إن لم یؤمنوا بالقرآن فبأیّ حدیث یؤمنون؟!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 14
سورة المرسلات / الآیة 41 ـ 50 بحث

من المعلوم فی منهج القرآن أنّه یمزج الإنذار بالبشارة، والتهدید بالترغیب، وکذلک یذکر مصیر المؤمنین فی مقابل مصیر المجرمین لفهم المسائل بصورة أکثر بقرینة المقابلة، وعلى أساس هذه السنّة المتّبعة فی القرآن، فإنّ هذه الآیات وبعد بیان العقوبات المختلفة للمجرمین فی القیامة، أشارت بصورة مختصرة وبلیغة إلى وضع المتقین فی ذلک الیوم فیقول تعالى: (إنّ المتقین فی ظلال وعیون).

والحال أنّ المجرمین کما علم من الآیات السابقة هم فی ظل الشرر وحرقة الدخان الممیت.

(ظلال): جمع «ظل» سواء کان ظلاً کظل الأشجار فی النهار، أو الظل الحاصل من ظلام اللیل، والحال أنّ «الفیء» یقال فقط للظل الحاصل من النور، کظل الأشجار المقابل للشمس.

ثمّ یضیف: (وفواکه ممّا یشتهون).

من الواضح أنّ ذکر «الفواکه» و«الظلال» و«العیون» إشارة إلى جانب من المواهب الإلهیّة العظیمة المعطاة إلى أهل الجنان.. جانب یمکن بیانه ورسمه بلسان أهل الدنیا، وأمّا ما لا یمکن

حصره بالبیان، ولم یخطر ببال أهل الدنیا فهو أعلى من هذه المراتب وأفضل.

والظریف أنّهم فی هذا المضیف الإلهی یستضافون بأحسن الوجوه، کما هو الحال فی الآیة التالیة إذ یقول لهم: (کلوا واشربوا هنیئاً بما کنتم تعملون) هذه الجملة سواء کانت خطاباً من الله بشکل مباشر، أو بوسیلة الملائکة تقال لهم مشفوعة باللطف والمحبّة التی هی غذاء لروحهم.

وعبارة (بما کنتم تعملون) إشارة إلى أنّ هذه المواهب لا تعطى لأیّ کان من دون عمل، ولا یمکن حصولها بالإِدعاء والتخیل والتصور، وإنّما یمکن نیلها والحصول علیها بالأعمال الصالحة فقط.

(هنیء): على وزن (صبیح) ویقول الراغب فی مفرداته: هو کل شیء لیست فیه مشقة ولا یستتبعه قلق، ولذا یقال للماء والغذاء السائغ (هنیء)، ویطلق أحیاناً على الحیاة السعیدة.

وهذا إشارة إلى أنّ فواکه الجنّة وأغذیتها وأشربتها لیست کأغذیة الدنیا وأشربتها التی تترک أحیاناً آثاراً سیئة فی البدن، أو تترک أعراضاً غیر مُرْضیة.

وهناک اختلاف بین المفسّرین فی أنّ هذه الآیة تبیان لإباحة الاستفادة من هذه النعم، أم أنّه أمرٌ من الله تعالى؟ ولکن یجب أن یلاحظ أنّ مثل هذه الأوامر التی تقال عند الاستقبال هو نوع من الطلب للشخص المضیّف، وأنّها تقال لتعظیم الضیوف واحترامهم، والمضیّف یحب أن یُؤکل طعامه أکثر لإکرام ضیفه أکثر.

ثمّ تؤکد الآیة الاُخرى على مسألة النعم وأنّها لا تمنح اعتباطاً فیضیف: (إنا کذلک نجزی المحسنین).

الظریف أنّ فی الآیة الاُولى تأکید على «التقوى»، وفی الآیة التی تلیها تأکید على «العمل»، وأمّا فی هذه الآیة فقد أکّد على «الإحسان».

(التقوى): هی اتّقاء واجتناب الذنوب والفساد والشرک والکفر، و«الإحسان» هو أداء کل عمل حسن، و«العمل» یتعلق بالأعمال الصالحة، لیتضح أنّ منهج النعم الإلهیة مرتبط بهذه الجماعة فقط، ولیس بمن یدعی الإیمان الکاذب، والملوثین بأنواع الفساد، وإن کانوا فی الظاهر من أهل الإیمان.

وفی نهایة هذا المقطع یعید تلک الآیة: (ویل یومئذ للمکذبین) الویل لمن یُحْرَم من کل

هذه النعم والألطاف، إذ إنّ عذاب حسرات هذا الحرمان لیس بأقل من نیران الجحیم المحرقة!

وبما أنّ إحدى عوامل إنکار المعاد الإهتمام بلذّات الدنیا الزائلة والمیل إلى الحریة المطلقة للإنتفاع بهذه اللذّات، یتوجه بالحدیث فی الآیة التالیة إلى المجرمین بلحن تهدیدی فیقول: کلوا وتمتعوا بالملذات الدنیویة فی هذه الأیّام القلائل، ولکن اعلموا أن العذاب الإلهی ینتظرکم، لأنّکم مجرمون: (کلوا وتمتعوا قلیلاً إنّکم مجرمون).

وقد یکون التعبیر بـ (قلیل) إشارة إلى مدّة عمر الإنسان القصیرة فی الدنیا، وکذا المواهب الدنیویة التافهة مقابل النعم الاُخرویة اللامتناهیة، إلاّ أنّ بعض المفسّرین یرى أنّ هذا الخطاب هو للمجرمین فی الآخرة، ولکن الإلتفات إلى أنّ الآخرة لیس فیها متع من مواهب الحیاة للمجرمین لیتمتعوا بها، فینبغی القول بأنّ هذا الخطاب موجّه لهم فی الدنیا.

فی الحقیقة أنّ المتقین یستضافون فی الآخرة بکامل الإحترام والتقدیر، ویخاطبون بهذه الجملة الملیئة باللطف والحنان: (کلوا واشربوا هنیئ) وأمّا عبید الدنیا فإنّهم یخاطبون بجملة تهدیدیة فی هذه الدنیا: (کلوا وتمتعوا قلیل).

یقول للمتقین: (بما کنتم تعملون) ویقول لهؤلاء أیضاً: (إنّکم مجرمون)(1).

وعلى کل حال فإنّها تشیر إلى أنّ مصدر العذاب الإلهی هو عمل الإنسان وذنبه، الناشیء من عدم الإیمان أو الأسر فی قبضة الشهوات.

ثمّ یکرر التهدید بجملة: (ویل یومئذ للمکذّبین) هم اُولئک الذین غُرّروا وخدعوا بزخارف الدنیا ولذاتها وشهواتها واشتروا عذاب الله.

وأشار فی الآیة الاُخرى إلى عامل آخر من عوامل الانحراف والتعاسة والتلوث، وقال: (وإذا قیل لهم ارکعوا لا یرکعون).

قال کثیر من المفسّرین: إنّ هذه الآیة نزلت فی «ثقیف» حین أمرهم النّبی(صلى الله علیه وآله) بالصلاة فقالوا: لا ننحنی فإنّ ذلک سبّة علینا، فقال(صلى الله علیه وآله): «لا خیر فی دین لیس فیه رکوع وسجود»(2).

إنّهم لم یأبوا الرکوع والسجود فحسب، بل إنّ روح الغرور والکِبَر هذه کانت منعکسة على جمیع أفکارهم وحیاتهم، فما کانوا یسلّمون لله، ولا لأوامر النّبی(صلى الله علیه وآله)، ولا یقرّون بحقوق الناس، ولا یتواضعون لله تعالى وللناس.

فی الحقیقة أنّ هذین العاملین (الغرور وحب الشهوة) من أهم عوامل الإجرام والذنب والکفر والظلم والطغیان.

واحتمل البعض أنّ خطاب (ارکعو) یقال لهم فی القیامة، ولکن هذا الاحتمال بعید، خصوصاً بعد التمعن فی الآیات السابقة والآتیة.

ثمّ یعید هذه الآیة للمرّة العاشرة والأخیرة إذ یقول: (ویل یومئذ للمکذبین).

وفی آخر آیة من آیات البحث ـ وهی آخر آیة من السورة ـ یأتی السیاق ممزوجاً بالعتاب وملیئاً بالملائمة، فجاءت الآیة بصیغة الاستفهام التعجبی، إذ یقول (فبأی حدیث بعده یؤمنون) إنّ من لم یؤمن بالقرآن الذی لو اُنزل على الجبال لتصدعت وارتجفت، فسوف لن یسلم ولن یؤمن بأی کتاب سماوی، ولا یقبل بأی منطق عقلائی، وهذا یدّل على روح العناد والتعصب.


1. لهذه الآیة حذف وتقدیره على قول مجمع البیان، ج 10، ص 419: (کلوا وتمتعوا قلیلاً فإن الموت کائن لا محالة) ولکن یبدو أنّ التقدیر الأنسب هو (کلوا وتمتعوا قلیلاً وانتظروا العذاب فإنّکم مجرمون).
2. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 419 ونقل هذا المعنى أیضاً الآلوسی فی روح المعانی والقرطبی فی تفسیره والزمخشری فی الکشّاف وروح البیان ذیل الآیة التی هی مورد البحث.
سورة المرسلات / الآیة 41 ـ 50 بحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma