ونکتفی فیه ببیان معنى الصحّة حتّى یعرف منها معنى الفساد أیضاً; فإنّ الأشیاء تعرف بأضدادها.
وقد ذکر للصحّة معان مختلفة:
أوّلها: إسقاط الإعادة والقضاء، وهذا منسوب إلى الفقهاء(1).
ثانیها: موافقة الأمر، وهو منسوب إلى المتکلّمین(2).
ولا یخفى عدم تمامیّة شیء منهما،لأنّ کلاًّ منهم أخذ بلوازم الصحة المطلوبة له.
ثالثها: التمامیّة کما ذکره المحقّق الخراسانی(3)، وهو أیضاً غیر تامّ; لأنّه مبهم لم یعیّن فیه حیثیّة التمامیّة وجهتها، فهل المراد التمامیّة من ناحیة الأجزاء أو من جهة الأجزاء والشرائط، أو من جهات اُخرى؟
رابعها: الجامعیة للأجزاء والشرائط، وهو المعروف بین من تأخّر عن المحقّق المذکور(4).
والأصحّ أن یقال: إنّ الصحیح هو ما یکون واجداً للأثر المترقّب منه، والفاسد هو ما یکون فاقداً له.
فالصحیح ما یترتّب على ترکیب أجزائه وإنسجامها الأثر المطلوب المترقّب منه، فالصلاة المرکّبة من الرکوع والسجود والتکبیر والتسلیم مع الطهارة واستقبال القبلة أمر وحدانی فی نظر الشارع المقدّس یراد منه تحقیق أثر خاصّ عند اجتماعها; سواء کان النهی عن الفحشاء والمنکر أو غیره، وهکذا الصیام وغیره، فإذا ترتّب علیها هذا الأثر کان صحیحاً، وإلاّ کان فاسداً.
هذا فی مقام الثبوت، وأمّا فی مقام الإثبات فقد لا نعلم بذلک ولا طریق لنا إلیه إلاّ من ناحیة الجامعیّة للأجزاء والشرائط.
ثمّ إنّه ینبغی أن یعلم، أنّ الصحّة والفساد أمران إضافیّان، فیختلف شیء واحد صحّة وفساداً بحسب الحالات المختلفة الطارئة علیه، فیکون تامّاً بحسب حالة وفاسداً بالنسبة إلى حالة اُخرى کالصلاة الرباعیة، فإنّها صحیحة بالنسبة إلى الحاضر وفاسدة للمسافر، إلى غیر ذلک من الأمثلة.