لا إشکال ولا کلام فی لزوم الفحص عن الدلیل الاجتهادی فی الاُصول العملیّة إذا کانت الشبهة حکمیّة، إنّما الکلام فی الفرق بین الموردین، أی بین الفحص عن المخصّص فی العمل بالعام وبین الفحص عن الدلیل الاجتهادی فی جریان الاُصول العملیّة.
فقال المحقّق الخراسانی (رحمه الله) ما حاصله: الفحص فی الأوّل فحص عمّا یزاحم الحجّیة، وأمّا فی الثانی فبدون الفحص لا حجّة أصلا لأنّ الموضوع فی البراءة العقلیّة مثلا هو اللاّبیان، وهو لا یحرز بدون الفحص کی یکون الحکم المترتّب علیه حجّة.
لکن الإنصاف فی المسألة هو التفصیل بین أصالة الاحتیاط وغیرها من الاُصول، والفرق المذکور إنّما یتمّ فی غیر الاحتیاط، أمّا فی البراءة العقلیّة منه فلأنّ موضوعها اللاّبیان، وهو لا یحرز بدون الفحص کما مرّ، وأمّا البراءة الشرعیّة فلأنّ دلیلها وهو حدیث الرفع مقیّد بما بعد الفحص إجماعاً کما صرّح به المحقّق الخراسانی(رحمه الله)، وأمّا الاستصحاب عند من یقول بحجّیته فی الشبهات الحکمیّة فلأنّ دلیلها إمّا مقیّد بالإجماع کما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی (رحمه الله)أیضاً، أو منصرف إلى ما بعد الفحص کما هو المختار، وکذلک أصالة التخییر لأنّ موضوعها هو دوران الأمر بین المحذورین، وهو لا یصدق عقلا إلاّ بعد الفحص.
هذا کلّه فی غیر أصالة الاحتیاط، وأمّا فیها فالفحص لیس فحصاً عن الحجّة والمقتضی، لأنّ المقتضی فیها هو العلم الإجمالی، وهو تامّ موجود قبل الفحص، وحینئذ یکون الفحص عن المانع وعمّا یزاحم الحجّیة.
وإن شئت قلت: لا حاجة فیها إلى الفحص لجواز الاحتیاط وعدم وجوب الاجتهاد أو التقلید قبل الفحص فی جمیع الشبهات کما علیه الفتوى.
وبالجملة الفحص فیها لیس واجباً وإنّما یجب للخروج عن الاحتیاط بالظفر على الدلیل الرافع لموضوعه.
هذا کلّه فی الاُصول العملیّة، وکذلک فی الاُصول اللفظیّة، فلا بدّ فیها أیضاً من التفصیل على المبانی والوجوه الأربعة المذکورة للزوم الفحص، فعلى بعض تلک الوجوه یکون الفحص فحصاً عن المقتضی، وعلى بعضها الآخر یکون فحصاً عن المانع کما مرّ تفصیله فی التنبیه الثانی.
