الأقوال فی المسألة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوار الاُصول (الجزء الثانی)
المقام الثالث: ثبوت الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرعالمقام الثانی ـ الأدلّة العقلیّة الظنّیة

فی المسألة أقوال أربعة:

أحدها: أنّ الملازمة ثابتة من جانب الأصل والعکس معاً.

ثانیها: قول الأشاعرة وهو إنکار الملازمة مطلقاً.

ثالثها: قول صاحب الفصول من أنّ الملازمة ثابتة بین حسن التکلیف بفعل أو قبحه وبین حکم الشارع، لا بین حسن الفعل (المکلّف به) أو قبحه وبین حکم الشرع.

رابعها: التفصیل بین ما إذا تطابقت آراء العقلاء على حسن فعل أو قبحه وبین ما إذا لم تتطابق آراؤهم علیه، والملازمة ثابتة فی الصورة الاُولى لا الثانیة (ویستفاد هذا من تضاعیف ما ذکره فی اُصول الفقه)(1).

والمختار هو القول الأوّل، لکن المراد من حکم الشارع هو الأعمّ من الإلزامی وغیره، والدلیل على ذلک حکمة الباری تعالى، فإذا کان الفعل واجداً لمصلحة تامّة أو مفسدة کذلک فکیف یمکن أن لا یکون للشارع فیه حکم مع أنّه قد ثبت عند الإمامیّة عدم خلوّ شیء من الأشیاء من حکم من الأحکام، فبعد حکم العقل بالحسن أو القبح یثبت أوّلا إنقداح إرادة أو کراهة فی بعض المبادىء العالیة ثمّ بانضمام الکبرى الثابتة فی محلّه من عدم خلوّ الأشیاء عن الحکم یثبت حکم الشارع، فالطریق الصحیح عندنا هو حکمة الباری، ومقتضاها ثبوت الملازمة مطلقاً، وکیف یعقل ترک التکلیف من المولى الحکیم إذا کان فی الفعل مصلحة تامّة قطعیة أو مفسدة کذلک؟ ومن المعلوم أنّ ترک الأمر والنهی فی هذه المقامات مناف للحکمة، فإذا أدرک العقل المصلحة التامّة فی أمر (أی مصلحة لا معارض لها) وأدرک علّیة ذلک للحکم بتبعیة الأحکام الشرعیّة للمصالح والمفاسد یکشف أیضاً حکم الشارع به، کحکمه بقبح اختلال النظام الذی یکون علّة لحکم الشارع بحرمته بلا ریب.

وإن شئت فاختبر نفسک أنّه قبل نزول قوله تعالى: (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِیهَا) فهل تحتمل أن لا یکون قتل المؤمن متعمّداً مبغوضاً عند الله وحراماً فی حکمه؟ وهل تحتمل أن تتنزّل الآیة هکذا: (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ الجنّة خَالِداً فِیهَا) کلاّ، لا یقول به إلاّ المکابر، وکذا فی أشباهه من الاُمور التی یدرک العقل حسنها وقبحها ومصالحها ومفاسدها بنحو العلّة التامّة.

واستدلّ المنکرون لعدم الملازمة مطلقاً بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّها مخالفة لقوله تعالى: (وَمَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا)(2) فإنّها تدلّ على أنّه لا عقاب من دون إرسال المرسل وقبل صدور الأدلّة السمعیّة.

واُجیب عنه بوجوه:

الأوّل: أنّ الظاهر من نفی العذاب فی هذه الآیة إنّما هو نفی الفعلیّة لا نفی الاستحقاق، ومحلّ النزاع فی المقام هو الملازمة بین حکم العقل وبین استحقاق العقاب.

ویرد علیه: إنّ هذا لا یفید الفقیه والاُصولی شیئاً، فإنّ نتیجته على کلّ حال نفی العقاب، وهو العمدة فی المقام، فلا تنجّز للأحکام العقلیّة ولا یجب امتثالها فی النتیجة، مع أنّ القائل بالملازمة یرید أن یجعل دلیل العقل من الأدلّة الأربعة التی تنکشف بها القوانین الشرعیّة الإلزامیّة.

الثانی: أنّ العقل أیضاً داخل فی زمرة الرسل، فإنّه رسول وحجّة باطنة کما أنّ النبی (صلى الله علیه وآله)حجّة ظاهرة، وقد ورد فی روایة هشام: «أنّ لله على الناس حجّتین: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهر فالرسل والأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام)، وأمّا الباطنة فالعقول»(3) وفی روایة عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: «حجّة الله على العباد النبی، والحجّة فیما بین العباد وبین الله العقل»(4).

وفیه: أنّ الرسول فی الآیة بقرینة کلمة البعث ظاهر فی الرسول الظاهری ومنصرف إلى الحجج الظاهرة.

الثالث: (وهو الحقّ) أنّ المراد من العذاب فی الآیة لیس مطلق العذاب، بل المراد منه عذاب الإستئصال الذی یوجب الهدم والهلاک فی الدنیا کالطوفان لقوم نوح (علیه السلام) والغرق لقوم فرعون والصیحة السماویّة لأقوام اُخر، فالآیة إشارة إلى هذا النوع من العذاب، ولذلک عبّرت عنه بصیغة الماضی بقوله تعالى: «ما کنّا» ویشهد لذلک أیضاً ما وردت بعدها من قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِیراً وَکَمْ أَهْلَکْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوح وَکَفَى بِرَبِّکَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِیراً بَصِیراً)(5). ولا أقلّ من أنّه لیس للآیة إطلاق یشمل غیر عذاب الإستئصال فإنّها محفوفة بما یصلح للقرینة.

الرابع: أنّ الآیة کنایة عن إتمام الحجّة ویکون ذکر بعث الرسل فیها من باب الغلبة لأنّ جلّ الأحکام وصلت إلینا من طریق الأدلّة السمعیّة، فیکون مفاد الآیة «إنّا لا نعذّب العباد حتّى نتمّ الحجّة علیهم» ویشهد على هذا قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَکْنَاهُمْ بِعَذَاب مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَیْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آیَاتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى)(6).

وهذا الجواب أیضاً لا بأس به.

الخامس: سلّمنا ولکن إطلاق الآیة قابل للتقیید بالمستقلاّت العقلیّة، فإنّ هذا الظهور دلیل ظنّی وذاک دلیل قطعی.

فتلخّص من جمیع ما ذکر أنّ الاستدلال بالآیة لنفی الملازمة غیر تامّ بالوجوه الثلاثة الأخیرة.

الوجه الثانی: لعدم الملازمة: ما یدلّ من الرّوایات على خلوّ کلّ شیء عن الحکم قبل ورود الشرع وأنّ کلّ شیء مطلق حتّى یرد فیه نهی(7).

والجواب عن هذا الاستدلال هو الوجهان الأخیران من الوجوه الخمسة المذکورة فی الجواب عن الدلیل الأوّل:

أحدهما: انصراف إطلاقها إلى الغالب، والثانی: أنّ الإطلاق على فرض ثبوته قابل للتقیید.

الوجه الثالث: ما ذکر فی علم الکلام من استناد لزوم بعث الرسل إلى قاعدة اللطف لأنّ تمام اللطف وکماله متوقّف على تأکید أحکام العقل بأدلّة سمعیة وإمضائها من ناحیة بعث الرسل.

والجواب عن هذا واضح، وهو ما مرّ فی البحث عن الإجماع اللطفی، فقد ذکرنا هناک أنّ الواجب من اللطف عبارة عن إیجاد الحدّ الأقل من تهیئة أسباب الرشد والکمال بحیث لو لم یعدّها المولى لکان مقصّراً فی أداء وظیفته وناقضاً لغرضه.

الوجه الرابع: ثبوت الأحکام العقلیّة فی حقّ الصبی المراهق إذا کان کامل العقل لطیف القریحة مع عدم کونه مکلّفاً بوجوب ولا تحریم باتّفاق جمیع الفقهاء لحدیث رفع القلم.

وفیه: أنّه یمکن أن یقال أنّ حدیث رفع القلم ناظر إلى غالب الأحکام ویکون منصرفاً عن المستقلاّت العقلیّة، فهل یمکن أن یفتی أحد من الفقهاء بجواز قتل النفس المحترمة والظلم على الناس وغیر ذلک من القبائح لمثل هذا الصبی ویحکم بعدم عقابه فی الآخرة؟ کلاّ ـ ولا زال فکری مشغولاً بهذا وکنت أستبعده منذ الزمن القدیم، والإنصاف هو الحکم بتحریم مثل هذه الاُمور على الصبی المذکور.

فإن قلت: فلماذا لا یجری علیه أحکام القصاص بل یکتفی فیه بأخذ الدیّة وصرّح الفقهاء بأنّ عمد الصبی خطأ.

قلنا: البحث فی القصاص والدیّات خارج عن محلّ النزاع، لأنّ النزاع فی العقاب وعدمه، ونفی القصاص عنه فی الدنیا لمصلحة خاصّة أو مفسدة خاصّة لا یلازم نفی العقاب فی الآخرة، مضافاً إلى أنّ أحکام الحدود والدیّات والقصاص لا تصاب بالعقول کما یشهد علیه قصّة أبان، فإنّ الحدّ مثلا ثابت بالنسبة إلى معصیة وغیر ثابت بالنسبة إلى معصیة اُخرى أشدّ منها ظاهراً.

هذه هی أدلّة منکری الملازمة مع الجواب عن کلّ منها على حدة، ویمکن الجواب عن جمیعها بالنقض بوجوب النظر فی معجزة من یدّعی النبوّة ویقول: «انظروا فی معجزتی لتعلموا صدقی» فلا إشکال فی وجوب النظر عقلا، ولو أنکرنا الملازمة وقلنا بلزوم الاکتفاء بالشرع لزم عدم وجوب هذا النظر وسدّ باب دعوة الأنبیاء.

هذا کلّه فی القول الثانی وهو إنکار الملازمة مطلقاً.

وأمّا القول الثالث: وهو ما ذهب إلیه صاحب الفصول (من التفصیل بین حکم العقل بحسن التکلیف وحکمه بحسن الفعل وأنّ الملازمة ثابتة فی الأوّل دون الثانی) فقد ذکر لذلک وجوهاً:

أحدها: حسن التکلیف الابتلائی فإنّ الضرورة قاضیة بحسن أمر المولى عبده بما لا یستحقّ فاعله (من حیث إنّه فاعله) المدح فی نظره استخباراً لأمر العبد أو إظهاراً لحاله عند غیره، ولو کان حسن التکلیف مقصوراً على حسن الفعل لما حسن ذلک.

وحاصله: أنّ الأوامر الإمتحانیّة ممّا لا یمکن إنکارها مع عدم وجود الحسن فی نفس الفعل بل فی التکلیف.

والجواب عن هذا الوجه یتمّ بذکر أمرین:

الأمر الأول: أنّه فرق بین الإمتحانات الإلهیة والإمتحانات الواقعة من جانب الموالی العرفیّة، لأنّ الاُولى لیست للاستخبار ولا معنى له فیها لأنّ الله تبارک وتعالى عالم السرّ والخفیّات، بل إنّها أسباب تربویة لتکامل العباد ورشدهم وبمنزلة تمرینات یعمل بها قبل الورود فی میدان المسابقات، التی تعدّ نوعاً من التقویة والتهیّؤ الروحانی نظیر التهیّؤ الجسمانی، فتکون المصلحة فی نفس الفعل والمقدّمات التی تتحقّق فی الخارج، فإنّ جمیعها تحوی على المصلحة، والمصلحة هی ما ذکر من التعلیم والتربیّة والتقویة الروحانیّة کما حصلت لإبراهیم فی قصّة ذبحه لإسماعیل أشار إلیه تبارک وتعالى بقوله: (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)(8)، فإنّ المصلحة فیها موجودة فی الفعل، أی فی جمیع المقدّمات قبل حصول ذی المقدّمة والوصول إلیها، فإذا وصلت إلى ذی المقدّمة منع عن تحقّقه مانع من جانب الله تعالى.

الأمر الثانی: وإن أبیت عن ما ذکر (من وجود المصلحة فی الفعل) فنقول: الأوامر الإمتحانیة خارجة عن محلّ النزاع، لأنّ النزاع فی الأوامر الجدّیة التی تنشأ عن جدٍّ، والأوامر الإمتحانیة إنشاءات صادرة بالإرادة الاستعمالیّة بداعی الإمتحان لا بداعی الجدّ.

ثانیها: التکالیف التی ترد مورد التقیّة إذا لم یکن فی نفس العمل تقیّة فإنّ إمکانها بل وقوعها فی الأخبار المأثورة عن الأئمّة الأطهار (علیهم السلام) ممّا لا یکاد یعتریه شوب الإنکار، وإن منعنا وقوعه فی حقّه تعالى بل وفی حقّ النبی (صلى الله علیه وآله)أیضاً فإنّ تلک التکالیف متّصفة بالحسن والرجحان لما فیها من صون المکلّف أو المکلَّف عن مکائد الأعادی وشرورهم وإن تجرّد ما کلّف به عن الحسن الابتدائی.

والجواب عنه هو الجواب عن الوجه الأوّل، فإنّ هذا القسم من الأوامر أیضاً خارجة عن محلّ النزاع لخلوّها عن الإرادة الجدّیة.

ثالثها: أنّ کثیراً من الأحکام المقرّرة فی الشریعة معلّلة فی الحقیقة ولو بحسب الظنّ أو الاحتمال بحکم غیر مطرد فی جمیع مواردها، ومع ذلک فقد حافظ الشارع على عمومها وکلّیتها حذراً من الأداء إلى الاخلال بموارد الحکم کتشریع العدّة لحفظ الأنساب من الاختلاط حیث أثبتها الشارع بشرائطها على سبیل الکلّیة حتّى مع القطع بعدم النسب أو بعدم الاختلاط کما فی المطلّقة المدخول بها دبراً أو مجرّداً عن الإنزال والغائب عنها زوجها أو المتروک وطیها مدّة الحمل وغیر ذلک.

وفیه: أنّه یظهر بالتأمّل والدقّة فی هذه الموارد أنّ الفعل أیضاً حسن وذو مصلحة لأنّ العدّة فی موارد القطع بعدم الاختلاط مثلا یوجب الممارسة والتربیّة لإحراز القانون وحفظها فی موارد الاختلاط والالتباس، فله حسن مقدّمی غیری نظیر رعایة مقرّرات السیاقة فی جوف اللیل وحین خلوة الشارع فإنّ فیها مصلحة حفظ هذه المقرّرات فی غیر ذلک الزمان.

رابعها: «الأخبار الدالّة على عدم تعلّق بعض التکالیف بهذه الاُمّة دفعاً للکلفة والمشقّة عنهم کقوله (صلى الله علیه وآله) «لولا أن أشقّ على اُمّتی لأمرتهم بالسواک» فإنّ وجود المشقّة فی الفعل قد یقدح فی حسن الإلزام به وإن لم یقدح فی حسن الفعل، إلاّ أن یکون فی الفعل مزید حسن بحیث یرجّح الإلزام به مع المشقّة کما فی الجهاد، فإنّ الفعل الشاقّ قد یکون حسناً بل واجباً عقلیّاً لکن لا یحسن الإلزام به لما فیه من التضییق على المکلّف مع قضاء الحکمة بعدمه».

ویرد علیه: أنّ الإنصاف فی مثال السواک أنّ المشقّة موجودة فی الفعل بوصف الدوام وهو لا یناسب الشریعة السمحة السهلة فلا توجد فیه مصلحة حینئذ، أی عمل السواک الدائمی لیس ذا مصلحة بل المصلحة موجودة فیه فی الجملة، وبعبارة اُخرى: أنّ الرّوایة وإن دلّت بظاهرها على وجود المشقّة فی الوجوب والإلزام لکن بعد التأمّل یظهر لنا أنّ مشقّة الإلزام تنشأ من مشقّة دوام الفعل لأنّه لو کان الواجب السواک فی بعض الأحیان مثلا لم یکن فی الفعل مشقّة، فالمشقّة ناشئة من الفعل بوصف الدوام، فلا ینشأ عدم الإلزام من عدم حسن التکلیف بل ینشأ فی الواقع من عدم حسن الفعل المکلّف به.

خامسها: «أنّ الصبی المراهق إذا کان کامل العقل لطیف القریحة تثبت الأحکام العقلیّة فی حقّه کغیره من الکاملین ومع ذلک لم یکلّفه الشارع بوجوب ولا تحریم لمصالح داعیة إلى ترک تکلیفه بهما من التوسعة علیه وحفظ القوانین الشرعیّة عن التشویش وعدم الانضباط».

والجواب عنه قد مرّ سابقاً من منع عدم العقاب الاُخروی فی المستقلاّت العقلیّة فی مثل هذا الصبی، وأمّا حدیث رفع القلم فالظاهر أنّه ناظر إلى غالب الأحکام الشرعیّة.

سادسها: «أنّ جملة من الأوامر الشرعیّة المتعلّقة بجملة من الأفعال مشروطة بقصد القربه والامتثال حتّى أنّها لو تجرّدت عنه لتجرّدت عن وصف الوجوب کالصوم والصّلاة والحجّ والزّکاة، فإنّ وقوعها موصوف بالوجوب الشرعی أو رجحانه مشروط بنیّة القربة حتّى أنّها لو وقعت بدونها لم تتّصف به، مع أنّ تلک الأفعال بحسب الواقع لا تخلو إمّا أن تکون واجبات عقلیّة مطلقاً، أو بشرط الأمر بها ووقوعها بقصد الامتثال، وعلى التقدیرین یثبت المقصود، أمّا على الحکم الأوّل فلحکم العقل بوجوبها عند عدم قصد الامتثال وحکم الشارع بعدم وجوبه، وأمّا على الثانی فلانتفاء الحسن قبل التکلیف وحصوله بعده فلم یتفرّع حسن التکلیف على حسن الفعل».

ویرد علیه:

أوّلا: ما مرّ فی مبحث الأوامر من عدم اعتبار قصد الأمر فی تحقّق قصد القربة بل یکفی قصد کونه لله تعالى وقصد حسنه الذاتی.

وثانیاً: أنّ المدّعى فی المقام هو حسن الفعل فی ظرف الامتثال لا حسنه فی ظرف التکلیف، وأمر الشارع وإلزامه متوقّف على الأوّل لا الثانی، ولا إشکال فی أنّ حسن الفعل حاصل فی ظرف الامتثال، هذا ـ مضافاً إلى أنّه بالتأمّل یظهر أنّ أکثر هذه الإشکالات مربوطة بعکس القضیه، وهی «کلّ ما حکم به الشرع حکم به العقل»، وقد مرّ أنّ المدّعى والمختار هو الأصل والعکس معاً.

هذا کلّه فی القول الثالث.

وأمّا القول الرابع: وهو ما ذهب إلیه بعض فضلاء العصر من التفصیل بین ما إذا تطابقت آراء العقلاء على مصلحة أو مفسدة وبین ما إذا لم تتطابق آرائهم على ذلک، فقال فی مقام توجیهه والاستدلال علیه بما نصّه: «الحقّ أنّ الملازمة ثابتة عقلا فإنّ العقل إذا حکم بحسن شیء أو قبحه (أی إنّه إذا تطابقت آراء العقلاء جمیعاً بما هم عقلاء على حسن شیء لما فیه من حفظ النظام وبقاء النوع أو على قبحه لما فیه من الاخلال بذلک) فإنّ الحکم هذا یکون بادىء رأی الجمیع فلا بدّ أن یحکم الشارع بحکمهم لأنّه منهم بل رئیسهم فهو بما هو عاقل (بل خالق العقل) کسائر العقلاء لابدّ أن یحکم بما یحکمون ولو فرضنا أنّه لم یشارکهم فی حکمهم لما کان ذلک الحکم بادىء رأی الجمیع (حاصل رأی الجمیع) وهذا خلاف الفرض»(9) بل فی مثل هذه الحالة صرّح فی موضع آخر من کلامه بأنّ «حکم العقل حینئذ عین حکم الشارع لا أنّه کاشف عنه» وقال فی محلّ آخر ما نصّه: «وعلى هذا فلا سبیل للعقل بما هو عقل إلى إدراک جمیع ملاکات الأحکام الشرعیّة فإذا أدرک العقل المصلحة فی شیء أو المفسدة فی آخر ولم یکن إدراکه مستنداً إلى إدراک المصلحة أو المفسدة العامتین اللتین یتساوى فی إدراکهما جمیع العقلاء فإنّه (أعنی العقل) لا سبیل له إلى الحکم بأنّ هذا المدرک یجب أن یحکم به الشارع على طبق حکم العقل، إذ یحتمل أنّ هناک ما هو مناط لحکم الشارع غیر ما أدرکه العقل، أو أنّ هناک مانعاً یمنع من حکم الشارع على طبق ما أدرکه العقل وإن کان ما أدرکه مقتضیاً لحکم الشارع»(10).

فملخّص کلامه هذا ثبوت الملازمة فی صورة التطابق وعدم ثبوتها فی صورة عدم التطابق وأنّ الوجه فی الأوّل کون الشارع من العقلاء، فلو لم یکن له حکم یستلزم الخلف، وفی الثانی احتمال کون المناط فی نظر الشارع غیر ما هو المناط فی نظر العقل، أو وجود المانع فی فرض اتّحاد المناط، وقال أیضاً فی موضع آخر: «والقضایا المشهورة لیس لها واقع وراء تطابق الآراء، أی أنّ واقعها ذلک فمعنى حسن العدل أو العلم عندهم أنّ فاعله ممدوح لدى العقلاء، ومعنى قبح الظلم والجهل أنّ فاعله مذموم لدیهم»(11).

ثمّ إنّه قال فی محلّ آخر من کلامه (بعد تقسیمه الأمر إلى المولوی والإرشادی وتفسیره الأمر المولوی بالتأسیسی والإرشادی بالتأکیدی) ما نصّه: «والحقّ أنّه للإرشاد حیث یفرض أنّ حکم العقل هذا کاف لدعوة المکلّف إلى الفعل الحسن وإندفاع إرادته للقیام به فلا حاجة إلى جعل الداعی من قبل المولى ثانیاً بل یکون عبثاً ولغواً بل هو مستحیل لأنّه یکون من باب تحصیل الحاصل»(12).

ونتیجة هذا الکلام أنّ حکم الشارع فی مثل قوله تعالى: (کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ)وقوله: (إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) بالقسط والعدل والاحسان إرشادی لأنّ العقل أیضاً یحکم بکلّ واحد منها.

أقول: کلّ هذا من عجائب الکلام لأنّه أوّلا: أنّه لا دخل لتطابق آراء العقلاء فی المباحث العقلیّة، بل المیزان فیها هو القطع الحاصل ببداهة العقل أو النظر والاستدلال وکلّ إنسان من هذه الناحیة تابع لعقله ویقینه، فلو قطع أحد بوجوب المقدّمة فی مبحث وجود الملازمة بین وجوب المقدّمة ووجوب ذی المقدّمة یکون قطعه هذا حجّة علیه ولو خالفه غیره.

وبعبارة اُخرى: القطع فی المقام نظیر القطع فی الاُمور الحسّیة فکما أنّه حجّة للقاطع فی الاُمور الحسّیة ولا یضرّ بها مخالفة السائرین، فکذلک فی الاُمور العقلیّة البرهانیة، وقد مرّ فیما سبق أنّ النزاع فی المقام لیس منحصراً فی الضروریات فقط فلا دور لإجماع العقلاء وتطابقهم فی حجّیة القطع الحاصل من الدلیل العقلی، نعم أنّها مفیدة على حدّ التأیید وإیجاد اطمئنان القلب.

وثانیاً: أنّ استدلاله لعدم الملازمة فی صورة عدم تطابق آراء العقلاء باحتمال أن یکون هناک مناط لحکم الشارع غیر ما أدرکه العقل أو مانع یمنع عنه ـ مخالف لما هو المفروض فی محلّ الکلام، لأنّ المفروض فی هذه الصورة أیضاً حصول الیقین بالحسن أو القبح (کالیقین بحسن العدل أو قبح الظلم فی صورة تطابق الآراء) جامعاً للشرائط وفاقداً للموانع، والیقین حجّة بذاته من دون حاجة إلى تطابق الآراء.

وثالثاً: أنّ قوله باعتبار تطابق آراء العقلاء واتّفاقهم فی حکم العقل بالملازمة أشبه بالتمسّک بدلیل الاستقراء الذی یرجع إلى استنباط حکم عام من مشاهدة الجزئیات والمصادیق، مع أنّ الدلیل العقلی فی المقام قیاس یتشکّل من صغرى وکبرى، وعبارة عن الحرکة من الکلّی إلى الجزئی.

وإن شئت قلت: إن کان الاستقراء هنا استقراءً ناقصاً لا یوجب القطع بالمصلحة أو المفسدة فلا فائدة فیه ولا یستکشف منه الحکم الشرعی، وإن کان استقراء تامّاً یشمل حکم الشارع أیضاً، فحینئذ یکون الملاک ما استکشفناه من حکم الشرع، ولا دخل أیضاً لتطابق الآراء.

ورابعاً: أنّ الملاک فی مولویّة الحکم إنّما هو صدوره من المولى بما أنّه مولى ومفترض الطاعة، أی صدوره من ناحیة مولویته، وإذاً یمکن الجمع بین التأکید والمولویّة، أی یمکن تأکید أمر مولوی بأمر مولوی آخر، فلا یکون الأمر المولوی منحصراً فی التأسیس، کما أنّ الملاک فی إرشادیّة الحکم صدوره من ناحیة المولى بما أنّه ناصح مرشد (لا بما أنّه مولى) وحینئذ یکون إرشادیّاً ولو کان أوّل ما صدر من المولى، فلیس منحصراً فی التأکید فالأمر فی مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) أو قوله: (کُونُوا قَوَّامِینَ بِالْقِسْطِ)مولوی قطعاً، وإن حکم العقل أیضاً بالعدل والاحسان والقسط، لصدوره منه تعالى بما أنّه مولى مفترض الطاعة لا بما أنّه ناصح ومرشد إلى حکم العقل.

وخامساً: أنّ قوله باستحالة حکم الشارع فی مورد حکم العقل أیضاً کلام عجیب لأنّه کیف یمکن أن یکون التأکید تحصیلا للحاصل، وقد قرّر فی علم الکلام أنّ من غایات بعث الأنبیاء تأکید الأحکام العقلیّة بواسطة التشریع، ولم یقل أحد هناک بأنّه تحصیل للحاصل، وقد اشتهر بینهم أنّ الواجبات الشرعیّة ألطاف فی الواجبات العقلیّة.

وسادساً: ما اشتهر بینهم من أنّ الحسن والقبح من المشهورات المبنیة على التدریب والتربیّة (والظاهر أنّهم أخذوه ممّا ذکره ابن سینا فی منطق الإشارات)(13) الظاهر أنّه من المشهورات التی لا أصل لها وکذا ما ورد فی کلمات بعضهم من أنّ الحسن والقبح من الاُمور الإنشائیّة المجعولة من جانب العقلاء، بل الحقّ أنّه فی کثیر من مصادیقها من الاُمور الواقعیّة البدیهیّة أو ما یقرب من البداهة ولا دخل للتربیة ولا للإنشاء فیهما.

توضیح ذلک: أنّ العدالة والظلم (المذکورین فی المثال) لهما آثار فی المجتمع الإنسانی بل فی الافراد من الصلاح والفساد لا یقدر أحد على إنکارها، لا أقول: إنّه من قبیل «الواحد نصف الإثنین» بل أقول: إنّها تدرک بأدنى تأمّل وتفکّر، فمن ذا الذی لا یدرک المفاسد الحاصلة من الظلم، والمصالح والعمران والتکامل الحاصلة من العدل، ولو کان هناک اختلاف فإنّما هو فی موضوعاته ومصادیقه لا فی أصله.

وإن شئت قلت: هناک اُمور ثلاثة: المصالح والمفاسد الحاصلة من العدل والظلم ونفس هذین الوصفین (العدل والظلم) ثمّ مدح العقلاء وذمّهم على فعلهما.

فالمصالح والمفاسد اُمور واقعیّة تکوینیّة (مثل إراقة الدماء ومصادرة الأموال والاضطرابات الحاصلة منها وخراب البلاد والعدوان على العباد أو الهدوء والراحة وعمارة البلاد ورفاه العباد، کلّ هذه وأشباهها اُمور تکوینیّة) وعلى أثر ذلک یستحسن عقل الإنسان العدالة ویستقبح الظلم من غیر حاجة إلى من یعلّمه ویدرّبه أو یقوم بالجعل والإنشاء.

ثمّ بعد ذلک یمدح العادل ویذمّ الظالم، والإنشاء إنّما هو فی هذه المرحلة فقط (أعنی مرحلة المدح والذمّ) وأمّا الاستحسان والتقبیح العقلییان فهما ینشئآن عن المبادىء الحاصلة من المصالح والمفاسد الخارجیّة وکأنّ الخلط بین هذه الاُمور الثلاثة کان سبباً للمبانی الفاسدة التی أشرنا إلیها آنفاً.

وفی الواقع أنّ الحسن والقبح من المعقولات الثانویّة التی یکون محلّ عروضها هو الذهن ومنشأها فی الخارج، لا من المعقولات الأوّلیّة أو الاُمور المجعولة المحضة.

إلى هنا تمّ البحث عن المرحلة الاُولى من المراحل الثلاثة المبحوث عنها فی الأدلّة العقلیّة، وهو أن یکشف العقل عن حکم الشرع ویحصل القطع به من ناحیة علل الأحکام التامّة، أی المصالح والمفاسد المقتضیة لحکم الشرع مع العلم بفقدان موانعها واجتماع شرائطها.

ومن هنا یظهر الکلام فی المرحلة الثانیة، وهی کشف العقل حکم الشرع من ناحیة معلولات الأحکام، أی من ناحیة ثبوت العقاب وعدمه، نظیر حکم العقل فی الاُصول العملیّة العقلیّة، وهی ثلاثة: البراءة العقلیّة، الاحتیاط العقلی والتخییر العقلی.

أمّا البراءة العقلیّة: فهی مبنیة على کون قاعدة قبح العقاب بلا بیان قاعدة عقلیّة لا عقلائیّة، فیستکشف من حکم العقل بقبح العقاب حکم الشارع بعدم فعلیة الوجوب والحرمة الواقعیین لو کانا فی البین.

وأمّا الاحتیاط العقلی: فهو حکم العقل بصحّة العقاب فی صورة وجود العلم الإجمالی فی الشبهات المحصورة، وکذلک فی الشبهات البدویّة قبل الفحص، فیحکم العقل بفعلیة الحکم الواقعی فی أطراف الشبهة فی الشبهات المحصورة، ویحکم فی الشبهات قبل الفحص بأنّه لو کان هناک حکم واقعی کان فعلیّاً یؤخذ العبد به.

وکذلک التخییر العقلی: فإذا دار الأمر بین الوجوب والحرمة یحکم العقل بقبح العقاب لمن إرتکب الفعل أو ترکه، ویکشف من هذا الطریق عدم فعلیة الحکم الواقعی الشرعی، ففی تمام موارد جریان الاُصول العقلیّة یکشف العقل عن حکم الشرع من طریق نتیجة الحکم، وهی ثبوت العقاب وعدمه، والموضع الأصلی للبحث التفصیلی عن هذه الاُصول هذا المقام، ولکن حیث إن عادة المتأخّرین من الاُصولیین جرت على أن یبحثوا عنها تفصیلا فی مبحث مستقلّ تحت عنوان الاُصول العملیّة فینبغی أن نترکه هنا ونحذو حذوهم.

أمّا المرحلة الثالثة: أو القسم الثالث من الأحکام العقلیّة (وهی العلاقات والملازمات العقلیّة بأن یحکم العقل بالتلازم ویحصل القطع به) فالمبحوث عنها فی الاُصول هی سبعة أبواب:

1 ـ باب وجوب مقدّمة الواجب، فیدرک العقل فی هذا الباب التلازم بین وجوب المقدّمة وذی المقدّمة.

2 ـ باب اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه، وهو فیما إذا قلنا بأنّ المسألة عقلیّة لا لفظیّة (کما قال به بعض).

3 ـ باب اجتماع الأمر والنهی فإنّ القائلین بعدم الجواز یعتقدون بأنّ الأمر یلازم عدم النهی دائماً، وکذا العکس فلا یجتمعان فی شیء واحد ولو بعنوانین.

4 ـ باب الأهمّ والمهمّ، فیحکم العقل بوجود الملازمة بین أهمّیة شیء وفعلیة حکمه وتقدیمه على المهمّ.

5 ـ باب قیاس الأولویّة، فیحکم العقل بوجود الملازمة بین حرمة مرتبة نازلة من الشیء أو الفرد الأدنى منه مثلا وبین حرمة المرتبة العالیة أو الفرد الأعلى منه.

6 ـ باب الأدلّة النهی على الفساد بناءً على کون الدلیل علیه عقلیّاً کما هو المعروف فیدلّ العقل على وجوب الملازمة بین النهی عن عبادة وفسادها.

7 ـ باب الإجزاء فیبحث فیه عن وجود الملازمة بین الأمر بشیء وإجزائه.

ثمّ إنّ غالب هذه المسائل یبحث عنها فی مباحث الألفاظ مع أنّ جمیعها من الملازمات العقلیّة ولذلک نقول: أنّ اُصولنا وإن تکاملت فی مفرداتها إلاّ أنّه لیس لها نظم سلیم منطقی.

وحیث إنّه مرّ البحث فی هذه المسائل السبعة فی أبواب الألفاظ فلا وجه لتکرارها هنا.

ثمّ إنّه سیأتی إن شاء الله قیاس المنصوص العلّة لیست من الأدلّة العقلیّة بل هو دلیل لفظی، لأنّ کبراه مقدّرة فی اللفظ، ففی مثل «الخمر حرام لأنّه مسکر» یکون المقدّر «وکلّ مسکر حرام» والقرینة قائمة علیه.

إلى هنا تمّ الکلام فی الأدلّة العقلیّة القطعیّة.


1. اُصول الفقه للعلاّمة المظفّر.
2. سورة الإسراء: الآیة 15.
3. اُصول الکافی: باب العقل والجهل، ح12.
4. المصدر السابق: ح22.
5. سورة الإسراء: الآیة16 و17.
6. سورة طه: الآیة 134.
7. وسائل الشیعة: الباب 12، من أبواب صفات القاضی، ح 60.
8. سورة البقرة: الآیة 124.
9. اُصول الفقه: المجلّد الأوّل (ص237، طبع دار النعمان بالنجف، الطبعة الثانیة) للعلاّمة المحقّق الشیخ محمّد رضا المظفّر(رحمه الله).
10. اُصول الفقه: ص239 ـ 240.
11. المصدر السابق: ص225.
12. المصدر السابق: ص237.
13. بناءً على ما نقله عنه فی اُصول الفقه: المجلّد الأوّل، ص225، من الطبع القدیم (دار النعمان بالنجف).

 

المقام الثالث: ثبوت الملازمة بین حکم العقل وحکم الشرعالمقام الثانی ـ الأدلّة العقلیّة الظنّیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma