إنّه لو لم یؤخذ بالظنّ لزم ترجیح المرجوح على الراجح وهو قبیح.
واُجیب عنه: بأنّ هذه الملازمة تتحقّق فیما إذا لم یمکن العمل بطریق ثالث غیر الظنّ وأخویه مع أنّه یتصوّر هنا طریق ثالث وهو العمل بالاُصول العملیّة أو الإحتیاط.
وإن شئت قلت: أنّ هذا مقدّمة من مقدّمات الانسداد ولا یوجب لزوم العمل بالظنّ إلاّ بعد تمامیّة مقدّمات الانسداد، ومعها لا یکون هذا الوجه دلیلا مستقلا.
هذا ـ والمحقّق الحائری (رحمه الله)إستشکل أیضاً فی کبرى استحالة ترجیح المرجوح على الراجح فی درر الفوائد ببیان: «أنّه إن أراد من الراجح ما هو راجح بملاحظة أغراض الفاعل ویقابله المرجوح کذلک فترجیح المرجوح بهذا المعنى غیر ممکن (لا أنّه قبیح) لأنّه راجع إلى نقض الغرض، ومجرّد الأخذ بالطرف الموهوم لیس ترجیحاً بهذا المعنى (حتّى یقال بإمکان وقوعه تکویناً) إذ ما لم یترجّح بملاحظة اغراضه لم یمل إلیه فی خلاف جهة غرضه، وإن لم یرد من الراجح ما هو راجح بملاحظة أغراض الفاعل بل أراد من الراجح الظنّ (أی الراجح بملاحظة أغراض الشارع) فترجیح الموهوم علیه وإن کان قبیحاً لکن قبحه موقوف على تمامیّة سائر مقدّمات الانسداد ومعها لیس هذا الوجه وجهاً مستقلا»(1).
أقول: الصحیح هو عدم استحالة ترجیح المرجوح على الراجح وکذلک الترجیح بلا مرجّح فی الفاعل المختار (کما هو محلّ البحث فی المقام) لأنّ الاستحالة تنافی الاختیار وتوجب سلب الإرادة، وإرادة الإنسان لیست بمنزلة کفّتی المیزان حتّى یحتاج تقدیم أحدهما على الآخر إلى سبب ومرجّح من الخارج، فالجائع الذی وضع بین یدیه إنائین من الطعام لا یکون لأحدهما ترجیح على الآخر یتوقف عن الأکل حتّى یموت بل یختار أحدهما ویأکل منه، وکذلک فی الإنسان الذی یفرّ من سبع حتّى یصل إلى منشعب طریقین لا ترجیح لأحدهما على الآخر فهل یحکم وجدانک بأنّه یقف ولا یختار أحد الطریقین حتّى یأکله السبع؟ کلاّ.
نعم لا إشکال فی قبح الترجیح بلا مرجّح فی غیر موارد الضرورة کالأمثلة المذکورة آنفاً.
1. درر الفوائد: ج 2، ص 399، طبع جماعة المدرّسین.
