قد عرفت أنّه کلّما اتّسع نطاق الفقه من العصر الأوّل ترعرعت فی حجره قواعد کلّیة واُصول عامّة یحتاج إلیها الفقیه فی استنباط الأحکام الشرعیّة لتکون دلیلاً وحجّةً له یستند إلیها فی شتّى المجالات الفقهیّة، وهذه الاُصول والقواعد وإن لم تکن فی الأهمّیة والشمول على صعید واحد، إلاّ أنّها یجمعها سریانها فی مسائل متعدّدة من أبواب الفقه، فهی کاُسس تشیّد أرکانه وتشعّب أغصانه.
ثمّ إنّ هذه القواعد وإن کانت بأجمعها تقع فی طریق استنباط الأحکام الشرعیّة، فتمتاز بذلک عن المسائل الفقهیّة الّتی تعطى نتیجتها بأیدی المقلِّدین، إلاّ أنّها باعتبار آخر تنقسم إلى قسمین:
الأوّل: ما یشتمل على حکم کلّی شرعی، تکلیفی أو وضعی، وجودی أو عدمی، وهذا القسم یسمّى بـ «القواعد الفقهیّة» وینبغی البحث عنه فی علم یخصّه، على ما بینّا تفصیله فی محلّه(1).
والثانی: ما لا یشتمل على حکم شرعی، بل یکون ذریعة وحجّة لاستنتاج الأحکام الشرعیّة وتبحث عن هذه القواعد العامّة فی علمنا المبحوث عنه وهو علم اُصول الفقه، والقسم الأوّل من القواعد بما أنّها أحکام شرعیّة، لیست بغنیّة عن هذه القواعد الاُصولیّة بخلاف العکس.
فتبیّن ممّا ذکرناه أنّ علم الاُصول هو «العلم الباحث عن القواعد الّتی تقع فی طریق استنتاج الحکم الکلّی الفرعی الإلهی من دون أن تشتمل بنفسها على حکم شرعی».
وموضوعه هو «الحجّة فی الفقه» لا خصوص الأدلّة الأربعة، ووحدة الموضوع نتیجة وحدة الغرض عادة; فإنّ الغرض المترقّب منه: «تحصیل القدرة على استنباط الحکم الشرعی».