المقام الثانی: فی التعارض الحقیقی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
طریق الوصول إلى مهمّات علم الاُصول ج1
5. دوران الأمر بین التخصیص والمجاز الجهة الثانیة: مقتضى الأصل الثانوی فی المتعارضین


لا یخفى أنّ التعارض إنّما یتصوّر فیما إذا کان کلّ واحد من الدلیلین ظنّیاً، إمّا من ناحیة السند، أو الدلالة، أو جهة الصدور، وأمّا إذا کان أحدهما قطعیاً من جمیع الجهات والآخر ظنّیاً من بعض الجهات فلا إشکال فی تقدیم الأوّل على الثانی، ولا معنى لتعارضهما.
فالتعارض بین الآیات القرآنیة إنّما یتصوّر فیما إذا کانت کلّ واحدة من الآیتین المتعارضتین ظاهرة فی الحکم، أی کانت ظنّیة الدلالة، وهکذا فی الخبرین المتواترین ومعقد الإجماعین المحصّلین، فیتصوّر التعارض فیهما فیما إذا کان الخبر المتواتر ظاهراً فی الحکم وکان للإجماع المحصّل معقد لفظی ظاهر فی الحکم.
ومن ذلک یعلم أنّه لا یتصوّر التعارض فیما إذا کان کلّ من الدلیلین قطعیاً من جمیع الجهات; لأنّه ینافی العلم بکذب أحدهما، بل لا یمکن فرض وجود دلیلین قطعیین متخالفین حتّى یتکلّم فیهما من هذه الجهة.
إذا تبیّن ذلک فاعلم أنّ هنا جهات من البحث لتنقیح أحکام المتعارضین:
الجهة الاُولى: مقتضى الأصل الأوّلی فی المتعارضین
هل الأصل فی التعارض التساقط، أو التخییر، أو الجمع مهما أمکن؟
قد یقال: بلزوم الجمع بینهما استناداً إلى القاعدة المعروفة «الجمع مهما أمکن أولى من الطرح»، والأولویّة هنا هی الأولویّة التعیینیّة، أی وجوب الجمع لا استحبابه.
والجمع یتصوّر على أقسام:
أوّلها: الجمع التامّ بین الدلیلین بالعمل بتمامهما من دون أیّ تصرّف فیهما فإن أمکن ذلک ولو بتدبیر فلا إشکال فی وجوبه، بل هو خارج عن محلّ الکلام ومن التعارض.
ثانیها: أن یکون المراد منه العمل ببعض کلّ منهما أو بعض أحدهما وتمام الآخر عملا یوافقه العرف ویستحسنه، فلا إشکال أیضاً فی تعیّنه وکونه أولى من الطرح کما فی العامّ والخاصّ، ولکنّه أیضاً خارج عن محلّ الکلام; لأنّه لو کان بینهما تعارض فإنّما هو فی النظر البدوی.
ثالثها: أن یکون المراد منه الجمع بین الحقوق المتزاحمة فی باب التزاحم، کالجمع بین حقوق الغرماء فی المفلّس، فلا ریب أیضاً فی لزوم هذا الجمع بمقدار الإمکان ولکنّه أیضاً خارج عن محلّ الکلام.
رابعها: أن یکون المراد منه مطلق الجمع ورفع الید عن ظاهر کلیهما أو أحدهما بتأویلهما أو تأویل أحدهما من دون أیّ شاهد عرفی، وهو ما یسمّى بالجمع التبرّعی.
وهذا الجمع یرد علیه اُمور:
الأوّل: أنّه لا دلیل على أولویّته من الطرح عند العرف والعقلاء.
الثانی: أنّه یوجب الهرج والمرج فی الفقه; لأنّه لا ضابطة للجمع التبرّعی فیمکن لکلّ فقیه أن یختار نوع جمع خاصّ لروایتین غیر ما یختاره الآخر.
الثالث: أنّه یعارضه جمیع أخبار الترجیح عند وجود المرجّحات أو حملها على مورد النادر، أی المورد الذی لا یمکن الجمع فیه ولو بالتأویل وإرتکاب خلاف الظاهر، وهکذا یعارض أخبار التخییر.
فلا أولویة لهذا الجمع عند التعارض، فیدور الأمر بین التخییر والتساقط.
التفصیل بین المبانی فی القول بالتساقط أو التخییر ثمّ إنّ القاعدة الأوّلیّة هل تقتضی التساقط مطلقاً، أو التخییر مطلقاً، أو التفصیل بین المبانی المختلفة فی حجّیة الأمارات من الطریقیّة وأنواع السببیّة؟ الصحیح هو الأخیر.
توضیح ذلک: إنّ المراد من الطریقیة أنّ الأمارة لا توجد مصلحة فی مؤدّاها، بل إنّها مجرّد طریق إلى الواقع فإن أصابت الواقع فمؤدّیها هو الواقع، وإلاّ فیکون عذراً فقط، والمراد من السببیّة أنّ الأمارة توجب حصول مصلحة فی المؤدّى وهی على أقسام أربعة:
1. التصویب الأشعری وحاصلها: أنّ الفقیه یجتهد فی ملاحظة المصالح والمفاسد ثمّ یختار حکماً بلحاظها، وفی الواقع له وضع القانون الإلهی فیما لم یرد فیه نصّ، وهذا المعنى ثابت لجمیع المجتهدین على زعمهم، وإن اختلفوا فی وضع هذه الأحکام، فکلّ واحد منها حکم إلهی یمضیه الله.
وهذا النوع من التصویب یلزم منه نقص التشریع الإلهی وحاجته إلى الإکمال من ناحیة البشر، وهو مخالف لقوله تعالى: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ)(1)، فإنّ الدین الکامل لا یحتاج فی تشریعاته إلى أبناء البشر، وإنّهم لم یقعوا فی هذه المشکلة إلاّ بترک الثقل الأصغر من الثقلین أعنی أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) الذی أمر رسول الله(صلى الله علیه وآله)بالتمسّک بهما.
ولنعم ما قال مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام): «تَرِدُ عَلَى أَحَدِهُم الْقَضِیَّةُ فِی حُکْم مِنْ الاَْحْکامِ فَیَحْکُمُ فِیها بِرَأْیِهِ، ثُم تَرِدُ تِلْکَ الْقَضِیَّةُ بِعَیْنِهَا عَلَى غَیْرِهِ فَیَحْکُمُ فِیهَا بِخِلافِهِ، ثُمَّ یَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذلِکَ عِنْدَ الاِْمَامِ الَّذِی اسْتَقْضَاهُمْ فیُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِیعاً ـ وَإِلهُهُمْ وَاحِدٌ! وَنَبِیُّهُمْ وَاحِدٌ! وَکِتَابُهُمْ وَاحِدٌ! أَفَأمَرَهُمُ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ بِالاْختِلافِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ!»(2).
ولا یخفى أنّه بناءً على هذا المعنى للسببیّة تدخل الأمارات المتعارضة فی باب التزاحم ویکون مقتضى القاعدة حینئذ التخییر.
2. التصویب المعتزلی: وحاصله أنّ لنا واقعاً محفوظاً قد تصیبه الأمارة وقد تخطئ، ولکنّها فی صورة الخطأ توجد مصلحة أقوى من مصلحة الواقع فی مؤدّیها، فتوجب سقوط الواقع عن الفعلیّة وانقلاب الحکم الواقعی إلى مؤدّى الأمارة.
وهذا المعنى أیضاً أجمع أصحابنا على بطلانه، ویکون مقتضى القاعدة بناءً علیه هو التخییر; لأنّ الأخبار المتعارضة تدخل حینئذ فی باب التزاحم أیضاً.
نعم قد فصّل المحقّق الخراسانی(رحمه الله) هنا وقال: «هذا إذا قلنا بالسببیّة مطلقاً ولو فیما علم کذبه، وأمّا إذا قلنا بسببیّة الأمارات فی خصوص ما لم یعلم کذبه من الخبرین المتعارضین بأن لا یکون ما علم کذبه مسبّباً لحدوث مصلحة أو مفسدة فی المتعلّق، فحالهما حینئذ من حیث مقتضى القاعدة الأوّلیة کحالهما بناءً على الطریقیّة عیناً من التساقط»(3)، وما ذکره قریب من الصواب.
3. السببیة الظاهریة: والمراد منها أنّ أدلّة حجّیة الأمارة تجعل حکماً ظاهریاً مماثلا لمؤدّیها، وهذا ما ذهب إلیه جماعة من أعاظم أصحابنا.
والنتیجة بناءً على هذا المعنى هو التساقط بناءً على کون الحکم الظاهری المماثل مجرّد طریق إلى الواقع فحسب، من دون حصول أی مصلحة فیه، وأمّا إذا قلنا إنّها توجب فی مؤدّیها حصول مصلحة أقوى من مصلحة الواقع أو المساوی لها فهو یشبه حینئذ مبنى السببیّة المعتزلیّة، ونتیجته التزاحم بین الأمارة الّتی أصابت إلى الواقع والأمارة الّتی أخطأت، ولکنّها أوجبت مصلحة فی مؤدّیها، فیکون مقتضى الأصل حینئذ التخییر أیضاً.
4. السببیة السلوکیة: أو المصلحة السلوکیّة، والمراد منها أنّ أدلّة حجّیة الأمارة لا توجد مصلحة فی مؤدّیها فی صورة الخطأ، بل إنّها توجب حصول مصلحة فی نفس العمل على طبقها ما یعادل مصلحة الواقع، ففی مثل الأمارة الّتی قامت على وجوب صلاة الجمعة فی زمان الغیبة، بناء على عدم وجوبها واقعاً، لا توجب أدلّة حجّیتها حصول مصلحة فی نفس صلاة الجمعة، بل توجد مصلحة فی العمل بقول الثقة مثلا وسلوک هذا الطریق.
فعلى هذا المبنى أیضاً یکون مقتضى القاعدة التخییر والدخول فی باب التزاحم على تفصیل مرّ ذکره، ولکن لا دلیل على حصول هذه المصلحة فی مقام الإثبات، هذا کلّه بناءً على القول بالسببیّة.
وأمّا على مبنى الطریقیة، وهو الصحیح المختار على ما بیّناه فی محلّه، فذهب أکثر أصحابنا إلى التساقط، واستدلّوا لذلک بوجود العلم الإجمالی بکذب أحد الطریقین، حیث إنّه یوجب عدم اعتماد العرف و العقلاء بکلیهما فیسقط کلّ واحد منهما عن الطریقیة والحجّیة.
وإن شئت قلت: إنّ الطرق الشرعیّة مأخوذة من الطرق العقلائیّة وإمضاء لها غالباً، ولا إشکال فی أنّ العرف والعقلاء فی باب الشهادات والدعاوی ومقام القضاء وغیرها یحکمون ببطلان کلاالطریقین إذا شهد کلّ منهما على خلاف الآخر وتعارضا.
وما ذکرنا من أنّ قضیّة التعارض هو التساقط إنّما هو بملاحظة القاعدة الأوّلیّة، فیعمل به ما لم یدلّ دلیل خاصّ على خلافه، کما فی الخبرین المتعارضین، فإنّ الإجماع والأخبار العلاجیّة قائمان على عدم سقوطهما بل لابدّ من العمل بأحدهما إمّا تعییناً أو تخییراً، نعم إنّها باقیة على حالها فی غیر الخبرین سواء فی الشبهة الحکمیّة کما فی الإجماعین المحصّلین أو فی الشبهة الموضوعیّة کما فی البیّنتین.
عدم دلالة المتعارضین على نفی الثالث
ثمّ إنّه بناءً على تساقط الخبرین المتعارضین هل تبقى دلالتهما الالتزامیّة على نفی الثالث على حالها، أو أنّها أیضاً تسقط؟ فإذا قامت بیّنة على أنّ هذه الدار لزید مثلا وبیّنة اُخرى على أنّها لعمرو فهل یثبت بهما عدم کونها لبکر، أو لا؟ وهکذا فی الشبهات الحکمیّة، فإذا قام الخبر على کون نصاب المعدن عشرین دیناراً ودلّ خبر آخر على أنّه دینار واحد فهل یبقى مدلولهما الالتزامی، فتکون النتیجة عدم وجوب الخمس فی الأقلّ من دینار، أو أنّه أیضاً یسقط؟ فیه قولان:
أحدهما: عدم سقوط الدلالة بالنسبة إلى نفی الثالث وهو المشهور.
ثانیهما: سقوط المتعارضین حتّى من هذه الجهة.
وقد استدلّ للقول الأوّل بأنّ الخبرین المتعارضین یشترکان فی نفی الثالث بالدلالة الالتزامیّة فیکونان معاً حجّة فی عدم الثالث، وتوهّم أنّ الدلالة الالتزامیّة فرع الدلالة المطابقیّة وبعد سقوط المتعارضین فی المدلول المطابقی لا مجال لبقاء الدلالة الالتزامیّة لهما فی نفی الثالث فاسد، فإنّ الدلالة الالتزامیّة إنّما تکون فرع الدلالة المطابقیّة فی الوجود لا فی الحجّیة(4).
ولکن یمکن المناقشة فیه، أوّلا: أنّ هذا صحیح فی مقام الثبوت لا فی مقام الإثبات; لأنّ أدلّة الحجّیة فی مقام الإثبات إنّما تعمّ الدلالة الالتزامیّة بتبع الدلالة المطابقیّة ومن طریقها وفی طولها لا فی عرضها، وبعد فرض عدم شمولها للمدلول المطابقی لا یبقى مجال لحجّیة المدلول الالتزامی.
وبعبارة اُخرى: أدلّة حجّیة الأمارات لا تشمل شیئاً من المتعارضین; للزوم التناقض، فلا یبقى مورد للدلالة الالتزامیّة کما لا یبقى مورد للدلالة المطابقیّة.
وثانیاً: أنّه مخالف للسیرة العقلائیّة والإرتکازات العرفیّة، فإنّها قائمة على سقوط الدلالة الالتزامیّة بتبع الدلالة المطابقیّة، فإذا أخبر ثقة بقدوم زید یوم الجمعة وأخبر ثقة آخر بقدومه یوم السبت، فلا إشکال فی سقوط کلیهما عن الحجّیة عند العرف حتّى فی مدلولهما الالتزامی، وهو عدم قدوم زید یوم الأحد، ولذا یبقى عندهم احتمال قدومه یوم الأحد.
فظهر ممّا ذکرنا، أنّ الصحیح فی المسألة هو القول الثانی، کما قد ظهرت الثمرة المترتّبة على هذا البحث، حیث إنّه بناءً على نفی الثالث لا یمکن الرجوع إلى الإطلاقات والاُصول العملیّة بعد سقوط الخبرین، ففی مثال دوران الأمر بین العشرین والواحد فی نصاب المعدن، لابدّ من الجمع بین الخبرین والأخذ بأقلّ النصابین لانتفاء احتمال ثالث فی البین، مع أنّه بناءً على القول الثانی وهو عدم نفی الثالث یمکن الرجوع إلیها، وهی فی المثال إطلاقات وجوب الخمس فی المعدن، وهی تقتضی وجوب الخمس حتّى فی الأقلّ من دینار، أی تقتضی عدم اعتبار النصاب رأساً، وهو الحقّ.


1 . سورة المائدة، الآیة 3.
2 . نهج البلاغة، الخطبة 18.
3 . کفایة الاُصول، ص 339 ـ 340.
4 . فوائد الاُصول، ج 4، ص 755 ـ 756.






 

5. دوران الأمر بین التخصیص والمجاز الجهة الثانیة: مقتضى الأصل الثانوی فی المتعارضین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma