والمراد من الکشف أن نستکشف من مقدّمات الانسداد على تقدیر القول بسلامة جمیعها أنّ الشارع جعل الظنّ حجّة فی هذا الحال، فیمکن حینئذ إسناد الحکم المکشوف إلى الشارع وترتّب سائر الآثار المترتّبة على شرعیّة الحکم من إمکان قصد الورود وتخصیص العمومات وتقیید المطلقات به.
والمراد من الحکومة هو أنّه وإن لم نکشف من هذه المقدّمات حکم الشارع فلا تترتّب الآثار المذکورة لکن لا إشکال فی أنّ العقل یحکم عند حصولها بکفایة العمل بالظنّ بحیث یکون مأموناً معه، نظیر ما یقال به فی مقام بیان الفرق بین الإباحة الشرعیّة (کلّ شیء لک حلال حتّى تعلم أنّه حرام) والإباحة العقلیّة (قبح العقاب بلا بیان) من أنّها إذا کانت شرعیّة یترتّب علیها آثارها من الأمن من العقاب من دون أن یثبت بها حکم شرعی.
وکیف کان، ذهب القوم إلى أنّ غایة ما تقتضیه مقدّمات الانسداد هو حکومة العقل بحجّیة الظنّ، والأکثر من هذا المقدار وإثبات کشف حکم الشرع وراءه یحتاج إلى دلیل.
إن قلت: إنّ هذا یستلزم التفکیک بین حکمی العقل والشرع وإنکار الملازمة بینهما.
قلنا: أنّ الملازمة بینهما إنّما هی فی مورد یکون قابلا لحکم الشرع، والمورد فی المقام غیر قابل له، لأنّ حجّیة الظنّ معناها وجوب الإطاعة الظنّیة فی حال الانسداد، فترجع إلى کیفیة الإطاعة، وکما أنّ نفس الإطاعة ممّا یمتنع تعلّق الحکم الشرعی بها إلاّ إرشاداً لما بیّن فی محلّه من محذور التسلسل، کذلک کیفیة الإطاعة.
لکن لقائل أن یقول: إنّا نستکشف من دأب الشارع ودیدنه أنّه لا یترک الناس بلا تکلیف ولا یسرحهم بلا إراءة طریق فی کلّ ما یحتاجون إلیه حتّى یستلزم منه خلأ قانونی فی عالم التشریع کما تدلّ علیه روایات کثیرة وردت فی هذا المجال، وقد عقد فی الوافی باب فی أنّه لیس شیء ممّا یحتاج إلیه الناس إلاّ وقد جاء فیه کتاب أو سنّة، وفی الوسائل باب فی «إماطة الأذى عن طریق المسلمین» ویستفاد منه أنّ فی الشریعة المقدّسة وضع لکلّ شیء قانون حتّى لقشر البطیخ المطروح فی الطریق، فهل یعقل من حکمة الباری الحکیم إهمال الاُمّة الإسلامیّة فی زمن الغیبة وعدم تعیین طریق لهم للوصول إلى أحکام الشریعة والقوانین المجعولة من ناحیته المقدّسة مع علمه تعالى بقصر مدّة الحضور وطول عصر الغیبة وانسداد باب العلم (على الفرض)؟ ومجرّد وجود أحکام واقعیّة لا تصل إلیها أیدی الناس غیر کاف، بل لا بدّ من جعل قوانین ظاهریّة لهم وعدم ترکهم حائرین.
فیتلخّص من جمیع ذلک أنّ طریق الکشف هو الأوفق بسیرة الشارع فی الأحکام الفرعیّة.
