مسألة البداء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
بقی هنا شیء5 ـ المطلق والمقیّد

 

ذکرنا مسألة البداء بعد مسألة النسخ لما بینهما من الإرتباط، ولذلک تذکران معاً فی کلمات القوم غالباً، والمحقّق العلاّمة المجلسی (رحمه الله) عنون لهما باباً واحداً فی المجلّد الرابع من بحار الأنوار بقوله «فصل فی البداء والنسخ» وجمع فیه زهاء سبعین روایة فی البداء والنسخ.

ووجه الإرتباط بین المسألتین أنّ النسبة بینهما العموم مطلقاً لأنّ البداء یعمّ التکوینیات والتشریعیات معاً لکن النسخ یختصّ بالتشریعیات، نعم خصّص بعض العلماء أحدها بالتکوینیات والآخر بالتشریعیات، وقال فی مقام تشبیه أحدهما بالآخر: «البداء فی التکوینیات کالنسخ فی التشریعیات» وجاء فی کلام المحقق الداماد «أنّ البداء النسخ فی التکوینیات والنسخ بداء فی التشریعیات».

توضیح المسألة: قال الراغب فی مفرداته: البداء ظهور الشیء ظهوراً بیّناً (ولذلک تسمّى البادیة بادیة لأنّ کلّ شیء ظاهر هناک، أو لأنّه یظهر فیها حوادث مختلفة لا تظهر فی المدن) وقال بعض: المراد من البداء فی اللغة ظهور الشیء بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل، نحو قوله تعالى: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الاْیَاتِ لَیَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِین)(1) أو قوله: (وَبَدَا لَهُمْ سَیِّئَاتُ مَا عَمِلُوا)(2) هذا بالنسبة إلى معناه اللغوی، وأمّا بالنسبة إلى الباری تعالى فقد وردت روایات کثیرة تدلّ على أنّ البداء فی أمر الله من الاُمور المسلّمة التی یترادف الاعتقاد به الاعتقاد بالتوحید، ونحن نشیر هنا إلى عدد منها:

1 ـ ما رواه زرارة عن أحدهما (علیهما السلام) قال: «ما عبدالله عزّوجلّ شیء مثل البداء»(3).

2 ـ ما رواه هشام بن سالم عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «ما عظّم الله عزّوجلّ بمثل البداء»(4).

3 ـ ما رواه مرازم بن حکم قال: سمعت أبا عبدالله (علیه السلام) یقول: «ما تنبّأ نبی قطّ حتّى یقرّ لله تعالى بخمس: بالبداء والمشیئة والسجود والعبودیّة والطاعة»(5).

4 ـ ما رواه زرارة ومحمّد بن مسم عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «ما بعث الله نبیّاً قطّ حتّى یأخذ علیه ثلاثاً: الإقرار لله بالعبودیّة وخلع الأنداد وأنّ الله یمحو ما یشاء ویثبت ما یشاء»(6)إلى غیر ذلک.

وبالجملة لا إشکال فی أصل ثبوت البداء، إنّما الکلام فی تفسیره، وقد یفترى على الشیعة الإمامیّة بأنّهم یعتقدون بأنّ البداء فی الله هو أن یظهر له ما کان مجهولا له، أی أنّ البداء ظهور الشیء بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل، أو أنّه بمعنى الندامة، مع أنّ هذا إفک عظیم وتهمة واضحة وشطط من الکلام لا یقول به من فهم من الإسلام شیئاً، ولذا أنکر علماؤنا ذلک من الصدر الأوّل إلى الیوم خصوصاً الأکابر منهم کالشیخ الصدوق والشیخ المفید (رحمهما الله)، وروایاتنا أیضاً تدلّ على امتناع هذا المعنى على الله، مثل ما رواه أبو بصیر وسماعة عن أبی عبدالله (علیه السلام)قال: «من زعم أنّ الله عزّوجلّ یبدو له فی شیء لم یعلمه أمس فابرؤوا منه»(7).

فما هو التفسیر الصحیح للبداء؟

إنّ معنى البداء الذی نحن نعتقده مبنیّ على آیتین من سورة الرعد، وهما قوله تعالى: (لِکُلِّ أَجَل کِتَابٌ یَمْحُوا اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ)(8)، وهو یشبه النسخ بناءً على مذهب المشهور من أنّ حقیقته هو الدفع لا الرفع، أی أنّ النسخ بمعنى انتهاء أمد الحکم وأنّ الله یظهر فیه ما کان مجهولا للناس وهو یتصوّر بعد حضور وقت العمل بالحکم المنسوخ إلاّ فی الأوامر الإمتحانیّة فیتصوّر فیها قبل حضور وقت العمل أیضاً کما مرّ.

فالبداء أیضاً کذلک، فیتصوّر فی الأوامر الإمتحانیة قبل العمل کما إذا فرضنا مثلا أنّ أمر إبراهیم بذبح إبنه صدر على نهج القضیّة الخیریّة، فکأنّه حینئذ صدر بعنوان الإخبار عن أمر تکوینی سوف یتحقّق فی المستقبل ثمّ بدا له بقوله تعالى: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیَا)، وفی غیر الإمتحان مثل ما وقع فی قضیة یونس (علیه السلام) من وعده تعالى بالعذاب على قومه ثمّ کشفه عنهم بعد أن آمنوا، فهو فی کلا القسمین لیس بمعنى ظهور ما خفى علیه بل بمعنى إبداء شرط أو مانع أخفاه فی بدو الأمر، فهو تعالى یخبر عن وقوع أمر معلّق على شرط أو عدم مانع من دون التصریح بالمعلّق علیه حین الإخبار، فلا یحصل المعلّق لعدم حصول المعلّق علیه وذلک لحکمة تقتضی ذلک، ثمّ یبدی ما لم یذکره أوّلا، فالبداء بتعبیر عقلی یرجع إلى العلل المرکّبة التی تتصوّر فیها علّة تامّة وعلّة ناقصة، فیرجع إمّا إلى عدم حصول المقتضی أو وجود المانع، وفی لسان الشرع یرجع إلى مسألة المحو أو الإثبات، فقد ثبت أنّ لله تعالى کتابین: أحدهما: اُمّ الکتاب الذی ثبت فیه جمیع الاُمور من دون محو وإثبات، والآخر: کتاب المحو والإثبات.

وبالجملة، البداء لیس بمعنى ظهور ما خفى علیه تعالى کما یدلّ علیه قوله: (وَقَالَتْ الْیَهُودُ یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ یُنفِقُ کَیْفَ یَشَاءُ)(9) حیث جاء فی التفسیر أنّ الیهود قالوا قد فزع الله من الأمر لا یحدث الله غیر ما قدّره فی التقدیر الأوّل (وأنّه قد جفّ القلم بما هو کائن) فردّ الله علیهم بقوله: بل یداه مبسوطتان، ومن الآیات الدالّة على أصل وجود البداء وصحّته قوله تعالى: (وَمَا یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّر وَلاَ یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِی کِتَاب)(10).

وهذا المعنى تدلّ علیه أیضاً روایات الأئمّة المعصومین (علیهم السلام) وهی کما قلنا کثیرة کما مرّت جملة منها فی صدر البحث، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها الآخر التی تشیر أیضاً إلى بعض مصادیق البداء الواقعة فی الاُمم الماضیة.

1 ـ ما رواه حسن بن محمّد النوفلی قال: قال الرضا لسلیمان المروزیّ: ما أنکرت من البداء یاسلیمان والله عزّوجلّ یقول: (أَوَلاَ یَذْکُرُ الاِْنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ یَکُنْ شَیْئاً)ویقول عزّوجلّ: (وَهُوَ الَّذِی یَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ)ویقول: (بَدِیعُ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ)ویقول عزّوجلّ: (یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاءُ) ویقول: (وَبَدَأَ خَلْقَ الاِْنسَانِ مِنْ طِین) ویقول عزّوجلّ: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاَِمْرِ اللهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ)ویقول: (وَمَا یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّر وَلاَ یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِی کِتَاب)قال سلیمان: هل رویت فیه عن آبائک شیئاً؟ قال: نعم رویت عن أبی عبدالله (علیه السلام) أنّه قال: إنّ لله عزّوجلّ علمین: علماً مخزوناً مکنوناً لا یعلمه إلاّ هو من ذلک یکون البداء، وعلماً علّمه ملائکته ورسله، فالعلماء من أهل بیت نبیّک یعلمونه، قال سلیمان: أحبّ أن تنزعه لی من کتاب الله عزّوجلّ، قال: قول الله عزّوجلّ لنبیّه: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُوم) أراد هلاکهم ثمّ بدا فقال: (وَذَکِّرْ فَإِنَّ الذِّکْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِینَ)قال سلیمان: زدنی جعلت فداک، قال الرضا (علیه السلام): لقد أخبرنی أبی عن آبائه أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله)قال: إنّ الله عزّوجلّ أوحى إلى نبی من أنبیائه أن أخبر فلان الملک أنّی متوفّیه إلى کذا وکذا فأتاه ذلک النبی ... إلى آخر الحدیث»(11).

2 ـ ما رواه أبو بصیر (وهو المعروف بقصّة العروس) قال: سمعت أبا عبدالله الصادق جعفر بن محمّد (علیهما السلام) یقول: إنّ عیسى روح الله مرّ بقوم مجلبین فقال: ما لهؤلاء؟ قیل: یاروح الله، إنّ فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان فی لیلتها هذه. قال: یجلبون الیوم ویبکون غداً. فقال قائل منهم: ولِمَ یارسول الله؟ قال: لأنّ صاحبتهم میّتة فی لیلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق ما أقرب غداً. فلمّا أصبحوا جاؤوا فوجدوها على حالها لم یحدث بها شیء فقالوا: یاروح الله إنّ التی أخبرتنا أمس أنّها میتة لم تمت. فقال: عیسى على نبیّنا وآله وعلیه السلام: یفعل الله ما یشاء فاذهبوا بنا إلیها، فذهبوا یتسابقون حتّى قرعوا الباب، فخرج زوجها فقال له عیسى (علیه السلام): استأذن لی على صاحبتک قال: فدخل علیها فأخبرها أنّ روح الله وکلمته بالباب مع عدّة قال: فتخدّرت فدخل علیها فقال لها: ما صنعت لیلتک هذه؟ قالت لم أصنع شیئاً إلاّ وقد کنت أصنعه فیما مضى أنّه کان یعترینا سائل فی کلّ لیلة جمعة فننیله ما یقوته إلى مثلها وأنّه جاءنی فی لیلتی هذه وأنا مشغولة بأمری وأهلی فی مشاغل فهتف فلم یجبه أحد ثمّ هتف فلم یجب حتّى هتف مراراً فلمّا سمعت مقالته قمت متنکّرة حتّى نلته کما کنّا ننیله فقال لها: تنحّی عن مجلسک فإذا تحت ثیابها افعى مثل جذعة عاضّ على ذنبه فقال (علیه السلام): بما صنعت صرف عنک هذا»(12).

تنبیهان

الأوّل: إنّ فلسفة البداء وحکمته عدم القعود عن السعی والجهاد وأن لا نیأس من رحمة الله وإرائته للطریق وهدایته السبل، ومن جانب آخر أن لا نأمّن أنفسنا من سخطه وعذابه، ولا نقول: قد جفّ القلم وأنّه لا یحدث الله غیر ما قدّره فی التقدیر الأوّل بل نقول أنّه یمحو ما یشاء ویثبت، فلا یخفى أنّ هذه العقیدة وهذه الحالة تورثنا وتکّمل لنا حالة الخوف والرجاء بحیث لو صدر عنّا ذنب رجونا العفو والمغفرة، کما أنّه لو صدرت عنّا خیرات بالغة وحسنات کثیرة خفنا من سوء العاقبة، وبالجملة أنّ حکمة البداء وفلسفته هی إیقاع العبد بین حالة الخوف والرجاء، ونتیجته دوام السعی والحرکة والعمل مع احتمال الخطأ والمخالفة والوقوع فی المهلکة.

الثانی: أنّ إنکار البداء یستلزم إنکار عدّة من المسائل المسلّمة والاعتقادات الضروریّة فی الإسلام أو ما أشبه ذلک کمسألة التوبة، ومسألة الحبط فی الأعمال وأنّ الحسنات یذهبن السیّئات، ومسألة الشفاعة، وتأثیر الدعاء، وتأثیر صلة الرحم وقطعها فی إزدیاد العمر ونقصانه، ودفع البلاء بالصدقة (وقد ورد فی الحدیث أنّ الصدقة ترفع البلاء المبرم وهو البلاء الذی کتب بالقلم فی اُمّ الکتاب).

إلى هنا تمّ الکلام عن المقصد الرابع من مباحث الاُصول.


1. سورة یوسف: الآیة 35.
2. سورة الجاثیة: الآیة33.
3. بحار الأنوار: ج4، باب البداء والنسخ، ح19.
4. المصدر السابق: ح20.
5. المصدر السابق: ح23.
6. المصدر السابق: ح24.
7. المصدر السابق: ح30.
8. سورة الرعد: الآیة38 و39.
9. سورة المائدة: الآیة64.
10. سورة فاطر: الآیة11.
11. بحار الأنوار: ج 4، باب البداء والنسخ، ح 2.
12. بحارالانوار: ج 4، باب البداء و النسخ، ح 1.

 

 

بقی هنا شیء5 ـ المطلق والمقیّد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma