وهی قوله تعالى: (وَمَا کَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنفِرُوا کَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ)(1).
قد ذکر فی تفسیر هذه الآیة وجوه، أهمّها ثلاثة:
الوجه الأوّل: أن یکون المراد من النفر فیها الخروج إلى الجهاد، غایة الأمر أنّها تنهى المؤمنین أن ینفروا إلى الجهاد کافّة وتأمرهم بالإنقسام إلى طائفتین: فطائفة منهم تنفر إلى الجهاد، وطائفة اُخرى تبقى عند الرسول للتفقّه فی الدین.
والقائلون بهذا الوجه استشهدوا له بصدر الآیة وهو قوله تعالى: (وَمَا کَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنفِرُوا کَافَّةً)فإنّه یدلّ على أنّهم کانوا ینفرون کافّة إلى الجهاد حذراً عن شمول الآیات النازلة فی المنافقین القاعدین لهم، فنهاهم الله عن هذا النحو من الخروج وأخبرهم بأنّ الجهاد مع الجهل واجب کالجهاد مع العدوّ.
وهذا الوجه مخالف لظاهر الآیة من بعض الجهات:
أوّلا: أنّه یحتاج إلى تقدیر جملة «وتبقى طائفة».
وثانیاً: لابدّ من رجوع الضمیر فی قوله تعالى: «لیتفقّهوا» إلى الطائفة الباقیة مع أنّ الظاهر رجوعه إلى الفرقة النافرة المذکورة فی الآیة.
وثالثاً: من ناحیة رجوع الضمیر فی قوله تعالى: «ولینذروا» إلى الطائفة الباقیة، مع أنّ ظاهره أیضاً الرجوع إلى النافرة.
الوجه الثانی: أن یکون المراد من «النفر» النفر إلى الجهاد مع عدم التقدیر المذکور فی الوجه الأوّل، فیرجع الضمیران إلى الطائفة النافرة، أی التفقّه والإنذار یرجعان إلیهم، والله تعالى حثّهم على التفقّه فی میدان الحرب بالتبصّر والتیقّن بما یریهم الله من نصرة الدین وصدق قوله تعالى: (کَمْ مِنْ فِئَة قَلِیلَة غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ الله)(2)، وکذلک قوله تعالى: (إِنْ یَکُنْ مِنْکُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ)(3) لترجع إلى الفرقة المتخلّفة فتحذّرها.