المشهور على أنّه لا مفهوم للعدد، والصحیح هو التفصیل بین أنواع العدد فإنّه على ثلاثة أنواع:

أحدها: ما یکون للتکثیر کما فی قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(1) وقوله سبحانه: (وَالْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر)(2) وفی هذا القسم لا مفهوم له بلا إشکال.

ثانیها: ما یکون للتعداد دون تحدید، ولا إشکال أیضاً فی عدم دلالته على المفهوم، نعم استعمال العدد فی هذا النوع قلیل، نظیر ما إذا قیل مثلا بدل قوله تعالى: (وَلْیَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِینَ): «ولیشهد عذابهما عشر نفرات» فإنّه لا مفهوم له من جانب الأکثر وهو عدم جواز شهادة الأکثر من عشر نفرات، وإن کان له المفهوم من جانب الأقلّ (إلاّ أن یکون ذکره من باب المثال).

ثالثها: ما یکون فی مقام التحدید، وهذا بنفسه على ثلاثة أقسام:

فتارةً یکون للتحدید بالإضافة إلى جانب الأقلّ، فیدلّ حینئذ مفهوماً على عدم جواز الاقتصار على الأقلّ، وإن جاز التعدّی إلى الأکثر، نحو قوله (علیه السلام): «الکرّ ثلاثة أشبار ونصف فی ثلاثة أشبار ونصف فی ثلاثة أشبار ونصف».

واُخرى یکون للتحدید بالإضافة إلى جانب الأکثر، فیدلّ حینئذ مفهوماً على عدم جواز التعدّی عن ذلک العدد، وإن جاز الاقتصار على الأقلّ، نظیر ما یدلّ على جواز الفصل بین المصلّیْین بمقدار خطوة.

وثالثة یکون للتحدید بالإضافة إلى جانب الأقلّ والأکثر معاً، وهو نظیر الأعداد الواردة فی باب رکعات الصّلاة وأشواط الطواف، فیدلّ حینئذ بالمفهوم على عدم جواز الإقتصار على الأقلّ وعدم جواز التعدّی إلى الأکثر.

ثمّ إنّ دلالة العدد على المفهوم وکونه فی مقام التحدید فی هذه الأقسام وإن کانت بقرینة الحال أو المقام أو بمناسبات الحکم والموضوع ولکن أنّ جلّ الأعداد الواردة فی لسان الشرع (لولا الکلّ) تکون فی مقام التحدید ـ لابدّ من ذکرها هنا والبحث عنها، لأنّ القرائن المزبورة حینئذ تکون من قبیل القرائن العامّة، فینبغی للاُصولی أن یتکلّم فیها کما یتکلّم فی سائر مباحث الألفاظ، وإلیک نبذة من الأمثلة التی نحتاج فیها إلى هذا المبحث فی المسائل الفقهیّة:

1 ـ تعداد أشبار الکبرّ.

2 ـ تعداد الغسلات للتطهیر عن النجاسات: مرّتان فی البول وثلاث مرّات فی الکلب وسبع مرّات فی الخنزیر.

3 ـ عدد منزوحات البئر سواء کان النزح واجباً أو مستحبّاً.

4 ـ عدد أیّام العادة الأقلّ منها أو الأکثر.

5 ـ عدد أغسال المیّت.

6 ـ عدد قطعات الکفن.

7 ـ عدد الرکعات والسجدات والرکوعات والقنوت والتسبیحات فی الصّلاة.

8 ـ عدد فصول الأذان والإقامة.

9 ـ عدد النصاب فی الزّکاة والخمس.

10 ـ عدد مقدار الزّکاة والخمس، أی نفس العشر أو نصف العشر الخمس.

11 ـ عدد من تقوم بهم الجمعة والجماعة.

12 ـ عدد أیّام الإقامة فی السفر (عشرة أیّام مع القصد وثلاثون یوماً متردّداً).

13 ـ عدد أیّام الصّیام.

14 ـ عدد الکفّارات.

15 ـ عدد الجلد فی أبواب الحدود والتعزیرات.

فظهر ممّا ذکرنا أنّ للعدد مفهوماً إذا کان فی مقام التحدید کما أنّه کذلک فی أغلب الموارد فی القوانین الشرعیّة، بل فی القوانین العرفیّة أیضاً.

إلى هنا تمّ الکلام عن مبحث المفاهیم، والحمد لله ربّ العالمین.

1. سورة التوبة: الآیة80.
2. سورة لقمان: الآیة27.