والأقوال فیه خمسة: اعتبار العلوّ فقط(1)، اعتبار الاستعلاء فقط(2)، اعتبار العلوّ والاستعلاء معاً(3)، کفایة أحدهما(4)، عدم اعتبار شیء منهما(5).
والمراد من العلوّ: أن یکون المتکلّم الآمر فی مقام عال; إمّا ظاهریاً کما فی أوامر فرعون، أو معنویاً کما فی أوامر الأنبیاء.
والمراد من الاستعلاء: التکلّم والأمر عن مقام عال، والأمر أو النهی عن منصب عال ـ لا عن موضع الشفیع أو الناصح أو الصدیق ـ سواء کان له مقام عال خارجاً أو لم یکن، فالعلوّ یغایر الاستعلاء، وربّ عال لیس بمستعل وبالعکس.
ویظهر فی بادئ النظر: أنّ کلیهما مأخوذان فی المعنى، فلذلک یقال لمن أمر من دون أن یکون له علوّ: «ما شأنک حتّى تأمرنی وأنا أعلى منک» ویصحّ من القائل دفعاً لتوهّم استعلائه على المخاطب الجواب بأنّ هذا لیس بأمر، بل هو استدعاء.
والتحقیق أن یقال: إنّ المتبادر من الأمر إنّما هو نوع من الإلزام ـ فی مقابل الاستدعاء الذی لیس فیه إلزام ـ وهو یتصوّر فیمن کان مطاعاً بنحو من الأنحاء، أی یصدر الإلزام ممّن هو مطاع إمّا شرعاً أو عرفاً أو عقلا، وحیث إنّ لزوم الطاعة یلازم غالباً العلو والاستعلاء فتوهّم من ذلک اعتبارهما فی المعنى الموضوع له الأمر، فالمتبادر من الأمر إنّما هو الإلزام، وأمّا العلوّ والاستعلاء فهما من اللوازم الغالبیّة له.