والبحث عنها یقع فی ضمن جهات:
الجهة الاُولى فی معنى مادّة الأمر
قد ذکر لکلمة الأمر معان کثیرة:
منها: الطلب کما یقال: «أمره بکذا» أی طلب منه کذا.
ومنها: الشأن کقولک: «هذا الأمر شغلنی».
ومنها: الفعل کقوله تعالى: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِید)(1)، أی وما فعل فرعون برشید.
ومنها: الفعل العجیب کقوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِیَهَا سَافِلَهَا)(2).
ومنها: الشیء، کقولک: «رأیت الیوم أمراً عجیباً».
ومنها: الحادثة کقولک: «هل حدث أمر؟».
وقد اُضیف إلیها معان اُخرى، ولکن المهمّ البحث فی أنّها هل ترجع إلى أصل واحد(3)، أو أکثر(4) أم لا؟ أی هل تکون مادّة الأمر من قبیل المشترک اللّفظی أو المعنوی؟
وفی مثل هذه الموارد لابدّ من الرجوع إلى اللّغة والتبادر:
وقد ذکر اللغویون لمادّة الأمر أصلین:
الأوّل: الشیء، کما اُشیر إلیه فی بعض الکلمات(5)، فإنّه یقال: «هذا أمر لا یعبأ به» أی هذا شیء لا یعبأ به.
والثانی: أنّه ضدّ النهی، کما قال به فی لسان العرب(6)، وأمّا الطلب فهو أعمّ من الأمر لشموله الطلب النفسانی أیضاً، کقولک «اُطلب ضالّتی» مع أنّه لا یمکن وضع الأمر موضعه فلا یقال: «آمر ضالّتی».
فالأمر مشترک لفظی بین المعنیین من دون أن یکون قدر جامع بینهما حتّى یصیر مشترکاً معنویاً، والدلیل على عدم الجامع بینهما قول أرباب اللّغة وقد صرّح غیر واحد منهم من أنّ الأوّل یجمع على فواعل «أوامر» ویکون مصدراً ومبدءً للاشتقاق والثانی یجمع على فعول «اُمور» ولا یشتقّ منه شیء(7).
والتبادر أیضاً مساعد لما مرّ عن أهل اللغة، فإنّ المتبادر من قولک «جئت لهذا الأمر» أو «رأیت الیوم أمراً عجیباً» إنّما هو الشیء ولا یمکن تأویلها إلى الطلب لوجود التباین بینهما.
ومن هنا یظهر وقوع الخلط بین المفهوم والمصداق بالنسبة إلى سائر المعانی وأنّها ترجع فی الواقع إلى هذین المعنیین کالمعنى الثالث وهو الفعل، فإنّ الأمر فی قوله تعالى: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِید) لیس بمعنى الفعل، بل إنّه عبارة عن أوامر فرعون وأحکامه فینطبق على المعنى الأوّل، وهکذا المعنى الرابع، فإنّ الأمر فی قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا) أیضاً بمعنى الأمر التکوینی لله تعالى بالعذاب نظیر قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ الله)(8)، أی أتى أمره التکوینی بالعذاب.
إذا عرفت هذا فلنذکر حول مادّة الأمر بالمعنى الأوّل أمرین: