1 ـ حجّیة الظواهر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
کلام فی التشریعالکلام فی عدم تحریف الکتاب العزیز

بعد أن ثبت إمکان التعبّد بالظنّ وبعد ثبوت أنّ الأصل هو عدم حجّیة الظنّ إلاّ ما خرج، تصل النوبة إلى البحث عمّا وقع التعبّد به خارجاً، أی ما خرج من الظنون عن هذا الأصل، فنقول: من جملة الظنون التی خرجت عن تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ ودلّ الدلیل على حجّیتها ظواهر الألفاظ مطلقاً من دون اختصاصها بالألفاظ الواردة فی الکتاب والسنّة کما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی (رحمه الله)، فلا إشکال فی حجّیة ظواهر الألفاظ التی وردت فی کتب الوصایا والأوقاف ورسائل العقود والعهود وإسناد المعاملات، فلا زال البحث عنها بین الناس ثمّ یرسلونها إلى الفقهاء ویستفتون عن حکمها، وکان علیه سیرة المسلمین فی الماضی والحال، مع أنّها من الموضوعات لا الأحکام (خلافاً لأغلب الألفاظ الواردة فی الکتاب والسنّة) لکن لا بأس به لما مرّ سابقاً من أنّ تشخیص الموضوعات المعقّدة المشکلة على عهدة الفقیه، ولا یقول فقیه: أنّه خارج عن شؤون الفقاهة ولست مکلّفاً بالجواب عنه حیث إنّ الأعظم من الفقهاء کانوا بل لا زال کانوا یستقبلون عن الأسئلة المربوطة بالموضوعات ویجیبون عنها کما یظهر لمن راجع فروعات کتاب العروة الوثقى فإنّ کثیراً من فروعاتها من هذا القبیل.

وکیف کان، لا إشکال فی حجّیة ظواهر الألفاظ إجمالا، (إنّما الإشکال والکلام فی بعض خصوصیّاته وجزئیاته) واستدلّوا لها ببناء العقلاء الذی لم یردع الشارع عنه، ویمکن أیضاً الاستدلال بلزوم نقض الغرض لو لم نقل بالحجّیة، وذلک لأنّ الغرض الأصلی فی وضع الألفاظ التفهیم والتفهّم، فلو اکتفى بالألفاظ الصریحة والقطعیّة الدلالة مع ملاحظة تلک المجازات والاستعارات الکثیرة، والتصرّفات الحاصلة فی الألفاظ التی توجب طبعاً تضییق دائرة الألفاظ الصریحة یلزم نقض غرض الواضع بلا ریب.

لکن للمحقّق الحائری(رحمه الله) هنا بیاناً یلیق بالذکر وحاصله: أنّه إذا ثبت عندنا أمران نقطع بأنّ مراد المتکلّم هو ما یستفاد من ظاهر اللفظ:

أحدهما: أن نعلم بأنّ المتکلّم یکون فی مقام البیان وتفهیم المراد.

ثانیهما: أن نعلم أنّه لم ینصب قرینة توجب إنصراف اللفظ عن ظاهره.

واستدلّ له بأنّه لولا ذلک لزم نقض الغرض، أی لزم الالتزام بأنّه تصدّی لنقض غرضه عمداً وهذا مستحیل، ولذلک لا یختصّ ذلک بمورد یکون المتکلّم حکیماً لأنّ العاقل لا یعمل عملا یکون فیه نقض غرضه سواء کان حکیماً أم لا، وهذا واضح.

هذا کلّه إذا أحرزنا المقدّمتین کلتیهما، أمّا إذا شککنا فی أنّ المتکلّم أراد من اللفظ معناه الظاهر أو غیره، فإمّا أن یکون الشکّ من جهة الشکّ فی کونه فی مقام التفهیم، وإمّا من جهة الشکّ فی وجود القرینة، وإمّا من جهة کلیهما، فیقول بالنسبة إلى الصورة الاُولى: أنّ الأصل المعوّل علیه عند العقلاء کونه فی مقام تفهیم مراده، وهذا الأصل لا شبهة لأحد منهم فیه، وبالنسبة إلى الصورة الثانیة یقول: هل الأصل المعوّل علیه فیها هو أصالة عدم القرینة أو أصالة الحقیقة (أصالة الظهور)؟ وتظهر الثمرة بینهما فیما لو إقترن بالکلام ما یصلح لکونه قرینة، فعلى الأوّل یوجب إجمال اللفظ لعدم جریان أصالة عدم القرینة مع وجود ما یصلح للقرینیّة، وعلى الثانی یؤخذ بمقتضى المستفاد من الوضع والمستظهر من اللفظ حتّى یعلم خلافه.

ثمّ قال: «فاعلم أنّ اعتبار الظهور الثابت للکلام وإن شکّ فی احتفافه بالقرینة ممّا لا إشکال فیه فی الجملة، وأمّا کون ذلک من جهة الاعتماد على أصالة الحقیقة کی لا یرفع الید عنها فی صورة وجود ما یصلح للقرینیّة فغیر معلوم، وإن کان قد یدّعی أنّ بناء العقلاء على الجری على ما یقتضیه طبع الأشیاء ما داموا شاکّین فی الصحّة والفساد لأنّ مقتضى طبع کلّ شیء إن یوجد صحیحاً، والفساد یجیء من قبل أمر خارج عنه، ولعلّه من هذا القبیل القاعدة المسلّمة عندهم «کلّ دم یمکن أن یکون حیضاً فهو حیض» فإنّ مقتضى طبع المرأة أن یکون الدم الخارج منها دم حیض وغیره خارج عن مقتضى الطبع».

ثمّ قال: «وعلى هذا نقول: أنّ مقتضى طبع اللفظ الموضوع أن یستعمل فی معناه الموضوع له لأنّ الحکمة فی الوضع تمکّن الناس من أداء مراداتهم بتوسّط الألفاظ فاستعماله فی غیره إنّما جاء من قبل الأمر الخارج عن مقتضى الطبع ... إلى أن قال: وکیف کان فالمتیقّن من الحجّیة هو الظهور المنعقد للکلام خالیاً عمّا یصلح لأن یکون صارفاً» (انتهى)(1).

هذا کلّه فی حجّیة الظواهر إجمالا.

وأمّا بالنسبة إلى خصوصیّاتها وجزئیاتها فوقع النزاع فی اُمور ثلاثة:

1 ـ هل الحجّیة هنا مقیّدة بحصول الظنّ الشخصی على الوفاق؟

2 ـ هل هی مقصورة على من قصد إفهامه؟

3 ـ هل تکون ظواهر الکتاب حجّة مستقلا أو بعد تفسیر الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) کما ذهب إلیه الأخباریون؟

أمّا الأمر الأوّل: فاختلفوا فیه على أربعة أقوال:

1 ـ قول من یقول بتقییدها بالظنّ بالوفاق.

2 ـ قول من یقول بتقییدها بعدم الظنّ بالخلاف.

3 ـ قول من لا یعتبر الظنّ الشخصی مطلقاً.

4 ـ تفصیل المحقّق النائینی (رحمه الله) بین الألفاظ التی تتردّد بین العبید والموالی وفی مقام الاحتجاج، والألفاظ التی لا تصدر فی هذا المقام کالمتردّدة بین صدیقین مثلا فاعتبر حصول الظنّ (بل حصول أعلى مراتبه وهو الاطمئنان) بالوفاق فی الثانی دون الأوّل.

واستدلّ القائلون بالقول الثالث، أی عدم اعتبار الظنّ الشخصی مطلقاً، بإطلاق بناء العقلاء (الذی کان هو المدرک فی أصل حجّیة الظواهر) القائم على الأخذ بالظواهر واتّباعها إلى أن یعلم بالخلاف، والدلیل على هذا الإطلاق هو عدم صحّة الاعتذار عن مخالفتها بعدم إفادتها الظنّ بالوفاق ولا بوجود الظنّ بالخلاف.

أقول: الحقّ صحّة هذا الإطلاق وإنّ استدلالهم به فی محلّه ولا بأس به.

وأمّا تفصیل المحقّق النائینی (رحمه الله)وهو عدم اعتبار حصول الظنّ بالوفاق فی موارد الاحتجاج واعتباره فی غیره فهو دعوى بلا دلیل وإن کان بناء کثیر من الناس فی غیر الموالی والعبید على الاحتیاط فی هذه الموارد، لا سیّما إذا کان فی الاُمور المهمّة والأموال الضخمة.

نعم، یستثنى منه بعض ما ثبتت أهمیّته فی نظر الشارع المقدّس کباب الحدود والدیّات من باب أنّ الحدود تدرؤا بالشبهات.

نعم، هیهنا تفصیل آخر (وهو المختار) بین ما إذا کان الظنّ الشخصی مخالفاً لقرینة توجب الظنّ على الخلاف، لمن اطّلع علیها غالباً بحیث تکون قابلة للإرائة والاستناد بها على الخلاف، وما إذا لم یکن کذلک، فیمکن أن یقال: إنّ العقلاء لا یعتمدون على الکلام فی الصورة الاُولى وإن کان ظاهراً فی المراد عرفاً.

هذا کلّه فی الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الثانی: وهو تفصیل المحقّق القمّی (رحمه الله) بین من قصد إفهامه بالکلام وغیره وأنّ ظواهر الکتاب حجّة بالنسبة إلى الأوّل دون الثانی، فتظهر ثمرته فی الخطابات الشفاهیّة فی القرآن الکریم حیث إنّه بناءً على هذا التفصیل یختصّ هذا القبیل من الخطابات بالمشافهین دون الغائبین والمعدومین لعدم کونهم مقصودین بالإفهام، کما تظهر الثمرة أیضاً فی الرّوایات التی کان شخص الراوی لها مقصوداً بالإفهام کما إذا سئل زرارة مثلا مسألة شخصیة خاصّة بنفسه فلیست ظواهر هذا القبیل من الرّوایات حجّة بالنسبة إلینا بناءً على التفصیل المذکور بل تنحصر الحجّة منها فی الرّوایات التی یکون المخاطب فیها أعمّ من المشافهین کالتی ورد فیها قوله(علیه السلام): «فلیبلّغ الشاهد الغائب» وهی من قبیل خطبة النبی (صلى الله علیه وآله)فی مسجد الخیف وخطبته فی منى.

وعلى کلّ حال استدلّ المیرزا القمّی (رحمه الله) بما حاصله (على ما ذکر المحقّق الإصفهانی(رحمه الله)لکلامه من التوجیه) أنّ دلیل حجّیة ظواهر الکتاب إنّما هو عدم تحقّق نقض الغرض (لأنّ عدم حجّیة الظاهر مع کون المتکلّم فی مقام البیان ومع أنّه لم ینصب قرینة على الخلاف یوجب نقض الغرض) وهو خاصّ بالمقصودین بالإفهام فقط لأنّه یکفی نصب القرائن الحالیّة أو المقالیّة لمن قصد إفهامه فحسب وأمّا اختفائها ممّن لم یقصد إفهامه فلا یوجب نقض غرضه من الکلام، وبعده لا یبقى دلیل لحجّیة ظاهر کلامه بالنسبة إلى غیرهم(2).

أقول: الإنصاف کما ذهب إلیه المحقّقون هو عدم الفرق بین من قصد إفهامه وغیره، وذلک لعدم انحصار دلیل حجّیة الظواهر فی لزوم نقض الغرض، بل العمدة فیها إنّما هی بناء العقلاء، ولا فرق عندهم بین الصورتین کما تشهد علیه شواهد کثیرة:

منها: أنّ القضاة لا یزالون یستندون إلى الشرائط التی حصلوا علیها من ناحیة شخص أقرّ صدیقه بشیء عنده مع أنّه هو المقصود بالإفهام.

ومنها: اعتمادهم بسجلاّت الأوقاف حتّى فی ما إذا کان المخاطب فیها شخص المتولّی أو خصوص إنسان آخر.

ومنها: اعتمادهم بالمکالمات التلفونیة أو المکاتبات السرّیة التی یکون غیر المخاطب فیها مقصوداً بالإخفاء فضلا عن عدم کونه مقصوداً بالإفهام واستدلالهم بها. هذا أوّلا.

وثانیاً: سلّمنا باختصاص حجّیة الظواهر بمن قصد إفهامه إلاّ أنّه لا تترتّب علیه ثمرة بالنسبة إلى خطابات القرآن والرّوایات.

أمّا الاُولى: فلأنّ القرآن خاتم الکتب السماویّة ولا إشکال فی أنّ المقصود بالإفهام من خطاباتهم جمیع الناس إلى الأبد، ولذلک ورد الأمر بالترتیل عند قرائتها واجابة خطاباتها بقول القاری «لبّیک ربّنا».

وأمّا الثانیة: فلأنّها على قسمین: قسم یکون من قبیل تألیف المؤلّفین للکتب التی لیس المقصود بالإفهام فیها شخصاً خاصّاً أو أشخاصاً معینین، ولا إشکال فیها للمحقّق القمّی(رحمه الله)نفسه أیضاً، وقسم آخر لا یکون کذلک إلاّ أنّ عدالة الراوی أو وثاقته وأمانته فی النقل تقتضی نقل القرائن التی دخیلة فی الفهم من الرّوایة أیضاً بحیث یعدّ عدم نقله إیّاها من الخیانة فی النقل.

فتلخّص أنّ کلامه مضافاً إلى عدم تناسبه مع الدلیل المعتبر فی حجّیة الظواهر لا تترتّب علیه ثمرة فی ما بأیدینا من آیات الکتاب وأخبار السنّة.

هذا کلّه فی الأمر الثانی.

أمّا الأمر الثالث: وهو حجّیة ظواهر کتاب الله مستقلا فالمعروف والمشهور بین أصحابنا الإمامیّة هو الحجّیة، وأنکرها جماعة من الأخباریین، وقالوا بعدم حجّیتها قبل ورود تفسیر الأئمّة المعصومین، وهذا التفریط الذی یقصر الحجّة فی الرّوایة إنعکاس فی الواقع لإفراط من قال: «حسبنا کتاب الله»، وکلّ واحد منهما جائر عن سواء السبیل.

وکیف کان، قبل بیان أدلّة الأخباریین لابدّ من ذکر الأدلّة التی تدلّ على حجّیة ظواهر الکتاب، فنقول: دلیلنا على ذلک اُمور:

الأوّل: أنّها مقتضى القاعدة الأوّلیّة لأنّ بناء العقلاء استقرّ على حجّیة الظواهر مطلقاً، ومنها ظواهر القرآن الکریم، واستثنائها منها بغیر دلیل معتبر ممّا لا وجه له.

وإن شئت قلت: المقصود فی الآیات تفهیم معانیها للناس من طریق ظواهرها فعدم حجّیة ظواهرها یستلزم نقض الغرض کما لا یخفى.

الثانی: آیات من القرآن نفسه: منها قوله تعالى: (قَدْ جَاءَکُمْ مِنْ اللهِ نُورٌ وَکِتَابٌ مُبِینٌ یَهْدِی بِهِ اللهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَیُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِیم)(3).

ومنها: قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعَالَمِینَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِینُ عَلَى قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنْ الْمُنذِرِینَ بِلِسَان عَرَبِىّ مُبِین)(4).

إن قلت: إثبات حجّیة ظواهر الکتاب بالکتاب یستلزم الدور المحال.

قلنا: أنّه کذلک إذا کان الاستدلال بظواهر الآیات مع أنّه فی المقام استدلال بنصوصها التی لا ینکرها الأخباریون أیضاً.

الثالث: (وهو العمدة) دلالة طوائف من الأخبار على حجّیتها:

الطائفة الاُولى: حدیث الثقلین(5)، فإنّ ظاهره أنّ کلا من الکتاب والعترة حجّة مستقلا، وإنّ الکتاب هو الثقل الأکبر، والعترة الطاهرة (علیهم السلام) هو الثقل الأصغر، وإن کان کلّ واحد منهما یؤیّد الآخر ویوافقه، نظیر حکم العقل وحکم الشرع فی قاعدة الملازمة فلیست حجّیة حکم العقل مقیّدة بدلالة الشرع وبالعکس، وإن کان یؤیّد أحدهما بالآخر، فکذلک فی ما نحن فیه، وإلاّ لو کانت حجّیة دلالة الکتاب مقیّدة بدلالة الرّوایات لکانت دلالة الرّوایات أیضاً مقیّدة بدلالة الکتاب مع أنّه لم یقل به أحد.

الثانیة: ما یدلّ على أنّ القرآن هو الملجأ عند المشاکل والحوادث، والمرجع عند التباس الاُمور، نظیر ما نقله الطبرسی (رحمه الله) فی مقدّمة تفسیره عن رسول الله (صلى الله علیه وآله): «إذا التبس علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم فعلیکم بالقرآن فمن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار».

وغیر ذلک ممّا ورد فی نهج البلاغة نحو قوله (علیه السلام): «فاستشفوه من أدوائکم فإنّ فیه شفاء من أکبر الداء»، إلى غیر ذلک ممّا هو کثیر، وکثرتها تغنی عن ملاحظة أسنادها.

الثالثة: ما یدلّ على وجوب عرض الرّوایات على کتاب الله، التی جمعها فی الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی:منها: ما رواه السکونی عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): «إنّ على کلّ حقّ حقیقة وعلى کلّ صواب نوراً فما وافق کتاب الله فخذوه وما خالف کتاب الله فدعوه»(6).

فکیف یمکن أن یکون القرآن معیاراً لتعیین الحجّة عن اللاّحجّة، ولا یکون بنفسه حجّة.

الرابعة: ما ورد عند تعارض الخبرین الآمرة بأخذ ما وافق کتاب الله(7).

الخامسة: ما یدلّ على أنّه یجب الوفاء بکلّ شرط إلاّ ما خالف کتاب الله، وهو ما ورد فی ج12 ـ من الوسائل باب 12 ـ من أبواب الخیار، التی ظاهرها حجّیة ظواهر الکتاب لکونها ملاکاً لتشخیص الشروط الحقّة عن الشروط الباطلة»(8).

السادسة: ما ورد فی باب صلاة القصر فی ذیل آیة التقصیر عن زرارة ومحمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبی جعفر (علیه السلام): رجل صلّى فی السفر أربعاً أیعید أم لا؟ قال: «إن کان قرأت علیه آیة التقصیر وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، وإن لم یکن قرأت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه»(9).

إن قلت: ما المراد من قوله (علیه السلام): «فسّرت»؟ ألیس هذا مشیراً إلى مقالة الأخباریین؟

قلنا: کلاّ، بل المراد ـ على الظاهر ـ تفسیر قوله تعالى: «لا جناح» بما یقتضی الوجوب.

وأیضاً ما ورد فی أبواب حدّ شرب الخمر وأنّ الشارب إذا لم یسمع آیة التحریم لکونه حدیث العهد بالإسلام یدرأ عنه الحدّ(10).

السابعة: ما ورد فی الرّوایات من إرجاع الناس فی فهم أحکام الله إلى القرآن، نظیر ما ورد فی باب الوضوء عن عبدالأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبی عبدالله (علیه السلام): عثرت فانقطع ظفری فجعلت على إصبعی مرارة فکیف أصنع بالوضوء؟ قال: «یعرف هذا وأشباهه من کتاب الله عزّوجلّ، قال الله تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَج)، امسح علیه»(11).

الثامنة: ما یدلّ على لزوم إرجاع المتشابهات من الأخبار والقرآن إلى محکماتها، نظیر ما رواه أبو حیون مولى الرضا عن الرضا (علیه السلام) قال: «من ردّ متشابه القرآن إلى محکمه فقد هدی إلى صراط مستقیم، ثمّ قال (علیه السلام): إنّ فی أخبارنا محکماً کمحکم القرآن ومتشابهاً کمتشابه القرآن، فردّوا متشابهها إلى محکمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محکمها فتضلّوا»(12).

إن قلت: لعلّ المراد من المحکم هو خصوص النصوص من الکتاب والرّوایات.

قلنا: إنّ المحکم ما یقابل المتشابه، والمتشابه بمعنى المبهم والمجمل فکلّ ما لا یکون مبهماً محکم، فیعمّ المحکم النصّ والظاهر معاً لأنّ الظاهر أیضاً لا یعدّ عند العرف والعقلاء من المبهم، ویشهد لذلک ذیل الخبر لأنّه یدلّ على أنّ الأخبار أیضاً تنقسم إلى المحکم والمتشابه، ولم یقل أحد حتّى من الأخباریین بأنّ ظواهر الأخبار داخلة فی المتشابه.

التاسعة: ما یعبّر من الرّوایات بقوله (علیه السلام): «أما سمعت قول الله ...»(13).

فإن ظاهرها أیضاً أنّ ظاهر الکتاب حجّة کما لا یخفى.

العاشرة: ما دلّ على «أنّ الله لا یخاطب الخلق بما لا یعلمون»(14)، فإنّه ظاهر فی أنّ خلق الله تعالى یدرکون ما أنزله ویکون ظاهره حجّة علیهم.

هذه هی الطوائف العشرة یدلّ کلّ واحدة منها على المقصود مستقلا، ولو سلّمنا عدم دلالته کذلک فلا أقلّ من أنّ فی المجموع بما هو المجموع غنىً وکفایة.

ثمّ إنّه اعتذر بعض الأخباریین عن بعض ما ذکرنا بما فیه تکلّف ظاهر، مثل ما ذکره صاحب الوسائل فی ذیل الطائفة العاشرة من أنّ المراد من الخلق فیها هم الأئمّة (علیهم السلام) أو جمیع المکلّفین (باعتبار دخول الأئمّة (علیهم السلام) فیهم وأنّه إذا علم بعضهم معنى القرآن فهو کاف فی صدق قوله (علیه السلام) «لا یخاطب الخلق بما لا یعلمون»)(15).

ولکن لا یخفى ما فیه من إرتکاب خلاف الظاهر والتعسّف والتکلّف، کما أنّ توجیهه روایات العرض على القرآن بأنّ المراد منها العمل بالکتاب والسنّة معاً ـ أیضاً واضح البطلان لأنّ ظاهرها أنّ تمام المعیار فی معرفة الحقّ والباطل فی الرّوایات هو الکتاب الکریم لا أنّ الخمسین فی المائة مثلا منه للقرآن، والخمسین فی المائة الاُخر للروایات، بل ظاهر هذه الطائفة أنّ للقرآن ما هو أعظم وأهمّ من الحجّیة وهو أنّه نور فی نفسه ومنوّر لغیره.

وأجاب عن روایات الطائفة التاسعة بأنّ «وجهها أنّ من سمع آیة ظاهرها دالّ على حکم نظری لم یجز له الجزم بخلافها، لاحتمال إرادة ظاهرها، فالإنکار هناک لأجل هذا، وإن کان لا یجوز الجزم بإرادة الظاهر أیضاً، لاحتمال النسخ والتخصیص والتأویل وغیر ذلک».

وهذا الکلام أیضاً مخالف لظاهر ما مرّ من الرّوایة کما لا یخفى على الناظر فیها.

وأمّا الوجوه التی استدلّوا بها على عدم حجّیة ظواهر الکتاب فهی ستّة بعضها ینفی کبرى الحجّیة بعد قبول صغرى الظهور، وبعضها الآخر ینفی الصغرى أعنی ظهور الآیات فی معانیها.

أمّا الوجه الأوّل: (ولعلّه العمدة) فهی الرّوایات الناهیّة عن التفسیر بالرأی بتقریب أنّ العمل بالظواهر من مصادیق التفسیر بالرأی.

منها: ما رواه الریّان بن الصلت عن الرضا عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال الله عزّوجلّ: «ما آمن بی من فسّر برأیه کلامی»(16).

ومنها: ما رواه عبدالرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله (صلى الله علیه وآله): «لعن الله المجادلین فی دین الله على لسان سبعین نبیّاً، ومن جادل فی آیات الله کفر، قال الله: (مَا یُجَادِلُ فِی آیَاتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِینَ کَفَرُوا)، ومن فسّر القرآن برأیه فقد افترى على الله الکذب ...»(17).

ومنها: ما رواه أبو بصیر عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «من فسّر القرآن برأیه إن أصاب لم یؤجر، وإن أخطأ خرّ أبعد من السماء»(18).

وغیر ذلک من بعض روایات الباب الثالث عشر من أبواب صفات القاضی(19).

والجواب عن هذا الوجه مبنی على بیان معنى التفسیر والرأی الواردین فی هذه الرّوایات وأنّهما هل یشملان العمل بالظواهر أو لا؟

أمّا کلمة التفسیر ففی القاموس: «الفسر والتفسیر الإبانة وکشف المغطّى، والتفسیر هو نظر الطبیب إلى الماء فإنّ الطبیب بنظره إلى الماء وهو البول یکشف عن نوع المرض».

وفی مفردات الراغب «الفسر إظهار المعنى المعقول، والتفسیر قد یقال فی ما یختصّ بمفردات الألفاظ وغریبها وما یختصّ بالتأویل ولذا یقال تفسیر الرؤیا وتأویلها».

وفی لسان العرب: «الفسر کشف المغطّى والتفسیر کشف المراد عن اللفظ المشکل، قیل التفسیرة (على وزن التذکرة) البول الذی یستدلّ به على المرض».

فبناءً على هذا المعنى ینحصر تفسیر القرآن ببطونه وبمتشابهاته، ولا یشمل الأخذ بظواهر الآیات نظیر قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ)وقوله تعالى: (الزَّانِیَةُ وَالزَّانِی فَاجْلِدُوا کُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة) کما لا یخفى.

وأمّا معنى الرأی فالظاهر منه هو الآراء الباطلة التی لا أساس لها.

ففی مفردات الراغب: «الرأی اعتقاد النفس أحد النقیضین عن غلبة الظنّ» ولیس المراد من الظّن إلاّ الآراء والظنون الباطلة کما یشهد به الرّوایات:

منها: ما روی عن الحسن بن علی العسکری (علیه السلام) فی تفسیره بعد کلام طویل فی فضل القرآن قال: «أتدرون من المتمسّک به الذی له بتمسّکه هذا الشرف العظیم؟ هو الذی أخذ القرآن وتأویله عنّا أهل البیت عن وسائطنا السفراء عنّا إلى شیعتنا لا عن آراء المجادلین وقیاس الفاسقین»(20).

ومنها: ما رواه عمّار بن موسى عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: سئل عن الحکومة فقال: «من حکم برأیه بین اثنین فقد کفر، ومن فسّر آیة من کتاب الله فقد کفر»(21).

فالمراد من الرأی على ضوء مثل هاتین الروایتین هو قول العامّة: بأنّ هذا ممّا لا نصّ فیه فلیتمسّک بذیل القیاس أو الاستحسان.

الوجه الثانی: الرّوایات الناهیّة عن العمل بالمتشابهات بتقریب أنّ الظواهر من المتشابهات لأنّ المحکمات منحصرة فی النصوص.

منها: ذیل ما رواه علی بن الحسین المرتضى فی رسالة المحکم والمتشابه نقلا عن التفسیر النعمانی عن إسماعیل بن جابر عن الصادق (علیه السلام): «وإنّما هلک الناس فی المتشابه لأنّه لم یقفوا على معناه ولم یعرفوا حقیقته فوضعوا له تأویلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء ونبذوا قول  رسول الله(صلى الله علیه وآله) وراء ظهورهم»(22).

ومنها: ما رواه أبو بصیر عن أبی جعفر (علیه السلام) أنّه قال: «نحن الراسخون فی العلم ونحن نعلم تأویله»(23).

ومنها: ما رواه عبدالرحمن بن کثیر عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «الراسخون فی العلم أمیر المؤمنین (علیه السلام) والأئمّة من ولده»(24).

والجواب عن هذا الوجه واضح لأنّ المتشابه (کما مرّت الإشارة إلیه فی ذیل الطائفة الثامنة من الرّوایات الدالّة على حجّیة ظواهر الکتاب) هو ما یتشابه بعضه بعضاً، أی ما یشابه فیه أحد احتمالین احتمالا آخر وبالعکس، ولذلک یوجب الحیرة للإنسان فیصیر مجملا ومبهماً، وإلاّ ما لم یکن فیه تشابه بین الاحتمالین بل کان أحدهما ظاهراً والآخر مخالفاً للظاهر فلا یکون متشابهاً حتّى یکون داخلا فی هذه الرّوایات.

والشاهد على ذلک ما مرّ من ذیل روایة إسماعیل بن جابر: «لأنّهم لم یقفوا على معناه ولم یعرفوا حقیقته فوضعوا له تأویلا من أنفسهم بآرائهم» وهو یعنی أنّ المتشابه ما لا یفهم الإنسان معناه، ولذلک یرى نفسه مضطراً إلى أن یأوّله من عند نفسه، وهذا لا یکون صادقاً فی العمل بالظواهر والمطلقات والعمومات لأنّ المعنى فیها مفهوم واضح.

هذا مضافاً إلى ما ورد فی ذیل آیة المحکم والمتشابه وهو قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) حیث لا یخفى أنّ العمل بالظواهر لا یکون فیه ابتغاء الفتنة، بل الفتنة تنشأ من ناحیة اتّباع الذین فی قلوبهم المرض أحد الاحتمالین، وهو یصدق فی ما لیس له ظهور أو ما یخالف الظهور.

الوجه الثالث: روایات تدلّ على أنّ للقرآن مفاهیم عالیة لا تصل إلیها الأیدی العادیة والأفهام القاصرة للناس، ولذلک لا ظهور لها بالنسبة إلیهم.

منها: ما رواه عبدالعزیز العبدی عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی قول الله عزّوجلّ: (بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال: «هم الأئّمة(علیهم السلام)»(25).

ومنها: ما رواه أبو بصیر قال: قرأ أبو جعفر (علیه السلام) هذه الآیة: (بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ثمّ قال: «أما والله یاأبا محمّد ما قال ما بین دفّتی المصحف» قلت: من هم جعلت فداک؟ قال: «من عسى أن یکونوا غیرنا»(26).

ومنها: ما رواه أبو بصیر أیضاً قال سمعت أبا جعفر یقول فی هذه الآیة: «(بَلْ هُوَ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ فِی صُدُورِ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فأوى بیده إلى صدره»(27).

ومنها: ما رواه سدیر عن أبی عبدالله (علیه السلام) فی حدیث قال: «علم الکتاب کلّه والله عندنا علم الکتاب کلّه والله عندنا»(28).

ومنها: ما رواه الطبرسی فی التفسیر الصغیر عن الصادق (علیه السلام) فی قوله تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتَابِ) قال: «إیّانا عنى وعلی أوّلنا»(29).

والجواب عن هذا الوجه أنّ المقصود من هذه الرّوایات أنّ للقرآن بطوناً فی مقابل الظواهر، والمختصّ بالأئمّة هی تلک البطون خاصّة لا الظواهر، ولنا على هذا شواهد من نفس الرّوایات:

منها: ما رواه جابر قال قال أبو عبدالله (علیه السلام): «یاجابر أنّ للقرآن بطناً وللبطن ظهراً ولیس شیء أبعد من عقول الرجال منه، أنّ الآیة لینزل أوّلها فی شیء وآخرها فی شیء وهو کلام متصرّف على وجوه»(30).

فإنّ الضمیر فی قوله «منه» یرجع إلى القرآن فیکون المقصود أنّ القرآن بجمیع شؤونه من الظاهر والباطن لا یفهمه غیر الأئمّة، ولا أقلّ من أنّ هذا طریق الجمع بینها وبین ما دلّ على إرجاع آحاد الناس إلى الکتاب العزیز، وقد عرفت أنّها متواترة.

ومنها: ما رواه فضیل بن یسار قال: سألت أبا جعفر عن هذه الرّوایة: ما من القرآن آیة إلاّ ولها ظهر وبطن، قال: «ظهره وبطنه تأویله، ومنه ما قد مضى ومنه ما لم یکن، یجری کما تجری الشمس والقمر کلّما جاء تأویل شیء یکون على الأموات کما یکون على الأحیاء، قال الله: (وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ)»(31). ومعنى قوله «ظهره وبطنه تأویله» أنّ ظهره واضح وأمّا بطنه فهو تأویله.

ومنها: ما رواه زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «تفسیر القرآن على سبعة أوجه، منه ما کان ومنه ما لم یکن بعد، تعرفه الأئمّة (علیهم السلام)»(32)، وظاهر الرّوایة أنّ التفسیر (وهو الکشف عن المغطّى) عندهم (علیهم السلام).

ومنها: ما روی عن الباقر (علیه السلام) فی قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِی الاَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) قال: «هم الأئمّة المعصومون(علیهم السلام)»(33).

فإنّ آیة «ولو ردّوه إلى الرسول ... الخ» نزلت فی ما لا یکون له ظهور، ولذلک وقع الاختلاف فیه فتدلّ هذه الرّوایة على أنّ هذا السنخ من الآیات علمها عند الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) فقط.

ومنها: ما رواه إسماعیل بن جابر عن الصادق (علیه السلام) قال: «إنّ الله بعث محمّداً فختم به الأنبیاء فلا نبی بعده، وأنزل علیه کتاباً فختم به الکتب فلا کتاب بعده ـ إلى أن قال ـ : فجعله النبی (صلى الله علیه وآله)علماً باقیاً فی أوصیائه فترکهم الناس وهم الشهداء على أهل کلّ زمان حتّى عائدوا من أظهر ولایة ولاة الأمر وطلب علومهم، وذلک أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض ... ولهذه العلّة وأشباهها لا یبلغ أحد کنه معنى حقیقة تفسیر کتاب الله تعالى ولا نبیّه وأوصیاؤه»(34) ودلالتها أیضا على المطلوب ظاهرة.

الوجه الرابع: روایات تدلّ على أنّ مخاطب القرآن إنّما هو الرسول (صلى الله علیه وآله)والأئمّة الهادین، وهذه صغرى إذا انضمّت إلى کبرى اختصاص حجّیة الظواهر بمن خوطب به یستنتج منها أنّ ظواهر الکتاب لیست حجّة لغیر الأئمّة (علیهم السلام):

منها: ما رواه زید الشحّام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبی جعفر (علیه السلام)فقال: «یاقتادة أنت فقیه أهل البصرة؟» فقال: هکذا یزعمون فقال أبو جعفر (علیه السلام): «بلغنی أنّک تفسّر القرآن ـ إلى أن قال أبو جعفر (علیه السلام) ـ ویحک یاقتادة إن کنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسک فقد هلکت وأهلکت، وإن کنت قد فسّرته من الرجال فقد هلکت وأهلکت، ویحک یاقتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به»(35).

وفیه إشکال صغرى وکبرى: أمّا الصغرى فلأنّ اختصاص مخاطبی القرآن بالرسول (صلى الله علیه وآله)والأئمّة (علیهم السلام) کلام غیر معقول، لما ورد من أنّ النبی (صلى الله علیه وآله) کان یحتجّ مع المشرکین بهذه الآیات، وکان المشرکون والکافرون یخاطبون بها بمثل قوله تعالى: «یاأهل الکتاب» و «یاأیها الکافرون» و «یاأیّها الناس» ولا یکاد ینتظرون تفسیر النبی (صلى الله علیه وآله) الذی لم یؤمنوا به.

وأمّا روایة قتادة فهی تفسّر بما رواه شبیب بن أنس عن بعض أصحاب أبی عبدالله (علیه السلام)فی حدیث أنّ أبا عبدالله قال لأبی حنیفة: «أنت فقیه العراق؟» قال: نعم قال «فبم تفتیهم؟» قال: بکتاب الله وسنّة نبیّه (صلى الله علیه وآله) قال: «یاأبا حنیفة: تعرف کتاب الله حقّ معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟» قال: نعم، قال: «یاأبا حنیفة لقد ادّعیت علماً ویلک ما جعل الله ذلک إلاّ عند أهل الکتاب الذی اُنزل علیهم، ویلک ولا هو إلاّ عند الخاصّ من ذرّیة نبیّنا محمّد (صلى الله علیه وآله)، وما ورّثک الله من کتابه حرفاً»(36).

وهی تدلّ على أنّ خصوصیّات الناسخ والمنسوخ وشبهها عند الأئمّة (علیهم السلام)فقط، وهذا ردّ على الذین استغنوا بآرائهم عن مسألتهم، ولا یشمل من یعمل بظواهر الکتاب ویأخذ المشکلات من أهله، ولا أقلّ من أنّ هذا طریق الجمع بینها وبین ما دلّ على ارجاع الناس عموماً إلى القرآن الکریم.

فالمراد من قوله فی روایة قتادة: «إنّما یعرف القرآن من خوطب به» هو معرفة تفسیر البطون والأسرار والمتشابهات، کما یشهد علیه صدرها: «بلغنی أنّک تفسّر القرآن» وقد عرفت أنّ التفسیر عبارة عن کشف المغطّى، وکما یشهد علیه أیضاً ما روی عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) فی احتجاجه على زندیق سأله عن آیات متشابهة من القرآن فأجابه ـ إلى أن قال ـ : «ثمّ إنّ الله قسّم کلامه ثلاثة أقسام فجعل قسماً منه یعرفه العالم والجاهل، وقسماً لا یعرفه إلاّ من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تمییزه ممّن شرح الله صدره للإسلام، وقسماً لا یعلمه إلاّ الله وملائکته والراسخون فی العلم، وإنّما فعل ذلک لئلاّ یدّعی أهل الباطل المستولین على میراث رسول الله (صلى الله علیه وآله)من علم الکتاب ما لم یجعله الله لهم، ولیقودهم الاضطرار إلى الایتمام بمن ولّی أمرهم فاستکبروا عن طاعته»(37).

هذا کلّه فی الصغرى.

وأمّا الکبرى فلما مرّ فی جواب کلام المحقّق القمّی(رحمه الله) من عدم اختصاص حجّیة الظواهر بالمقصودین بالإفهام وأنّ بناء العقلاء استقرّ على الأعمّ منهم.

الوجه الخامس: أنّ ظاهر الکتاب وإن لم یکن ذاتاً مندرجاً فی المتشابه لکنّه مندرج فیه بالعرض، فسقط عن الظهور، وذلک لأجل العلم الإجمالی بطروّ التخصیص والتقیید والتجوّز فی الکتاب.

واُجیب عن هذا الوجه بجوابین: أحدهما: بالنقض، والآخر بالحلّ، أمّا الأوّل فبالنقض بالإخبار فلا بدّ من القول بعدم حجّیة ظواهرها أیضاً.

وأمّا الثانی فبأنّ سببیة العلم الإجمالی (بإرادة خلاف الظاهر فی جملة من الآیات) للإجمال مشروطة بعدم انحلاله بالظفر فی الرّوایات بالمخصّصات وغیرها من موارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال، ومع الانحلال لا إجمال.

وإن شئت قلت: إنّ دائرة المعلوم بالإجمال لیست مطلق الأمارات حتّى یقال ببقاء احتمال التخصیص ونحوه حتّى بعد الظفر بمخصّصات ونحوها فیما بأیدینا من الرّوایات وغیرها، بل خصوص ما لو تفحّصنا عنه لظفرنا به، وهذا العلم الإجمالی یمنع عن التمسّک بالظواهر قبل الفحص لا بعده، فبعد الفحص إذا لم یظفر بما یخالف ظاهر الکتاب من تخصیص أو تقیید أو قرینة مجاز یکون ذلک الظاهر ممّا علم خروجه تفصیلا عن أطراف الشبهة، فلا مانع حینئذ من إجراء أصالة الظهور فیه.

الوجه السادس: ما یبتنی على مزعمة تحریف القرآن، وهو أن یقال: إنّا نعلم إجمالا بوقوع التحریف فی الکتاب، وکلّ ما وقع فیه التحریف یسقط ظهوره عن الحجّیة، فظواهر کلام الله تسقط عن الحجّیة.

وهو باطل صغرى وکبرى، ونقدّم البحث عن الکبرى لاختصاره، فنقول: سلّمنا وقوع صغرى التحریف فی الکتاب لکنّه لا یوجب المنع عن حجّیة ظواهر القرآن الکریم، وذلک لاُمور:

الأوّل: أنّ التحریف على فرض وقوعه لا یوجب التغییر فی المعنى دائماً کالتحریف بإسقاط آیة أو سورة لا إرتباط لها بما قبلها وما بعدها.

الثانی: أنّ محلّ الکلام هو آیات الأحکام، ودواعی التحریف فیها ضعیفة، وإنّما الدواعی فی ما له ربط بسیاسیاتهم أعنی مسألة الولایة والحکومة، فتأمّل.

الثالث: أنّه لو فرضنا وجود العلم الإجمالی بالتحریف فی مجموع الآیات من الأحکام وغیرها لکنّه غیر ضائر بحجّیتها لکونه من موارد الشبهة غیر المحصورة أی من قبیل العلم الإجمالی بالقلیل فی الکثیر وهو لا یوجب الإحتیاط على ما قرّر فی محلّه.

الرابع: سلّمنا کون الشبهة محصورة، وأنّ العلم الإجمالی فی المقام من قبیل العلم بالکثیر فی الکثیر إلاّ أنّه لا یوجب أیضاً عدم حجّیة الظواهر لأنّه من موارد عدم ترتّب أثر شرعی على بعض أطراف العلم الإجمالی لو کان المعلوم بالإجمال محقّقاً فیه، فإنّ الخلل المعلوم بالإجمال إن کان فی ظواهر غیر آیات الأحکام من القصص والحکایات والاعتقادات والأخلاقیات لم یؤثّر شیئاً لعدم تکلیف شرعی عملی فیها ولیست هی أحکاماً تعبّدیّة بل إنّها إرشادات إلى عدّة من الأحکام العقلیّة، وإن کان فی ظواهر آیات الأحکام فهو شکّ بدوی فتکون أصالة الظهور فی الأحکام باقیة على حجّیتها.

وقد اُجیب عن هذا الوجه فی کلمات بعض الأعاظم بأنّ جمیع آیات القرآن داخلة فی محلّ الابتلاء فی العمل بناءً على ما هو المشهور من لزوم قراءة سورة کاملة فی الرکعتین الأوّلیین من کلّ صلاة، ولو وقع التحریف فی سورة لا یصحّ قراءتها فی الصّلاة لعدم کونها کاملة سواء کان المحتوى فیها من الأحکام أم غیرها، وإذن یصیر کلّ سورة من سور القرآن محلا للابتلاء فی العمل فیؤثّر العلم الإجمالی أثره من عدم الحجّیة.

کما یمکن إثبات دخول جمیع القرآن فی موضع الابتلاء من طرق اُخرى أیضاً کاعتبار الطهارة فی مسّها سواء کانت من الأحکام أم غیرها.

أقول: الإنصاف هو عدم الاعتماد بشیء من هذه الوجوه، وذلک لأنّ أصالة حجّیة الظواهر لیست من الاُصول التعبّدیّة بل هی کأصالة الحقیقة من الاُصول العقلائیّة الطریقیّة التی استقرّ علیها بناء العقلاء من باب أنّها طریق لکشف الواقع لا من باب مجرّد التعبّد، وحینئذ لابدّ من ملاحظة بناء العقلاء فی المقام وأنّه هل هو ثابت على حجّیة ظواهر کتاب حتّى بعد وقوع التحریف فیها أو لا؟ الإنصاف أنّ بناءهم لم یستقرّ علیها فی هذه الصورة من دون فرق بین کونها داخلة فی محلّ الابتلاء وعدمه، ومن دون فرق بین أن یترتّب علیها أثر شرعی أو لا یترتّب.

والحقّ فی الجواب أن نقول: أنّ الطوائف العشرة الدالّة على لزوم الأخذ بظواهر کتاب الله التی مرّت سابقاً لا تدعونا إلاّ إلى العمل بهذا القرآن الموجود فی أیدی المسلمین، وتلاوة آیات هذا القرآن الذی وصل إلینا من عهد أمیر المؤمنین (علیه السلام) والصادقین (علیهما السلام) سواء قلنا بتحریفه بعد رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی مدّة قصیرة قبل جمعه فی عهد عثمان أو لم نقل به کما هو الحقّ، وسیأتی تفصیله إن شاء الله، لأنّه لا یقول أحد بوقوع التحریف بعد جمع عثمان إلى زماننا هذا.

وبالجملة لو فرضنا وقوع التحریف فیه وعدم بناء العقلاء على حجّیة کتاب محرّف فلا کلام ولا إشکال فی حجّیة القرآن الموجود بأیدینا شرعاً وإنّا مأمورین بالعمل به بمقتضى تلک الرّوایات الکثیرة.

هذا کلّه فی کبرى الوجه السادس من الوجوه التی استدلّ بها لعدم حجّیة ظواهر القرآن الکریم، أمّا الصغرى (وهی صغرى وقوع التحریف) فلا بدّ من البحث فیه بحثاً لا یکون فیه اقتصار مخلّ ولا تطویل مملّ فنقول ومن الله التوفیق والهدایة:


1. راجع درر الفوائد: ج2، ص359 ـ 362، طبع جماعة المدرّسین.
2. نهایة الدرایة: ج2، ص62، الطبع القدیم.
3. سورة المائدة: الآیة 15 و 16.
4. سورة الشعراء: الآیة 192 ـ 195.
5. وقد جمع إسناد هذا الحدیث القیّم من طرق العامّة والخاصّة فی کتاب جامع أحادیث الشیعة الذی جمع تحت إشراف سیّدنا الاُستاذ المحقّق البروجردی(رحمه الله) فراجع: ج1، الباب4، من أبواب المقدّمة.
6. وسائل الشیعة: ح 10 من ذلک الباب، وراجع أیضاً: ح 11 و 12 و 14 و 15.
7. المصدر السابق: أبواب صفات القاضی، الباب9، و19 و21 و35.
8. المصدر السابق: ج 12، الباب 6، من أبواب الخیار.
9. المصدر السابق: ج 5، باب 17، من أبواب صلاة المسافر، ح 4.
10. وسائل الشیعة: ح 1، ج 18، أبواب حدّ المسکر، باب 10.
11. المصدر السابق: ح 5، ج 1، باب 39، من أبواب الوضوء.
12. المصدر السابق: ح 22، ج 18، باب 9، من أبواب صفات القاضی.
13. المصدر السابق: ح 82، الباب 13، من أبواب صفات القاضی.
14. المصدر السابق: ح 81.
15. وسائل الشیعة: ذیل ح 81، الباب 13، من أبواب صفات القاضی.
16. المصدر السابق: ح 28.
17. المصدر السابق: ح 37.
18. وسائل الشیعة: ح 66، الباب 13، من أبواب صفات القاضی.
19. وهی: ح 64 و43.
20. المصدر السابق: ح 63، من الباب 3، من أبواب صفات القاضی.
21. وسائل الشیعة: ح 67، الباب 3 من ابواب صفات القاضی.
22. المصدر السابق: ح 62، الباب 13، من أبواب صفات القاضی.
23. المصدر السابق: ح 53.
24. المصدر السابق: ح 7.
25. وسائل الشیعة: ح 10، الباب 13، من ابواب صفات القاضی.
26. المصدر السابق: ح 11.
27. المصدر السابق: ح9.
28. المصدر السابق: ح 16.
29. المصدر السابق: ح 58.
30. وسائل الشیعة: ح 74، الباب 13، من ابواب صفات القاضى.
31. المصدر السابق: ح 49.
32. المصدر السابق: ح 51.
33. المصدر السابق: ح 61.
34. وسائل الشیعة، ح 62، الباب 13، من ابواب صفات القاضی.
35. المصدر السابق: ح 25.
36. المصدر السابق: الباب 6، من أبواب صفات القاضی، ح 27.
37. وسائل الشیعة: ح 44، الباب 13، من أبواب صفات القاضی.

 

کلام فی التشریعالکلام فی عدم تحریف الکتاب العزیز
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma