیر وصف «فی حجورکم» فی قوله تعالى: (وَرَبَائِبُکُمْ اللاَّتِی فِی حُجُورِکُمْ)فإنّه قید غالبی ورد فی الآیة (بلحاظ أنّ الغالب فی النساء اللاتی یردن النکاح أن تکون ربائبهنّ فی حجورهنّ ومصاحبة معهنّ، لصغر سنّهن ولم یأت وقت نکاحهنّ حتّى یحصل الفراق بینهنّ وبین اُمّهاتهنّ، ولو کنّ مستعدّات للنکاح کانت اُمّهاتهنّ خارجات عن هذا الاستعداد) والقیود الغالبیّة قیود توضیحیة تصدر من المتکلّم من باب التوضیح والتفسیر، فلا تلزم لغویّة الوصف إن قلنا بعدم دلالتها على المفهوم، ولا تجری فیها قاعدة إحترازیّة القیود.

نعم القید الوارد فی الآیة ـ مضافاً إلى صدوره لأجل التوضیح ـ توجد فیه نکتة اُخرى، وهی الإشارة إلى أنّ حکمة حرمة نکاح الربائب تربیتهنّ ونشوئهنّ فی حجورکم، فلا ینبغی أن یتزوّج الرجل بمن عاشت وکبرت فی حجره وکانت بمنزلة بناته فی الواقع.

ولکن مع ذلک فهذه النکتة جاریة فی غالب موارد جعل الحکم بحرمة النکاح بنحو العموم، فیعمّ الربائب اللاتی لَسْنَ فی حجورهم فتکون من قبیل الحکمة لا العلّة.

الأمر الثالث: إنّ الوصف تارةً یکون مساویاً لموصوفه کقولنا: «أکرم إنساناً ضاحکاً» واُخرى یکون أعمّ منه مطلقاً کقولنا: «أکرم إنساناً ماشیاً» وثالثة یکون أخصّ منه کذلک، کقولنا: «أضف إنساناً عالماً» ورابعة یکون أعمّ منه من وجه کقوله (علیه السلام): «فی الغنم السائمة زکاة».

ولا إشکال فی خروج الأوّل والثانی عن محلّ البحث لأنّ الوصف فیهما لا یوجب تقییداً للموصوف حتّى یکون له دلالة على المفهوم کما لا یخفى.

وأمّا الثالث فلا إشکال فی دخوله فی محلّ الکلام لأنّ انتفائه لا یوجب انتفاء الموصوف بل الموصوف باق على حاله فیبحث حینئذ فی انتفاء الحکم عنه بانتفاء وصفه وعدمه.

وأمّا الرابع فهو أیضاً داخل فی محلّ النزاع، إلاّ أنّه یدلّ على المفهوم (على القول به) بالنسبة إلى خصوص ذات الموضوع المذکور فی القضیّة، ففی المثال المزبور یدلّ على أنّه لا زکاة فی الغنم المعلومة، أمّا بالنسبة إلى غیر هذا الموضوع فلا یدلّ على انتفاء الحکم عنه، فلا یدلّ على انتفاء الزّکاة فی البقر المعلوفة مثلا کما نسب إلى بعض الشافعیّة، إلاّ أن یقال: إنّ المستفاد من الحدیث إنّ السوم علّة منحصرة للزکاة بالنسبة إلى جمیع الحیوانات، وذکر الغنم إنّما یکون بعنوان المثال، لکن أنّى لنا بإثبات ذلک.

ثمّ إنّه تنبغی الإشارة هنا إلى نکتة فقهیّة، وهی أنّ الملاک فی زکاة الغنم لیس هو خصوص کونها سائمة کما هو المعروف، بل المستفاد من الأخبار أنّ المعیار عدم کونها من العوامل، وأمّا ذکر وصف السائمة فی بعض الرّوایات فإنّه للملازمة الخارجیّة العرفیّة بینها وبین عدم کونها من العوامل فی عرف ذلک الزمان، فکونها سائمة من اللوازم القهریّة لعدم کونها عوامل، لعدم الداعی حینئذ عادةً على إبقائها فی بیوتها بل إنّها تسرح فی مرجها وتسام إذا ساعدت الظروف، وقد ذکرنا فی تعلیقتنا على العروة مؤیّدات عدیدة لذلک فراجع(10).

الأمر الرابع: إنّ المراد من الوصف فی ما نحن فیه أعمّ من الوصف الاُصولی والوصف النحوی، فهو عبارة عن کلّ ما صار قیداً للحکم فی الکلام، فیعمّ الحال إذا صار قیداً للحکم کقولک: «من جاءک ذاکراً فأکرمه» کما یعمّ ما یکون ظرفاً للحکم کقولک: «أکرم زیداً یوم الجمعة» فتأمّل.

إلى هنا تمّ الکلام فی مفهوم الوصف، وقد ظهر منه عدم إمکان المساعدة على دلالة الوصف على المفهوم فی جمیع الموارد، وإن کان لا یمکن إنکاره أیضاً مطلقاً، فإنّ القیود والأوصاف کثیراً مّا ترد فی مقام الإحتراز، والقرائن الحالیّة والمقامیّة تدلّ علیه.

بل قد یقال: إنّ الأصل فی کلّ قید هو کونه إحترازیّاً، وإمّا الإتیان بالقیود لمقاصد اُخرى مثل کونه محلا للابتلاء أو قیداً غالبیاً أو شبه ذلک فإنّها خلاف الأصل، وحینئذ یستفاد المفهوم من هذه القیود حتّى فی غیر الأوصاف من القیود الزمانیّة والمکانیّة وغیرهما (بناءً على عدم شمول الوصف بمعناه الأعمّ لهذه القیود) من دون فرق بین أن یکون الوصف معتمداً على الموصوف أو لا یکون، فإنّه أیضاً یرجع إلى التقیید ویکون الأصل فیه الإحتراز، فلا فرق بین

أن یقول المولى: «إن ظاهرت أکرم رجلا عالماً» أو «أکرم عالماً».

وإن أبیت عن ذلک فلا أقلّ من التأمّل فی کلّ مقام، وملاحظة ما یقتضیه، وإیّاک أن ترفض مفهوم الوصف والقیود کلّها فإنّه خطأ محض، والله العالم بحقائق الاُمور.


1. أجود التقریرات: ج1، ص433 ـ 434.
2. راجع تهذیب الاُصول: ج 1، ص 362، من طبع مهر.
3. المطل هو التأخیر فی أداء الدَین فإذا کان المدیون غنیّاً وأخّر أداء دَینه فقد ظلم.
4. اللّی بمعنى التأخیر فی أداء الدَین، فإذا کان المدیون واجداً وأخّر أداء دَینه جازت عقوبته وتوبیخه.
5. أجود التقریرات: ج1، ص434 ـ 435.
6. سنن أبی داود: ج3، ص313; الوسائل: ج13، الباب 8، من أبواب الدین، ح4.
7. سورة النساء: الآیة23.
8. سورة النور: الآیة60.
9. نقله فی المحاضرات: ج5، ص131.
10. راجع تعلیقات الاُستاذ دام ظلّه على العروة الوثقى: ج1، ص330.

 

المقام الثانی: فی تداخل المسبّبات3 ـ الکلام فی مفهوم الغایة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma