لا ریب فی أنّ حجّیة الظنّ لیست ذاتیّة، لنقصان کشفه واحتمال عدم إصابته الواقع، وإنّما وقع النزاع فی إمکان جعل الحجّیة له وجبران نقص کاشفیته لعدّة محاذیر عقلیّة، یأتی الکلام عنها مع دفعها فی کیفیة الجمع بین الحکم الظاهری والواقعی.
ولکن الکلام هنا فی أنّه بعد إثبات إمکان جعل الحجّیة له، إذا شکّ فی ثبوت حجّیة بعض الظنون کالشهرة الفتوائیّة أو الإجماع المنقول بخبر الواحد مثلاً، ففی هذه الصورة هل الأصل حجّیتها إلاّ ما خرج بالدلیل أو العکس؟
لا خلاف فی أنّ الأصل هو الثانی، وذلک لأنّ أصالة حجّیة الظنّ معناها جواز الاستناد إلى الظنّ والالتزام بکون مؤدّاه حکم الله، مع أنّ هذا الاستناد عند الشکّ فیه باطل بضرورة العقل وبداهة الوجدان الحاکم على عدم ترتّب آثار الحجّیة على أمارة لم تثبت حجّیتها وتقبیح العقلاء من یتکلّف من قبل مولاه بما لا یعلم بوروده منه; وإن ظنّ به.
ویدلّ علیه أیضاً من کتاب الله مثل قوله تعالى: (قُلْ أرَأیْتُم مَا أنْزَلَ اللّهُ لَکُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامَاً وَحَلالاً قُلْ أَالله أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ)(1) الدالّ على أنّ ما لیس بإذن من الله فی إسناد الحکم إلى الشارع فهو افتراء.
ومن السنّة ما استفاض من قولهم(علیهم السلام): «إیّاک وخصلتین ففیهما هلک من هلک: إیّاک أن تفتی الناس برأیک أو تدین بما لا تعلم»(2).